وصف البعض من جماعة الفصيل الإسلاموي الذي خرج آو آخرج من السلطة في ديسمبر ١٩٩٩ فيما سمي بعد ذلك بالمفاصلة علي عثمان بالسامري الذي أضل قوم موسى في سيناء إبان غياب موسى في جبل الطور. لقد قدم السامري الأول لقوم موسى عجلا ذهبيا له خوار ليعبدوه. ولقد تبع نفر كبير منهم ذلك. لاشك إن الإشارات لمن يكون موسى الثاني وسامري العصر والعجل--الذي هو بإي حال ليس ذهبيا وإن كان وظل له خوار--واضحة لكل ذي عيان. هذا وإن استعاد موسى قومه عند عودته من جبل الطور حاملا الواحه، رغم انه قد رمي بها وحطموها، لعبادة التوحيد الا تن موسى الاسلامويين الذي يعتقد بانه قادهم نحو الانقلاب ومن ثم الى السلطة لم يستطع استعادة موقعه القيادي للمجموعة الاسلاموية او وحدتها من جديد ولم يحطم آلواحه. هذا وإن فرح السامري الثاني والفريق الذي اعتقد بأن وجود عجلهم الذي ظل قائما والذي ما فتئ يخور كلما هبت عليه ريح، بانه الفريق الغالب إلا أن الأمر ظل له ما بعده. وكما اعتقد ذلك الفريق لبعض الوقت بأنهم بما أوتوا وما اعتبروا بأنه النصر المبين على شيخ حسن لم يجد محبو الشيخ وقتها من وصف أفضل للشيخ وأثره من قولهم انه علم هؤلاء وأولئك من جماعات الحركة الإسلاموية "لبس الشال واستعمال الجوال". [هنالك صورة لدكتورحسن يعلم احدهم قبل أن ينقلب عليه يعلمه فيها لَبْس ربطة العنق وهو في غاية البهجة بما خصه به الدكتور] بذلك القدر لم يجد الفريق الغاضب ما يمكن ان ينسبه للشيخ في مجالي الحداثة والقيادة الا مظاهر لا قيمة لها. وحتى بعد وفاته لم يجدوا ما يقولون عنه من اثر سوى بكائيات لا نعرف ان كانت هي أصلا في رثاء الشيخ ام في رثاء المشروع او في رثاء النفس.
نسي الفريق الآخر في غمرة فرحهم بما اوتوا أنهم استبدلوا صنما بآخر دون كبير اعتبار او اهتمام لصفات آي من الصنمين. لذلك لم يجد البشير ما يفخر به بعد ربع قرن من الحكم اكثر من كونه علم السودانيين اكل البتزا والهوت دوق. ولكن ان الأمور غير ذلك فقد تواتر الكثير من الامور بعد موت الزعيم الشيخ. ولكن اكثر الامور إثارة حتى الان ما يمكن ان يعتبر ضربة البداية هو ما جاء به اسحق فضل الله في الانتباهة عدد الأربعاء الموافق التاسع من مارس ٢٠١٦ بان امر المفاصلة لا يعدوا ان يكون اشبه بما تم ليلة الإنقلاب من خديعة لله والنَّاس والعالم كله وذلك لان "الترابي كان يقاتل دفاعا عن الاسلام والغطاء كان صناعة الدوار. الرجل يتقن ما يصنع لدرجة انه /حتى اليوم/لا يجزم الناس بالانشقاق...حقيقة هو آم خدعة." ياسلام! هل ياترى حقيقة أن الترابي دشن الانقاذ بخدعة وودعها بخدعة آكثر إحكاما إذ أنها اصابت العالم كله بالدوار؟ غير الذي نعرفه من حكاية ما جرى بين الإنقاذ والترابي هو ما ظل يردده الشيخ بكرة وعشية حتى أتاه اليقين في خطاب الوثبة فسكت عن قوله بان ما جرى يمثل نكثا للعهود وخرقا الوعود. ومهما كان الآمر فان السؤال المهم والذي طال علية الآمد هو هل الانقاذ حقيقة مشروع الترابي؟ نعم هناك من يقول بذلك وقد تكون أو لا تكون له أدلة تدقيقية أو أدلة قطعية ولعل اكثر من يتحدثون عن هذا المشروع بما فيه الانقلاب الذي بعض جوانبه لا تزال في طَي الكتمان. ولعل الشخص الذي يمكن ان يعطي شهادة هامة وليس بالتأكيد صادقة هو علي عثمان. فهو الذي كان يصطحب بادي محمد الطيب معه للمناطق العسكرية ليعيد ويكرر: سودانا جبهة نبقالو خوده لتذهب الإشارة المفخخة لمن يراد بها.
