بماذا يضحي الصادق المهدي في العيد الكبير ؟
Facebook.com/tharwat.gasim
Tharwat20042004@yahoo.com
مقدمة .
السيد الأمام قدوة ، تأتم الهداة به وكأنه علم في راسه نار . ولذلك يحرص أن يكون مرجعية أخلاقية سامية ، ليضرب الأمثال لقوم يتفكرون . وكما قال قائل منهم فأن المنفلة التي تدور مكنة السيد الإمام تجدها في الكلمات الخمس الأواخر في سورة النمل :
( وما ربك بغافل عما تعملون ) .
وإن شئت وبدأت من الآخر كما يقول أهل مصر ، فان السيد الإمام لا يضحي في العيد الكبير بذبح عظيم ( خروف ) ، وإنما يضحي تضحية من نوع آخر مختلف جدا ، كما سوف نرى لاحقاَ في هذه المقالة ً.
ولكن دعنا نبدأ قصة الضحية والفداء من طقطق ، حتى نضع الأمور في نصابها الصحيح ، خصوصا وهذا العيد يمر على بلاد السودان واهل بلاد السودان بالساحق والماحق .
نختزل القصة في عدة نقاط أدناه :
اولاًً :
هل يستقيم شرعاً أن تضحي الضحية ؟ هل يجوز شرعاً أن تذبح الذبيحة ؟ هل يسمح الشرع للرماديين أن يفدوا في عام الرمادة ( 2013 ) ؟
بلغت معدلات البطالة أرقاماً فلكية ، وبالتالي معدلات الفقر والمرض المرتبط بالفقر ، وصار أكثرمن 90% من المواطنين تحت خط الفقر ... ضحايا وذبائح رماديون .
يعود هذا العيد على بلاد السودان وهي البرنجي في الدول الفاشلة ، والدول الأقل شفافية ، والدول الحاضنة لأكبر عدد من النازحين واللاجئين ولأكبر عدد من القوات الدولية ؛ وهي البرنجي على ما رحم ربك من كيانات ليس لها من صفة الدولة غير الأسم .
تفور معسكرات الذل والهوان بأكثر من 3 مليون نازح ولاجئ في دارفور وولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان ، كل واحد منهم يسأل ربه أن يبقيه على قيد الحياة ليوم آخر ؟
ردد هؤلاء المعذبون :
عيد ؟ بأي حال عدت يا عيد ؟
بما مضى ؟ أم لأمر فيك تجديد ؟
وأذن مؤذن :
بل لأمر فيك تجديد !
ثانياًًََ:
عدم المسآلة والأفلات من العقاب وعدم تحقيق العدالة جعل المتنفذين في حكومة البشير – الميرغني يهددون المتظاهرين علناَ بالضرب بالرصاص الحي في الرأس والصدر ، كما فعل بكل وقاحة وصفاقة اللواء السر بشير حسين ( نيالا – الأربعاء 9 أكتوبر 2013 ) .
ولغت حكومة البشير – الميرغني في دماء أطفال السودان من تلاميذ مرحلة الأساس والثانويات ، وقتلت منهم العشرات في مظاهرات تلاميذ مرحلة الأساس والثانويات السلمية .
دعت الجبهة السودانية العريضة محكمة الجنايات الدولية التحقيق مع اللواء السر بشير حسين ، كما دعت منظمة حقوق أنسان في بريطانيا رئيس الوزراء البريطاني القبض على ومحاكمة السيد محمد عثمان الميرغني لولوغه في أغتيال أطفال السودان .
نعود لقضية الأضاحي .
ثالثاَ :
تطور مفهوم الضحية عبر العصور التاريخية .
بدأت كقربان بشري يقدمه الناس للآلهة لتوكيد عبادتهم وتقديسهم لها ولجلب رضائها .
نعم ... كانت التضحية بالإنسان وليس بالأنعام ( الخروف ) .
هل تذكر عروس النيل التي كان قدماء المصريين يزفونها للنيل كل سنة عند فيضانه ، ليضمنوا فيضاناً اكبر في السنة المقبلة ؟ وكان القوم يختارون أجمل فتاة في البلدة ليزفونها للنيل فتموت في أحضان النيل غرقاً وتلتهمها تماسيحه فيما بعد .
