صحيفتا هفنجتون بوست والنيويورك تايمز الأمريكيتين وعزلة بلاد السودان ؟ -2-
ثروت قاسم
14 August, 2013
14 August, 2013
الحلقة الثانية ( 2 -4 )
ثروت قاسم
Facebook.com/tharwat.gasim
Tharwat20042004@yahoo.com
1- صحيفة هفنجتون بوست الإلكترونية الأمريكية .
ذكرنا في الحلقة الأولى من هذا المقال كيف إستغلت السعودية عشوائية الهواة من مساعدي الرئيس البشير في إرسال رسالة للسودان مفادها تجنب اللعب مع إيران ، رغم ما حملته طريقة الإرسال الخشنة من إهدار للكرامة الوطنية السودانية .
في هذا السياق ، نشرت صحيفة هفنجتون بوست الإلكترونية الأمريكية المؤثرة في صنع القرار الرسمي الأمريكي ( عدد يوم الأثنين 12 أغسطس 2013 ) مقالاً طويلاً ( حوالي 1500 كلمة ) وغاية في الأهمية بعنوان ( تداعيات التحالف الإيراني- السوداني المتنامي ) ، نوصي بمراجعته على الرابط أدناه :
http://www.huffingtonpost.com/daniel-wagner/implications-of-iran-and-_b_3742688.html
نلخص إنطباعاتنا ( وليست ترجمتنا ) عن المقال ، لمن لم يجد الفرصة لمراجعته ، في عدة نقاط أدناه :
اولاً:
• تعارض المملكة العربية السعودية وباقي الدول الخليجية ، وبشدة ، تنامي الشراكة الإيرانية - السودانية وتعتبرها تهديداً لأمنها القومي . إذا استمرت هذه الشراكة فربما اضطرت الدول الخليجية لوقف دخول الصادرات السودانية إلى أراضيها ، مما يسبب خسارة جسيمة للسودان ، لأن هذه الصادرات تمثل حوالي 75% من إجمالي الصادرات السودانية . وربما تأثرت العمالة السودانية الكبيرة في دول مجلس التعاون .
ثانياً :
• في المقابل ، تؤمن حكومة الخرطوم أن شراكتها الوثيقة مع إيران قد ساعدت في إستمرارها في السلطة ، بل في ذات وجودها . ولولا الأسلحة الإيرانية المتطورة والتصنيع والتدريب والإستشارات العسكرية الإيرانية لما صمدت حكومة الخرطوم أمام قوات الجبهة الثورية والمعارضة المدنية ، ولإنهارت من سنوات . إذن تقليص الخرطوم لشراكتها مع إيران ، دعك من الطلاق البين ، أمر دونه خرط القتاد ويدخل في رابع المستحيلات بعد الغول والعنقاء والخل الوفي .
ثالثاً :
بل على العكس ، سوف تعمق حكومة الخرطوم من شراكتها مع إيران في المستقبل لإعتبارات وجودية من جانب ، وفي الجانب الآخر لأن ايران عازمة على توسيع نفوذها في أفريقيا ومساعدة حماس وحزب الله عبر حكومة الخرطوم ، مما يعني مزيداً من التراجيكوميديات ... البارحة من السعودية وغداً من الإمارات ، وبعد غد من البحرين ، أما إسرائيل فسوف ( تجيب ضقلها يكركب ) في الضلمة والنور طافي ؟
قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا ؟ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ !
رابعاً :
• كما ذكرنا آنفاً ، تحتاج إيران لحكومة الخرطوم كوسيط وممر لإرسال السلاح لحماس في غزة ولحزب الله في جنوب لبنان وكجسر لعبورها إلى افريقيا . في الجانب المقابل سوف يتزايد إعتماد حكومة الخرطوم على إيران مع إستمرار التوتر العسكري بين حكومتي السودان والحروب الأهلية في دارفور وولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان ، وعزوف الدول الأخرى بخلاف إيران ( وربما الصين ) عن تزويد حكومة الخرطوم بالسلاح !
