المملكة العربية السعودية ومطلوبات التحرك لمساندة قضايا مسلمي إفريقيا. بقلم: عاصم فتح الرحمن الحاج
بسم الله الرحمن الرحيم
المملكة العربية السعودية تمثل أحد أهم الدول الإسلامية ذات المكانة الرمزية والمعنوية لكل مسلمى العالم نتيجة لوجود الأراضى المقدسة التى يأتى إليها كل المسلمين من جميع فجاج الأرض لتأدية الشعائر الإسلامية من حج وعمرة وزيارة وبالتالى أيضاً تتحق نتيجة لحضور هذا الكم الهائل من مسلمى العالم للمملكة العربية السعودية فوائد إقتصادية كبيرة جعلت المملكة العربية السعودية من إحدى القوى الإقتصادية الكبيرة فى عالمنا المعاصر هذا بالطبع بالإضافة للبترول الذى تعتبر الممملكة العربية السعودية من أحد الدول التى تمتلك إحتياطات ضخمة من خامه والذى أيضاً يشكل دعامة هامة من دعامات الإقتصاد السعودى.
نتيجة للمكانة الرمزية والمعنوية للمملكة العربية السعودية أصبحت أنظار كل مسلمى العالم تتجه نحوها وبالتالى أصبحت المملكة العربية السعودية تشكل إحدى الدول الإسلامية المركزية التى يمكن أن يكون لها دور كبيراً فى قيادة الأمة الإسلامية وجميع المسلمين فى كل أنحاء العالم الشىء الذى يجعل من المملكة العربية السعودية مؤهلة لأن تلعب دوراً تاريخيا فى قيادة مسلمى العالم إقتصاديا وسياسياً وإجتماعياً وعقدياً بشكل يساعد على إستمرار قوة دفع رمزيتها المعنوية لدى كل مسلمى العالم وبالتالى المحافظة على وضعها كأحد القوى الإسلامية ذات النفوذ السياسى والإقتصادى العالمى.
وأفريقيا كما يقول الباحث والخبير الإستراتيجى البروفيسر حسن مكى مدير جامعة إفريقيا العالمية يشكل السكان العرب أكثر من 60 % من سكانها وتشكل أيضاً الأراضى العربية أكثر من 60 % من مساحتها كما أن نسبة مسلمى القارة الإفريقية لا تقل عن 60% من نسبة سكان القارة الإفريقية,إذن القارة الإفريقية هى أحد أهم القارات التى يوجد بها تواجد إسلامى كما إن مسلمى إفريقيا هم أحد جسور التواصل بين العالم العربى والإفريقى منذ دخول الإسلام للقارة الإفريقية عبر هجرة صحابة الرسول الكريم سيدنا محمد خاتم الأنبياء والرسل إلى مملكة أكسم الحبشية وحماية ملكها النجاشى لصحابة النبى مروراً بإنتشار الإسلام فى شرق وشمال وغرب إفريقيا ومنه إلى السودان الذى لا يزال يشكل جسراً للتواصل بين العروبة والإسلام والعمق الإفريقي.
لقد أصبحت معظم المجتمعات المسلمة فى إفريقيا فى عصرنا الراهن تعانى من الجوع والفقر وسوء الأوضاع المعيشية نتيجة لإنتشار الحروب التى تستهدف خلخة البناء الإجتماعى لهذه المجنماعات المسلمة بينما أصبحت بعض الدول الإسلامية الإفريقية تعانى من الإستهداف بحكم أن الأنظمة التى تحكمها ذات مرجعية إسلامية,ولقد أصبحت المجتمعات المسلمة والدول الإسلامية فى أفريقيا بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 م عرضة للضغوط من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية ومن خلفهما الصهيونية السياسية التى تحرك إدارات تلك البلدان لعظمة نفوذها الإقتصادى لمخطط مرسوم ومدروس يهدف لمحاصرة المجتمعات والدول المسلمة الإفريقية وتفتيها عبر صبغ الإرهاب بالمسلمين ضمن برنامج ما يسمى بالحرب على الإرهاب,وفى إطار هذا البرنامج أصبح العديد من المسلمين الأفارقة يعانون من سوء الأحوال المعيشية والفقر كما أصبحت الأغلبيات المسلمة الإفريقية تحكم بواسطة أقليات مسيحية عبر مساندة الغرب لهذا التوجه,بينما أصبحت دول إسلامية إفريقية كالسودان هدف إستراتيجى للولايات المتحدة الأمريكية والدولة العبرية من أجل تفتيت وحدته,وبالرغم من فصل جنوب السودان لا زالت الولايات المتحدة الأمريكية والدولة العبرية عبر دولة جنوب السودان تقوم بحرب غير مباشرة ضد السودان البوابة التى تمثل جسر التواصل بين العروبة والإسلام والعمق الإفريقى,ولا يخفى الدور الفعال للمنظمات اليهودية الأمريكية فى قضية دارفور عبر تصوير الصراع الذى أساسه إشكال بين الرعاة والمزارعين من قديم الزمان على أنه صراع بين عرب وزرقة وصبغ العروبة والمسلمين بالرق والإعتداء بقصد خلق فجوة فى العلاقات الإفريقية العربية,والذى يتابع التدخلات الأمريكية فى إفريقيا يجد أنها تتيح للدولة العبرية لعب أدوار تساهم فى خلق نهج لمحاصرة الدول العربية والإسلام فى إطار الصراع العربى الإسرائيلى حيث أن إفريقيا تمثل أحد أهم مناطق الصراع بين الدولة العبرية والدول العربية والإسلامية لما فيها من مجتمعات مسلمة وعمق إستراتيجى للدول العربية والإسلامية ولذلك تسعى إسرائيل لتطويق هذا النفوذ عبر سياسة شد الأطراف وبترها لإضعاف العالم العربى والإسلامى الذى يتعارض معها عقديا,وبالتالى ما نشاهده من حروب تمزق أطراف العالم الإسلامى والمجتمعات المسلمة فى أفغانستان وباكستان والعراق والسودان والصومال هى محاولات منظمة ومدروسة من أجل زعزعة إستقرار البناء الإجتماعى للدول المسلمة والمجتماعات الإسلامية وإعادة تركيب ما تبقى منها بصورة تخدم مصالح الدولة العبرية التى تقود العالم الآن عبر تحكمها فى الإدارة الأمريكية.