وفي مرحلة ثانية لاحقة ، تحكي لنا سورة الصافات كيف اراد ابو الانبياء أبراهيم قتل أبنه أسماعيل كضحية حسب رؤية رأها في المنام ، ولكنه سبحانه وتعالي وحسب الآية 107 في سورة الصافات:
( وفديناه بذبح عظيم )
حول القربان والضحية البشرية ( إسماعيل ) إلى ضحية حيوانية ( خروف ) .
كانت بداية سنة ابي الأنبياء إبراهيم تحويل الضحية من البشر إلى الحيوان ؛ من أسماعيل إلى الخروف .
ثم جاءت المرحلة الثالثة مع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، بتحويل الضحية من ضحية مادية محسوسة (الأنعام ) إلى ضحية معنوية ... التقوى ( العمل الصالح على إطلاقه ) .
ختم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وأنهى مرحلة الضحية المادية المحسوسة ، مضحياَ بخروف عن أمته في كل زمان ومكان وحتى قيام الساعة .
بضحيته المادية المحسوسة اليتيمة تلك ( الخروف ) ، أسقط الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عن أمته في كل زمان ومكان وحتى قيام الساعة وجوب الضحية المادية المحسوسة ( الخروف ) في العيد .
قضي الأمر الذي فيه تستفتيان !
رابعاَ :
بدلاً من الضحية المادية المحسوسة ( الخروف ) في العيد ، بدأ الرسول محمد صلى الله عليه وسلم سنة جديدة للتضحية ، ليس فقط في العيد ، وإنما في كل زمان ومكان ، حسب الآية 37 في سورة الحج :
( لن ينال الله لحومها، ولا دماؤها، ولكن يناله التقوى منكم ... ) .
تقصد الآية إن الله سبحانه وتعالي لا يطلب لحوم ولا دماء الأضاحي في العيد ، ولكنه يطلب منكم العمل الصالح الخالص له مع الإيمان والعمل المفيد للمجتمع وللوطن . لن تصل لحوم الأضاحي إلى الله عز وجل وإنما يصله صالح الأعمال . يفدي المرء نفسه وأهله ليس بالذبيحة في العيد ، وإنما بالعمل الصالح المفيد في العيد وغيره من الأيام ( حتى بقش الشارع أمام منزله بالمقشاشة في العيد وغيره من الأيام ) .
نلخص ونقول :
+ بدأت الضحية في المرحلة الأولى بالأنسان ( مرحلة عروس النيل ) ؛
+ تبعتها الضحية في المرحلة الثانية بالأنعام بدلاً من الأنسان ... سنة أبي الأنبياء أبراهيم أي التضحية بذبح عظيم ( الخروف ) بدلاً من الأنسان ( إسماعيل ) ... الآية 107 في سورة الصافات ؛
+ وختمها الرسول محمد عليه الصلاة والسلام بالضحية في المرحلة الثالثة والأخيرة بالتقوى أي العمل الصالح حسب الآية 37 في سورة الحج ( ضحية معنوية وليست مادية كما في المرحلتين الأوليتين ) .
خامساً :
فكرة الضحية المادية ( الخروف ) للقادر فكرة حميدة تجسد التكافل الإجتماعي والعدالة الإجتماعية . شخص قادر يذبح الذبيحة ويأكل هو وعائلته منها ويوزع الباقي على ذوي القربى والفقراء والمساكين وما رحم ربك .
الكل كسبان .
ولكن تطبيقات الفكرة في المجتمع لها عدة جوانب سلبية تجعلها غير مستحبة . رجل قادر يذبح الضحية ويأكلها هو وعائلته الضيقة دون أن يوزع منها لذوي القربي والفقراء والمساكين ، فتنتفي منها صفة التكافل الإجتماعي . وإذا كان الجار غير قادر على شراء الضحية وقد تجاوز سعرها الألف جنيه ، فان أولاده يشعرون بالدونية والمذلة عندما يرون اولاد الجار القادر يتباهون بضحيتهم . تتولد في هذه الحالة توترات إجتماعية سالبة ، وحنق طبقي ربما قاد إلى عدم سلام مجتمعي .
لهذا السبب وغيره رفض غالبية الصحابة عليهم السلام ذبح الضحية في العيد ، حتي لا يعتبرها العامة وغير القادرين واجب وفرض يجب قلب الهوبات للقيام به للوجاهة الإجتماعية وعدم الشعور بالدونية الطبقية .
