ما بعد انتخابات 2015 (3): العداء الأمريكي للديموقراطية وحقوق الإنسان..بقلم: محمد علي خوجلي
محمد علي خوجلي
16 March, 2015
16 March, 2015
Khogali17@yahoo.com
(1) الدول التي قررت أمريكا نشر الديموقراطية بها
التطور التاريخي لمنظومة الاقتصاد الرأسمالي العالمي يؤكد بأنه دائماً تكون هناك دولة من بين دول المنظومة تتولى قيادتها.. وتكون هي النواة المسيطرة أو القلب وهي الدولة الأكبر اقتصادياً وعسكرياً بين الدول الرأسمالية، وكانت بريطانيا هي الدولة النواة عندما كانت الأقوى اقتصادياً وعسكرياً (بفضل مستعمراتها) وبالواقع الراهن فإن أمريكا هي أكبر الدول الرأسمالية من حيث القوة العسكرية، وحتى بعد نهاية الحرب الباردة وسقوط الدول الشمولية فإن أمريكا لم تفكر في التحول من صناعة السلاح الى الإنتاج المدني. وتظل أمريكا النواة المسيطرة وهي في ذلك تسلك طريقاً واحداً من فرعين: العولمة الرأسمالية والسياسات العدوانية والاستعمارية المباشرة (كما بريطانيا قبل الحرب الأولى).
ومعلوم أن قائمة الدول التي قررت أمريكا نشر الديموقراطية فيها خمس وثلاثين دولة بمعنى الدول المراد بسط الهيمنة الأمريكية عليها ومن بينها السودان. واهتمام أمريكا بالسودان قديم منذ قيام الشركة الزراعية (المسجلة في لندن برأسمال أمريكي) وقبل قيام مشروع الجزيرة.. ولأمريكا رغبة متأججة في إقامة قواعد عسكرية في السودان وهي أيضاً قديمة وكانت محاولتها الأولى (حلايب 1958) والتي هزمتها مقاومة الحركة الجماهيرية المعارضة لسياسات الأحلاف وإقامة القواعد العسكرية (حقبة الحكم العسكري الأول) والمحاولة الثانية في الحقبة المايوية بولاية البحر الأحمر وهزمتها انتفاضة 1985
ومعروف أيضاً أن الوسيلة الرئيسية لإنفاذ مشروع الهيمنة الأمريكي هو (اختراق) الجبهات الداخلية وصناعة مؤيدين لمشروعها في نشر الديموقراطية.. ومن أشكال الاختراق (تمويل) أنشطة جماعات عن طريق الجمعيات الأهلية أو الطوعية (منظمات المجتمع المدني غير الحكومية) وأحياناً بأداة الأمم المتحدة نفسها (دعم الديموقراطية) ويصدق الكونجرس الأمريكي سنوياً على مبالغ تصرف في صورة منح لقيادات سياسية (وطنية) ومنظمات (محلية) وعندما يصدق الكونجرس الأمريكي على قانون المنحة يحدد الهدف وهو (تقوية المؤسسات الديموقراطية على النمط الأمريكي) وأحياناً تعلن سفارات أمريكا عن تلك المنح للمنظمات التي لديها مشروعات حول (تنمية الديموقراطية) على النموذج الأمريكي وجاءت خطة القرن الأمريكية لاستمرارها نواة بالهيمنة على أوربا عن طريق هيمنتها على الدول النامية (الفقيرة) ونهب مواردها واستمرار احتكارات صناعة الأسلحة وتصريف السلاح بالبيع المؤجل أو منحه (مجاناً) أحياناً لأطراف النزاعات المختلفة في دول العالم لتأجيج الصراعات توطئة لتدخلها للمحافظة على (الأمن الإنساني) و(وقف الإبادة الجماعية) و(التطهير العرقي).. أو التدخل لتغيير أنظمة الحكم الاستبدادية والدول (الراعية أو الداعمة) للإرهاب و(نشر الديموقراطية) أو (وقف التسلح النووي) و(أسلحة الدمار الشامل..)
