من يكافح هذا الفساد ؟؟؟ … بقلم: د. تيسير محي الدين عثمان
في بعض الدول ينتشر فساد الوزراء وفساد المسئولين وفساد الإداريين والتنفيذيين في المؤسسات المختلفة ومرافق الحكومة ويتم إستغلالهم للسلطة والوظيفة والمنصب بشكل بشع وجشع ويحولون هذه الوظائف والأعباء العامة لمنافع ومصالح تخصهم هم وأفراد أسرهم أو عشائرهم وقبائلهم ويتناسى هؤلاء البشر أن إدارة شئون الدولة والوطن أمانة تقتضي النزاهة والتضحية وخدمة المواطن وتراب الوطن و لا يتنبهون إلى أن من معايير الوطنية هي التعامل مع الوطن والمواطن بتجرد بل وأن يكون لديهم الإستعداد للتضحية والموت في سبيل القضايا الوطنية وفي سبيل ترقية الوطن وفي سبيل المبادئ والحفاظ عليها وإعلاء شأنها معناً ومضموناً.
الشعوب والتي حظيت بتجارب ديمقراطية راقية ومتطورة ,إستفادت من تجاربها وتاريخها وخاصة الجانب السياسي منه وعملت على خلق مؤسسات راسخة تدير شأن البلد وأصبحت الممارسة الديمقراطية وبكل أشكالها ومراحلها هي الحكم والفيصل في إدارة الشأن العام وبل أحياناً الشأن الخاص .
وكذلك أصبحت الديمقراطية هي الوسيلة والمعيار في تقديم وإختيار الأفراد بداية من رئيس وقائد الدولة وإنتهاءً بالهيئات والمؤسسات الصغيرة وحتى إدارات النشاط الإجتماعي والخدمي أو الشعبي والجماهيري, فهذه الشعوب تشهد بلدانها حالات نادرة من مستويات الفساد الإداري والمالي في مؤسساتها وهي لا تتواني في ردع أي مسئول ثبت تورطه في أمر فساد مستغلاً لوضعه أو وظيفته ولا يسقط مبدأ المحاسبة عندها بالتقادم أو إنتهاء فترة التكليف الوظيفي أو التقاعد وحتى لو كان الشخص رئيساً أو حاكماً للبلد ونماذج لذلك ما تم لرئيسين سابقين لدولتي فرنسا و إسرائيل وفي مواضيع غاية في البساطة والتفاهة مقارنة بأمور تحدث في دولنا الإسلامية‼! .
الثورات التي يشهدها العالم العربي هي ثورات بدأت تزلزل في كيان بعض الأنظمة المستبدة والطويلة الآجآل والتي تميزت بطول فترة الحكم وإستمرار الحكام على سدة النظام ولسنين طويلة ومعظمها قد قدم للحكم من خلال مسمى ثورة أوعن طريق القوة أو الإنقلاب العسكري ومن ثم عملت بعد ذلك هذه الأنظمة على إيجاد شرعية لها من خلال ركوبها موجة حزب أو جماعة ومن ثم تدعو لإنتخابات ديكورية وتوظف فيها مقدرات وإمكانيات وأموال الدولة لكي تنجح في الفوز بإنتخابات في أعمها مزورة ومضروبة ومن ثم تقنن لنفسها شرعية تعترف بها هي فقط وتجعل منها سلاحاً تبرزه في وجه من يعارضها أو يقف في وجهها أو يطالب بحريات أو أوضاع ديمقراطية أو مساحة للحريات والتعبير الحر عن الأراء أو المواقف السياسية , وإن إستدعى الأمر تستخدم القوة ومنها المفرطة وفي بعض الأحيان القتل والتدمير والموت هذا غير السجن والإعتقال والتعذيب لمن بقى على قيد الحياة ‼‼!
هذه الثورات في أغلبها هي ثورة على الفساد في مجمله,فساد الحاكم في إدارة الدولة وفساد المسئولين والمحسوبية وفساد الحزب الحاكم أو المجموعة الحاكمة وتبديد مال الدولة والثروات أو توظيفها لمصلحة أفراد أو التكسب من أموال الدولة بغير وجه حق أو توجيه هذه الأموال إلى غير محلها ومكانها و أهدافها مما ينتج عنه معاناة وتردي الأحوال المعيشية لغالبية الشعب والتقصير والشح في الخدمات و الأساسيات والتي يجب أن يحظى بها المواطن والذي يظل يكدح ويعاني الفقر والقهر والظلم من جراء سوء الإدارة ونهب المال العام .
