رحيل واحزان

 


 

 


helalzaher@hotmael.com zaher [helalzaher@hotmail.com]
آجال الانسان محتومة بنهاية لا محيد عنها ؛ وتخلف وراءها الذكرى للاحياء من الناس احزانا دفينة مؤرقة الى اجل قريب او بعيد ؛ ثم يطويها سجل السلوان والنسيان ؛ ويستمر نهر الحياة ى جريانه والانسان فى كدحه ولهاثه من اجل الرزق والجرى خلف الامل وهكذا دواليك حتى يجيئ امر الله بزوال الدنيا وما عليها.
ومن الناس من يعيش دنياه ويغادرها وهو مغمور بلا حس ولا خبر بسبب فقره وعوزه وليس له تاثير فى مجتمعه او محيطه ؛ ومن الناس من تظل ذكراه عالقة فى ذاكرة الناس بسبب خلقه المتين الذى اكسبه محبة الناس ؛ او ثرائه الذى كان يغدق منه على المحتاجين ؛ او عمله وتفرده بموهبة افاد بها مجتمعه . ولكن فى زماننا هذا اختلت الموازين وتبدلت القيم فاصبح صاحب المال هو الشخص اللامع المبجل بصرف النظر عن من اين جمع هذا المال ؛ فصرنا نسمع ونقرأ عن الوجيه فلان الذى كان صعلوكا بالامس وبين ليلة وضحاها صار يمتلك الملايين ويتطاول فى البيان ويركب افخم السيارت بعد ركوب الحمار أو السعى على رجليه

ولقد قرأت قبل ايام قليلة للكاتب الامدرمانى الأخ الغالى شوقى بدرى رثاء لاثنين من ابناء امدرمان اثريا حياتنا بعطائهما الثر كل منهما فى مجاله وهما الفنان زيدان ابراهيم والترزى عبد القادر الطيب توتو ، والاول من ابناء العباسية والذى خلب صوته واغانيه اسماع السودانيين فى السودان باتساعه وليس ادل على ذلك من كلمات المراثى العديدة فى الصحف والقنوات الفضائية ؛ وقد خرجت آلاف مؤلفة  تشيع جثمانه الى مثواه الأخير فى مشهد مهيب يذكر بالحشود التى استقبلت الراحل جون قرن فى الساحة الخضراء بالخرطوم ؛ فغفر الله لزيدان واسكنه فسيح جناته . والثانى من ابناء الموردة ؛ ولقد تناول شوقى اطرافا من سيرة حياتيهما ؛وكما عودنا شوقى تناوله فى كتاباته لحياة بساطاء الناس كما فى كتابه (حكاوى امدرمان ) مما يعلى القيمة الانسانية للبشر وان التميز يجئ بعمل وعطاء الشخص وليس بحسبه ونسبه أو ثرائه او مركزه الوظيفى . ولقد كتبت انا فى مقالاتى بعنوان (حكايات الحلة ) عن شخصيات من بسطاء الناس وهم جدى على خشم الموس فتال الحبال ؛ وود الشيخ سقا الماء بالجوز من النيل ؛ وعمى مقبل صاحب محل تأجير العجلات ؛ وعطا المنان الجناينى وغيرهم . ولم اتعامل مع توتو الترزى الفنان ولكن بعد غيبة لى خارج السودان وعند ذهابى لصلاة الجمعة فى المسجد الصغير بسوق الموردة  فوجئت بان الامام هو توتو الترزى ؛ وبهذا فانه اضاف الى مآثره المتمثلة فى تكفين وحفر القبور ودفن الموتى والصلاة عليهم امامة المصلين فى صلاة الجمعة ولم اكن ادرى بانتقاله الى رحاب الله الا بعد ان قرأت مقال شوقى ؛ فاثابه الله رحمة واسعة وغفر له وادخله جنة عالية.
ولكن ان فاتنى ان افصل لديه قمصانا ؛ فاننى عرفت وتعاملت مع شقيقه الباهى وهو ترزى فنان ايضا ،وكان محله فى سوق الموردة فى شارع ضيق جنوب السوق وخلفه منزل خلف الله خالد أول وزير دفاع  فى حكومة الازهرى الاولى بعد الاستقلال ،ولم ينتقل من منزله بعد ان صار وزيرا .
وعدت فى اجازة للسودان من الخارج ، وكان معى قطعتى قماش اردت ان اخيطهما (بدل افريقية (سفارى))، ودلونى على الباهى واخبرونى انه افضل ترزى فى هذا الخصوص فى العاصمة ، وان السفير الامريكى نفسه يأتى اليه ليعمل عنده بدل السفارى ،وأمن  كثيرون على هذا الكلام ،ورجعت بذاكرتى الى الماضى عندما كنا اطفالا ونسكن مع جدى لامى فى حى الضباط  بأمدرمان وكان والدى يعمل فى الجنوب ،وكان الباهى وأخوه  توتو يكبرانا فى السن ويسكنون فى نفس الحى والذى غير الانقاذيون اسمه بعد ذلك الى حى بانت شرق ، وذلك كعادتهم فى تغيير و تبديل الماضى الذى يفتقرون اليه ، وذهبت الى الباهى وخاط لى بدلتين رائعتين وكان الكل يسألنى عن الترزى الذى افصل عنده .وانست اليه ووجدته شخصا ذرب اللسان مثقفا وساخرا ،ومما اذكره من حديثه وكانه كان بالأمس انه قال لى انه يربى فى منزله عدة غنيمات من اجل لبنها لاولاده بعد الغلاء الفاحش لللبن ولكنه وجد بعد حين ان ما ينفقه على علف على غنيماته مبلغا لا يستهان به ،فلم يرى  بدا من ان يبيع الاغنام وقال :(أأكل الغنم ولا أأكل اولادى)،وكان له نشاط اجتماعى واسع وكان رئيسا وراعيا لفريق (قلب الاسد)لكرة القدم .
آلا رحمة الله الواسعة تتنزل على الباهى.

 

آراء