رغم ما قد تسببه الضحية من رهق مالي لا قبل للمضحي به .
إمتنع الأمام الأكبر عليه السلام عن ذبح الضحية في العيد خشية ان يقتدى الناس به . كان الإمام الأكبر عليه السلام يذبح وينحر كل يوم، ثم لا يذبح يوم العيد . كان منزله تكية يتم ذبح الخراف فيه كل يوم ( إلا يوم عيد الأضحى ) لإطعام كل من هب ودب . كما إمتنع في زمن غابر الخليفة أبوبكر الصديق والخليفة عمر بن الخطاب والصحابي عبدالله بن عمر وغيرهم من صحابة رسول الله عن ذبح الضحية في العيد ، حتى لا يعتبرها العامة واجب فيتكبدون المشاق من دين مالي وخلافه للقيام بها .
الضحية ليست واجباً ، بل هي عادة ذميمة وضارة يجب الإمتناع عن أدائها حتى اذا رافق أدائها بعض الإيجابيات .
سادساً :
طبق السيد الإمام الآية 37 في سورة الحج في حياته الخاصة المتعلقة بالضحية والزكاة والصدقات والهبات ، بأن كون المكتب الخاص ، الذي يشرف على :
+ توزيع أضحية وذبائح السيد الإمام ،
+ توزيع زكاة السيد الإمام ،
+ توزيع صدقات السيد الإمام .
+ توزيع هبات السيد الإمام .
يقوم المكتب الخاص بتوزيع أضاحي السيد الأمام ، وزكاته وصدقاته وهباته .
فقط هي أضاحي وزكوات وصدقات وهبات من النوع المذكور في المرحلة الثالثة أعلاه ... ف ك ر ي ة ومعنوية وليست من نوع المرحلة الثانية ( أنعام ) ، وقطعاً ليست من نوع المرحلة الأولى ( الأنسان ) .
يرسل المكتب الخاص هذه الأضاحي والزكاة والصدقات والهبات الفكرية لمواقع التواصل الإجتماعي كافة ولجميع الوسائط الإعلامية بشكل شبه يومي . كما يقوم المكتب الخاص بتحويل هذه الأضاحي والزكوات والصدقات والهبات إلى كتب ومطبوعات يتم توزيعها بسعر التكلفة ، وفي أغلب الأحيان مجانا لتعم الفائدة ، ولكي تصل إلى الله سبحانه وتعالى كما في الأمر الرباني في الأية 37 في سورة الحج :
... ولكن يناله التقوى منكم ...
أنت مدعو ، يا هذا ، لتذوق والإستمتاع بضحية السيد الإمام في العيد الكبير يوم الثلاثاء القادم .
وأحلى بها من ضحية ؟
سابعاً :
روى مسلم عن أم سلمة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :
إذا رأيتم هلال ذى الحجة ( وأراد ) أحدكم أن يضحي ....
بمعنى إنه يمكن لآخر أن ( لا يريد ) أن يضحي ...مما يؤكد إن الضحية ليست واجبة ؟
كان الصحابي الكبير بلال عليه السلام يضحي بديك في بعض الأعياد ولا يضحي في غيرها !
أما الصحابي الجليل أبن عباس فأرسل أحدهم بدرهمين أثنين ليشتري بهما لحماً ( كوم لحم أغلبه عظام وقتها ) وقال:
من لقيت فقل له هذه أضحية إبن عباس !
هل أنت أكثر إسلامية من بلال وأبن عباس لتضحي بخروف مليوني ؟
ثامناَ :
في عام الرمادة 17 – 18 هجري ( جفاف إجتاح الحجاز وتدهورت معه الحالة الإقتصادية ) اوقف سيدنا عمر بن الخطاب العمل بالحدود ، وبالاخص حد السرقة ؛ وهو فرض واجب في القران .
فاذا كان سيدنا عمر يجمد الواجب والفرض في سنة اقتصادية صعبة ، فما بالك بتجميد الضحية في العيد ( وهي سنة عادة وغير واجبة ) في السنة الاقتصادية الصعبة ( 2013 ) .
هذه ( 2013) سنة اقتصادية صعبة ، والضحية سنة عادة مستحبة غير واجبة ، ولا تثريب على من لا يضحي ؛ بل يجب على الكل ان لا يضحي حتى لا يحرج القادرون المضحون غيرهم من غير القادرين .