في السودان تسود مقولة تفيد بأنك إذا كنت في موقع وظيفي عام وكنت ممن يحارب ويكافح الفساد فسوف لن تستمر طويلاً في ذلك الموقع الوظيفي أو رأس الهرم الإداري لتلك المؤسسة أو الوزارة أو المكتب أوغيره وبالتالي أنت شخص غير مرغوب فيك لأنك تمثل حالة مزعجة لا يحبها اللصوص وأهل الباطل والذين هم في هذا الزمان كثر, ونماذج كثيرة للعفيفين وأصحاب الأيادي الطاهرة والثوريين ومن هم قلبهم على البلد والذين تم إقصاؤهم وإبعادهم ونقلهم وبعضهم أحيل فيما يعرف بالصالح العام وذلك لجريمة أمانتهم وصدقهم وحرصهم على المال العام وعلى الحفاظ على الحقوق ومبادئ العدالة وكذلك مجاهرتهم وكشفهم لما هو باطل وبالتالي هم يدفعون ثمن كلمة الحق ومواقف الأمانة والنزاهة والعمل بتفاني وإخلاص ؟؟؟
وبالنقيض تعم مقولة أخرى تفيد بأنك إذا كنت من زمرة المنافقين والمطبلاتية والمصفقين ومشجعي اللعبة الحلوة وآكلة الأموال العامة وممارسي المحسوبية والفساد الإداري, فسوف لن يصيبك ضرر وسوف تبقى في منصبك وموقعك وتفعل فيه ما تشاء وتدير ذلك المرفق وكأنه ورثة عائلية ولك فيه أن تقدر كيف تديره وتعيّن من تشاء أو إن لم تحب البقاء في ذلك المكان وتلك الوظيفة فسوف تترقى و سوف يتم نقلك لموقع آخر أكثر مالاً وإمكانيةً لزيادة فسادك وعبثك بالمقدرات العامة وحتى تزداد ثراءً ووجاهةً وتمتلك من العقار والشركات وكل ما يدر المال والثروة لك ولأسرتك ؟؟؟؟؟
ومن الغريب والملاحظ في السودان نهج المداورة الوزارية والإحتكار الوزاري وتبادل الكراسي أو المداورة الإدارية والتنفيذية والقيادية وهذه قد تكون من مداخل الفساد و من المؤشرات و العلامات الغير حميدة في منهجية إدارة الدولة وتتناقض مع مبدأ الشفافية والتداول المشروع للسلطة وتولي الكفاءات للمناصب الإدارية والتنفيذية.
والمداورة تعني إستمرارية وجوه معينة في إدارة الوزارات أو الشأن العام وبحيث يتم تنقلهم من وزارة إلي أخري ومن مرفق إلى آخر وتظل هي وجوه معروفة ومتكررة وتحظي بالمناصب ولفترة طويلة وبل إذا تم إبعادهم أو إعفاؤهم فإنهم ينقلون للعمل الدبلوماسي كسفراء أو يتم تعيينهم كولاء للأقاليم المختلفة والولايات وبالتالي تظل المداورة والإحتكار السلطوي لأشخاص بعينهم ويظل المواطن يعرف وجوه محددة ويتيقن بأن حواء السودان قد أصابها العقم والعجز وفشلت في إنجاب الرجال والكفاءات‼‼
حدثني أحد المقربين من وزير على المستوى الإتحادي مستنكراً حديثه عن محاربة الفساد في المرحلة المقبلة ,وكان حديث هذا الوزير عندما قدم لمسقط رأسه بأحد الولايات والتي كان في يوماً يتولى بعض الوزارات في هذه الولاية ويقول هذا الشخص عجبت لحديث هذا الرجل الوزير والذي إستطاع أن يترقى في الخرطوم وبسرعة الصاروخ وينال شرف أول وزير لوزارة مستحدثة وهو الذي يمتلك عدد من العقارات بولايته الأصلية وكذلك يمتلك آل بيته وفي أحياء سكنية ومواقع بعينها في بعض مدن تلك الولاية مسقط رأسه وتم له ذلك بعد أن أصبح وزيراً ولائياً وهو شخص يقول عن تاريخه أنه من أسرة كادحة وبسيطة وكذلك كان موظفاً