من أعــلام الإسـلام : إبن القـيــّم الجــوزية

 


 

 



salah ali [smali19@hotmail.com]
هو محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز بن مكي زيد الدين الدمشقي الحنبلي الشهير بشمس الدين و أبو عبد الله واشتهر خصوصاً بإبن قيّم الجوزية وقيم الجوزية هو والده فقد كان قيّماً على المدرسة الجوزية بدمشق مدة من الزمن وأشتهرت بذلك اللقب ذريته وحفدته من بعده وهم عائلة دمشقية عرفت بالعلم والالتزام بالدين .
ولد إبن القَيِّم - رحمه الله - بدمشق عام 691 ه و توفي بها عام 751 ه.
بذا يكون قد عاش إبن القيّم  في الشام في أواخر القرن السابع ومنتصف القرن الثامن الهجري : الفترة التي اتسمت على الصعيد الداخلي بالتنافس والتناحر بين سلاطين المماليك في مصر و الإيوبيين في الشام -  و الحروب العدوانية ضد الدولة من قبل التتار و الصليبيين على الصعيد الخارجي.
قبل مولد ابن القَيِّم بفترة ليست بالبعيدة، مُنى العالم الإسلامي بكارثة مروعة حين اجتاح التتار العالم الإسلامي واستولوا على بغداد عاصمة الخلافة وقتلوا خليفة المسلمين المستعصم بالله، ثم ما كان بعد من لطف الله سبحانه و تعالى حين رد كيد هؤلاء الغزاة على يد سلطان مصر قطز سنة (658هـ) كما أن العالم الإسلامي تعرض -أيضاً- للغزو الصَّليبي فاستولى الصليبيون على كثير من ديار المسلمين، واستمرت الحروب بينهم وبين المسلمين قرنين من الزمان، يصيبون من المسلمين، ويصيب المسلمون منهم، إلى أن تم تطهير البلاد منهم في سنة (690هـ) - قبل مولد ابن القَيِّم بسنة - على يد الملك قلاوون .
و في ظل الوضع السياسي المتردي ساءت الحالة الدينية  و ضعف الوازع الديني عند كثير من الناس و ارتكبت الكثير من المحرمات و شاعت المنكرات و كان الأمراء و السلاطين قدوة سئية للناس.
من ناحية أخرى ، انتشر التعصب المذهبي ووقعت فتن بين المذاهب كان أبرزها الخلاف بين الحنابلة و الأشاعرة  إذ كان الحنابلة يعتمدون على النصوص في دراسة العقائد بينما كان الأشاعرة يعتمدون عل الاستدلال العقلي و البرهان المنطقي . ولقد كان لابن القَيِّم موقفه الواضح في هذه القضية : الانتصار لعقيدة أهل السنة والجماعة، والوقوف في وجه الأشاعرة، كما يتضح ذلك من مؤلفاته العديدة في هذا الصدد.
كما انتشرت في ذلك الوقت بعض الفرق الضالة التي تنتسب - كذباً - إلى الإسلام، مع شدة عداوتها وحربها لأهله، وعلى رأس هذه الفرق: الرَّافِضَة ، والنُّصَيْرِيَّة  وغيرهما، وما كان لهذه الفرق وهم فِرق عديدة، ويقولون بإمامة عليٍّ وتفضيله على سائر الصحابة، ويتبرءون من أبي بكر وعمر وكثير من الصحابة كما انتشر الْمُنَجِّمُون، وكثر قصد الناس لهم، حتى كانت سنة (733هـ) "أمر السلطان بتسليم المُنَجِّمِين إلى والي القاهرة، فضربوا وحبسوا .
أما البدع التي سادت المجتمع في ذلك الوقت فكثيرة، كما سادت المجتمع ألوانٌ من الشركيات؛ كالتبرك بالأحجار والجمادات ونحو ذلك، من ذلك ما حكاه ابن كثير عن شيخ الإسلام ابن تَيْمِيَّة من أنه في شهر رجب سنة (704هـ): "راح الشيخ تقي الدين ابن تَيْمِيَّة إلى مسجد التاريخ، وأمر أصحابه ومعه حَجَّارون بقطع صخرة كانت بنهر قَلُوطٍ تزار ويُنْذَر لها، فقطعها وأراح المسلمين منها ومن الشرك بها، فأزاح عن الناس شبهة كان شرُّهَا عظيماً".
كما انتشرت المعاصي والمنكرات بين الناس: من شرب للخمر والحشيش، والبغاء بل قد وُجِدَ من الأمراء من يضمن هذه المنكرات والفواحش نظير أجر معلوم يأخذه على ذلك، كضَمِانَ الخَمَّارات و الحانات ومواضع الزنا وغيرها. ومن المنكرات التي سادت المجتمع أيضاً:الإسراف في الغناء والطرب وقد أعلن ابن القَيِّم حرباً لا هوادة فيها على الغناء وأهله، وبَيَّنَ شَبَهَهُم، ودحض مزاعمهم في استحلال ذلك، حتى إنه أفرد لذلك مؤلفاً كما اعتنى بذلك في مؤلفاته الأخرى، وبخاصة (إغاثة اللهفان من مكائد الشيطان) .
تلك هي أهم مظاهر الفساد الديني في ذلك الوقت، ولا شك أن مثل هذه البيئة وما فيها من مفاسد ومخالفات شرعية، من أكبر العوامل التي تُحَرِّكُ الدعاة المخلصين، والعلماء العاملين، للقيام بمجابهة هذه المنكرات، والتحذير منها، والتنبيه على خطرها، ومحاولة الأخذِ بأيدي الناس إلى الطريق القويم .
ولقد كان لابن القَيِّم في هذا الباب جهد مشكور؛ فإنه يُعَدّ واحداً من أبرز علماء هذه الأمة الذين حملوا راية الإصلاح الديني في ذلك العصر .
على أن الحالة العلمية للبلاد في تلك الفترة ،  في المقابل ،  كانت أحسن تلك الأحوال كلها،و قد ظهر لنا أثر هذه الأحوال مجتمعة – خيرها و شرها - على نهج ابن القَيِّم وتوجهاته: في دعوته، وكتاباته فلقد أثرت الأحوال الْمُتَرَدِّية على المنهج الذي سلكه ابن القَيِّم - رحمه الله - في دعوته الإصلاحية تماماً كما كان للحالة العلمية أثر طيب على شخصيته وتكوينه العلمي إذ اتسمت مؤلفات ذلك العصر - إلى حد كبير - بالشمول والجمع والاستيعاب :
فلقد وجدت في ذلك العصر كتب الشروح الحديثية، كـ(شرح البخاري) لقطب الدين الحلبي (ت735هـ)، و (شرح الترمذي) لابن سيد الناس (ت734هـ) وكلاهما لم يكمل.
ووجدت كتب الرجال، وعلى رأسها (تهذيب الكمال) للحافظ الْمِزِّي (ت742هـ)، و(الميزان) للحافظ الذهبي (ت748هـ).
كما وجدت الكتب التاريخية التي جمعت حوادث تلك الفترة وتواريخها وما قبلها، وعلى رأسها (البداية والنهاية) للحافظ ابن كثير (ت774هـ) - تلميذ ابن القَيِّم - رحمهما الله تعالى.
كما أُلِّفَت كتب جامعة في اللغة، وأهمها: (لسان العرب) للعلامة ابن منظور (ت711هـ). إلى غير ذلك من المؤلفات الكثيرة النافعة.
وقد أسهم إبن القيّم بمؤلفات جامعة نافعة في تلك الفترة خاصة كتابه النافع: (تهذيب سنن أبي داود)؛ إذ إنه بَسَطَ فيه الكلام في مواضع عديدة بسطاً واسعاً، وكذلك كتابه (زاد المعاد) الذي يعد مرجعاً متكاملاً في السيرة النبوية والأحكام الفقهية وغير ذلك.

