أهو إنقلاب عسكري أم إنقلاب على الشرعية الدستورية؟!! (2-2)
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعا لى: ( هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ) ..الآية
هذا بلاغ للناس
توطــئة:
يبدو أن الحركات الإسلامية والأحزاب الشيوعية في عالمنا العربي لا تتعلم الدروس والعبر من تجاربها وحتى تجارب للآخرين ، وتعتبر أن اللعبة الديمقراطية هي الوسيلة الوحيدة في الوصول لسدة الحكم ـ حين تفشل الانقلابات العسكرية التي تدبرها ـ وبرغم عدم إدراكها لمتطلبات صناعة القيادات السياسية والتكنوقراطية لإدارة الدولة ، فربما لهذه الحركات والأحزاب القدرة على تحريك وقيادة الشارع بفعالية أكثر من إهتمامها بتأهيل و تكوين كوادر قادرة ومؤهلة لممارسة الحكم رغم حسن نواياها في الانحياز لعامة الشعب ، وذلك عكس الأحزاب الطائفية التي قد يكون لديها من كوادر التكنوقراط وقلة من السياسيين المؤهلين للوزارة ، ولكن هيمنة القيادات الروحية للحزب تركز على مصالح رموز الحزب من الرأسماليين أي الإهتمام بالمصالح الذاتية ، وهم يعتبرون أتباع الطائفة والذين يؤيدونها " غُمّيضي" هم رصيد مضمون لإكتساح الانتخابات دون القوى الحديثة التي ربما تستطيع تحريك الشارع بالخطاب الشعبوي ولكنها تفشل في الاقتراع العام اللهم إلا دوائر الخريجين ، والواقع أن لصندوق الانتخابات في بلادنا إعتبارات تفتقر إلى معايير المنطق ، والدليل أننا شهدنا ديمقراطياتٍ ثلاثة يقتسم فيهما الحزبان الطائفيان مقاعد البرلمان فيأتلفان إئتلاف الإخوة الأعداء ، والضحية في نهاية المطاف هو المواطن المغلوب على أمره ، وكما نعلم فأن تصرفاتهما أدت إلى تهيئة الظروف والمناخ للإنقلابات العسكرية!!، وشهدنا في الثلاث ديمقراطيات نجاح خجول للإسلاميين والشيوعيين حيث نالوا بضع مقاعد فقط دوائر الخريجين!!
المتــن:
أزعم أن ما نشهده في مصر اليوم من إنقلاب على الشرعية هو نتاج طبيعي لممارسة الإخوان وهم من تسبب فيه بأنفسهم لأنه ربما كانوا يعتقدون أن مجاهداتهم طوال (8) عقود بنت لهم رصيداً شعبياً عقائدياً يحصنهم ويؤهلهم للحكم منفردين بعد ثورة (25) يناير ،غير آبهين بالتجارب التي مرّ بها إسلاميو الجزائر وأربكان في تركيا وحماس في فلسطين وما يعانيه خكم الإنقاذ من حصار اقتصادي غربي خانق ، ولم يستفيد الإخوان في مصر من عقلانية إخوان تونس رغم حصولهم على الأغلبية فأخرجوا خلطة إئتلاف من ثلاثة أحزاب فوتت الفرصة على القوى العلمانية والليبرالية والشيوعية ، وبالرغم منذلك فهناك محاولات للإطاحة بهم!!