بسيطاً في أحد المرافق الصناعية ومن خلال تخصصه, وكذلك يحدثني عن أنه أصبح يمتلك بعض من الشقق السكنية بالعاصمة وكذلك يقول عنه أنه حديثاً أمتلك وأشتري منزلاً فخماً وكبيراً بأحد ضواحي الخرطوم المليارية والعريقة وذات الموقع المميز ويقول لي هذا الشخص مستغرباً كيف حصل هذا الرجل علي كل هذه الأموال والعقارات ومتى وفي خلال هذه الفترة الوجيزة‼! وعلماً بأن هذا الوزير عندما أعفي من منصبه الولائي قبل سنوات كان غاضباَ على الحكومة وحزبها وصرح بأنه طلق العمل الوزاري والسياسي للأبد وبأنه سيركز علي الوظيفة الأكاديمية‼ وفجأة صعد من مجلس برلماني إلى وزارة ومن ثم إلى وزارة أخرى جديدة ؟…. قلت مخففاً على الرجل قد يكون هذا الوزير صاحب ثروة لا يعرفها أنت ولا أنا ولا الاقرباء وأهل منطقته.. فضحك وقال جائز ولكن يجب أن لا يكون هو من يكافح الفساد ويتحدث عن مكافحة الفاسدين ومحاكمتهم‼! فقلت له من يا ترى سيكافح الفساد في بلادي إن وجد ومن سيدفع ثمن الفساد أو الصدوح بقول الحق في شأن الفساد والمفسدين .. هذا نموذج وقد يكون فيه خطأ في التقدير والمعلومة ولكن الكثير يتحدث عن فساد هنا وهناك وخاصة من يعرفون المسئولين وتاريخهم وأوضاعهم المالية وميراثهم وعن مآلاتهم الراهنة في دنيا المال والعقار والثروات ؟؟
والسؤال يبرز هل ما يرشح ومن قبل كبار المسئولين في الدولة من حديث وإجراءات ستطال المفسدين وتحارب الفاسدين وعن تكوين هيئات وإدارات لمحاربة الفساد سيعبر عنه بخطوات جادة وتتم فيه المراجعة الشاملة لأملاك وأرصدة المسئولين وعلى جميع المستويات ومراجعة ومتابعة أي فساد في مرافق ومؤسسات بعينها وكذلك أشخاص إستغلوا الوظيفة أو السلطة أو الإنتماء الحزبي السلطوي؟؟؟ أم هو حديث ونزعة وقتية ولحظية نتاج ما يدور حولنا من وجود فساد في البلدان المجاورة, أظهرته تلك الثورات والتي قامت ضد أنظمتها الحاكمة ومعها تكشف زيف وفساد تلك الأنظمة وبالتالي أصبح كل الحكام يخافون تلك الثورات ويستبقونها بحزمة من الإجراءات والتصريحات ومنها عدم الرغبة في الإستمرارية في الحكم وعزمهم على التنحي ومنها أيضاً رغبتهم في محاربة ومكافحة الفساد والمفسدين…
أتمنى أن تكون هناك خطوات جادة من القيادة السودانية لمكافحة ومحاربة هذا الفساد والذي يدور عنه الحديث كثيراً همساً وجهراً وكذلك معالجة الإخفاقات الإدارية وملامح فشل وفساد الدولة والحكم وعليها أن تغلب مصلحة الدولة على الأفراد والحزب وعليها أن تشد من أزر كل رجل مخلص و وطني غيور يحارب المفسدين والفساد ويعمل على إرساء قيم الحق والأمانة وهم في شعب بلادي كثر وموجودين وعلى مستوى الخدمة المدنية والعسكرية ومنهم من يقع تحت طائلة المبعدين والمهمشين والغير مرغوب فيهم نتيجة حسن سلوكهم وإخلاصهم للوطن و حربهم وعدائهم للمفسدين والفساد وتفانيهم في خدمة الدولة دون النزوع للمصلحة الخاصة وذواتهم‼! أو علينا كالآخرين أن ننتظر ثورة تكشف لنا فساد الفاسدين والعابثين بأموال الشعب والدولة ؟؟؟
tayseer marawe [tmarawe@gmail.com]
\\\\\\\\\\\\\\\\\