ولعل دور علي عثمان لا يقف او يبتدئ بحال كونه كان السامري ولكن عندماحتى يفتح صندوق السامري لن
يكون من مكن ان نحصل علي الصندوق الأسود للانقاذ وونتعرف على تطور التخطيط لمشروع الانقاذ ومن هو صاحب ذلك المشروع. هناك ايضا من يعرف الكثير عن علي عثمان ودوره ولعل معظم أولئك لن يتحدث الآن او بعد حين خاصة ان هنالك من تساوره الشكوك بأن علي عثمان ودولته العميقة لا تزال حاكمة واأن الرجل يبدو انه قد ترجل الا انه لم يترجل بعد. وان البعض يعتقد بأن ما يقوم به علي عثمان حقيقة ليس الا واحدة من مكائد الاسلامويين المتعددة مثل التي نسبت لشيخ حسن في المبتدأ كما جاد على لسانه وفي المنتهى كما جاد به يحى فصل الله. ثانيا قد لا يفصح علي عثمان كثيرا. للأسف فان علي عثمان لم يعرف عنه إنه من أهل الكتابة في يوم من الايام لذا فمن المشكوك فيه وان كان من الممكن ان يخرج علينا بكتاب ــ يستكتبه شخصا ما-- يحتوي على بعض ما لم نتعرف عليه بعد والذي لايزال في طي الكتمان. اي ان ما ظل يعتمل في ظلام المسرح الخلفي للحركة الإسلاموية طوال الفترة الماضية قبل الانقلاب وفي مراحل الإعداد له وفيما إعترى ما بينه وبين حسن الترابي في تلك الفترة من تاريخ دولة الاسلامويين الاولى تحديدا وما قبل ذلك بشكل عام. إذ يبدو ان هناك ما يمكن مقارنته بما كان يحدث ما بين ستالين ولينين في الفترة الاخيرة قبل موت الأخير. فالشموليات تنتج متشابهات. لقد حذّر لينين من ستالين ولكنه لم يقتلعه وقد أعلن حسن البنّا بالصوت العالي أن جماعة النظام الخاص "ليسوا إخونا وليسوا مسلمين" ولم يتمكن من كبح جماحهم. وقد لا نعرف حتى حين ماذا كان وراء صمت حسن الترابي فيما تواتر السؤال في دواخل تلك العلاقة بينه وبين علي عثمان وهو الذي ظل يشير بعبارات غامضة كلما ورد السؤال او الحديث صوب تلك الناحية. والمعروف عن الترابي إنه--في فترة بعينها-- قد انعكس غضبه مما حل به في العلن من قبل من يعتقد بانهم من اخلص تلاميذه وظهر لحين عدم توانيه في فضح بعض ما كان يدور في المسرح الخلفي والقليل من كبائر الانقاذ منذ يومها الاول. وعلى راس ذلك اعترافه بإرساله البشير للقصر رئيساً وشخصه للسجن حبيسا. ومن ثم فقد صمت الترابي عن الحديث المباح حتى في هذا وذاك لأسباب لا نعرفها. إلا أن ما يهم هو ان الطريق نحو الحديث المباح لا يقف عند الاعتراف بالأخطاء وانما يتجاوز ذلك الى الارتقاء بالأمر الى مراقي المسؤولية الوطنية والأخلاقية للإفصاح الامين للشعب السوداني بحقيقة ما جرى وتفاصيل ما ظل في طي الكتمان بشان ما تم من جرائم ارتكبت بحق الوطن وحق افراده. إذ آن من واقع حق السودانيين أن يعرفوا حقيقة ما تم اذ ان من جراء ذلك قد لحق بهم الاذى البالغ وقد مسهم الضر طوال تلك الفترة الطويلة. وقد يحمد لبعض الاسلامويين موقفهم الواضح من الانقاذ وإنقلابها إلا أن كل أولئك والغاضبين على الانقاذ لأسباب اخرى يقفون في حدود شبه متفق عليها لا يتجاوزونها في إطار دواخل ومخارج تجربة الاسلامويين في الحكم. وليس المقصود هنا البحث عن فضائح تلك التجربة ما ظهر منها وما بطن على كثرتها وإنما يجب الولوج الى كل جوانب تلك التجربة عن طريق التحليل والبحث القائم على تقديم الحقائق والتي لا يزال الكثير منها في طي الكتمان.