إن القوى العلمانية رغم أنك تحسبهم جميعاً لكن قلوبهم شتي ، والذي تمثل تحالفهم في "تمرد" إلا أن ذلك التحالف لا يعد إلا تحالفاً تكتيكياً الهدف منه إجبار الجيش للتدخل والانحياز لجانبهم والتبرير أن الشعب رفضهم عبر هذه المظاهرات والاعتصامات، فالمشهد بعد إعلان الجيش يوحي بأن كفتي الميزان سواء إعتصامات " تمرد" أو الإخوان كانتا متعادلتين، ووضح ذلك جلياً من الأعداد التي ما زالت معتصمة في ميدان رابعة العدوية وميدان الجيزة وبقية ميادين المحافظات ، مما إضطر السلطة العسكرية للقيام بإعتقال قيادات ورموز الإخوان فربما كان ذلك من أجل إرهاب المعتصمين حتى تنفض إعتصاماتهم فيعود الهدوء للشارع ، ولكن هل سيعود؟! هذا هو السؤال المحير الذي ليس بمقدور أي أحد الاجابة عليه لا المجلس العسكري ولا " تمرد" ولا حتى الإخوان أنفسهم . وعلينا أن لا نستبعد أن دورة من العنف قد تحدث مثل تلك التي حدثت عقب إجهاض نتائج الانتخابات التي فازت بها الحركة الاسلامية في الجزائر قبل عقدين من الزمان!!
أزعم أن الحركة التي قامت بها قيادة الجيش في مصر تحتمل التوصيفان معاً إنقلاب عسكري وإنقلاب على الشرعية تحت ضغط القوى العلمانية والقومية والشيوعية والمبرر لتحرك قيادة الجيش هو الضغط الشعبي لهذه القوى التي قادت حرباً إعلامية تعتبر بمثابة القصف التمهيدي للوصول إلى نهاية المشهد الذي نراه اليوم ، والملفت للنظر أن السلفيين لم يشاركوا أيٌ من الجانين إعتصاماتهما في باديء الأمر ، لأنهم باعتقادي لم يقوموا بتقدير الموقف تقديراً صحيحاً ولكنها نوع من الانتهازية الحزبية وحتى لا يحرموا من دخول أي إنتخابات قادمة ويعتقدون أن كفتهم فيها ستكون الراجحة، أي ليست لهم رغبة في أن يدخلوا أنفسهم لا في صدامٍ مباشر ولا صدام إعلامي ، لا مع القوى العلمانية ولا مع الاخوان ، إلا أنهم فوجئوا بمجزرة الحرس الجمهوري والأخوان يصلون الفجر فحصدت مجزرة الحرس الجمهوري ما يقارب من الـ (42) شهيداً وأكثر من أربعمائة من الجرحى بعضهم حالته حرجة فتغير موقفهم وانسحبوا من الحوار مع العسكر!!
الحاشية:
الآن لسنا بصدد العويل على اللبن المسكوت ولكن ما يجب التركيز عليه هو إن كانت الديمقراطيات هي حق فقط للحركات الليبرالية والعلمانية والقومية والشيوعية والبعثيين ، ولزاماً على هذه القوى المتحالفة مع بعضها البعض إجهاض الديمقراطية في حال إكتساح الاسلاميين والفوز بها ، فما شهدناه في الجزائر وفلسطين وتركيا ومحاصرة النطام السوداني بغية إسقاطه، هو خير دليل على ما ذهبت إليه ، إذن نحن ندخل مرحلةً قديمة جديدة وهي مرحلة الديمقراطية الانتقائية أو انتقائية الديمقراطية ، وبدخول هذه المرحلة لا بد من أن نقرر لحالة وهي أن الانتقائيين أرادوا أن تكون الديمقراطية والعلمانية بمختلف أشكالها ومبادئها صنوان ، ولا يحق للتيارات والحركات الاسلامية ممارستها وإن مارستها لا بد من العمل على إجهاضها!!
المتحدثان الرسميان بإسم الشرطة والقوات المسلحة تحدثا عن شهداء الشرطة والقوات المسلحة أمام دار الحرس الجمهوري ولم يتحدثا عن الشهداء الذين سقطوا أمام الدار؟! ، هل نحن نشهد إعادة إنتاج نظام أمني جديد إذ أعلن أن من سقط من الشهداء كان على أيدي جماعة إرهابية مجهولة ، ولكن اليوم أعلن المتحدثان أن هناك كانت مواجهة بين المعتصمين الذي كانوا يقذفون الحرس الجمهوري بالمولوتوف والحجارة ، فهل هم من المعتصمين أم جماعة إرهابية مجهولة؟!!
