مهلا، أيها القضاة الثوريون!

 


 

 


ushari@outlook.com
... (0)
تقديم
(1) في بيان القضاة السابقين
مهلا، أيها القضاة الأربعمائة السابقون أصحاب البيان الذي فيه رد فعلِكم على الحراك الراهن ضد نظام الإنقاذ. فالموضوع الذي تقترحونه ليس بهذه البساطة الاستعجالية التي رسمتموها في بيانكم حين قلتم: "نتعهدُ بوضع أكثر من أربعمائة (400) قاضٍ سابق في الخدمة وفوراً، وعلى أهبة الاستعداد، اليوم وقبل الغد، وبالشرعية الثورية، لتولي الأمانة ومسؤولية التكليف وذلك بإدارة وتسيير شؤون السلطة القضائية الحرة و المستقلة وبكل كفاءة وحيادية".
لا، لا نقبل ذلك، لا بشرعية ثورية أو غير ثورية هكذا بالعافية، ليس لكم أي حق في قيادة القضائية الجديدة حين يأتي أوانها، فقط بحجة أنكم قضاة سابقون. لأسباب سآتي إليها وهي موضوع هذا المقال.
أدرك أنه لابد يوجد من بين الأربعمائة من يختلف في الرأي مع البيان المنشور باسم "تجمع القضاة السابقين"، خاصة ونحن في زمان يكتب فيه الشخص عن أخطر القضايا في الشأن العام، نيابة عن الجماعة، لكنه لا يجد في نفسه الشجاعة الكافية لتبيين هويته، اسمه وموقعه ومصدر تخويله والكيفية الإجرائية التي تمخض عنها خطابه المعروض أمام الجمهور، على أقل تقدير ليتمكن القارئ من الاطمئنان لمصداقية البيان ومن سلامة إجراءات كتابته، قبل الانفعال به أو التفاعل معه.
وأدرك أيضا أن مِن بين القضاة السابقين من ظل بكتابته العلنية الممهورة باسمه يثقف السودانيين عن بعض أخطر أبعاد فساد السلطة القضائية الراهنة، الأستاذ سيف الدولة حمدنا الله عبد القادر. هذا هو نوع من الإسهام الذي نريده من القضاة السابقين الأربعمائة، أن يكتبوا في موضوع القضاء، وأن يكتبوا بأسمائهم، وأن يفصحوا عن هوياتهم، ثم أن يتحملوا تبعات الكتابة الانتقادية العلنية، وإلا فليسكتوا بصورة كاملة. ولا بأس من السكوت.
(2)
فلنعتبر بيان تجمع القضاة السابقين وكأنه لم يكن
إن قاعدة السرية التي قد يعتمدها المقاومون داخل السودان، خوفا من بطش جهاز الأمن، لا تنطبق عليكم القضاة السابقين فيما يتعلق بهذا الموضوع قيد النظر، في عالم أصبح فيه جهاز الأمن ماكرا يصدر هو الآخر بيانات ضد النظام لأغراض استخباراتية، وهنالك عدد من الأشخاص بدون هوية يريدون الاحتيال بهوية نضالية في المرحلة الراهنة، فيصدرون بيانات عن الضباط الأحرار والشرطة الأحرار، وسنرى قريبا بيانات الأطباء الأحرار والمهندسين الأحرار، دائما دون أسماء.
في عهد الأنترنيت، يمكن للمهنيين داخل السودان تكليف شخص معروف للقراء يعيش خارج السودان، وبعيد نسبيا من قبضة جهاز الأمن، ليبين للقراء أن البيان المنشور صحيح وصادر من مقاومين بالداخل لهم مصداقية. أما البيان المنشور هكذا دون أي اسم لصاحبه، مثل بيان تجمع القضاة السابقين، فلا قيمة له، ويتعين على القارئ عدم الاكتراث إليه إلا لأغراض التفكيك. ولا يغير من الأمر شيئا أن الصحيفة تعلم هوية الكاتب.
