محاكمة أبوقتادة والأردن (وليبيا والبحرين) في لندن

 


 

 




(1)

انطلقت هذا الأسبوع في العاصمة البريطانية لندن فعاليات أضخم مهرجان لأعمال ويليام شكسبير، بالتزامن مع الذكرى ال 448 لميلاده وتمهيداً لأولمبياد لندن. وبالتزامن مع هذا "الأولمبياد الثقافي" الذي يشتمل على سبعين عملاً مسرحياً، توالت على مسرح الواقع اللندني مشاهد عربية كانت ستنافس مسرحيات شكسبير في استكشاف اللامعقول، لولا أنها مبكية مبكية.


(2)

من هذه المشاهد محاولات الحكومة البريطانية التخلص من المواطن الأردني أبوقتادة، الموصوف بأنه منظر القاعدة في أوروبا، وهي محاولة تحولت من مأساة إلى ملهاة خلال 24 ساعة. فقد احتفلت الحكومة الأسبوع الماضي بإعادة اعتقاله، وبتأكيدات الحكومة الأردنية بأنه لن يتعرض للتعذيب أو يحاكم بأدلة انتزعت تحت التعذيب، ولكنها مالبثت أن اكتشفت وجود موانع قانونية تحول دون استمرار الاعتقال. وهكذا تحولت الوزيرة بين عشية وضحاها (حرفياً هذه المرة) من بطلة أنقذت البلاد من "إرهابي" خطير، إلى متهمة بأنها خرقاء لا تحسن الحساب.


(3)

لسنا هنا بصدد الخوض في تفاصيل قضية أبوقتادة، وإن كان بقاء شخص رهن الاعتقال لثمان سنوات دون أن توجه له تهمة رسمية في بلد يفترض أن يخضع لحكم القانون أمر يدعو للتوقف وطرح الأسئلة. ولكن ما يدعو إلى العجب هو أن الأردن يقف في قفص الاتهام بجانب أبوقتادة، بل أمامه. فقد ظل لب مرافعة أبوقتادة ضد تسليمه للأردن هو أنه بلد لا يحترم حقوق الإنسان. وقد ظل الأردن يرافع عن نفسه حتى أقنع الحكومة البريطانية بأنه لن يقوم بتعذيب أبوقتادة، ولكن المحكمة الأوروبية تخوفت من أن تستخدم ضده أدلة انتزعت تحت التعذيب.


(3)

ولا شك أنه مدعاة للحرج لكل العرب أن تنشأ قناعة عند العالم كله أن معظم الحكومات العربية تمارس التعذيب في حق مواطنيها، بل إن بعضها تتطوع بممارسة التعذيب بالمقاولة نيابة عن الآخرين ممن يتعففون عن ذلك. ولعله من المهم ملاحظة أن الحكومة الأردنية لم تتعهد حتى الآن بالتخلي عن التعذيب كمنهج، وإنما فقط بألا تعذب أبوقتادة، وهو تعهد ما يزال محاموه يشككون فيه.


(4)

المحاكم البريطانية أصبحت بدورها مسرحاً لمنازلة أخرى، هذه المرة بين المخابرات البريطانية ومجموعة من المعارضين الليبيين يتهمون الحكومة البريطانية بأنها ساهمت في اقتناصهم وتسليمهم للمخابرات الليبية التي عذبتهم. الحكومة البريطانية حاولت أن تنفي عن نفسها التهمة، ولكن الحجج ضدها دامغة على ما يبدو. مهما يكن فإن هذه تذكرة بأن المجرم الأساسي في هذه الدراما، أي الحكومة التي تولت التعذيب، هو طرف عربي، زال وانقرض لحسن الحظ.


(5)

المفارقة في الحالين هي أن ضحايا التعذيب العربي أو المتخوفين منه يستجيرون بالقضاء البريطاني أو يطلبون منه الانصاف. ولا ننسى هنا أن بريطانيا ساهمت بنصيب مقدر في الإطاحة بنظام القذافي، وجلبت على نفسها هذه الملاحقات القضائية، وهي مفارقة أخرى. ولكن المفارقة الأكبر هي أن يضطر أمثال أبوقتادة إلى الاستجارة بأنظمة يرونها ظالمة باغية تستحق المجاهدة ضد أخرى يفترض أن تكون مهتدية بملة الإسلام، وهو وضع يطرح أسئلة على كل المتهمين في هذه الدراما.


(6)

لم تصل ظلامات مواطني البحرين إلى أعتاب المحاكم البريطانية بعد، ولكنها هيمنت على التغطية الإعلامية هنا طوال الأسبوع الماضي بسبب عقد سباق الفورمولا 1 للسيارات في المنامة الأحد الماضي. فقد أثار عقد السباق جدلاً واسعاً في الساحة البريطانية، حيث عارضه كثيرون بحجة أن الظروف التي أدت إلى إلغائة العام الماضي بسبب الانتفاضة الشعبية هناك ما تزال قائمة، بينما رأى آخرون أن عقده مستحب لأن الحكومة هناك قطعت شوطاً لا بأس به في الإصلاحات.


(7)

ليس هناك خلاف بين الطرفين على أن أمور البحرين ليست على ما يرام، إلا أن الداعين إلى عقد السباق كانوا يرون أن عقده سيشجع الإصلاح، وقد يسلط الضوء على الأمور هناك، بينما يرى معارضوه أنه يوحي زوراً بأن الأمور قد عادت إلى طبيعتها.


(8)

لا نحتاج هنا إلى أن نكرر أن البحرين ليست سوريا، ولكنها ستنتهي في نفس المربع إذا استمرت في نهجها الحالي. بل إن خطاب بعض مؤيديها يوحي بأنها بلغت تلك الغاية سلفاً، لأن خطابهم لا يختلف عن خطاب شبيحة الأسد الإعلاميين في تجريم كل المعارضة والزعم بأن كل الأمور تسير على مايرام، وأن هناك "مؤامرة" أجنبية ضد البلاد تتولى كبرها قلة من العملاء والمتطرفين. أكبر مشاكل النظام هناك أنه يبذل كل الجهد لكسب الرأي الغربي وأقله للتوافق مع المعتدلين من المعارضة. وكما اتضح جلياً في الأيام القليلة الماضية، فإن الغرب ليس من الغباء بالدرجة التي يتصوره بها البعض.

(9)

العبرة من كل ما سبق هي أن أكبر "مؤامرة" على العرب هي تلك التي ينسج خيوطها العرب أنفسهم، خاصة أنظمتهم التي تسيء إلى سمعة كل العرب عامة وبلدانها خاصة. وهذا يعني أن عمليات الكنس والتطهير لأرض العرب وسمعتهم، نعني تلك التي انطلقت مع غيث أمطار الربيع العربي، لم تكمل مهمتها بعد، وأن بعض البلدان قد تحتاج إلى تسونامي حتى يكتمل تنظيفها.
Abdelwahab El-Affendi [awahab40@hotmail.com]
\\\\\\\\\\\\\\

 

آراء