وقد يكون أو لا يكون من المدهش أن ياخذ غازي صلاح الدين ربع قرن من الزمان لياتي بافادة منه تشير بانه "لم يكن مؤئدا للانقلاب وأن حسن عبدالله الترابي نفسه لم يكن مقتنعا بالإنقلاب على الديمقراطية. وإنه (اي غازي) لا يؤمن بالدولة الدينية او الحكم الاسلامي٠" جاد بذلك في منزل احد السودانيين بقطر امام العديد من السودانيين الذين تحاوروا معه وكان ذلك في ديسمبر ٢٠١٣. تناولت تلك الافادة العديد من المواقع الالكترونية السودانية ولم يرد حتى الان من الرجل شخصيا كتابة او تصريحا ما يفيد بأنه لم يقل ذلك. وهو من أكثر الاسلامويين كتابة ونفيا لما ينسب إليه من أقوال في الصحف. إذ لا يحتار الانسان اذ يرى المشاهد كيف تحل عقد لسان بعض هؤلاء القوم حال فقدان الموقع او الكسب. وقد لا يستغرب الانسان كثيرا وهو يشاهد ويقرأ أمثال تلك الافادات وهي تتواتر هذه الايام والبكاء بالدمع السخين من بعض من ظلوا يسلقونه بالسنة حداد حتى قبل موته بقليل. بل قد يتساءل الأبرياء منا هل يا ترى أن مثل ذلك السلوك يأتي من باب الخروج من جحيم الانقاذ دون المرور عبر المطهر والكفارة للشعب السوداني ام أن ذلك ياتي من باب التحلل و التحسب لما قد ياتي بعد سقوط الانقاذ. ام ان ذلك من باب ما يعتقده الاسلامويون بان الحرب خدعة وأن ما تم وما سيتم بينهم وبين الشعب السوداني يقع في هذا الإطار لذلك فانهم المالك الحقيقي والوحيد لتلك التجربة بكل ما فيها. لذلك فان الذي بينهم وبيننا كشعب، يقع في مجال: منهم البطش والعنف والنهب والاستعمار ومنا الاستجابة.
ولعل اصدق تعبير على ذلك ما جاء في الجملة المفيدة التي تيسرت لأمين حسن عمر، بعد ربع قران من الوجود داخل دولاب السلطة نصيحته ان تحزو الحركة الاسلامية حزو الصقر عندما يتقدم به العمر ويشيخ وكيف يمكن له ان يجدد أدواته الفتاكة التي تقوم عليها أمور حياته. وأتمنى أن لا يكون صقر الانقاذ يسعى الان لاستعادة أدواته الفتاكة من أجل مواصلة الفتك بالشعب السوداني من جديد بطريقة تستعيد بها الانقاذ سيرتها الأولى ومسلكها القديم في الفتك.