عليه، يمكن أن ننظر إلى هذا البيان العام مما يسمى "تجمع القضاة السابقين" وكأنه لم يكن، لأن كل كتابة غير منسوبة لصاحبها المعروفة هويته لا قيمة لها. لكني أستغل هذا بيان القضاة السابقين الوهميين لتسجيل النقاط التي أريد توضيحها عن القضائية فيما بعد نهاية نظام الإنقاذ، وهي نقاط مستقلة عن البيان ذاته وإن كانت تَرُد على محتواه المُعبِّر عن الكيفية التي يفكر بها بعض القضاة في السودان، وربما أغلبيتهم.  
(3)
في بيان القضاة المفصولين
ومهلا أنتم أيضا هناك، أيها القضاة الثلاثمائة المفصولون، أصحاب المذكرة المقدمة إلى ممثل الأمين العام للأمم المتحدة. ليس واضحا ما إذا كنتم تكيِّفون أنفسكم قضاة سابقين في مجموعة تجمع الأربعمائة أعلاه أم كنتم مجموعة مستقلة عن الأربعمائة. فالبيانان صدرا بالتزامن. أراكم تطلبون بمذكرتكم إنصافَكم وتتحدثون في المذكرة عن مثالب القضائية الراهنة. فمقبول الادعاء بحقكم في العمل، لأن فصلكم من العمل كان تعسفيا ومخالفا للقانون والعرف والأخلاق. لكن، لا قيمة تُذكر للنقاط الأربعة التي تفضلتم بالتنويه إليها، حين كتبتم عن مساوئ القضائية: (1) تدني مستوي العمل القضائي لعدم اختيار الأصلح وارتباط الاختيار بالانتماء الفكري وتطبيق سياسة التمكين؛ (2) انتماء العديد من القضاه للتنظيم السياسي وللأجهزة الأمنية؛ (3) عجز القضاه عن تولي مسؤولياتهم العدلية في مواجهة القرارات التنفيذية لانعدام مبدآ استقلال القضاء؛ (4) انحراف السلطة القضائية عن وظيفتها واشتغالها بالاستثمار وتجنيب الأموال وتشييد المباني بما يخالف الأصول المالية والمحاسبية.
ليست هذه الادعاءات سوى أقوال مرسلة بدون بينة من أي نوع، مما لا يُقبل من المواطن العادي غير المتخصص أو حتى من السياسي المستهبل، بله أن يكون ذلك من ثلاثمائة قاضيا. لا أقول إنها ادعاءات غير صحيحة، أقول إنها ادعاءات تم تقديمها بدون بينة، كتبها قضاة في مذكرة رسمية موجهة للأمم المتحدة يريدون من المنظمة الدولية أن تدعم موقفهم، سيضحك موظفو الأمم المتحدة على المستوى المتدني في المذكرة من القضاة المفصولين، فكيف يكتب القاضي مثل هذه الادعاءات الخطيرة دون تقديم الحد الأدنى من البينات، لتكون المذكرة وثيقة حية ومرجعية وقابلة للفصل على أساسها في القضية المطروحة؟ قد لا يدرك القضاة المفصولون أن موظفي الأمم المتحدة سمن في عسل مع حكومة الإنقاذ، بكذبة برنامج سيادة القانون والحوكمة والكلام الفارغ المعروف، زيارات وسمنارات وكمبيوترات واجتماعات شوفوني مع حيدر. انظر إجرام الدولة الإسلامية لتعرف أن الموضوع عن "سيادة حكم القانون" لعبة خبيثة بين الطرفين لأغراض لا علاقة لها بالقانون أو استقلال القضاء أو العدالة.