وفي تفسيره لحرب الحكومة الأمريكية على الإرهاب أوضح (اتحاد العلماء الأمريكيين) أنه وسيلة أمريكا لتعزيز تواجدها أينما وجد النفط أو احتمال وجوده مهما كانت تلك الأمكنة بعيدة ونائية.. وضرب مثلاً بحالة دولة تشاد (جارة السودان) وأنه:
في 1983 قامت أمريكا بإمداد تشاد بصواريخ وقاذفات مضادة للطائرات في معاركها ضد (المتمردين) الذين كانت تدعمهم ليبيا. وفي 1988 أمد الأمريكان الجيش التشادي بالأسلحة الصغيرة والذخائر والشاحنات وسيارات الجيب وغيرها من المعدات وعن طريق فرنسا تم شحن مدفعيات صاروخية لتشاد حتى تتمكن شركات البترول الأمريكية من دخول تشاد.
انظر:
تشاد مخزن ضخم للبترول وكذلك جنوب دارفور. وأبان (كولن باول) لأول مرة 2004 في خطابه أمام لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس الأمريكي عن إمكانية أن يكون البترول أحد أسباب النزاع الدائر في منطقة دارفور (!)
وفي حالة السعر التي أصابت الإمبريالية لم تعد تحتمل وجود الديموقراطية الاجتماعية. فعداء الأمبريالية للديموقراطية عداء فريد، فهي خرجت من أحشاء الرأسمالية من خلال توافر الديموقراطية الاقتصادية التي ادت لسيطرة قطاع المال على الجهاز السياسي للدول الصناعية على حساب بقية الشرائح الرأسمالية. وعندما ارتفعت مستويات تركيز رأس المال أدركت الإمبريالية أن السلم الذي صعدت به واسع الدرجات بحيث يصعد معه النضال الاجتماعي. وفي محاولاتها العنيدة لنفي نفسها عن الخروج عن قواعد اللعبة الديموقراطية، توفر الظروف لأزمة ثورية ستفتح افاقاً للثورة الاجتماعية الصاعدة استجابة لمطالب السلام والعدالة الاجتماعية والفرص المتكافئة وبالتالي تفتح المزيد من الفرص للنضال السلمي الديموقراطي والذي كلما كان ديموقراطياً كلما عمق ازمة الامبريالية.
انظر: أمريكا لم تصادق على العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
انظر: أمريكا والسودان والصومال لم يصادقوا على اتفاقية التمييز ضد المرأة.
انظر: أمريكا لم تصادق على نظام المحكمة الجنائية الدولية.
(2) تصفية الحركة النقابية
والهدف الأول للعولمة الرأسمالية هو تصفية الحركة النقابية والعمل المخطط على إضعافها سواء في الدول الرأسمالية أو الدول النامية الفقيرة والنقابات العمالية الديموقراطية هي قوة طبيعية للبديل الحكومي تحت ظل الفراغ القائم والحركة الديموقراطية السودانية التي تبحث عن القيادة.. فالنقابات العمالية في شرق وجنوب شرق آسيا ومناطق أخرى قادت الكفاح ضد العولمة الرأسمالية وآثارها، ونتائج وصفات المؤسسات المالية الدولية وتضامنت مع القوى الشعبية المحلية المناهضة للعولمة ونجحت في إقامة روابط إقليمية ودولية.
وضعف الحركة النقابية في السودان لا يعود فقط لفصل النقابيين المجربين وقانون النقابات سيء الصيت بل ايضاً لضعف (القيادة الفكرية) وعدم الاستقلالية بالارتباط الوثيق بالأحزاب الحاكمة أو تلك التي خارج الحكم. وترك المتفرغون الثوريون والنقابيون القدامى قضيتهم الأساسية في إعادة بناء الحركة النقابية وبرامجها التي في مقدمتها مقاومة الخصخصة وشغلوا انفسهم بقضايا أخرى. وعندما جعلوا من أنفسهم مخططين لتنظيمات جيوش المفصولين عن العمل لم يحققوا أي منافع لاية فئة من المفصولين والفوائد القليلة التي حصل عليها بعض المفصولين لم تكن نتيجة تخطيط ونشاط النقابيين القدامى والذين ربطوا حركتهم بحركة القوى السياسية التي تتعارض برامجها الاقتصادية الحقيقية مع اهداف المفصولين وبالذات المسرحين بسبب سياسات التحرير والسوق الحر.
ومع العولمة الرأسمالية أصبح على النقابات القيام بالجمع بين ثلاثة مصالح متناقضة: المصالح الفئوية للعاملين، ومصالح رأس المال للنمو دون عقبات، والمصالح الوطنية العامة والتناقضات الرأسمالية المرتكزة على الأجور والمنافسة تتطلب مواجهتها تنظيماً قوياً قادراً ويتميز بالوعي. إلا أن الواقع الراهن وفي ظل تبني جميع الأحزاب السياسية السودانية منطق السوق الحر وتحولهم في اتجاه (الواقعية!) و(الاعتدال) ازدادت سيطرة افكار الخصم من دعاة العولمة الرأسمالية.
