جنوب السودان .. قانون الصحافة .. ولكن !!!

 


 

 



في اليوم العالمي لحرية الصحافة  سؤال ملح يدعو للتضامن مع الأصوات التي ظلت ترتفع من حين لاَخر تطالب بقانون للصحافة ليساهم في رسم صورة إيجابية واضحة المعالم تعزز ممارسة حرية التعبير من جانب ، و تشكل حماية قانونية في ظل الظروف التي تعيشها دولة جنوب السودان و هي بلا شكل استثنائية ، فبقاء دولة جنوب السودان بلا قانون للصحافة، دعاني للتفكير بصوت مسموع،  فالتجارب تشير الي أن المطالبة بمجرد قانون لا يعني في كل الأحوال خطوة الي الإمام ، فقد يصبح القانون في بعض الأحيان تكريس و تعويق للمجال الذي تستهدفه ، أذا ما حوت علي سبيل المثال ترسانة من الحصانات التي تهدف الي حماية جهة أو أفراد من المفترض أن يكونوا خاضعين لسلطاته ، أذن  ماهي ملامح القانون الذي يتطلع إليه المنادين بذلك ؟

قبل الخوض في الإجابة أود أن أشير الي المسئولية الكبيرة التي يجب أن يطلع بها المنخرطين في مجال العمل الصحفي و الإعلامي بدولة جنوب السودان، وهي مسئولية كبيرة تتطلب قدراً من الرؤية البصيرة، الوعي بالمرحلة التاريخية التي تمر بها الدولة ، فهي تفرض مسئوليات جسام لكون أن المرحلة الانتقالية تلقي بعبْ المساهمة في بناء الحس القومي عبر المساهمة الإيجابية في معالجة القضايا بالتزام مهني صارم  .

من خلال متابعتي لحال حرية التعبير بدولة جنوب السودان منذ وقوفها كدولة مستقلة ، هنالك الكثير القضايا التي تحتاج الي التوقف عندها و تنظيف جروحها لتبرأ ، سأحاول تناولها في ثلاثة محاور دون افتراض الصحة المطلقة بل كمساهمة في التنبيه لها .

المحور الأول : العلاقة بين الصحفيين ، ليس عسيراً تتبع التوتر في علاقة الصحفيين مع بعضهم البعض ، يقيني أنه أمر طبيعي و نتاج للظرف التاريخي الذي  مرت به إقليم جنوب السودان سابقاً و دولة جنوب السودان حالياً منذ العام 1955 الي 2011، فبعض الرعيل الأول من الصحفيين الذين انضموا لنضال الحركة الشعبية في مختلف مراجلها قبل العام 2005 ينظرون الي أحقيتهم بممارسة المهنة ، و في الجانب الأخر الصحفيين الذين انتظموا لممارستها داخل حدود دولة الجنوب من العام 2011 و معظمهم يمكن الإشارة لهم بالصحفيين الشباب ، فالصراع الخفي و المحموم الذي يطل علي السطح أحياناً ،  ليس هنالك  من مبرر لاستمراره  ، فالمواطنة و الكفاءة كمعيارين يجب الانتباه لهما كميزان  للحقوق ، هذا من جانب فالصحفيين الذين يهمسون بأحقيتهم دون سواهم تهزم حجتهم قواعد الحياد ، فهم عندما يستندون في ذلك بناء علي الانتماء السياسي ، يدلقون مداد الحياد من أقلامهم ، أما من جانب المجموعة الثانية فهي يجب أن تدرك عظم المسئولية و تسعي للاحترافية  لكي تتمكن من التعامل مع الواقع بما يدفع الي مخرج من الصراع الناعم.

المحور الثاني: متعلق  بانتهاك حرية التعبير ، فالتجربة التي خاضتها الحركة الشعبية في مناهضة القوانين غير المتسقة مع معايير حقوق الإنسان في الفترة 2005 -2011 عندما كانت تصر الحكومة السودانية علي المضي قدماَ في التكبيل علي سبيل المثال فقد أنضم قادة وعضوية  الحركة الشعبية بل تم اعتقالهم في العام     2010 بالخرطوم ضد إجازة قانون الأمن الوطني للعام  2010 فمن باب أولي أن يكون ذلك حافزاً لتهيئة أوضاع أفضل في الدولة الوليدة ، لكن ليس بعيداً عن الأذهان أغلاق صحيفة المصير باللغة الإنجليزية بعد شهرين من الانفصال في العام 2011

المحور الثالث :المسئولية الأخلاقية والوطنية ، في  أدارة حوار جاد وموضوعي بين مجموعات الصحفيين واجب و ليس تطوع ، لأنه أن لم يصل الأطراف الي نقطة التقاء سيتم إهدار الوقت في السجالات الصحفية التي يدفع المواطن الجنوبي قيمتها يومياً ، فالأجدر أن تفرد تلك المساحات لتناول قضايا من صميم الواجب الصحفي .

في الشق الاَخر سأحاول الإجابة علي السؤال القائم عن ملامح القانون ؟

المتابع لمعظم القوانين التي أجيزت بدولة  جنوب السودان يجدها قد علي قوانين السودان لعام 1974 و في تقديري أنها جيدة  مقارنة بالتراجع الذي حدث القوانين السودانية اللاحقة للأعوام 1983 و1991 علي التوالي فيحمد لدولة الجنوب أنها وظفت  للثراء المسكوب داخل حزم قوانين 1974  ، لكن يجب الانتباه الي الفضاء الكبير الذي تدفع اليه حزم المواثيق والعهود  الدولية التي تحرض لاحترام الحقوق الفردية  ويمكن أجمالها في ( الخصوصية ـ حرية التعبير – الحق في الحصول علي المعلومات – بل يتجه الأمر نحو تعزيز الحصول علي الأنترنت كوسيط للحصول علي المعلومات و التعبير) فإن فعلت ذلك تكون قد حجزت مقعداً متقدماً في مصاف الدول التي تؤسس لبنية تتسق و المعاير الدولية ، ليبقي الرهان في الممارسة .

كما يجب الابتعاد عن تكريس الحصانات و تقيد الدستور بالقوانين لأنه يفرغ من قيمتها و يحيل النص الدستوري الي هراء تؤخر كثيراً و تكرس للالتفاف علي صريح القانون .

المهم والأهم بعيداَ عن القوانين هي العلاقة التي يجب أن تسود بين العاملين في مجال حرية التعبير ، المجتمع و الدولة فإن لم تستند علي معرفة عميقة واجترام نابع من أساس متين وواضح المعالم  علي قاعدة الوعي بالمسئولية  التاريخية ، المهنية ، القانونية و الأخلاقية فسيمضي الأمر نحو ديكتاتورية لكل نصيب فيها بقدر مشاركته ، فلنجعل من المصلحة العامة هم مشترك ، فالديمقراطية و الحرية متطلبات يجب الوفاء بها.
badawi0050@gmail.com
/////////

 

آراء