اسمعوا النصيحة … ضاق بنا البلد العريض
بسم الله الرحمن الرحيم
من محاسن علماء الإسلام وحماته في زمن التقوى والورع والصلاح أنْ جهروا بالنُّصح واحتملوا الأذى، ولم يُحابوا أحدًا أو يداهنوه؛ إذ كانت المحاباة والمداهنة تنافي ما أمروا به من قول الحق والصَّدع بأمر الله، حتى عند غلبة الهوى وتسلط الوُلاة وقسوة المتجبرين، لقد فضلوا أن يُبرئوا ذمتهم، وأن يعلنوا الحقَّ في غير خفاء أو لف ودوران، ولقد تَمَّ لهم ما أرادوه من إبلاغ الحقِّ، وإقامة الحجة في وضوح ونصاعة، وظهور يليق بهذا الحق الذي يدعون إليه، وإن أصابَهم في سبيل ذلك ما أصابهم.وإذا كنا في أمسِّ الحاجة للالتفات نحو تاريخ سلفنا الصَّالح للاقتباس والاقتداء والاعتبار، فإنَّ هذه الناحية - ناحية النصيحة - والجهر بها من أهم نواحي ذلك التاريخ الوضاء. دعني الآن أروي هذه الرواية ففيها من العظات والعبر ماهو كثير .
كان عامر الشعبي من خاصَّة ابن الأشعث مُرافقًا له في جميع حروبه، فلَمَّا انهزم ابن الأشعث أمام الحجاج وأُسِر أصحابُه، أمر الحجاج بقتل كل أسير يُؤتى به، فلما كثروا عليه، صار يقتل من يقول: إنَّه مؤمن، أمَّا من اعترف بالكفر والنِّفاق على نفسه، فإنه يعفو عنه، وأسر عامر الشعبي فيمن أسر، وأُتي به إلى الحجاج في ثورة غضبه، وهو يقتل الأسرى الأول فالأول إلاَّ من باء على نفسه بالكفر والنِّفاق، فلما سار عامر الشَّعبي إلى الدخول عليه، لقيه رجل من صَحَابة الحجاج يقال له: يزيد بن أبي مسلم، وكان مولاه وحاجبه، فقال له: يا شعبي، لهفي بالعلم الذي بين دفتيك، وليس هذا بيوم شفاعة، إذا دخلت على الأمير، فبُؤ له بالكفر والنفاق عسى أن تنجو. فلما دخل الشعبي على الحجاج، صادفه واضعًا رأسه لم يشعر، فلَمَّا رفع رأسه رآه، قال له: أنت أيضًا يا شعبي فيمن أعان وألَّب، قال: أصلحَ الله الأمير، إنِّي أمرت بأشياء أقولها أرضيك بها، وأسخط الرب، ولست أفعل، ولكني أقول - أصلح الله الأمير - وأصدُقك القول، فإن كان شيء ينفع لديك، فهو الصدق - إن شاء الله -: أحزن بنا المنزل، وأجدب الجناب، واكتحلنا السهر، واستجلسنا الخوف، وضاق بنا البلد العريض، فوقعنا في خِزْيَة لم نكن فيها بَرَرة أتقياء، ولا فجرة أقوياء، فقال له الحجاج: كذلك، قال: نعم، أصلح الله الأمير، وأمتع به، قال: فنظر الحجاج إلى أهل الشام، فقال: صدق والله يا أهل الشام، ما كانوا بررة أتقياء، فيتورَّعوا عن قتالنا، ولا فجرة أقوياء فيقووا علينا، ثم قال: انطلقْ يا شعبي، فقد عفونا عنك، فأنت أحقُّ بالعفو ممن يأتينا، وقد تلطخ بالدِّماء، ثم يقول: كان وكان. هذه صوره لموقف أحد علماء الإسلام يقف أمام حاكم لا تلين له قناه قال له الحق ارضاءً لربه ولم يخشي في الحق لومة لائم ، أين نحن الآن من كل ذلك الحاكم يُقرب إليه بطانه من أهل العلم ليُزين بها قوله ويُحسن بها فعله ، وينسي العالم نفسه في بيت السلطان والسلطة للأسف حتى الخطب الرسمية تكون في مصلحة السلطة اطراء وتمجيد وإعلاء ، وينبغى أيها العلماء أن تكون النصيحة مسموعة مشهودة يعلمها كل الناس لتكون شاهداً له يوم الحساب ، حكامنا وساستنا الآن أكثر حاجة للنصح والتناصح بها نُصلح أحوال العباد والبلاد ويرفع الله عناء البلاء والعناء والمشقة ، جاء أهل العراق إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز شاكين حالهم ألم بهم الفقر والضنك في العيش والسماء لم تمطر ، استمع الخليفة لهم وكتب ‘ إليهم خطاباً لواليهم قال له فيه " أصلح حالك تنصلح أحوال الرعية " هذه صوره من روائع الحكم في الدولة الاسلامية ، أيها الساسة أصلحوا حالكم لتنصح أحوالنا وأيها العلماء قوموا بواجبكم نحو حكامكم وولاتكم لتحسنوا اقوالهم وأفعالهم فنحن الآن تعبنا كثيراً وضاق بنا البلد العريض ارحمونا يرحمكم من في السماء ، والله المستعان .
Elfatih Eidris [eidris2008@gmail.com]