سوف نحضر و نجدكم .. بقلم : د. عمر بادي
د. عمر بادي
10 July, 2012
10 July, 2012
ombaday@yahoo.com
عمود : محور اللقيا
اللهم أحمنا من السواهي و الدواهي .....و اللواهي , و هذه اللواهي التي أضفتها من عندي هي المحاولات الإنصرافية التي يتبعها النظام لإلهاء الشعب عن قضايا الساعة الأساسية في الإحتجاج و الإنتفاض على الوضع المعيشي المتردي و على التضييق السياسي و مصادرة الحريات . لقد إزداد التركيز على الرياضة بإقامة المهرجانات الرياضية و الدورات التنافسية و المباريات المحلية و الإقليمية و زاد الدعم و التنظيم لإقامة تلك المناشط الرياضية من جهات عدة كان من بينها جهاز الأمن و المخابرات . أما الإعلام الرياضي فقد تسيد القنوات الفضائية السودانية و كذلك الإذاعات و الصحف , رغم ضعفنا البائن في كرة القدم و كل الرياضات الأخرى ما عدا ألعاب القوى !
أما المحاولة الإنصرافية الثانية التي إزداد التركيز عليها فهي المهرجانات و الحفلات الغنائية , فمن حفلات ليالي الخرطوم في المتحف القومي إلى مهرجانات الولايات الغنائية في المسرح القومي و قاعة الصداقة و حفلات الوزارات و البنوك و الشركات المختلفة و حفلات الفنانين الكبار و الصغار و حفلات نجوم الغد و الحفلات في الصالات المغلقة و برامج أفراح أفراح و السهرات الغنائية التليفزيونية . نحن نعيش في ضائقات عدة , فلماذا هذا الإنفراج في الرياضة و الغناء ؟
قبل يومين شاهدت من خلال التلفاز الحفلة الإفتتاحية لمهرجان ليالي وردي الوطن الذي سوف يستمر لأيام عدة , و قد إستمتعت غاية الإستمتاع من أغاني محمد وردي القديمة بصوت مطربين مختلفين , حيث كان يتم تقديم المطرب مع ذكر إسم الأغنية التي سوف يؤديها , و قبيل نهاية الحفل تم تقديم الفنان طه سليمان ليقدم أغنية ( قالوا بتحبوا ) كلمات الشاعر أبو آمنة حامد , و قد طربت طربا لا يوصف و أنا أستمع إلى تلك الأغنية ذات النغم الهاديء الجميل :
قالوا بتحبوا قلنا ليهم مالو
إيدي على إيدو الهوى مشينالو
حققنا أحلامنا و كل عاشق عقبالو
لقد أعادتني تلك الأغنية إلى فترة السينات و أنا تلميذ في المرحلة الوسطى , في تلك الفترة التي تتوسع فيها مدارك الطفل . تعتبر هذه الأغنية عندي رائدة في فرحها و تفاؤلها و بعيدة كل البعد عن أغنيات الدموع و البكائيات و المناحات التي ملأت الساحات ! و أنا في تأملاتي تلك , أتى أحد الأشخاص لم أتبينه و أخذ الميكرفون من الفنان طه سليمان و شاركه في الغناء , ثم ( كسر ) بعد ذلك و دخل في الأغنية الوطنية ( يا شعب اللهبك ثوريتك ) بدون أي تقديم من مذيعي الحفل مما يؤكد أن الأمر كان عفويا , و تجاوب قائد الأوركسترا عبد الوهاب محمد وردي و قاد الأوركسترا الرائعة لأداء تلك الأغنية الوطنية لشاعر الشعب محجوب شريف :
يا شعب اللهبك ثوريتك
تلقى مرادك و الفي نيتك
لقد نهض كل جمهور الحاضرين من مقاعدهم و صاروا يرددون كلمات الأغنية الوطنية و هم يرفعون أيديهم في حماس بادٍ , ثم إنتهى نقل الحفل بعد ذلك . رحم الله فنان أفريقيا الأول محمد وردي , فطالما كان محركا للشعب في حياته , و ها هو يستمر في تحريك الشعب بعد مماته !
نظام الإنقاذ في السودان هو آخر الأنظمة العربية التي وصلت إلى السلطة عن طريق الإنقلابات العسكرية و تم إزالتها أو على وشك ذلك بواسطة الثورات الشعبية , و لذلك لا محالة من زيارة الربيع العربي للسودان . هذا الفهم لا بد أن تدركه السلطة الإنقاذية قبل فوات الأوان , فإن الشعب قد أدركه و خرج إلى الشارع يستهدي به في إنتفاضته السلمية , و لكي لا تلتبس علي الشعب الأمور لا بد من التنسيق ثم التنسيق بين مكونات الثورة . إن التوقيع على وثيقة البديل الديموقراطي من داخل تحالف قوى الإجماع الوطني لم يشمل المنظمات الشبابية ( قرفنا و كفاية و شرارة و أحرار السودان و الشباب الأحرار ) و طلاب الجامعات خاصة جامعة الخرطوم , و كذلك لم يشمل الحزب الإتحادي الديموقراطي الأصل و تجمع القوى الثورية و النقابات العائدة ( لا الإتحادات ) خاصة نقابة الأطباء , رغم أن الجميع قد أيد الخروج في التظاهرات لإسقاط النظام , مع وجود رغبة عارمة من كل الحادبين لتوسيع قيادة الإنتفاضة حتى تشمل جميع المشاركين فيها .
التحدي الكبير الذي يجابه كل أحزاب المعارضة و الحركات المسلحة و المنظمات الشبابية و منظمات المجتمع المدني يتمثل في مدى إظهار ثقلهم الجماهيري من خلال عدد المشاركين في التظاهرات التي يدعون إليها . قبل هذا قرر تحالف قوى الإجماع الوطني الإلتقاء في تظاهرة سلمية في ميدان أبي جنزير و لكن الحضور كان دون المرجو مما حدا بالزعيم الراحل محمد إبراهيم نقد أن يتناول كرتونة و يكتب عليها ما إعتاد أن يكتبه السودانيون على أبواب منازل من يزورونهم و لا يجدونهم : ( حضرنا و لم نجدكم ) . أتمنى أن يتغير الحال و يكون شعارنا في المرة القادمة : ( سوف نحضر و نجدكم ) !
أخيرا أكرر و أقول : إن الحل لكل مشاكل السودان السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية يكون في العودة إلى مكون السودان القديم و هو التعايش السلمي بين العروبة و الأفريقانية و التمازج بينهما في سبيل تنمية الموارد و العيش سويا دون إكراه أو تعالٍ أو عنصرية . قبل ألف عام كانت في السودان ثلاث ممالك افريقية في قمة التحضر , و طيلة ألف عام توافد المهاجرون العرب إلى الأراضي السودانية ناشرين رسالتهم الإسلامية و متمسكين بأنبل القيم , فكان الإحترام المتبادل هو ديدن التعامل بين العنصرين العربي و الأفريقاني . إن العودة إلى المكون السوداني القديم تتطلب تغييرا جذريا في المفاهيم و في الرؤى المستحدثة و في الوجوه الكالحة التي ملها الناس !