معلومات عن الإمام أبو حنيفة ومذهبه .. جمعها صـلاح محمـد علــي
صلاح محمد علي
10 April, 2012
10 April, 2012
بســــم الله الرحمــن الرحـــيم
ولد الإمام النعمان بن ثابت بن النعمان المعروف بأبي حنيفة في الكوفة ( وفي بعض الروايات بكابـول ) سنة ( 80هـ ). أخذ العلم عن حماد بن أبي سليمان الذي كان فقيهاً كوفياً كثير الرأي. ومعلوم أن فقه أهل الكوفة يرجع إلى الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود الذي أرسله عمر ليفقّه أهل الكوفة.
كان أبو حنيفة رجلاً ميسوراً يعمل بتجارة الحرير والثياب. وقد تخرج على يديه جمع من الفقهاء الكبار، من أمثال أبي يوسف بن إبراهيم الأنصـاري ومحمد بن الحسن الشيباني وهما الذان دوّنا المذهب و نشراه .
قال شيخ الإسلام إبن تيمية : «وأبو يوسف ومحمد هما صاحبا أبي حنيفة، وهما مختصان به كاختصاص الشافعي بمالك. ولعل خلافتهما له تقارب خلافة الشافعي لمالك ».
كان أبو حنيفة معارضاً للدولة الأموية في آخرها وقد حاول واليها إجباره على قبول منصب القضاء بالترغيب والترهيب فأبى أبو حنيفة وتحمل ضرب السياط في سبيل ذلك.
كما كان ورعاً شديد الخوف والوجل من الله، وتمتلئ كتب التاريخ والتراجم بما يشهد له بذلك، ولعل من أبلغ ما قيل عنه ما وصفه به العالم الزاهد فضيل بن عياض بقوله: " كان أبو حنيفة رجلاً فقيهاً معروفاً بالفقه، مشهورا بالورع، واسع المال، معروفا بالأفضال على كل من يطيف به، صبورا عل تعليم العلم بالليل والنهار، قليل الكلام حتى ترد مسألة في حلال أو حرام، فكان يحسن أن يدل على الحق، هاربا من مال السلطان" .
وأقر له معاصروه بالسبق والتقدم فقالوا : " كان الناس نياماً عن الفقه حتى أيقظهم أبو حنيفة بما فتقه وبيّنه ". وبلغ من سمو منزلته في الفقه ان قال فيهِ الإمام الشافعي : " الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة ".
نشأ مذهب أبي حنيفة في الكوفة مهد مدرسة الرأي، وتكونت أصول المذهب على يديه، وأجملها هو في قوله: " إني آخذ بكتاب الله إذا وجدته، فما لم أجده فيه أخذت بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا لم أجد فيها أخذت بقول أصحابه من شئت، وادع قول من شئت، ثم لا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم، فإذا انتهى الأمر إلى إبراهيم، والشعبي والحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيب فلي أن أجتهد كما اجتهدوا " .
ولا يعني اشتهار أبي حنيفة بالقول بالرأي والإكثار من القياس أنه يهمل الأخذ بالأحاديث والآثار، بل كان يشترط في قبول الحديث شروطاً متشددة؛ مبالغة في التحري والضبط، والتأكد من صحة نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا التشدد في قبول الحديث هو ما حملهُ على التوسع في تفسير ما صح عنده منها، والإكثار من القياس عليها حتى يواجه النوازل والمشكلات المتجددة.
ولم يقف اجتهاد أبي حنيفة عند المسائل التي تعرض عليه أو التي تحدث فقط، بل كان يفترض المسائل التي لم تقع ويقلّبها على جميع وجوهها ثم يستنبط لها أحكاماً، وهو ما يسمى بالفقه التقديري وهذا النوع من الفقه يقال أن أبا حنيفة هو أول من استحدثه، وقد أكثر منه لإكثاره استعمال القياس، روي أنه وضع ستين ألف مسألة من هذا النوع .