(4)
الخطأ القضائي في تحديد جهة الاختصاص
(أ)
في جميع الأحوال، أخطأتم أيها القضاة المفصولون في تحديد جهة الاختصاص، حين توجهتم بشكواكم إلى الأمم المتحدة. فالأمم المتحدة ليست جهة اختصاص للفصل في مثل قضيتكم، وهي ستلقي بمذكرتكم غير المسنودة بأية بينة في سلة المهملات، ولا يجديكم تقرير المحامين الأمريكان في وريقات ليس فيها شيء يؤبه له. ربما سترسل الأمم المتحدة إليكم رسالة رقيقة ساخرة للتعاطف الإنساني، فهي منظمة إنسانية وعندها مكتب علاقات عامة للكتابة عديمة العاطفة والخاوية من المعاني.
(ب)
كذلك أخطأتم  أيها القضاة السابقون حين لجأتم في الماضي وأنتم من "جنس القضاة" لكم معاملة خاصة، بعلة العصبية للجنس، لجأتم إلى جهة محلية لا شرعية لها أصلا، أردتم منها الفصل في قضيتكم الفئوية، لجأتم إلى رؤساء القضاء السابقين، وقد عرفتم قلة أدبهم وتنكرهم لجنسكم، فهم صنائع الحركة الإسلامية السودانية قاسية القلب ليس لها قلب كلها عضلة شر، وأخطأتم أيضا حين لجأتم إلى المحاكم الفاسدة تطعنون لديها، وقد اعترفتم في بيانكم بهذا خطئكم أيضا حين وجدتم الطعن غير مجدي. ومتى كان الطعن لدى المحاكم الفاسدة مجديا؟
(ج)
إن صاحب الاختصاص للفصل في قضيتكم، أيها القضاة المفصولون أو السابقون، هو المواطن السوداني الذي فهم بصورة كافية كيف تدور الأمور. لا أدعي أني أمثل هذا المواطن، لكني على أقل تقدير أعرف ما يريده. أعرف أن الموضوع بالنسبة إليه لا يمكن اختزاله في مجرد حقكم كقضاة في العمل، أو في أقوالكم المرسلة عن سوء السلطة القضائية، وأعرف أن المواطن السوداني لن يرحب باستعدادكم يا قضاة سابقين لتولي شؤون السلطة القضائية غدا، أو في أي تاريخ.
للأسباب التالية:
...
أولا،
هنالك مشكلات فظيعة في خطابكم أيها القضاة السابقون والمفصولون
 (1)
أنتم لا تعترفون بأن القضائية الراهنة جزء من النظام الفاسد
(أ)
تبين الآن للمواطن السوداني أنكم تقترفون خطأ فادحا في الفهم. لا تريدون أن تفهموا أن السلطة القضائية الراهنة جزء لا يتجزأ من الدولة الإسلامية الإجرامية الفاسدة. هذا القرار الواعي من جانبكم بقصد عدم الفهم، بل بتصنع عدم الفهم، أدرجكم في أغاليط وفي مغالطات مضحكة.
فإذا كنتم حقا ترحبون بنهاية نظام الإنقاذ، مما تريدون إبلاغه باللغة النارية في بيانكم الذي ليس فيه قانون ولا فهم قضائي ولا وقائع، صياح في صياح وشعارات، بدون أسماء، كان يتعين عليكم أولا أن تقولوها صريحة إنه لابد أن تذهب السلطة القضائية الراهنة ذاتها إلى ما تسمونه "المزبلة"، لتحتل القضائية مكانها في المزبلة الموعودة مع السلطة التنفيذية محل تشنيعكم،
وكذا لتلحق القضائية في ذات المزبلة بالسلطة التشريعية بتاعت نور تاور التي ستكون حينئذ تبحث عن وظيفة أخرى (نور هي أيقونة السلطة التشريعية الراهنة، صوت المؤتمر الوطني وعنوانه، واحدة من أولى النساء من جبال النوبة اللائي دخلن جامعة الخرطوم، وربما كانت الأولى. كادت نور تاور المؤهلة تَعبُر بصورة نهائية، في تفكيرها وفي ممارستها السياسية الاجتماعية، حواجز العنصرية والدونية والتمييز على أساس الجندر، لتكون الفيمنسيتا النوباوية ضد القهر العربي الإسلامي لأهلها النوبة، ولتكون مثالا تحتذيه الشابات السودانيات نوباويات وغيرهن، لكن نور قررت أن تخذل النوبة، وأن تكون فجيعة المرأة السودانية، هي واحدة من النساء الضحايا المستجيبات تستحضرهن الحركة الإسلامية في المجال العام للاستعراض بهن ولقتل وعدهن، وهن الواعيات يقبلن هذا الدور راضيات. نريد مددا من الحركيات الأنثويات لإنقاذ نور تاور!)      