مشـايخ  الإمــام إبن القيـّم
1. قيم الجوزية : والده ـ رحمه الله ـ .
2. شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ .
3. ابن عبدالدائم : أحمد بن عبدالدائم بن نعمة المقدسي مسند وقته ـ رحمه الله ـ .
4. أحمد بن عبدالرحمن بن عبدالمنعم بن نعمة النابلسي ـ رحمه الله ـ .
5. ابن الشيرازي : ذكر في مشيخة ابن القيم ولم يذكر نسبه فاختلف فيه .
6. المجد الحراني : إسماعيل مجد الدين بن محمد الفراء شيخ الحنابلة ـ رحمه الله ـ .
7. ابن مكتوم : إسماعيل الملقب بصدر الدين والمكنى بأبي الفداء بن يوسف بن مكتوم القيسي ـ رحمه الله ـ .
8. الكحال : أيوب زين الدين بن نعمة النابلسي الكحال ـ رحمه الله ـ .
9. الإمام الحافظ الذهبي ـ رحمه الله ـ .
10. الحاكم : سليمان تقي الدين أبو الفضل بن حمزة بن أحمد بن قدامة المقدسي مسند الشام وكبير قضاتها ـ رحمه الله ـ .
11. شرف الدين ابن تيمية : عبدالله أبو محمد بن عبدالحليم بن تيمية النميري أخو شيخ الإسلام ـ رحمهما الله ـ .
12. بنت الجوهر : فاطمة أم محمد بنت الشيخ إبراهيم بن محمود بن جوهر البطائحي البعلي ، المسندة المحدثة ـ رحمها الله ـ .
أشــــهر تلاميــــذ الإمــام