لذلك فان ما يهم حقيقة هو أن الحل لهذا المعضل لن يكن بالسهل ما دام 'الصندوق الأسود' للحركة الاسلاموية لم يتم العثور عليه بعد. وبذا والأمر والحال كذلك سنظل نسمع او نقرأ من وقت لآخر إفادات اقتضتها ظروف خاصة وهي في أحسن أحوالها لا تمثل إلا الجزء اليسير من حقيقة رويت حتى تروى غليل غضب البعض او من البعض الاخر اعتقادا منه في التقرب للسلطة زلفى. وفي الحالتين يتم الإفصاح وفق حالة الراوي المعنوية والنفسية او مدى الفقد الذي تعرض له هذا او ذاك. لذلك ظل معظم الناس يتعاملون مع ياتي به الاسلامويون من إفادات او نقد علني او وراء الكواليس في الحال والحين بقدر كبير من الريبة والحذر وما يقال عن او ضد هؤلاء واؤلئك من الاسلامويين باهتمام اكبر. ولذلك أصبحت قولة الطيب صالح: "من اين أتى هؤلاء الرجال" فيما يود ان يفهمه منها المواطن السوداني وهو يرى واقع حاله او في معناها السلبي جداً واجباً يوميا ظل يردده ويقول به الغاشي والماشي اكثر من خمس مرات في اليوم. لا ما يعتقد بانه التطور التاريخي للاسلاموية السودانية والذي لا شك ان الطيب رحمه الله هو من اعرف الناس بهم وبها بحكم انه كان احد رواد تلك الحركة المؤسسين. وليس في ذلك بالطبع ما يعيب.
لا يختلف الكثير من السودانيين في آن علي عثمان هو الاسلاموي الأول الذي تبوأ منصب النائب الاول لرئيس الجمهورية وقد يكون الأخير. والأول هنا يعني أو يقوم بالخصم من حساب العسكريين الذين أتى بهم ويظل حظهم في المناصب العليا يتم عن طريق وأسلوب آخر لم تك الاسلاموية أو الإنتماء إليها او ايهما المؤهل أو الأساس في ذلك. وقد نجح علي فيما فشل فيه مسعى ومطمح شيخه حسن الترابي. ومن مدهشات أحايد الاسلامويين ان يقوم من يعتبر بانه عراب النظام (حسن الترابي) استجداء تابعه (عمر البشير) بآن يعينه في المنصب الثاني في الدولة في الوقت الذي كان يعتقد فيه أن الشيخ او في واقع الآمر كان يضع هو نفسه في المنصب الأعلى من النظام والدولة والحزب والرئيس. ومن عجائب الدهور ان يقبل الشيخ بتلك النتيجة المهينة دون استنكار او غضب. ومن ثم فقد ذهب البعض الى إصباغ المشيخة من بعد على علي دون مؤهل يذكر في مجال الفكر او الإجتهاد. رغما عن ذلك فان هناك من ذهب الى وصف علي عثمان بالتآمر والمكر والدهاء وحتى الجبن. وقد يجئ اليوم الذي نرى فيه البعض خاصة أولئك الذين ظلوا يطلقون لقب الشيخ على علي عثمان زلفى او بقدر من الخجل ويتبارون في كشف مسالبه ان لم تكن جرائمه. فقد يأخذ البعض من هؤلاء ايضا وقته هو الاخر حتى يطمئن الى أن ما تم من أمر رحيل علي عثمان حقيقة وليست خدعة. خاصة وأن الإشارات والأحاديث ظلت تترى بشكلها المادح والقادح كما ظلت تتواتر وتذهب الى أن شيخ علي هو صانع جمهورية الاسلامويين الثانية باعتبار أن شيخ حسن هو صانع جمهوريتهم الأولى. الا ان الامر الاول في تقدري وعند الدرس المتاني للأمور يمكن ان يكون مجال نظر على الأقل. لم بكن حسن الترابي هو صانع الجمهورية الاولى ولم بكن عراب النظام. لقد كان موجودا بشكل ما ولكنه في حقيقة الامر "مافيش."