(ب)
أيها القضاة السابقون، إن من ضروب الاحتيال على المواطن السوداني أن تتصنعوا هكذا أنكم لا تفهمون أن السلطة القضائية الراهنة جزء لا يتجزأ من نظام الإنقاذ الذي تصفونه بأنه النظام "الفاشي النازي ... النظام الفاسد و التالف و الساقط في طريقه إلى تلك المزبلة..".
 وكذا لا يستقيم لكم أن تعملوا ما فاهمين أن أكبر شر في هذي دولة نظام الإنقاذ هو هذه السلطة القضائية الراهنة، بقضاتها رؤساء العصابات الإجرامية للإتجار في القرارات القضائية وبالمحامين الفاسدين أعضاء العصابات الذين يترافعون بالاحتيال أمام محاكم هذه الشركة الإسلامية، وكذا بموظفيها الفاسدين الذين أنشأوا في المحاكم أسماء أعمال لتتويه الأوراق وتضييعها ولابتزاز المتقاضين.
تدركون جيدا أن هذه القضائية تنفذ الأجندة الحزبية، وهي تقبل ضباط جهاز الأمن قضاة في المحاكم، فوظيفتها الأساس دعم سياسة حزب الحركة الإسلامية السودانية لصناعة الفساد.   
وأنتم القضاة المفصولين، سجلتم  في بيانكم، بطريقة استحيائية، أن القضاة في القضائية الراهنة غير مؤهلين بغير ولائهم الحزبي، وأنهم غير أكفاء لتولي القضاء، وأنهم لصوص، نعم قلتم ذلك للأمم المتحدة، لكن بالمداراة حين أشرتم إلى التجنيب ومخالفة الأصول المالية وهي اللصوصية ذاتها.
(ج)
فإذا كانت صحيحةً المقدماتُ التي وصفتم بها القضائية في مذكرتكم للأمم المتحدة، عن طريقة التعيين، وعن عدم الكفاية، واللصوصية، وانعدام استقلال القاضي، ستكون النتيجة المنطقية أن يتم حل هذه السلطة القضائية الراهنة، وهي النتيجة المنطقية التي تسكتون عنها وتختصرون موضوعكم كمفصولين يطالبون بحق العمل فيها، جنبا إلى جنب مع زملائكم الفاسدين. فلكأنكم ترون أنه يمكن إصلاح حال هذه القضائية، من الداخل بقضاتها وأنتم معهم.
وأنتم القضاة السابقين، إذا كانت صحيحةً المقدمات التي وصفتم بها نظام الإنقاذ، بأنه "نظام المجرمين السايكوباثيين الحاكمين للبلاد بالبطش والاستبداد والظلم والاضطهاد والاعتقالات التعسفية والتعذيب والعنصرية البغيضة، والفساد والإفساد ..."، إلى بقية الردحي القضائي، إذا كانت هذه المقدمات عن نظام الإنقاذ صحيحةً وفق ادعائكم، سينسحب كل ذلك على السلطة القضائية الراهنة ذاتها، بقضاتها، لأنها كما قلت جزء تكويني أساس في ذات النظام الذي تصفونه بالبشاعات المريعة.
...