1. البرهان بن قيم الجوزية : ابنه برهان الدين إبراهيم ـ رحمهما الله ـ .
2. الإمام الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ .
3. الإمام ابن رجب ـ رحمه الله ـ .
4. السبكي : علي بن عبدالكافي بن علي بن تمام السبكي ـ رحمه الله ـ .
5. الإمام الحافظ الذهبي ـ رحمه الله ـ .
6. الحافظ ابن عبدالهادي : محمد بن أحمد بن عبدالهادي بن قدامة المقدسي ـ رحمه الله ـ .
7. الفيروزآبادي : محمد بن يعقوب بن محمد الفيروزآبادي صاحب القاموس ـ رحمه الله ـ .

مؤلفات الإمــام الشيخ إبن القيـّم
بلغت أكثر من تســعين مؤلفــاً أهمهـا :
1. الصواعق المرسلة .
2. زاد المعاد .
3. مفتاح دار السعادة .
4. مدارج السالكين
5. الكافية الشافية في النحو
6. الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية
7. الكلم الطيب والعمل الصالح
8. الكلام على مسألة السماع
9. هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى
10. المنار المنيف في الصحيح والضعيف
11. معالم الموقعين عن رب العالمين
12. إغاثة اللهفان من مكائــد الشـيطان
13. طريق الهجرتين وباب السعادتين
14. الطرق الحكمية
شهادة الأئمة له وثناؤهم عليه
1- قال الشيخ بكر أبو زيد: "وأما علومه التي تلقاها وبرع فيها: فهي تكاد تعم علوم الشريعة وعلوم الآلة، فقد دَرَسَ التوحيد، وعلم الكلام، والتفسير، والحديث، والفقه وأصوله، والفرائض، واللغة، والنحو، وغيرها... وبرع هو فيها وعلا كعبه وفاق الأقران، ويكفي في الدلالة على علو منزلته: أن يكون هو وشيخه - شيخ الإسلام - كفرسَي رِهَان.( هذه الجامعية المدهشة في البراعة والطلب نجدها محل اتفاق مسجل لدى تلاميذه الكبار، ومن بعدهم من ثقات النقلة الأبرار).
2- قال القاضي برهان الدين الزُّرَعي: "ما تحت أديم السماء أوسع علماً منه".
3- وقال شيخه المزي: "هو في هذا الزمان كابن خزيمة في زمانه".
وهذا القول من المزي - على جلالته - يطابق بشارة شيخه ابن تَيْمِيَّة له - لَمَّا رآه في المنام - بأنه في طبقة ابن خزيمة .
4- وقال الحافظ الذهبي: "الفقيه، الإمام، المفتي، المتفنن، النحوي". وقال أيضاً: "عُني بالحديث متونه ورجاله، وكان يشتغل في الفقه ويجيد تقريره، وفي النحو وَيَدْرِيه، وفي الأصلين".
5- وقال الصَّلاح الصَّفَدِي : "اشتغل كثيراً وناظر، واجتهد، وأكبَّ على الطلب، وصَنَّف، وصار من الأئمة الكبار في علم التفسير، والحديث، والأصول: فقهاً وكلاماً، والفروع،والعربية، ولم يخلف الشيخ العلامة تقي الدين ابن تَيْمِيَّة مثله".
6- وقال أبو المحاسن الحسيني الدمشقي: "الشيخ، الإمام، العلامة، ذو الفنون... أفتى، ودرَّس، وناظر، وصنف، وأفاد".
7- وقال الحافظ ابن كثير: "الإمام العلامة... سمع الحديث، واشتغل بالعلم، وبرع في علوم متعددة، لاسيما: علم التفسير، والحديث، والأصلين. ولَمَّا عاد الشيخ تقي الدين ابن تَيْمِيَّة من الديار المصرية في سنة(712هـ)، لازَمَه إلى أن مات الشيخ، فأخذ عنه علماً جمَّاً، مع ما سلف له من الاشتغال، فصار فريداً في بابه في فنون كثيرة… وبالجملة: كان قليل النظير في مجموعه وأموره وأحواله".
