ما بعد انتخابات 2015 (2): العولمة الرأسمالية وتنافس الأقطاب .. بقلم: محمد علي خوجلي
محمد علي خوجلي
13 March, 2015
13 March, 2015
Khogali17@yahoo.com
الدول الرأسمالية الكبرى (القوى الاستعمارية الاوروبية) تدافعت في حقبة الاستعمار (القديم) نحو افريقيا بهدف تأسيس امبراطوريات استعمارية والذي عجل به طموح ملك (بلجيكا) لبناء امبراطوريته في منطقة (حوض الكنغو) وقيام المانيا بضم الكاميرون وشرق وجنوب غرب افريقيا. فدعا المستشار الالماني (بسمارك) في 1884 لعقد (مؤتمر برلين) لتخفيف حدة التنافس بين الدول الاوربية في افريقيا حيث استعمرت مساحات تقدر بحوالي 93% من جملة الاراضي الافريقية، ووضع المؤتمر قواعد عامة لتأسيس مناطق الهيمنة التجارية.
وتتعدد اليوم الأقطاب الرأسمالية: الامريكية، الاوروبية والاقطاب الحديثة في الصين وروسيا وفي حقبة العولمة الرأسمالية يتم استغلال العمال في كل أنحاء العالم. وتتزايد أعداد الفقراء باثر سياسات التحرير الاقتصادي والسوق الحر في كل دول العالم ومنها السودان. ويتفاقم الصراع الطبقي في جميع الدول (20% من السكان يستأثرون بــ80% من ثروات العالم) ويجمع الاقطاب التنافس على نهب ثروات الشعوب في الدول الفقيرة او النامية ومنها السودان. والرأسمالية الامريكية تسعى الى:
- جعل الرأسماليات الاخرى تابعة او تدور في فكلها.
- الحصول على الموارد الاولية.
- احتكار الأسواق.
ومعلوم ان للعولمة الرأسمالية تأثيراتها في كل الجبهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية. وكادت النخب في افريقيا والسودان ان تتخلى بالكامل عن السيادة الوطنية لارتباط النخب بالرأسمالية الدولية. ونتج عن ذلك هيمنة امريكية واضحة بالتدخل اليومي في الشؤون الداخلية للدول الافريقية وتمدد واتساع النفوذ الامريكي وذلك دفع الاقطاب الاخرين وزاد من مطامعها.
(ان اللاعبين الاساسيين في مسرح التنافس الدولي في افريقيا هم، امريكا، دول الاتحاد الاوربي وخاصة فرنسا واللاعبين الجدد: الصين وروسيا واسرائيل.)
وتنافس الاقطاب في افريقيا والسودان من نتائجه، الاستقطاب الدولي والذي من نتائجه الصراع بين اجهزة مخابرات هذه الدول.
انظر: الحوادث المتعددة في ولاية البحر الاحمر وغيرها.
كما ان التنافس الدولي يعوق التنمية ويفاقم المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والواقع الراهن 2015 يعيدنا الى تقييم الاستعمار الحديث الذي اشار اليه المؤتمر الرابع لحزب الشيوعيين السودانيين 1967 والذي تأكدت سلامته.
والعولمة الرأسمالية، خلافاً لما سبقها تتميز بالاتي:
1- الهيمنة على القواعد والنظم التي تحكم العلاقات الدولية، وجعل الدول الاخرى تنفذ طواعية ما يريده القطب المهيمن والدوران في فلكه دونما اية حاجة للقطب لاستخدام القوة العسكرية و(خداع الذات بالعالم القرية!!)
انظر: تقسيم السودان باتفاقية نيفاشا (السلام) 2005
انظر: مشروع التقسيم الثاني الذي اعدته ألمانيا بالاتفاقيات المعدة سلفاً للتسوية السياسية الشاملة للمشكلة السودانية.
2- الهيمنة العسكرية.
3- السيطرة على الاقتصاد الدولي.
4- السيطرة الثقافية على العالم (لا تفرض بالقوة) بل عن طريق أفضل الخيارات.
والاهداف الثابتة لامريكا في افريقيا منذ يونيو 1989 هي:
- حماية خطوط التجارة البحرية.
- الوصول الى مناطق التعدين والمواد الخام.
- فتح اسواق امام حركة التجارة والاستثمارات الامريكية.
- احتكار الاسواق.
وغطاء الأهداف: نشر الديموقراطية وحقوق الانسان والدفاع عن الحريات العامة..
واهم وسائل انفاذ الاهداف الامريكية: صناعة ودعم قادة افارقة جدد من فئات مختلفة: قانونيين، صحافيين واعلاميين، مهنيين (مهندسين، اطباء، اساتذة جامعات).. وغيرهم.
وهو ذات ما اشار اليه عبد الخالق، كما اوضحنا في الجزء الاول من المقال. فامريكا تعمل بصبر شديد على (تغيير) افريقيا بفضل (الجيل الجديد من الحكام البراغماتيين). حيث انشأت المركز الافريقي للدراسات الامنية بافريقيا لتنشئة القادة الافارقة (الديموقراطيين) بحسب الرؤية الامريكية من مدنيين وعسكريين.