يا قضاة في تجمع القضاة السابقين، بالمنطق البسيط، تستدعي مقدماتكم عن وقائع القضائية الراهنة وعن نظام الإنقاذ حل هذه السلطة القضائية، وتستدعي المقدمات عدم استثناء القضائية من التغيير الثوري الذي تحرضون المهنيين الآخرين عليه. أي، وفق حجتكم الثورية، وبالتسبيب المنطقي الذي تعرفون أموره، يجب إلحاق السلطة القضائية بالسلطة التنفيذية محل تحريضكم، أما السلطة التشريعية فحلها تحصيل حاصل عند التغيير، وستعود نور تاور إن تم إنقاذها إلى جبال النوبة تناجز بأنثويتها حول منصب وزاري مستخدمة هويتها النوباوية،  وكذا كان يتعين عليكم أن تتذكروا المحكمة الدستورية بتاعت بدرية، اللابدة تتمسكن تتربص، حيث لا فائدة في محكمة دستورية صورية دورها منع الطعن في القوانين غير الدستورية، فكل قاض مسؤول عن المراجعة القضائية وفق الدستور للقوانين والقرارات والإجراءات التنفيذية.
ينهار بيانكم مباشرة، فقط بسبب استثنائكم السلطة القضائية من الحل.
...
(2)
تريدون أن ترثوا القضائية الفاسدة
أيها القضاة السابقون، أراكم في بيانكم تختزلون الأمر كله في استعدادكم الفوري لاقتناص "الشرعية الثورية" وسيلة لـ "إدارة وتسيير شؤون السلطة القضائية الحرة و المستقلة وبكل كفاءة وحيادية".
فالواضح لنا هو أن كل ما تريدونه هو أن ترثوا السلطة القضائية الراهنة كما هي، بهيكلتها المصممة خصيصا لصناعة الفساد، بسياساتها السرية، وبخدعها المتكثرة للاحتيال على المواطن السوداني، وبماسونية القضاة كجنس أنثروبولوجي عصابي يدعم فيه القاضي السابق القاضي بتاع التمكين، ولم أسمع أنكم قطعتم يوما شعرة معاوية مع هذه القضائية الإجرامية الفاسدة. أعرف فساد قضاتها وأعرف إجرامهم، لأني كنت هناك، في المحاكم الإسلامية أوكار الجريمة فوجدتها مخارئ للفساد.
فأنتم كقضاة سابقين بل تريدون بخطابكم المشحون بالموضوعات المخفاة أن تستمر القضائية الراهنة كما هي، بشوية مساحيق لذر الرماد على الأعين، كفاءة وحيادية وكلامات، تريدونها كما هي بذات عصاباتها المكونة من زملائكم القضاة الإسلاميين، أقول هذا لأني لا أسمعكم تقولون بِغِم عن لزوم طرد القضاة الذين وصفتموهم للتو لدى الأمم المتحدة بأنهم بتاعين "تجنيب"، وغير أكفاء، ووصفتموهم بأنهم بتاعين جهاز الأمن وبتاعين الحزب ومن ناس التمكين.
(3)
كلامكم في البيان مبهم ولا معنى له
تقولون لنا إنكم قضاة، أربعمائة، لكنكم كتجمع تكتبون ورقة ليس فيها سوى مجرد كلامات تَعِدون فيها توفيركم "السلطة القضائية الحرة والمستقلة وبكل كفاءة وحيادية"، كلام لا معنى له حين نقرأه في سياق بيانكم وفي سياق فهمكم الغرضي للمرحلة الراهنة.
هل تريدون فرصة إضافية، لتعودوا فتكتبوا كتابا فيه الوقائع والقانون والتسبيب القانوني عن حالة السلطة القضائية وعلاقتها بالأجهزة في السلطة التنفيذية وعلاقتها بالسلطة التشريعية وبالمؤسسات العامة وبجهاز الأمن وبحزب المؤتمر الوطني؟ ومنه تنفذون إلى مقترحات للقضائية الجديدة؟ لا بأس إن أردتم هذا، أما بيانكم فورقة لا قيمة لها.
