هل أطلق المؤتمر الوطني رصاصة الرحمة على وحدته ؟!!(1-2)
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: ( هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ) ..الآية
هذا بلاغ للناس
توطئة:
- كمدخل لعمود اليوم لا بد من أن نعرف ما هو المقصود بالمواطن الذي بموجبه يبنى تعريف مصطلح المواطنة وعلاقته بالسياسة ، فقد عرّف الإغريق السياسة بأنها "مجموعة من المسؤوليات والواجبات ملقاة على عاتق مواطن، حر، هو عضو في الدولة". كان يمكن ألا نصف المواطن بأي صفة؛ لأن مفهوم المواطن، الذي قامت عليه فكرة الدولة الحديثة، يتضمن الحرية وعضوية الدولة، أو المشاركة الإيجابية في الشأن العام؛ ومن ثم، فـالسياسة بالضرورة مرادفة للمواطنة وملازمة لها. العبيد لم يكونوا مواطنين، ولم يكونوا أعضاء في الدولة، ولم يكونوا جزءاً من عالم السياسة، بل عبيد فحسب. والعبد، عند أرسطو، هو "من ضعف روحه وقلت حيلته وأتبع نفسه لغيره". رعايا الحكومات المستبدة لم يكونوا يختلفون، وهم لا يختلفون اليوم، في الشرط السياسي، عن العبيد.
- ويبدو أن إصلاحيي حزب المؤتمر الوطني بقيادة د. غازي صلاح الدين، أدركوا معنى السياسة المستقر في اللاشعور السياسي العربي الإسلامي، الذي تفصح عنه الممارسة، هو المعنى السلطاني أو الأميري، الذي يتمحور على "العقيدة والعشيرة والغنيمة"، بحسب الجابري في كتابه المهم "بنية العقل السياسي". وتعززه دلالة الفعل "ساس" في العربية، وهي الترويض والتذليل. أو مفهوم "الأمر" الذي استدل به الفقهاء على مفهوم الحكم، ومنه اشتق الأمير. ويمكن استخلاص هذا المعنى اليوم من بنية الدولة القائمة هنا ، والآن، من الممارسة السياسية التي لا تخفى على بصير.
المتـــــن:
- إن الحركة الإصلاحية التي خرجت من جوف حزب المؤتمر بقيادة فئة مستنيرة من رموز الحركة الاسلامية لها مجاهداتها وتتصف بعفة اللسان وطهارة اليد هالها ما يحدث من ممارسات التجنيب والفساد الذي اصبح معروفاً ومكشوفاً في العلن ولا نية حتى لإضفاء بعض من حياء لإخفائه - وكما أشيع- أصبح مرتكبوه يفاخرون به ويعملون بمبدأ " البرقص ما بغطي دقنو"!! ، أو كأنهم يريدون بذلك إعلاناً لشرعنة الفساد، هذا برغم علمهم التام بأن نتائجه انعكست على حياة المواطن البسيط مرأى العين ولا تحتاج لدليل لأنها طالت عيش الفقراء والمعدمين، فالركود الاقتصادي، واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء صار مشهوداَ بصورة لا تحتاج إلى أدلة أو براهين أو دراسات وأبحاث، ونتاجاً لذلك بات المجتمع منقسماً إلى 5% من الأغنياء ، مقابل 95% من الفقراء، يعيش جزء كبير مهم منهم تحت خط الفقر، يقدره بعضهم بنحو 56% من عدد السكان، فضلاً عن البطالة التراكمية السافرة. وهو ركود نجم عن تشوهات بنيانية في عملية الإنتاج الاجتماعي أفضت إلى تعطيل القوى المنتجة، وتحويل المجتمع إلى نوع من "مجتمع بلا طبقات". وهذان التعطيل والتحويل مهدا السبيل لاختراق المجتمع المدني وتنسيق بناه وتحويلها إلى بنى موازية لبنى الدولة التسلطية تغذيها وتتغذى منها. ولا سيما القطاع الاقتصادي "الدولتي"، هو المجال الذي أعيد فيه تنضيد المفسدين، والتربة التي نبت فيها الفساد ونما وترعرع، بحكم مبدأ "الاحتكار الفعال للسلطة والثروة والقوة.