8- وقال ابن رجب: "الفقيه، الأصولي، المفسر، النحوي، العارف... تفقه في المذهب، وبرع وأفتى... وتفنن في علوم الإسلام، وكان عارفاً بالتفسير لا يُجارى فيه، وبأصول الدين، وإليه فيهما المنتهى. والحديث ومعانيه، وفقهه، ودقائق الاستنباط منه، لا يلحق في ذلك. وبالفقه وأصوله، وبالعربية، وله فيها اليد الطولى، وبعلم الكلام، والنحو وغير ذلك، وكان عالماً بعلم السلوك، وكلام أهل التصوف وإشاراتهم ودقائقهم، له في كل فنٍّ من هذه الفنون اليد الطولى" .
وقال أيضاً: "... ولا رأيت أوسع منه علماً، ولا أعرفَ بمعاني القرآن والسنة، وحقائق الإيمان منه، وليس هو بالمعصوم، ولكن لم أر في معناه مثله".
9- وقال ابن ناصر الدين الدمشقي: "أحد المحققين، عَلَمُ المصنفين، نادرة المفسرين" . وقال أيضاً: "كان ذا فنون من العلوم - وخاصة التفسير والأصول - من المنطوق والمفهوم".
10- وقال تقي الدين المقريزي: "برع في عدة علوم، ما بين: تفسير، وفقه، وعربية، وغير ذلك، ولزم شيخ الإسلام، وأخذ عنه علماً جَمًّا، فصار أحد أفراد الدنيا".
11- وقال الحافظ ابن حجر: "كان جرئ الجنان، واسع العلم، عارفاً بالخلاف ومذاهب السلف"  وقال أيضاً - في تقريظه لكتاب (الرد الوافر)-: "ولو لم يكن للشيخ تقي الدين إبن تيميّة من المناقب إلا تلميذه الشهير الشيخ شمس الدين ابن قَيِّم الجوزية، صاحب التصانيف النافعة السائرة، التي انتفع بها الموافق والمخالف، لكان غاية في الدلالة على عظم مَنْزلته" .
12- وقال ابن العماد: " الفقيه الحنبلي- بل المجتهد المطلق - المفسر، النحو، الأصولي، المتكلم " .
13- وقال الشوكاني: "العلامة الكبير، المجتهد المطلق، المصنف المشهور... برع في جميع العلوم، وفاق الأقران، واشتهر في الآفاق، وتَبَحَّر في معرفة مذاهب السلف".
إشـــارات
•    هذه بعض أقوال الجهابذة، أئمة المسلمين، وأعلام الدين في الشهادة لابن القَيِّم، والثناء عليه، وبيان منزلته ودرجته في العلم، وتأكيد تقدمه وإمامته في سائر العلوم، وشتى الفنون علماً بأن كثيراً من هؤلاء الأئمة قد عايشه وعرفه عن قرب، ومنهم من تتلمذ عليه وأخذ عنه، ولذلك فإن هذه الشهادات لها قيمة خاصة.
•    فإذا أضيف إلى ذلك عِظَم مكانة هؤلاء الأئمة، وعلوِّ شأنهم، وذيوع صيتهم- كالذهبي، وابن كثير، وابن رجب، وابن حجر، والسيوطي، والشوكاني، وغيرهم - علمنا القيمة الحقيقية لهذه الأقوال، وتلك الشهادات، وأنها تُعَبِّر تعبيراً صادقاً عن المكانة الحقيقية التي تبوَّأها ابن القَيِّم  بين أهل العلم وأئمته.
•    وعند التأمل في أقوال هؤلاء الأئمة نلاحظ أنه يصعب على الباحث أن يجزم بتفوق إبن القَيِّم في فن على حساب الفنون الأخرى، فقد اتفقت كلمتهم - أو كادت - على تفوقه في فنون كثيرة، وجمعه بين علوم عديدة، مع التقدم والمهارة وعلو الشأن في ذلك كله فلقد كان ابن القَيِّم مُحَدِّثاً، فقيهاً، أصولياً، مفسراً، نحوياً، لغوياً، أديباً له في كل فن من هذه الفنون القدح الْمُعلَّى .
•    على أنه لو لم تكن أمامنا هذه الشهادت، وتلك الأقوال، فإننا نستطيع أن نجزم بأن مكانة إبن القَيِّم هي هذه التي وضعوه فيها وأعلى وذلك عند النظر في آثاره والاغتراف من غزير فوائده، والعيش بصدق مع علومه النافعة وتوجيهاته المخلصة في كل مبحث من مباحثه.
عن وفاة  الإمام إبن القيـّم يقول إبن كثير في ( البداية و النهاية ) :