إذن كل الدلائل والشواهد تؤكد تعميق الشراكة الإيرانية - السودانية مستقبلاً ، حتى وإن كرهت إدارة اوباما وإسرائيل والدول الخليجية . وحتى لو تكررت التراجيكوميديات .
خامساً :
• في ظل استمرار النزاع بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة حول برنامج طهران النووي ؛ واستمرار الأزمة السورية المزمنة ؛ والنزاع بين دولتي السودان ؛ والحروب الأهلية داخل السودان ، يبدو أن إيران والسودان يعتبران الشراكة الاستراتيجية بينهما كقرني الثور لا فكاك منها .
سادساً :
• رغم التداعيات السلبية على حكومة الخرطوم والإنتقادات الأمريكية والخليجية لها ، فقد رجحت الصحيفة الأمريكية أن تستمر حكومة الخرطوم في لعب دور مؤثر ومساعد لإيران في إفريقيا والشرق الأوسط ، ببساطة لأن وجودها يعتمد على إيران .
• إذن نحن موعودون بمزيد من تراجيكوميديا يوم الأحد 4 أغسطس 2013 .
إنتظروا ، إنا معكم منتظرون !
2 – صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية ؟
في نفس يوم الأثنين 12 أغسطس 2013 ، نشرت صحيفة النيويورك تايمز تقريراً عنوانه ( شحنات أسلحة من السودان إلى المتمردين في سوريا ) . تناقلت وكالات الأنباء هذا التقرير على نطاق واسع ، وإهتمت به الدوائر الرسمية في واشنطن وبكين وطهران والخرطوم .
يمكنك مراجعة كامل التقرير على الرابط أدناه :
http://www.nytimes.com/2013/08/13/world/africa/arms-shipments-seen-from-sudan-to-syria-rebels.html?pagewanted=all&_r=0
نختزل ملاحظاتنا على التقرير في النقاط التالية :
اولاً :
+ يعتمد التقرير على بحث مكثف احتوى على مقابلات مع ثوار سوريا في الأراضي السورية المحررة وصور للثوار وهم يحملون الاسلحة والصواريخ المرسلة من السودان ، وعلى رصد دقيق لحركات الطائرات الأوكرانية الضخمة المغادرة مطار الخرطوم الى تركيا ، وعلى حوارات مع مسئولين سودانيين (السيد عماد سيد أحمد، السكرتير الصحافي للرئيس البشير، والصوارمي خالد سعد المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية) ومسئوليين قطريين ، وعلى تقارير رسمية من الصين .
ثانياً :
+ يدعي تقرير صحيفة النيويورك تايمز أن السودان باع أسلحة مصنعة أو مجمعة في السودان ومختلفة الأنواع الى دولة قطر ، التي قامت بإرسالها من مطار الخرطوم الى ثوار سوريا عبر تركيا . اشتملت الأسلحة على منظومة صواريخ حرارية ( تتبع الحرارة المنبعثة من محرك الطائرة ) محمولة على الكتف مضادة للطائرات ماركة أف أن – 6 الصينية الموضحة في الصورة المرفقة ، وبنادق قنص صينية الصنع ، وقذائف مضادة للدبابات ، وعلى أسلحة خفيفة من مختلف الأحجام والذخائر المصاحبة . وثقت صحيفة نيويورك تايمز وجود ذخيرة سودانية الصنع عيار 7.62X 39 ميليمتر بحوزة الثوار السوريين قرب إدلب هذا العام !
ثالثاً :
+ تقرير صحيفة النيويورك تايمز مدابر في معلوماته وإستنتاجاته لتقرير صحيفة الهفنجتون بوست المذكور أعلاه .
تقرير صحيفة الهفنجتون بوست يؤكد الشراكة السودانية – الإيرانية الوثيقة في المجالات العسكرية كافة . ولكن تقرير صحيفة النيويورك تايمز يورد أخباراً ووقائع تؤكد بيع السودان السلاح لثوار سوريا ، وضد سياسة إيران الداعمة بقوة لنظام الأسد .