وأبرز السياسات الامريكية تجاه افريقيا هي:
(1) اختيار دولة او اكثر لتمثل (نموذجاً) وتتولى دور القيادة في مناطق محددة (جنوب افريقيا، نيجيريا، السنغال واثيوبيا).
انظر:
جنوب افريقيا هي النموذج المثالي لمعظم القيادات الوطنية (الديموقراطية) دونما اعتبار للمواقع السياسية القديمة في (اليمين) او (اليسار).
(2) طرح قضايا معينة وجعلها ضمن اولويات السياسة الافريقية لامريكا: محاربة الارهاب، تدفق المخدرات، حماية البيئة، حقوق المرأة الافريقية..
(راجع انشطة القوى الديموقراطية في السودان بشأن الاولويات الامريكية).
(3) المحافظة على (الامن والاستقرار) وانشاء (قوة افريقية).
(4) ضرب الحصار على الدول (غير الموالية) او (الداعمه للارهاب).
انظر: موقع حكومة السودان (!)
(5) التجارة بديلاً للمساعدات.
وافريقيا و(السودان) من الاهداف المعلنة للتوسع الامريكي في العالم منذ 1993. واحلال سياسة (التوسع) اي نشر الديموقراطية الامريكية واقتصاد السوق الحر بديلاً لسياسة (الاحتواء) وهو البرنامج الدفاعي الذي يأخذ الطابع العسكري.
وفي دفاع امريكا عن (مصالحها القومية) تسيطر على قرارات (المجتمع الدولي) وتنحاز لبريطانيا واسرائيل وتعمل بمبدأ المعايير المزدوجة فهي:
- تستهين بالمؤسسات الدولية و(الشرعية الدولية) التي تطلب من الدول الاخرى الالتزام بها فتقوم بالاعتداء والحرب والغزو.
- تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الافريقية.
فهي تدخلت في حرب الجنوب في السودان واوقفت الحرب تحت غطاء (السلام) المغلف بالمصالح الاقتصادية الافريقية للسيطرة على منطقة القرن الافريقي وتدخلت في النزاع في دارفور بعد سلام الجنوب.. وغير ذلك. مثلما تدخلت في الصومال تحت غطاء (الشرعية الدولية) وتدخلت في موزمبيق وكينيا (شرق افريقيا) ورواندا وبورندي (منطقة البحيرات) وتدخلت عسكرياً في ليبيريا.
انظر:
في 7 ديسمبر 2014: استفسر القائم باعمال السفارة الامريكية في الخرطوم البرلمان عن التعديلات الدستورية المقدمة فيما يلي تعيين الولاة ومركزية الاراضي وتعديل الحكم المحلي. وشدد على ضرورة رفع سقف الحريات الصحفية بالبلاد وقابل لجنة الاعلام والثقافة ولجنة التشريع والعدل بالبرلمان.
وفي 4 اغسطس 2014 انعقدت القمة الامريكية-الافريقية في واشنطن بحضور خمسين دولة افريقية و(استبعد السودان) بالشعار المعلن (الاستثمار في الجيل القادم) ومناقشة مسائل: الاقتصاد، مكافحة الفساد، حماية حرية التعبير واحترام تداول السلطة. اما الشعار غير المعلن فقد كان (بحث المسائل الامنية مع افريقيا).
والقمة هي من ضمن محاولات الرأسمالية الامريكية للهيمنة على افريقيا، وسحب نفوذ الرأسماليات الاخرى وبالذات الفرنسية. وتوظيف الأزمة الاقتصادية والغذائية والصحية في القارة لصالح السيطرة الامريكية. وطرحت امريكا سبعة مقترحات لتقوية السياسة الامريكية-الافريقية وهي:
1- توصيات محددة للتحديات (العاجلة) التي تواجه امريكا و(الامم المتحدة) وغيرهما بعد وقف الحرب في جنوب السودان وانفصال الجنوب واقامة دولته.
2- توصيات لتقوية الأسواق الرأسمالية في افريقيا والتوقعات الاقتصادية حول دخل النفط من الدول الافريقية المنتجة حتى العام 2021
3- تطوير سياسات الطاقة الامريكية والتركيز على نيجيريا وانجولا ودول غرب افريقيا.
4- وضع سياسة لترشيد استهلاك الطاقة في افريقيا.
5- تقوية جهود امريكا في محاربة الارهاب.
6- استراتيجية محددة لمواجهة المشكلات المزمنة وحالات عدم الاستقرار من خلال تقوية الجهود الدبلوماسية ومساندة عمليات حفظ السلام.
7- توصيات بشأن ضمان استمرار (قيادة امريكا) لجهود العالم في مقاومة انتشار مرض الايدز (!)