(4)
لا تفكرون في أهمية رؤية المواطن وطموحاته
أيها القضاة، من سابقين ومفصولين، قبل تفكيركم في مزاحمة زملائكم قضاة الإسلام في المحاكم، وقبل انغماسكم في الأحلام الوردية لاقتناص المواقع العليا في السلطة القضائية الفاسدة، أرجو أن تتمهلوا قليلا وأن تتفكروا في ماهية رؤية المواطن للقضائية الجديدة المرغوبة في فترة ما بعد نهاية الدولة الإسلامية الإجرامية الفاسدة، وهي نظام الإنقاذ. لتكون هذه المعرفة عن القضائية المرغوبة مكونا في هداية الرأي القانوني الذي نريده منكم عن مدى شرعية نظام الإنقاذ، كنظام.
لقد حدد المواطن رؤيته السياسية في أن نظام الإنقاذ لا شرعية له. وأن أمره كنظام للحكم قد انتهى في المخيلة الشعبية. حيث لم يبق لهذا النظام إلا العنف والقهر والإرهاب، تكنولوجيا الدولة الإسلامية في تاريخها منذ دولة المدينة، وهي التكنولوجيا الضرورية تحديدا لأن هذه الدولة الإسلامية مستحيلة أصلا كدولة عقلانية عادلة، إذ لا يمكن أن تقوم لها قائمة بدون العنف والقهر والإرهاب، ليس فقط بسبب إسلاميتها الموضوعية المتمثلة في تطبيقها الصحيح للشريعة الإسلامية، وإنما بسبب أنها مثل كل دولة إسلامية في التاريخ حكمت بالشريعة لا تعيش إلا بهذي تكنولوجيا العنف والقهر والإرهاب. لأنها باسلاميتها دولة غير عقلانية وستكون دائما موضوع الرفض والمقاومة.
فانظر المهدية، أحد أهم نماذج الدولة الإسلامية، وتذكَّر الشقاء الذي جرته على أهل السودان. بل فانظر النموذج الأصل ذاته في دولة المدينة. حتى بالتبريرات العنصرية أن اليهود غدارون، وحتى بالادعاء أن المسؤول عن العنف والقهر والإرهاب هو الله شخصيا صاحب التوجيهات العليا المنزلة للإسلاميين العلمانيين. وهي ذاتها التبريرات التي ساقتها الحركة الإسلامية بقيادة حسن الترابي، أن تدميرها حيوات السودانيين في جنوب السودان وفي شماله بل كان امتثالا للتوحيد بين الدين والدولة، وأن ممارساتها الإجرامية الفاسدة كانت مدفوعة بما يسمونه "الإيمان" بالله، وأنها كانت لتثبيت الشريعة: "أول دولة إسلامية حديثة يا جماعة، كيف نتركها تنهزم أو تموت؟" هكذا كان يردد الإسلاميون، وبالُهم مشغول بالنهب.
(5)
تنسون تقدمكم في العمر وأن عصركم قد انتهى فالقضائية متروك أمرها للشباب
(أ)
أيها القضاة السابقون الواهمون، وأنتم تستلبون ما ليس لكم فيه حق، بالادعاء غير الصحيح أن الشرعية الثورية تخوِّل لكم قيادة السلطة القضائية فيما بعد نظام الإنقاذ، أراكم لا تفكرون مجرد تفكير في أنه بمعيار العمر فقط، أعماركم كقضاة سابقين، وأنتم في مثل عمري، لا مكان لكم البتة في القضائية الجديدة، غير أن تكتبوا رؤاكم من بعيد عن كيف يكون القضاء.