رابعاً :
+ يؤكد تقرير صحيفة النيويورك تايمز أن حكومة الخرطوم باعت الأسلحة لقطر لأسباب مادية تجارية بحتة ، للضائقة المالية التي تمر بها حالياً ، وليس لأي أسباب أو إعتبارات سياسية !
خامساً :
+ نفت حكومة الخرطوم بيعها أي سلاح لقطر لصالح ثوار سوريا . كما نفت قطر شرائها لأي سلاح من الخرطوم لصالح ثوار سوريا . ولكن أكدت صحيفة النيويورك تايمز معاينتها في أيادي ثوار سوريا الصواريخ المضادة للطائرات والمجمعة في السودان ، والأسلحة الخفيفة الأخرى . كما أشتكي ثوار سوريا من أن الأسلحة السودانية معطوبة ( عطب مصنع ) ، وتقتل الثوار عند إطلاقها ، أكثر من قتلها للعدو .
سادساً :
+ تدخل حكومة الخرطوم لعبة أكبر من حجمها بتورطها ( حسب تقرير صحيفة النيويورك تايمز ) في إمداد ثوار سوريا بالسلاح ، حتى وإن كان للربح التجاري المادي وليس لأسباب سياسية . سوف لن تقبل ايران بهكذا تصرف من حكومة الخرطوم ، وربما أدى ذلك إلى قطيعة بين طهران والخرطوم .
سابعاً :
+ ذكرت صحيفة النيويورك تايمز أن السلاح المجمع في السودان ( من ايران والصين ) قد ظهر في جنوب السودان ( المتمرد ديفيد ياو ياو ) ، مالي ، ساحل العاج ، الصومال ، يوغندا ، تشاد ، وعند قوات جيش الرب الأوغندية ، وفي ليبيا .
في هذا السياق ، أقر الرئيس البشير في احتفال بمدينة كسلا في يوم الأربعاء 26 أكتوبر 2011 ، بحضور امير دولة قطر ، بأنه قدم أسلحة وذخائر ومساعدات عسكرية أخرى للثوار في ليبيا ، وإن سلاح القوات الثورية التي دخلت طرابلس كان سودانيا مئة بالمئة.
ثامناً :
+ أجمع المراقبون على أن تقرير صحيفة هفنجتون بوست صحيح ولا يحتوي على أي معلومات مغلوطة ، وكذلك تقرير صحيفة نيويورك تايمز رغم تدابر مخرجاته مع تقرير صحيفة هفنجتون بوست . التناقض والتدابر بين التقريرين رغم صحتهما مبعثه التناقض والتدابر في مواقف حكومة الخرطوم ؟ فهي في صف هذا المعسكر ، وفي نفس الوقت في خندق المعسكر المقابل ، تماماً كالمنشار ... تحاول أن تكسب وهي طالعة ، وتحاول أن تكسب وهي نازلة . سياسة المنشار تؤكد تخبط حكومة الخرطوم ، وإتباعها سياسة حق اليوم باليوم وسياسة هي عايرة وأديها سوط ، بدون أي مرجعيات أو كوابح أخلاقية أو سياسية .
تاسعاً :
+ تلعب حكومة الخرطوم بالنار لأنها تخضع حالياً لحظر دولي على الأسلحة وإدانات من إدارة اوباما والدول الخليجية لشراكتها الإستراتيجية مع إيران . وفي نفس الوقت تعرض علاقتها الوثيقة مع ايران ( مصدر إداناتها الدولية والخليجية ) لجفوة بل خصومة بينة لبيعها السلاح لثوار سوريا ، الذين تحاربهم ايران . بهذا المسلك المريب تفقد حكومة الخرطوم العدو والصليح ؟
تلعب حكومة الخرطوم بالبيضة والحجر ، وربما أنكسرت البيضة وكذلك الحجر على رأسها في نهاية المطاف ؟
نواصل في الحلقة الثالثة ...