الهامش:
إن الوسيلة الاعلامية الوحيدة التي تغطي فعاليات ميدان رابعة العدوية هي قناة الجزيرة بينما قناة العربية أخذت قصب السبق في تغطية الجانب الآخر بالاضافة إلى كل القنوات العلمانية والمستقلة بينما أغلقت السلطات كل قنوات الطرف الآخر ، فهل هذا من الديمقراطية وحرية التعبير في شيء؟! .
هل في إغلاق مقار حزب الحرية الأخواني ومنع بث قناته الفضائية من الديمقراطية في شيء؟! ، إنني لست مع أو ضد حزب الحرية ولكن ما يهمنا هو الممارسة الديمقراطية الوليدة في مصر كرائدة للأمة العربية يتأثر بما يجري في مصر ، ويدهشنا في ذات الوقت صمت الغرب بقيادة أمريكا عما يجري في مصر ، بينما علا صوتهما في ساحل العاج ومالي وتدخلهما بالقوة العسكرية لإعادة الشرعية الدستورية!!
في ظل تقدم وسائط الاتصال لا يمكن لأحد تضليل الرأي العام العربي والعالمي ، وأن المشاهد أصبح لديه من الثقافة الاعلامية للتأكد من مصداقية أي خبر أو تصريح أو مؤتمر ما يُدلى به في أي مؤتمر صحفي ، فالشيء الذي يدعو للإستغراب أن كل الشهداء الذين سقطوا لم تُحمّل أي جهة قتلهم ، أبتداء مما أطلق عليه " موقعة الجمل " ، وشهداء أستاد بورسعيد وشهداء محمد محمود وشهداء ماسبيرو والآن يقال أن شهداء دار الحرس الجمهوري قضوا على يد جماعة إرهابية مجهولة ، فهل يعقل أن يسقط (300) جريح و (42) شهيد في خلال (3) ساعات ؟!!
قصاصة:
ماذا سنقول إذا ما إنتهت الفترة الانتقالية وجرت ما انتخابات نزيهة وإكتسح الاسلاميون والسلفيون والتيارات الاسلامية وأتوا مرة أخرى عبر صناديق الاقتراع ، أو ماذا سيحدث إذا ما تعادل الطرفان في حصد الأصوات ، هل سيأتلفون مثل تزاوج الحصان والحمار ويكون الوليد بغلاً؟!!
لماذا لم يجد الدكتور البرادعي القبول عندما أشيع تكليفه بمنصب رئيس الوزراء؟! ثم قيل أنه سيعين في منصب نائب الرئيس المؤقت أليس هذا بدا كما لو أنه يشتم منه أنه مفروض فرضاً من جهة ما؟!! ، إن تاريخ البرادعي حينما كان مديراً لوكالة الطاقة الذرية وتقاريره عل أسلحة الدمار الشامل هي السبب الرئيس في تدمير العراق وهذا موقف مخزي يؤخذ عليه خاصة عندما كشف إسكوت ريتر تلفيق هذه التقارير ، أما أنصاره الذين يفاخرون بحصوله على نوبل ، فالغاشي والماشي يدرك أنها أصبحت جائزة مسيسة وأن منحه إياها هو بمثابة مكافأة نهاية خدمة لما قام به في العراق، والسؤال الذي يطرح نفسه هو : لماذا اختير كعربي في ذاك التوقيت بالتحديد؟!.. فالإجابة بدبهية ولا تخفى على فطنة القراء!!
أسئلة محيرة كثيرة أفرزها المشهد المصري بين ميداني التحرير ورابعة العدوية ، دعونا نبتهل لله ونسأله أن يحفظ كنانته
عوافي.....
Abubakr Yousif Ibrahim [zorayyab@gmail.com]