لقد كان علي عثمان هو المحورالحقيقي طوال فترة غياب الزعيم الغائب. ولما كان الامر وقتها يستدعي قدرا من الحيطة والإخفاء او التخفي باعتبار أن الامر كان يتم تحت الارض. فقد اخذ ذلك محور والقائم بأمره والجمعية المغلقة الجديدة والشابة الجديد ينموان في داخل الجمعية المغلقة الكبيرة كما جاء شرحه في الحلقة السابقة. وسرعان بدأت تظهر المفاجأت تترى بتغيير الحال بعد المصلحة مع نظام جعفر نميري من حركة تحت الارض الى حركة فوق الارض تحاول ان تستعيد مسرحها و"خشبتيه" الخلفية والأمامية القديمين وفق معايير زمان مضي. لذلك بدأت تظهر المفآجآت كلما برز أمر من الأمور من المسرح الخلفي المظلم إلى خشبة المسرح السوداني الأمامي المفتوح. فقد بدأت المفاجآت بتعيين علي عثمان رائدا لمجلس الشعب في العام ١٩٧٧ في وجود أخرين ممن كان يعتقد بانهم أعلى منه مقاما في التنظيم واكبر عمرا مثل يس عمر الامام واحمد عبدالرحمن وعثمان خالد مضوي. ومن ثم تأتي المفاجأة الثانية في إختياره نائبا للامين العام حسن الترابي في العام ١٩٨٥ في ظل وجود كل أولئك الرواد. وتأتي المفاجأة الثالثة عند اختياره لزعامة المعارضة إبان الفترة الديمقراطية في وجود مجموعة من الزعامات أمثال احمد عبدالرحمن وعثمان خالد مضوي وإبراهيم السنوسي في المجلس. وقليلا قليلا بدأت تظهر وجوه بعض أعضاء الجمعية المغلقة الجديدة أمثال عوض الجاز وعلي كرتي وغازي صلاح الدين ومجذوب الخليفة (الوالي الذي يعمل بماكينة رئيس جمهورية) وقطبي المهدي ومهدي ابراهيم وأمين حسن عمر ونافع علي نافع والمجموعة الأمنية (ما ظهر منها وما بطن) والمجموعة التي يطلق عليها السودانيون تهكما 'أطباء بلا حدود' آخرين وهم ذات المجموعة التي شكلت المخلب الداخلي لرأس الغول وهي راس جبل الجليد للجماعة التي ظلت هي الجماعة الحاكمة حتى ديسمبر ٢٠١٣. في ذات الوقت أخذت بوادر انحسار المجموعة القديمة او المكون الرئيسي المساعد لتكوين اسلاموية الترابي في بدايات تاسيسها قبل انقلاب ١٩٨٩واخذ يتكامل بشكل مطرد بعد الانقلاب الذي يمثل قمة تطور الثورة المضادة وبذا صارت له دولة وهي دولة الانقاذ في مرحلتها الاولى والثانية والتي هي التنفيذ المحكم لمشروع وبرنامج الثورة المضادة القائم على الاستبداد والعنف وتسخير الدولة من اجل توزيع المغانم على البعض والمظالم على الجميع وفق تطوير أدوات دولة الاستبداد تلك وسعار الجماعة الملتفة حولها--اي الجمعية المغلقة الداخلية--عن طريق ما أسمته بالتمكين والكسب من اجل الثراء وتعدد الزوجات. او الاسماء الرسمية للفساد. ومن واقع كل ذلك تحولت البلاد الى مواقع للحرب الحارة والباردة ومشهد لا مثيل له في اغتيال المنافسين او المتنافسين السياسيين. هذا ومن واقع ربع قرن من تجربة الاسلامويين وفي إطار هذا البرنامج قد يري العض بان الحركة تنحو نحو الإكتفاء من السودان بمثلث حمدي واستبشر وبشر البشير من الإنجاز بان تفضل على السودانيين بان علمهم اكل البتزا والهوت دوق.
نعم هناك الكثير من خفايا انقلاب ١٩٨٩ التي لم يكشف عنها بعد. وان كان البعض ظل يصرف النظر عن ذلك بنظرية الموزة مقارنة بالانقلاب والتي تروى عن نصيحة احمد سليمان للانقلابين والتي تقول ان الانقلاب مثل الموزة لا تطيب قبل او بعد نضجها او ما يروى عن ابراهيم شمس الدين الذي دفع بمسدسه الانقلابيين نحو اتخاذ الموقف النهائي تجاه الانقلاب. في تقديري ان الانقلاب كان من جهة اخرى يمثل انقلابا على حسن الترابي ومجموعته ايضا. فان كان امر ذهابه للسجن قد وجد هوى عنده تحسبا لما قد يا يحيق به ان فشل الانقلاب كما كان يقول محمد طه محمد احمد. الا ان ذلك قد أعطى الجمعية الداخلية فرصة لتحويل السجن الخديعة الى سجن حقيقي وذلك بوضعه في السجن لفترة أطول من فترة الشهر المتفق عليها لتمتد لستة أشهر ثم ابقائه من بعد ذلك رهن الاعتقال المنزلي كما حدث لمحمد نجيب في مصر. ومن بعد اتخاذ التدابير الهادفة الى تحويله الى مصحة في أوربا بعد حادث كندا ليبقى هناك مدي عمره. والحيلولة دون اي لقاء منفرد يبنه وبين عمر البشير على مدي الفترة الأولى للإنقاذ حتى وقوع محاولة اغتيال حسني مبارك في أديس أبابا عام ١٩٩٥.