والنقابات في جمعها بين المتناقضات تعاني من التدمير وفقدان الحماية النقابية الى جانب انها منهكة فكرياً وضعيفة اجتماعياً. وأمام الهجوم الكاسح على جبهة العمل ضعفت القدرات النضالية للعديد من النقابات الكبيرة والشهيرة عالمياً في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا.. وتحولت الى تشكيلات تحتكر قيادتها الارستقراطية العمالية والطبقات المتوسطة حتى وان ظلت مرتبطة بالعمال. ولم تعد تملك في الحقيقة إلا تاريخاً مجيداً حيث يمكن الإشارة الى دورها الطبقي عبر التاريخ في لحظات معينة.
والنقابات في الحقيقة منيت بالهزيمة امام العولمة الرأسمالية –حتى الآن- وأصبحت بعيدة عن مطالب الشعب ومنها الدفاع عن الديموقراطية والحريات العامة وحق التعبير والتنظيم ليس برغبتها ولكن بسبب انتشار الفقر والبطالة وضعف مقاومة المجتمع والرأسماليون يزدادون ثراء والعمال يزدادون فقراً. والعولمة الرأسمالية تطحن الناس طحناً وتدمر التماسك الاجتماعي تدميراً.
إن طرق الاستخدام الجديدة في السودان لم تثير اهتمام النقابات ولا الأحزاب والتنظيمات السياسية (المشاركة والمقاطعة لانتخابات 2015) ولا تلك التي تخطط لإنفاذ خطة الطريق الأمريكية بالتسوية السياسية الشاملة (مصالحة النخب) فتجد: الإنهاء الكامل لما كان يطلق عليه الخدمة المستدمية أو التثبيت في العمل والذي حل محله (العمل المؤقت) وعقودات العمل محددة الاجل والعمل في المنزل والعمل لبعض الوقت.. الى آخر أشكال الاستخدام. بل أن ساعات العمل في معظم منشآت القطاع الخاص أصبحت أثنتا عشرة ساعة يومياً بدلاً من الثماني ساعات.. وأن أول النتائج السالبة لذلك هو تراجع النضالات العمالية وضعف النقابات وضعف النشاط التنظيمي للأحزاب وضعف الدفاع عن الحقوق المكتسبة التي هي حقوق جماعية استطاعت الطبقة العاملة الحصول عليها بتضحيات جسيمة.
إن تكيف أنظمة عقود العمل محددة الأجل والعمل المؤقت والعمل الجزئي تنبثق من ذات ايديولوجية العولمة الرأسمالية. وفي كثير من الدول الرأسمالية أصبح عدداً كبيراً من العاملين مجبرين على ترك أوضاعهم كعمال ثابتين والتقدم باستقالاتهم (الطوعية) حتىت يتم توظيفهم مرة أخرى ومباشرة بنظام العمل غير الثابت. وتلقى حق العمل ضربات موجعة جراء هذه التحولات فلم يعد العمال يمتلكون القدرة المبدئية لحرية الاختيار بل انهم مجبرون على القبول أو التسريح من العمل.
وقاد هذا الوضع الى ضعف النقابات وضعف المشاركات في العمل العام السياسي او الاجتماعي وضعف ثقة العمال في النقابات وضعف ثقة المواطنين في الأحزاب والتنظيمات السياسية. وفي ظل هذا الواقع يكون (التحول الديموقراطي) و(قانون عادل للانتخابات) ومفوضية انتخابات مستقلة مجرد غبار كثيف لاخفاء العدو الحقيقي للديموقراطية وحقوق الإنسان.
(3) قطع الطريق على الأجنبي
ومن أساليب هيمنة العولمة الرأسمالية ممارسة كل ما هو مشروع وغير مشروع لتجميد الأحزاب (الديموقراطية) و(الثورية) والأحزاب والتنظيمات الوطنية المعادية للامبريالية وتسريع سيرها نحو اليمين، وتطويق الرأسمالية الوطنية المنتجة وتصفيتها وإحلال أخرى جديدة طفيلية في مكانها ونتيجة ذلك ارتفاع معدلات الفقر.