وَفِي لَيْلَةِ الْخَمِيسِ ثَالِثَ عَشَرَ رَجَبٍ، وَقْتَ أَذَانِ الْعِشَاءِ تُوُفِّيَ صَاحِبُنَا الْإِمَامُ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ الزُّرَعِيُّ، إِمَامُ الْجَوْزِيَّةِ، وَابْنُ قَيِّمِهَا، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنَ الْغَدِ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ، وَدُفِنَ عِنْدَ وَالِدَتِهِ بِمَقَابِرِ الْبَابِ الصَّغِيرِ، رَحِمَهُ اللَّهُ. وُلِدَ فِي سِنَةِ إِحْدَى وَتِسْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ، وَاشْتَغَلَ بِالْعِلْمِ، فَبَرَعَ فِي عُلُومٍ مُتَعَدِّدَةٍ، لَا سِيَّمَا عِلْمُ التَّفْسِيرِ، وَالْحَدِيثِ وَالْأَصْلَيْنِ، وَلَمَّا عَادَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسَبْعِمِائَةٍ لَازَمَهُ إِلَى أَنْ مَاتَ الشَّيْخُ، فَأَخَذَ عَنْهُ عِلْمًا جَمًّا مَعَ مَا سَلَفَ لَهُ مِنَ الِاشْتِغَالِ، فَصَارَ فَرِيدًا فِي بَابِهِ فِي فُنُونٍ كَثِيرَةٍ، مَعَ كَثْرَةِ الطَّلَبِ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَكَثْرَةِ الصَّلَاةِ وَالِابْتِهَالِ، وَكَانَ حَسَنَ الْقِرَاءَةِ وَالْخُلُقِ، كَثِيرَ التَّوَدُّدِ، لَا يَحْسُدُ أَحَدًا، وَلَا يُؤْذِيهِ، وَلَا يَسْتَعِيبُهُ، وَلَا يَحْقِدُ عَلَى أَحَدٍ، وَكُنْتُ مِنْ أَصْحَبِ النَّاسِ لَهُ، وَأَحَبِّ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَلَا أَعْرِفُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي زَمَانِنَا أَكْثَرَ عِبَادَةً مِنْهُ، وَكَانَتْ لَهُ طَرِيقَةٌ فِي الصَّلَاةِ يُطِيلُهَا جِدًّا، وَيَمُدُّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا، وَيَلُومُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ فَلَا يَرْجِعُ،وَلَا يَنْزِعُ عَنْ ذَلِكَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَلَهُ مِنَ التَّصَانِيفِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ شَيْءٌ كَثِيرٌ، وَكَتَبَ بِخَطِّهِ الْحَسَنِ شَيْئًا كَثِيرًا، وَاقْتَنَى مِنَ الْكُتُبِ مَا لَا يَتَهَيَّأُ لِغَيْرِهِ تَحْصِيلُ عُشْرِهِ مِنْ كُتُبِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ قَلِيلَ النَّظِيرِ، بَلْ عَدِيمَ النَّظِيرِ فِي مَجْمُوعِهِ، وَأُمُورِهِ، وَأَحْوَالِهِ، وَالْغَالِبُ عَلَيْهِ الْخَيْرُ وَالْأَخْلَاقُ الصَّالِحَةُ، سَامَحَهُ اللَّهُ وَرَحِمَهُ، وَقَدْ كَانَ مُتَصَدِّيًا لِلْإِفْتَاءِ بِمَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ الَّتِي اخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، وَجَرَتْ لَهُ بِسَبَبِهَا فُصُولٌ يَطُولُ بَسْطُهَا مَعَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيِّ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ كَانَتْ جَنَازَتُهُ حَافِلَةً رَحِمَهُ اللَّهُ، شَهِدَهَا الْقُضَاةُ، وَالْأَعْيَانُ، وَالصَّالِحُونَ مِنَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، وَتَزَاحَمَ النَّاسُ عَلَى حَمْلِ نَعْشِهِ، وَكَمَلَ لَهُ مِنَ الْعُمْرِ سِتُّونَ سَنَةً، رَحِمَهُ اللَّهُ.

= = = = = = =


smali19@hotmail.com

 

آراء