وفي انفاذ امريكا لاستراتيجيتها تتعامل مع جميع الأطراف: الحكومة، المعارضة المدنية والمعارضة المسلحة، وتلعب على التناقضات. والتنافس الامريكي-الفرنسي من صوره: النزاعات بين شركات النفط الفرنسية والامريكية (الكنغو، الغابون، تشاد وانجولا) والصراع الامريكي-الفرنسي من العوامل التي ساعدت في دخول الصين المنافسة، والتي رأى افارقة انها (حليف مقبول) فالصين تملك امكانيات اقتصادية كبيرة تمكنها من مساعدة الدول الافريقية ومن جهة اخرى فانها:
-لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول
-لا تربط الاستثمارات بشروط مسبقة
-لا تتعامل مع الاحزاب والتكوينات السياسية وتتعامل مع الحكومات والجهات الرسمية مباشرة.
وساعد الصين في وجودها الافريقي:
- انتشار الشركات الصينية في افريقيا، اكثر من الف شركة باموال صينية، خلافاً للشركات الامريكية والغربية التي رأت ان الاستثمار في افريقيا بمثابة مخاطر.
- تقدم مساعدات كبيرة للدول الافريقية الفقيرة، كالاعفاء من الديون، وانشاء مشاريع التنمية وتقديم القروض الميسرة وغير المشروطة لاقامة المنشآت العامة.
وعملت الصين على ترسيخ تعاونها مع الدول الافريقية باعفاء ديونها على اكثر من ثلاثين دولة تعتبرها اقل نمواً كما الغت التعريفة الجمركية واكثر من 200 سلعة لنحو اكثر من ثلاثين دولة افريقية واقامت لها شراكة حقيقية بقيام المنتدى الصيني الافريقي.
والمسلك الاوروبي في التعامل مع افريقيا اتخذ ثلاث اتجاهات:
الاول: توفير الدعم والحماية للقيادات الحاكمة الموالية للغرب (امريكا تدعم الجيل الجديد من القادة الافارقة كما اشرنا.)
الثاني: محاولة اسقاط النظم الوطنية غير الموالية للغرب.
انظر: السودان مع محاولة فرض مشروع ايزنهاور وحتى تغيير السلطة في 17 نوفبمر 1958
انظر: عشرات الانقلابات العسكرية والانقلابات المضادة التي صنعتها امريكا وحلفاؤها في الدول الافريقية.
انظر: عملية 19 يوليو 1971 في السودان وتغيير نظام الحكم وتوازن القوى.
الثالث: محاولة اختراق المجتمعات الافريقية بهدف تكريس علاقات التبعية للنموذج الغربي الرأسمالي (علاقات مع القوى المحلية صاحبة النفوذ: كبار الملاك، رجال الاعمال، السياسيين، المثقفين والصحافيين.)
والمدهش ان (عبد الخالق) اوردها جميعاً في 1968، وهي معمول بها اليوم.
والشركات الاحتكارية الكبرى في امريكا تعمل على السيطرة على اقتصاد العالم وهي في ذلك تقوم بتطويع اللغة، لتغليف استراتيجية النهب الاقتصادي باستخدام مصطلحات ومفاهيم مثل (الحكم الرشيد)، (تحرير التجارة) و(حقوق المستهلك).
واجبار الدول الضعيفة على خصخصة الخدمات الضرورية والاساسية (الصحة، التعليم، خدمات الكهرباء والمياه..) بينما هي وشركاؤها من الدول الصناعية الكبرى تقدم الدعومات لقطاعات اعمالها، وتفرض القيود لحماية منشآتها.
وحماية طبع النقد الامريكي (دون اي غطاء) هي التي ساعدت استراتيجية النهب الاقتصادي ومنحتها القوة لانها تعني تقديم القروض بالدولار الامريكي والتي من المعلوم انه لن يتم سدادها ابداً (ومن هنا كانت الديون اداة هامة للضغط والوعد بالغاء او اعفاء الديون). وتستخدم الاحتكارات بقيادة امريكا المؤسسات المالية والنقدية الدولية لخلق الظروف التي تؤدي الى خضوع الدول النامية لهيمنة الاحتكارات الدولية التي تدير (حكومات) وبنوك وشركات.
فاندفعت الحكومات الافريقية نحو سياسات التكييف الهيكلي والتي فشلت كما السياسات التنموية التي سبقتها. وهذه السياسات تهدف الى اقامة نظام اقتصادي يعتمد على السوق الحر الامر الذي لا يتلاءم مع الواقع الافريقي (رفع الدولة يدها عن الخدمات الاساسية والضرورية) فعملية الانتقال نحو الحرية الاقتصادية بمفهومها الرأسمالي تتطلب وجود دولة قوية وجهاز دولة كفء ونظام مصرفي فعال.
وعلى الرغم من اضفاء الطابع الفني والتقني على سياسات التكييف الهيكلي وتصويرها على انها تخلو من اية مصالح واهداف ايديولجية لكن لا يخفى دعم المؤسسات المالية والنقدية الدولية لتعزيز النظام الرأسمالي العالمي.
لقد اضرت السياسات بالتنمية البشرية ولم تهتم بالابعاد الاجتماعية والانسانية.. فلا يكون امام ملايين الفقراء الا طريق واحد (...)
ونواصل