ذلك لأن القضائية فيما بعد الإنقاذ ستكون قضائية الشباب، قضائية حديثة وعصرية تفهم مشكلات الشباب في هذا العصر المحكوم بسريان الثقافة القانونية وبقضيية الحياة ومشكلاتها الاجتماعية، وهي ستكون في المستقبل قضائية منقطعة من تراث القضائية السودانية الراهنة ذات الجذور المهترئة، التي لم تكن، كقضائية، إلا ذكورية وإقصائية عديمة الخيال لا تعرف معنى العدالة، فالمستقبل لقضائية مبرأة عن سخف الأيديولوجية الإسلامية، ومن شعوذة القضاة الإسلاميين، وكذا ستكون منقطعة عن ممارسات القانون الإنجليزي العام في أبعاده الاستعمارية المتمثلة في بقاء النظام التخاصمي غير الأخلاقي في المحاكم، وفي تسهيل ثقافة القانون العام، الإنجليزي، للفساد بالسلطة التقديرية غير المحجمة في دولة مثل السودان لم تعرف يوما إلا حكومة فاسدة، وفي خطاب تأليه القضاة السابقين، على نهج تأليه الإنجليز للورد ديننج، بينما القصد الخفي إسباغ غطاء مرائي عن عبقرية في كهانة قضائية حاضرة في إنجلترا أو في السودان.
(6)
لا تعترفون بأهمية دور الشباب في تركيب قضائيتهم بالطريقة التي يرونها، لا بطريقتكم القديمة
ستكون القضائية الشابة الحديثة مركبة بفلسفة جديدة، أي بفقه قانوني جديد. ويمكن أن نتحدث يوما عن معالم هذه الفلسفة. وهي ستكون قضائية خاضعة للمراقبة الشعبية، لا لمحاسبية داخلية كاذبة بخدع من قضاة متعاظلين يعملون في بهيم السرية، ستكون قضائية يُركِّبها الشباب على أساس المبادئ الإنسانية الراقية وعلى أساس الأخلاق، وهم سيتعلمون من المعارف العالمية ومن الثقافات القانونية المتعددة كيف يكون تركيب هذه القضائية الجديدة، وكيف سيكون الفصل في القضايا المجتمعية التي تهمهم. فأني مكانكم يا قضاة سابقين في هذا معمار الحداثة القضائية؟
لكن، إذا كان لكم أيها القضاة السابقون إسهام فلسفي أو موضوعي عن القانون أو القضاء فاكتبوه وانشروه لتعم فائدته إن كانت فيه فائدة. ويمكن لكم أن تتجهوا إلى التدريس والبحث العلمي في الجامعات. ويمكن أن تندرجوا في المقاومة مثلكم مثل الجميع، دون مطامع في وظيفة قضائية أو غير قضائية. لكن آخر ما نريده منكم هو هذا سعيكم المتهافت إلى تكريس الماضي المقيت في تاريخ القضاء السوداني، بفرض أنفسكم في مساحات يتعين أن تكون مقصورة على القضاة الشباب. ولا نكترث لكونهم قليلي خبرة، حيث لم تعد السنين مناط امتياز الأداء القضائي، بل الفهم النظري الانتقادي والمعرفة العلمية البين معمارها والقدرة المتطورة تباعا لاكتشاف العلاقات بين المكونات المعرفية والنظرية.
إن تثبيت حق الشباب في تركيب قضائيتهم أمر جوهري يتعين على الشباب أن لا يفرطوا فيه، ذلك لأن السودان موعود في القريب أو في البعيد بالخروج من كابوس الحركة الإسلامية السودانية. كذلك بعد أن فشلت جميع قيادات السودان التاريخية. وبعد أن تبين فشل الإسلامية كأيديولوجية، وتحقق ثبوت عدم صلاحيتها كنظام للحكم. مثلما فشلت المؤسسة العسكرية الانقلابية بالاشتراكية أو الشيوعية أو بالإسلام أو بغير ذلك من عقائد.
...