لقد ساءت أوضاع المسلمين فى أفريقيا وما نشاهده من إنتشار للجوع والفقر والحروب بين الشعب الصومالى المسلم وبقية الشعوب المسلمة فى العديد من البلدان الإفريقية يعبر بعمق عن المعاناة التى يتعرض لها مسلمى إفريقيا نتيجة للسياسات الأمريكية والإسرائيلية التى تستهدف إيصالهم لهذه المرحلة من أجل أن يتم تغيير هذه المجتمعات المسلمة على نهج يخدم ويلبى مصالحها,وبينما إنحسر الدور السعودى والدور العربى والإسلامى إتجاه مسلمى إفريقيا,نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية وكل المنظمات الطوعية والتبشيرية أصبحت تعمل بجهد واسع ونفس واحد عبر حملة منظمة لدعم مسيحيى القارة الإفريقية بكل الإحتياجات اللوجستية والمالية والتبشير الكنسى فى مناطق المجتمعات المسلمة التى تعرضت نتيجة للحروب المفتعلة فى مناطقها للفقر والجوع,وبينما يتم الدعم للمجتمعات المسيحية الإفريقية عبر المنظمات الكنسية التبشرية بصورة واضحة,نجد أن أى محاولة دعم للمجتمعات الأفريقية المسلمة تفسر من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على أنها محاولات لدعم الإرهاب وذلك فى ظل إستراتيجية واضحة تستهدف منع وصول الدعم للمجتمعات الإفريقية المسلمة حتى يتثنى لها تنفيذ مخطط تفتيت البناء الإجتماعى للمجتماعات المسلمة الإفريقية التى يتعارض وجودها مع أهداف الصهيونية السياسية.
مسلمى القارة الإفريقية اليوم بمختلف مجتمعاتهم ينظرون اليوم إلى دور المملكة العربية السعودية القوة الإسلامية السياسية والإقتصادية والرمز المعنوى الكبير لكل مسلمى العالم فى أن تساهم بقدر كبير فى حل قضاياهم السياسية والإقتصادية والإجتماعية حتى يتثنى لهم تحسين سبل معيشتهم والنهوض بمجتمعاتهم من التخلف والفقر والجوع والمشاركة الفعالة فى عمليات البناء الإجتماعى والإقتصادى والسياسى فى قارتهم,وربما يشكل عدم التحرك السعودى أو بطء حركته إتجاه قضايا مسلمى القارة الإفريقية الملحة نوع من الإحباط وسط مسلمى أفريقيا ربما يعمل فى المستقبل فى ضعف مكانة المملكة العربية السعودية المعنوية والرمزية لديهم وهم يرون الكم الهائل من المساعدات الإنسانية والمادية التى تقدمها المنظمات الكنسية لمسيحيى القارة الإفريقية,وعليه يجب على المملكة العربية السعودية كقوة إسلامية سياسية وإقتصادية عالمية أن تهتم بضخ إسثمارات مالية تعمل فى إتجاه تحسين أوضاع مسلمى القارة وبالتالى فى نهضة القارة نفسها بما فيها من مسلمين ومسيحيين,وكما تقوم الولايات المتحدة الأمريكية والجيش الجرار الذى يقف خلفها من المنظمات الكنسية بتقديم المساعدات لمسيحيى القارة الإفريقية لا يعتقد أن تكون هنالك إشكالية لدى المملكة العربية السعودية فى السير فى نفس هذا الإتجاه الإنسانى لدعم مسلمى القارة الإفريقية وهذا أمر طبيعى لدولة إسلامية قائدة لها دلالة رمزية ومعنوية لدى كل مسلمين العالم,ويجب أن لا تلتفت المملكة العربية السعودية إلى الإجراءآت الأمريكية التى تعمل على الحد من تحرك الأموال بموجب ما يسمى بالإجراءات الخاصة بمكافحة الإرهاب والتى تحاول الولايات المتحدة الأمريكية دوماً صبغتها بأنها تساعد فى نمو الإرهاب وأنها يمكن أن تصل إلى أيادى متشددة,حيث يمكن أن تقوم المملكة العربية السعودية بواجباتها كاملة إتجاه تحسين أوضاع مسلمى القارة الإفريقية عبر وكالات حكومية سعودية تعمل وفقاً للقواعد والإجراءآت التى تحكم وكالات التنمية والعون الإنسانى تحت إشراف خادم الحرمين الشريفين نفسه,ولأن المملكة العربية السعودية تلعب دوراً قيادياً محورياً له رمزيته الدينية لدى الشعوب المسلمة,نجد أن المملكة العربية السعودية يمكنها أن تلعب دوراً فعال فى إستقطاب الأموال اللازمة لتوجيها للنشاطات التى تعمل على الحد من إنتشار المجاعات ونقص الغذاء والفقر لدى المجتمعات المسلمة الإفريقية مع التركيز على التنمية الإجتماعية والتكافل الإجتماعى لحل إشكاليات المجتمعات الإفريقية المسلمة.