لعل اهم ما يميز مسيرة علي عثمان السياسية هو مقدرته العالية والهادئة التي تجعل من حضوره وحالة غياب الآخرين واحدة من اكثر وسائل الصعود الى أعلى. معظم الذين يتحدثون عن مميزات علي عثمان ويجمعون على مقدرته على إدارة الأمور في الخفاء او في غرفة شديدة الاظلام كما يقول صديق محمد عثمان. غير ان الأمر قد يكون اكثر تعقيدا من ذلك. فاضافة الى نجاح علي عثمان في استثمار حضوره وغياب او تغييب الاخرين هو ايضا من اكثر المعجبين بصدام حسين وأسلوبه في ادارة الامور كما يقول بذلك عبدالوهاب الافندي. ولما كان صدام شخصية كثيرة التعقيد فلابد من ان يكون علي ايضا على مثل ذلك المستوى من التعقيد ولكن بطريقته الخاصة. ويقال ان من نصائح صدام لعلي ان يحكم عن طريق عشيرته الاقربين. ويبدو أن علي قد طور ذلك الاسلوب ايضا بأن جعل حوله جماعة بوزن وصفة قبيلة ظلت متماسكة وممسكة بمفاصل ومصادر السطوة والسلطة والمال والبطش. وقد ذهب البعض بان تلك الجماعة تمثل الشايقية وهو مفهوم ملغوم وقع فيه حتى البشير ذاته عندما روي بانه قال لصلاح قوش بان قبيلتك قبيلة متامرة وقد استفدت انا من ذلك. وذلك بان كون هو الاخر قبائل متداخلة ضمت الاخوان والأهل والزوجة وهلم جرا. وتداخلت مع تلك التكوينات تلك تكوينات أمنية بأشكالها الجديدة وأحجارها الكريمة. ومن الخطا ان يذهب الانسان الى ان ذلك الفخ القاتل الذي انقاد اليه البعض بان الشايقية او الجعليين او غيرهم يمثلون قوى سياسية تقف خلف هذا او ذاك. فليست هنالك قبيلة أستشيرت في امر أو انتخاب هذا الشخص او ذلك ليمثلها في السلطة او الدولة او الكسب. لكن وعلى الرغم من ان المراقب لا يمكن ان تفوت عليه المحاولات التي بذلها النظام في تسييس القبليات لا القبيلة على مستوى المنصب الا ان ما أنتج ذلك النهج والمنهج القائم على مثل ذلك التسييس جدير بالاعتبار. اذ ان ذلك الامر قد جعل من المتنافسين والطامعين والطامحين في المنصب الأعلى ينظرون الى ما هو اقل من المؤهل او الخبرة او الحزب ليصبح ذاك الذي يدعيه هذا او ذاك عن موقعه القبلي هو الأساس للوصول للمنصب في الدولة والكسب والتمكين. ومن ثم اصبح في مثل تلك الأمور من موازنات سطحية في هذه المجالات ما يمكن ان يعلو او يهبط بالبعض محاصصة ومناكفة وضربا تحت الحزام وفوق الحزام بين الأفراد والجماعات الطامعة والمتنافسة وتتحول الاسلاموية القبلية الى سياسة مرئية ومرعية على مستوى الدولة وان لم تكن معلنة الا أنها في نهاية الامر تقوم على ما يعتقد بانه يمثل تسييس هذه القبيلة او تلك وفي الفرز القائم على نعرات لا يمكن إلا أن تسمى عنصرية.