الحاشية:
- ومن منطلق ذات التفكير المبني على " الاحتكار الفعال للسلطة والثروة" من قبل فئة متنفذة من قياديي المؤتمر الوطني والتي اصبحت تمثل مراكز قوة داخله، أضحت محاولات الاصلاحيين مصيرها أدراج الرياح بل وصل الأمر ضمنياً لدرجة تخوينهم ، ثم تغليب الإجراءات العقابية التنظيمية كسيف مسلط على كل من يصدع بالنصيحة أو النقد ، بل إستعملت هذه الاجراءات كوسيلة قمع لكل من تسول له نفسه الخروج عن محتكري السلطة. المشكلة التي ينبغي لقادة حزب المؤتمر الوطني إدراكها ، هي أن كل مظاهر الفساد والثراء غير المبرر وإقصاء القوى السياسية الأخرى أصبح أمر اً معلوماُ لرجل الشارع العادي في مجتمع يميز أحوال بعضه البعض من مظاهر الفقر والثراء والمعرفة بالجذور الأسرية إقتصادياً ، فبدلاً من أن ينتهز الحزب هذه الفرصة الذهبية للإصلاح من الداخل وإعتماد أسلوب النقد الذاتي والحوار والتشخيص العلمي وإخضاع المخرجات للقياس ومنطق الاصلاح ، قام بإستعداء وإقصاء ومحاكمة الاصلاحيين ، فأنتهى الحزب من وهنٍ إلى وهن مضاعف، مثله مثل بعض الأحزاب الطائفية التي تشظت إلى طرائقٍ عددا ، وكان ذلك مثار سخرية حزب المؤتمر الوطني منها، فاليوم المؤتمر الوطني يتشظى إلى مثنى وثلاث و " مافيش حد أحسن من حد" !!، .
- ليت حزب المؤتمر الوطني إستفاد من التجربة الإيرانية بين المتشددين والاصلاحيين مؤخراً ، فكل الذي مورس ضد الاصلاحيين لم يجد فتيلا ، وها هم يفوزون في الانتخابات بعد حين وبعد أن وحدوا جهدهم وصفوفهم ضد المتشددين والمفسدين. أستعجب أنه ليس من بين قيادات حزب المؤتمر الوطني من يفكر بطريقة استراتيجية تضمن تماسك وقوة الحزب الذي فقد كثيراً بعد احتجاجات 23 سبتمبر التي راح ضحيتها دماء زكية من مواطنين عزل .
الهامش:
- كان يمكن للمرء أن يتفهم إعدامات رمضان بأنه صراع بين العسكريين من أجل الإنفراد أو الاحتفاظ بالسلطة أو الاستيلاء على السلطة من قبل عسكريين آخرين مناوئين ، رغم أن المنطق يقول أن هؤلاء فشلوا فيما نجح فيه حكام اليوم، وكان يمكن معالجة الأمر بطريقة بعيدة عن الدموية خاصة أن المجتمع السوداني مجتمع أسر ممتدة يتأثر طردياً بأي حدث يحدث لأحد أفراد الأسر أو العشيرة ينتج تلقائياً شعور بالحقد والضغينة والثأر!! ، ولكن ما لا يمكن فهمه هو إطلاق النار على المدنيين العزل لمجرد إحتجاجهم على قرارات تمس لقمة عيشهم، لذا فإن لجنة المحاسبة بحزب المؤتمر الوطني برأيي المتواضع قدمت – دون قصد أو سوء نية - خدمة جليلة للإصلاحيين لتوطيد أقدامهم بين فئات المجتمع الجريح، كون مطالبهم الاصلاحية تقاطعت وتلاقت مع مطالب الذين تظاهروا احتجاجاً!!
قصاصة:
- إن ضعف ووهن أحزاب المعارضة المشاركة في الحكم أعطى لأحزاب قوى الإجماع الحق في أن تعلن بالصوت العالي أن هذه الأحزاب المشاركة في الحكومة ساهمت وأيدت قمع الاحتجاجات بموافقتها على قرار رفع الدعم وكان ذلك واضحاً في كل المؤتمرات الصحفية لوزير الإعلام ، وبالتالي فأنها فقدت مشروعية التحدث حتى بإسم أتباعها وقواعدها التي خرجت في الاحتجاجات ، وبالتالي أصبح الإصلاحيون رقماً لا يستهان به لأنهم جهروا وصدعوا بالحق، وبدلاً من أن يجد حزب المؤتمر الوطني في ذلك فرصة للمراجعات وتصحيح المسار ، "ركب رأسه" وأخذته العزة بالإثم ، لا قول لي إلا : أليس من رجلٍ رشيد في هذا الحزب يغلب مصلحة الوطن ومواطنيه؟!! وقبل الإجابة على هذا السؤال نطرح سؤالاً آخراً لنجيب على كليهما في الحلقة القادمة، والسؤال الآخر هو: هل أطلق المؤتمر الوطني رصاصة الرحمة على وحدته ؟!!
وسلامتكم...
Abubakr Yousif Ibrahim [zorayyab@gmail.com]