انتشر مذهب أبي حنيفة في البلاد منذ أن مكّن له أبو يوسف بعد تولّيه منصب قاضي القضاة في الدولة العباسية، وكان المذهب الرسمي لها، بالإضافة لمذهب مالك في الحجاز. فلما مات مالك صار المذهب الحنفي المذهب الرسمي الوحيد. فانتشر في العراق وفي مشرقها من بلاد العجم: فارس و تركمانستان وأفغانستان و شـمال الهند و البنجاب كما كان المذهب الرسمي لعدد من الدول كدولة السلاجقة، والدولة الغزنوية و من بعد الدولة العثمانية .
استحسن الأتراك مذهبه خلال حكم الدولة العثمانية واعتبروا المذهب الحنفي مذهب الدولة. ثم أخذوا يحملون الناس على اعتناق مذهبه، حتى أصبح أكبر مذهب إسلامي له أتباع بين المسلمين، بسبب طول فترة حكم الدولة العثمانية الذي امتد حوالي سبعة قرون .
لم يؤثر عن أبي حنيفة أنه كتب كتاباً في الفقه يجمع آراءه وفتاواه، وهذا لا ينفي أنه كان يملي ذلك على تلاميذه، ثم يراجعه بعد إتمام كتابته، ليقر منه ما يراه صالحاً أو يحذف ما دون ذلك، أو يغيّر ما يحتاج إلى تغيير، ولكن مذهبه بقي وانتشر ولم يندثر كما أندثرت مذاهب كثيرة لفقهاء سبقوه أو عاصروه، وذلك بفضل تلاميذهِ الموهوبين الذين دونوا المذهب وحفظوا كثيرا من آراء إمامهم بأقواله وكان أشهرهم – كما سبق القول : أبو يوسف بن إبراهيم الأنصاري المتوفي عام(183هـ)، ومحمد بن الحسن الشيباني المتوفي في عام(189هـ) .
أول من كتب في الفقه الحنفي هو أبو يوسف القاضي، لكنها كتيبات صغيرة في مواضيع محددة إنما أخذ العلماء مذهب أبي حنيفة عن محمد بن الحسن الشيباني . فإن الحنفية ليس في أيديهم إلا كتبه التي أهمها :
- كتاب "المبسوط" ويعرف عند الحنفية بـ"الأصل" . وكتاب "الجامع الصغير" وكتاب "الجامع الكبير"، وهو أطول من الصغير. وهذه الكتب هي أساس مذهب الحنفية وهي التي اشتغل بها علماؤهم وعليها عولوا شرحاً وتعليقاً.
- ومن الكتب المهمة لمعرفة فقه الأحناف المتقدمين هو كتاب شرح معاني الآثار للطحاوي. وهو للدفاع عن حجج الأحناف وإظهار أدلتهم النقلية والعقلية.
- وأما كتب المتأخرين فلعل أشهرها حاشية ابن عابدين الدمشقي. وعليه الاعتماد في الفتوى في الكثير من بلاد الحنفية .
وصلت إلينا كتب محمد بن الحسن الشيباني كاملة، وكان منها ما أطلق عليه العلماء كتب ظاهر الرواية وسميت بكتب ظاهر الرواية لأنها رويت عن الثقات من تلاميذه فهي ثابتة عنه إما بالتواتر أو بالشهرة.
وقد جمع أبو الفضل المروزي المعروف بالحاكم الشهيد المتوفى سنة (344هـ) كتب ظاهر الرواية بعد حذف المكرر منها في كتاب أطلق عليه "الكافي"، ثم قام بشرحه الإمام السرخسي المتوفى سنة (483هـ) في كتابه "المبسوط"، وهو مطبوع في ثلاثين جزءاً، ويعد من أهم كتب الحنفية .
و من المعروف أن المحاكم الشرعية في السودان تعمل بالمذهب الحنفي .
توفي الإمــام أبوحنيفة في بغداد في جمادى الأولى سنة 150هـ ويقع قبره في مدينة بغداد بمنطقة الأعظمية على الجانب الشرقي من نهر دجلة. نسأل الله أن يغفر له و يرحمه و يتقبله قبولاً حسناً مع الصديقين و الشهداء و الصالحين وحسن أولئــك رفيقـاً .
= = = = = = =
salah ali [smali19@hotmail.com]