سوق المواسير: عملية تجفيف اقتصادية ممنهجة (1-2)

 


 

 




منذ العام 2010 بدأت الحكومة السودانية التخطيط لعملية تجفيف إقتصادية ممنهجة , مستهدفة من خلالها أثنية الزغاوة بإقليم شمال  دارفور علي وجه التحديد  كمجموعة لها خبرة وأرث كبيرين  في  التجارة بشقيها المحلي و العابرة للحدودية  مع الدول المجاورة للإقليم ،حيث تزعم  الحكومة السودانية أنها الداعم الرئيسي للحركات المعارضة المسلحة ،   الا أن آثارها إمتدت لتشمل ضحايا اَخرين بنسب متفاوتة نتيجة للخطة المحكمة في الترويج لها من قبل الحكومة السودانية ممثلة في حكومة الإقليم  .

تم تصميم فكرة سوق المواسير علي عملية  الأغراء بمضاعفة قيمة  محل التعامل ، حيث يمكن تعريفه قانوناً بالبيع الاًجل ، تضمن قيمته بصك مصرفي بقيمة مضاعفة من القيمة الحقيقية  لفترة زمنية  محددة ، ما يمكن ملاحظته أنه  في المقابل يقوم المشتري بإعادة بيع محل التعاقد بنقد بقيمة أقل من قيمته الحقيقية ، حيث يمكن وصف التعامل اللاحق في اقتصاديات الكساد حسب السوق المحلية ب(الكسر) وهو بيع بأقل من القيمة الحقيقة ، ظل محل التعامل يشمل كل أنواع الأموال المنقولة وغير المنقولة

لم يمض وقت طويل قبل أن تنهار فكرة السوق نتيجة عجز المشترين الأساسين في السداد، لتتكشف الحقائق المذهلة، فقد بلغت جملة المتضررين ما يجاوز ال43000  وهو الرقم الذي أعلنته وزارة العدل لعدد البلاغات التي دونت في مضابطها، لكن في تقديري أن الرقم الحقيقي جاوز ذلك بكثير ، ووفقاً لوزارة العدل فإن جملة الأموال التي إنتظمت في السوق (900 تسعمائة مليار جنيه سوداني )

تم التخطيط لسوق المواسير بصورة محكمة من قبل الحكومة السودانية ، سأحاول أثبات ذلك عبر تتبع علاقة المؤسسين للسوق و علاقتهم بالحكومة ، ودور الحكومة السودانية في التخطيط ،  التعبئة و  الحماية.

حين قفزت فكرة سوق المواسير الي السطح ، ظهر خلفها ثلاثة ضباط صف من قوات الشرطة السودانية و هم عبد الخير منصور ، تم إلحاقه بالشرطة في سلك حفظة القراَن ليتولى مهام الإمامة بمسجد الشرطة بالفاشر، ليتدرج في رتب استثنائية الي أن وصل الي درجة النقيب في زمن وجيز جداً ، الأخرين ضابطا صف برتبة الرقيب و هما علي التوالي   (آدم إسماعيل إسحق) و(موسي صديق موسي),  أعضاء بحزب المؤتمر الوطني بولاية شمال دارفور ومرشحان عنه لدوائر المجلس التشريعي الولائي في الانتخابات السودانية للعام 2010.

ظل انخراطهم في عملية التجفيف الاقتصادية أو (سوق المواسير)  تتم علي مرأى ومسمع قيادة الشرطة في الوقت الذي تمنع فيه قوانين الشرطة علي رعاياها ممارسة التجارة أو حتي تكوين الشركات

- الربع الأول من العام 2010 اَي بعد  فترة وجيزة أعلن عن   إنهار السوق ، في تقديري أن توصيف تلك المرحلة يمكن تسميتها بإكتمال سحب الأرصدة المالية (النقدية والمنقولة)  من أيدي المستهدفين بالخطة ، ليظهر دور أخر للحكومة السودانية عندما  خاطب السيد والي ولاية شمال دارفور عثمان محمد يوسف كبر المتضررين  الذين تظاهروا احتجاجاً علي سلب أموالهم  مبتزاً إياهم ، بأن حل الأمر رهين  بالتصويت لصالح المؤتمر الوطني في الانتخابات  السودانية للعام   2010 ،  واصفا مؤسسي السوق ( بالأوفياء والمخلصين للمؤتمر الوطني وان شاء الله حقوقكم محفوظة وعلى مسؤوليتي بس أنتو الشجرة محل ما تلاقوها اسقوها كويس) في إشارة للشجرة الرمز الإنتخابي لحزب المؤتمر الوطني .

- لعبت بعض البنوك دوراً محوريا في التضليل الذي ساهم في نجاح الخطة ، فالبرغم من علمها من عدم وجود أرصدة مالية تتناسب  وتعاملات المؤسسين إلا أنها ظلت ترفد كل منهم بما يفوق ال ( أربعمائة ورقة شيك ) بشكل يومي ، شكل ذلك دافعاً لاستمرار السوق و ازدياد حركة المتعاملين فيه.

يظهر نفوذ  الإسلام السياسي في الدور الذي لعبه رجل الدين النقيب عبدالخير منصور الذي كان يهرع المصليين الي الصلاة خلفه لطلاوة صوته فهو حافظ مجيد ،فشكل ذلك ضامناً أخلاقياً ودينياً في لأذهان المواطنين للانخراط فالرجل للأمانة كان يمشي في الأسواق وهو يرتدي جلبابه الأبيض غير مزهواً بالرتبة التي لم يحظ بها أقرانه من حفظة القراَن الكريم ، ليكشف جانباً أخر من أخطبوط الإسلام السياسي الذي يرتدي العمامة و يطيل اللحية لكنه يسبح بحمد الإسلام السياسي .

و يظهر وجه الإسلام السياسي  جلياً  في موقف حاكم شمال دارفور يوسف عثمان كبر بتشجيعه ومباركته لسوق المواسير وتزكيته وتمجيده لآدم إسماعيل مؤسس سوق المواسير حيث كان يلقبه برجل البر والإحسان.
badawi0050@gmail.com
//////////////

 

آراء