أنا والسياسة

 


 

 


rafeibashir@gmail.com

    السياسة مثل الظل تطول وتقصر، ومثل الإيمان تزيد وتنقص ، ومثل النفس تهيج وترسو بحارها وأنهارها، فتزداد شواطؤها ألقا مرة ، وتخبو مرات وتزدحم باالزبد الرابي أحيانا ، فنطغى على الطبع والثقافة والتدين أحيانا ، وتتماشى مع الخلق والأخلاق حينا أو تتوزاى وتتجافى معهما أحيانا ، فتتحكم في عيش الناس وأقتصادهم وعلاقاتهم إذا عكرت مياهها ،  واستغلت مهمتها بلا عدل ولا وازع أو ضمير ، وإذا إنحازت وتعصبت ،  فيتدنى معناها الانساني والقيمي ، والأداري وتصبح عبئا ثقيلا على الأديان والإنسان والأوطان ، أو تكون مظلة وآرفة،  ومحبة جارفة إذا راعت الله والضمير والأخلاق بين الناس ،  وتوافرت فيها  عوامل الثقة وادركت  الحكمة من وراءها ،  فأورقت وورفت أوراقها رغدا وخيرا وسعدا ونماء على الحاكم والمحكوم.

    والسياسة ، بمعناه الوطني في إدارة الذات الوطنية ، إذا  توافرات الحكمة فيها  لإدارة أمور الناس ، وبلدانهم،  اقتصادهم،  علاقاتهم الداخلية ، وخدماتهم ، بالأخلاق والمثل ،  فهي مهمة جليلة وخدمة عظيمة  أذا تجرد المفوض بها والقائم عليها ، من الأنا والتسلط والانفراد والشخصنة وحب الذات ونكرانها،  وإذا حكمت أخلاقه الأمانة والعدل ، والعفاف ، وأخذها بحقها وأوزع فيها الضمير، وضبط فيها المسير.

    والسياسة  بمعناها الخدمي والإداري التكليفي السامي والمثالي الذي يرسمه الناس لإدارة بلدانهم  ،  ويجانبه الحاكمون كثيرا إلا من رحم الله  ،  عندي ، هي مسؤولية وتكليف و (مهمة) و ليست ( مهنة تمتهن )  ، ولا ملك يستدام ولا حكر ولا عصبية ولا تعصب لرأي أو جهة أو ملة أو قبيلة أو لون أو جنس ، أنما هي تنفيذ واداء عقد مكتوب ودستور مرسوم وقانون مختوم،  محدد فيه ثقافة الأوطان وإحترام الأديان ورفاه  وحقوق الإنسان والحيوان ، وعمارة الارض بنماء البنيان ، وهي خدمة تقدم من ولي أو رئيس لمروؤس،  السيد فيها هو المواطن الذي يفوض غيره بتقديم خدمة السياسة لمسايسة حياة الناس ،  وإنزال شروط وقيم السياسة لخدمتهم وسعادتهم ، وليس لتسييسهم  وتقسيمهم لأستعمارهم  بأي نوع من أنواع الاستعمار ، السياسي والفكري والإقتصادي ، والقهري والتعبدي والاستعبادي.

    والسياسة عندما تخرج من معنى التكليف وتقديم الخدمة ومعنى المهمة ،  يلعب فيها صغار النفوس وضعفها ، وجهل العقول وزيغها،  لقلب صفتها من المثال المتفق عليه  في عقود الحاكم والمحكوم ( الدستور ) ،  إلى صفة التسيد والشخصنة وتعصب الحاكم على المحكوم ،  وإستمراء هذا والتعود عليه ، واعتباره حق  للحاكم  وشرط للحكم ،  يقود للفرعنة والاستفراد وتملك البلاد والعباد  ، حتى أصبح بعض الحاكم الآن فرعونا صغيرا ، يعطي من يشاء ، ويعز من يشاء ويذل من يشاء ، بيده الخير حينا وكل الشر أحيانا ،  ويظن أنه على كل شيء قدير وبكل شيء خبير وبكل أمر بصير.

    والسياسة عندي في علاقات الأمم ، إنما هي خلق وأدب وثقافة ، وعلاقات طيبة ومصالح مشتركة تقدم للآخر  في هذه الدنيا ، كمساهمة من البلد لأي بلد لنماء العالم وإعماره وتكامله لخير الإنسانية وتبادل المنفعة المشتركة التي تعود للجميع بالخير والرفاه ، بغض النظر عن دين ذلك البلد أو لونه او ثقافته ،  لكن أصحاب هذه العلاقات  اليوم ،  والقائمين على أدارتها عالميا  بين الدول ، إختاورا شريعة الغاب ولغة الثعالب والكلاب ، إستقوى فيهم  القوي بماله وسلاحه،  على الضعيف ، فهرجت الدنيا واختلط حابلها بنابلها وأنعدمت فيها الأخلاق والثقة بين العالمين.

    ووطنيا ، إذا كانت مؤسسات الدولة تمثل هرما ، قاعدته وهدفه  هو تقديم كل مؤسسة  خدماتها للمواطن ،  فإن المهمة السياسة للحاكم ، هي تقديم خدمة لهذا الهرم ،  بعقد مشروط ، يقوم فيها كموظف للدولة على القمة ، بمهمة مثلها مثل مهمة أي مؤسسة إقتصادية  او خدمة العامة او صحة وشؤون داخلية وخارجية مثلا  ، لكنه مفوض كرأس لهذا الهرم (الدولة )،  عليه تقديم (خدمة )  المجانسة والمؤآنسة والربط  بين مختلف هذه المؤسسات (خدمات الدولة ) ، بمؤسسية ، يدير مسيرتها ويحث مفوضيها على هذا التجويد وعلى تقديم خدماتهم ، ويقوم على مراقبتهم ومحاسبتهم بعدل ومساواة  ، لضمان هذا  التجانس والتآنس والتكامل لينشء مؤسسية الكيان الكلي ( الدولة )؛  ويحكم أداء دولته في دورته ،  فإذا جانب هذا إختلط عليه الأمر ، وتفرقت به السبل ، وتضآءل عطاءه وأنفك وكاء إدارته وسقط.

    فمهمة السياسة هذه الأيام ، أصبحت مهنة ومحنة ، وصارت للجور أقرب من الحق وللهرج أقرب من الجد وللتعصب والأناة أقرب من العفاف والمثال والعدل،  وصارت للاستفراد أقرب من المؤسسية ، وصار الحكام أقرب للفرعنة ، عن العدل والتواضع وإسبال الرفاه والحقوق.

    أنا أبرأ لله بنفسي أن أكون سياسي.

   

    

 

آراء