الوضع الدولى الراهن وبالتحديد فى القارة الإفريقية شهد إستراتجيات أمريكية وإسرائيلية تمارس حرباً غير مباشرة على المجتماعات الإفريقية المسلمة,والمتابع للأحداث يجد أن المجتمعات المسلمة فى الصومال والسودان ومنطقة الساحل والصحراء الإفريقية بالإضافة للعديد من المجتمعات المسلمة فى منطقة البحيرات ووسط وغرب إفريقيا أصبحت تمارس عليها ضغوط هائلة تحت ما يسمى بحملة مكافحة الإرهاب,ونتيجة لهذه الحملة المنظمة أصبحت المجتمعات المسلمة الإفريقية تتعرض لهزة كبيرة فى بنائها الإجتماعى الذى من شأنه أن يمزق هذه المجتمعات ويفتتها,وبالتالى محاولة إعادة صياغة هذه المجتمعات من الناحية الدينية والإجتماعية والسياسية بطريقة تخدم مصالح الولايات المتحدة الأمريكية والدولة العبرية,ولقد أصبح واضحاً أخيراً أن الدولة العبرية أصبحت تلعب دوراً فعالاً فى حصار وتفتيت المجتمعات المسلمة فى القارة الإفريقية والتى بالطبع تشكل تهديداً للكيان الصهيونى بحكم التعارض بين المسلمين واليهود حيث أن المسلمين يرشحهم قرآنهم لقيادة التاريخ بينما تتحدث الأساطير الصهيونية أنهم هم شعب الله المختار وأنهم هم الوحيدون الذين سوف يقودن التاريخ ويحكمون العالم,ولذلك هم يخوضون حرب ضروس إتجاه كل ما هو مسلم من خلف الكواليس عبر إستخدامهم للمجتمعات المسيحية لخدمة أهدافهم بالرغم من عدم وجود تعارض بين المسيحية والإسلام,عليه المملكة العربية السعودية تقع على عاتقها مسؤلية كبيرة يمليها عليها الجانب العقدى فى أن تلعب دوراً محورياً فى إتجاه مساندة قضايا مسلمى القارة الإفريقية وبحكم أنها الدولة الإسلامية ذات الدلالة الرمزية والمعنوية لكل الأمة الإسلامية فى أفريقيا وجميع أنحاء العالم,وبما أن الشعوب الأفريقية المسلمة تسهم فى إنعاش إقتصاد المملكة العربية السعودية بشكل كبير عند قدومهم لإجراء مناسك الحج والعمرة والزيارة والتى عن طريقا تتحقق منافع كبيرة لخزينة المملكة العربية السعودية,عليه ينبغى أن تكون هنالك إسهامات من المملكة العربية السعودية تساعد فى تقديم معونات إقتصادية وضخ إستثمارات مالية تسهم فى مجملها من وضع حد لمعاناة المسلم الإفريقى ورفع وضعه الإقتصادى والتى سوف تكون لها أثر فعال فى نفوس مسلمى إفريقيا عوضاً عن عودة فوائد هذه الإسثمارات للمملكة العربية السعودية نفسها.
إن القضايا التى تهم المسلمين اليوم ليست هى قضية تمدد النفوذ الإيرانى كما يتصور البعض أو كما تروج له الدوائر التى لها مصلحة فى إنفجار حروب بين الطوائف المسلمة وترغب فى هز بنيان المجتمعات المسلمة,وإنما القضايا التى تهم المسلمين اليوم فى أفريقيا وكل دول العالم هى قضية وحدة الصف المسلم بجميع طوائفه من أجل خدمة قضايا الإسلام والمسلمين للقيام بدورهم الذى أمرهم به الخالق ألا هو عمارة الأرض التى إستخلفهم الله فيها.
عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
باحث وخبير إستراتيجى فى شؤون القارة الإفريقية و متخصص فى شؤون القرن الأفريقى
E-mail: asimfathi@inbox.com