وتكيل العولمة الرأسمالية الضربات لاية توجهات ديموقراطية من خلال وسيلتها القمعية والمالية ولكنها مواجهة باساليب نضالية متقدمة ابتدعتها الشعوب ونقابات العمال إمكنها أن تمنع وتعرقل سير الإمبريالية المضاد للديموقراطية الاجتماعية (فرنسا، البرازيل، فنزويلا).
وعلى الرغم من أن العولمة الرأسمالية تقتضي أولاً تسليط برنامج اقتصادي اجتماعي شديد اليمينية يعمق التفاوت الطبقي بامتياز داخل كل دولة ويعمق الهوة بين اقلية تملك كل شيء وملايين لا تملك شيئاً الا ان ذلك لا يعني ان تكون الدولة عاجزة فالدولة تملك وسائل تدخل ضخمة فهي قادرة على تنفيذ تعاونيات، وتنظيم دفاع عن مصالحها، وتقديم الدعم للمزارعين (فرنسا تقدم دعومات كبيرة للقطاعات الاستراتيجية الهامة اقتصادياً. وأمريكا تقدم الدعم المالي لشركاتها الكبيرة ضد المنافسة الدولية).
إن لتحرير الاقتصاد نتائج سالبة تجعل البلاد خاضعة لهيمنة شركات أجنبية وتكون دول تابعة.. والوجه الثاني للعولمة الرأسمالية تعزيز الخلافات الإثنية والطائفية والتوترات التي تنجم عنها. وأن المزاعم القائلة بأن العالم يتوحد وأن أسوار الحماية تنهار أمام زحف رأسمالية تقهر الشعوب والأقوام ليست صحيحة ويحدث العكس.. وبمفهوم العولمة الرأسمالية المدافعة عن حركة رأس المال تصبح الدول التي تدافع عن مفهوم السيادة الوطنية والحماية الاجتماعية للعمل هي دولة متخلفة (!!)
ونختم الجزئية، بما كتبه الأستاذ فؤاد دبور (الأمين العام لحزب البعث التقدمي) في الأردن: »يجب العودة الى تاريخ القارة الأفريقية مع السياسة الأمريكية والصهيونية إذ أنه ليس بخاف على أحد الترابط الوثيق بين ما يجري في السودان (٤٠٠٢) ودول القرن الأفريقي من صراعات تستهدف وحدة هذه الدول وإضعافها وبين الكيان الصهيوني والإدارات الأمريكية المتعاقبة التي أولت القارة اهتماماً خاصاً.. ولعل من أبرز ملامح وعناوين السياسات الأمريكية تجاه القارة الأفريقية إدخالها الاستراتيجية الأمريكية للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط وإدخالها في الحسابات الأمريكية للهيمنة على العالم ومشروع أمريكا الأخير للشرق الأوسط الكبير الذي يتضمن مجموعة من الدول الأفريقية يجسد هذا الاتجاه في السياسة الأمريكية ولإحكام الطوق على الأوضاع في المنطقة في محاولة لإعادة بناء الخارطة السياسية والجغرافية عبر هذا الاستقطاب وعبر إثارة الفتن والحروب العرقية والإثنية ورسم المخططات وبناء قواعد ارتكاز عسكرية وأمنية فيف دول القرن الأفريقي وخاصة المطلة على البحر الأحمر وإغراقها بأنواع الأسلحة كاففة في محاولة للسيطرة على هذا البحر وعلى منطقة البحيرات العظمى ومنابع النيل وتهديد الأمن الوطني لكل من مصر والسودان.. وقد ظهر هذا التغلغل بوضوح في كل من اريتريا وأثيوبيا مثلما ظهرت نتائج المؤامرة الصهيونية حيث قامت واشنطن مؤخراً بمتابعة أحداث إقليم دارفور والذي يشكل جزءاً واسعاً ومهماً من السودان. إننا ندرك تماماً أن الإدارة الأمريكية غير معنية بحقوق الإنسان حيث تقوم هي بنفسها وعبر قواتها بانتهاك هذه الحقوق. وفي العراق مارست القتل والدمار وأبشع أنواع التعذيب للإنسان مثلما تقوم بدعم واسناد قادة الكيان الصهيوني الذين يمارسون أبشع أنواع الإجرام المنظم ضد الشعب الفلسطيني. بالتأكيد لا يمكن حل مشكلة دارفور بعيداً عن حكومة السودان، فهي تعاني من المشكلة وسكان الإقليم هم من أبناء السودان.
ونواصل