فالذي أراه هو اعتماد تركيب المستقبل ليكون من اختصاص الشباب، وفيهم الشباب الإسلاميون ضحايا التجهيل والخنوع وقلة المعرفة فيمكن تثقيفهم وإنقاذهم من بؤس الفكر الإسلامي، وأن يكتفي كل من تجاوز الخمسين بتقديم النصيحة والرأي فيما يتعلق بأمور القضائية بالتحديد، لأن القضائية مستنقع الفساد الإسلامي والبؤرة التي تلتقي فيها مسارات شرعنة صناعة الفساد في الدولة بأكملها، وعلى هؤلاء في الخمسينات وما بعدها الاستعداد أيضا للاندراج في المقاومة وتحمل النتائج. ولنا في اليابانيين عبرة، حين تطوع الذين تجاوزوا الستين بدخول المفاعل المتفجر في محطة فوكوشيما النووية لوضع مخاطره تحت السيطرة، قال هؤلاء الستينيون إنهم عاشوا حياتهم، وقد جاءت حينئذ لحظة إدراكهم لزوم التضحية لكي يعيش الشباب حياتهم أيضا. فاتركوا المجال للشباب، أيها القضاة السابقون.    
...
ثانيا،
نريد منكم التكييف الدستوري القانوني للحالة السودانية الراهنة
في هذه المرحلة الخطيرة، لا نريد قضاة بتاعين شعارات وتحريض بالكلام الفارغ في البيانات ضد الدولة الإسلامية الإجرامية الفاسدة. نريد منكم كقضاة أن تقدموا لنا الرأي القانوني السديد المفصل، ذلك الرأي المركب بلغة القانون، وهي اللغة العالمية الجديدة، فيها سرد الوقائع الثابتة عن جرائم الدولة الإسلامية، ممثلة الدولة في قياداتها، وأن تبينوا لنا في هذا الرأي القانوني القواعد الدستورية والقانونية ومواد القانون الدولي التي تنطبق على الحالة السودانية الراهنة في مسرح جرائم المثقفين الإسلاميين ضد شعب السودان.
ومن ثم نريد منكم أيها القضاة أن تقدموا لنا في رأيكم القانوني القرارَ المُسبَّب الذي يكيف الوضعيات القانونية للأفراد الإسلاميين المحددين بأسمائهم في نظام الإنقاذ، في جميع أجهزة الدولة، مع البيان من جانبكم بلغة قانونية واضحة لقيادات القوات المسلحة ولجنودها وللمنتسبين لجهاز الأمن وللشرطة أنهم يقترفون جرائم حين يُقدِّمون في هذه المرحلة التاريخية الحماية للنظام الذي وصفتموه يا تجمع القضاة السابقين بالأوصاف المذكورة أعلاه، (فاشي، نازي، نظام المجرمين السايكوباثيين، ... الحاكمين بالبطش والاستبداد والظلم والاضطهاد والاعتقالات التعسفية والتعذيب والعنصرية البغيضة، والفساد والإفساد)، هذا كلامكم عليكم أن تعيشوا دلالاته ومستتبعاته، وإلا كان فعلا كما وصفته كلاما فارغا.  
...
ثالثا،
لزوم حل السلطة القضائية الراهنة
(1)
كتبت عن هذا الموضوع من قبل. وبينت في أعلاه المغالطة المريعة في أنكم أيها القضاة السابقون والمفصولون أزلقتم في بيانيكم استثناء السلطة القضائية الراهنة من الحل، عند تحريضكم الجميع لإسقاط نظام الإنقاذ. مغالطتكم واضحة على مستوى الفهم البسيط لمكونات الدولة الحديثة وللعلاقات اللصيقة بين هذه المكونات، في السلطات الرئيسة الثلاثة، التشريعية والتنفيذية والقضائية. خاصة وأن السلطة القضائية الراهنة تم تركيبها لتكون الركيزة القانونية الأساس لصناعة الفساد بواسطة جهاز الدولة المتمثل بالدرجة الأولى في السلطة التنفيذية.
(2)
لقد صاغت الحركة الإسلامية السودانية بقيادة حسن الترابي وبقية المثقفين الإسلاميين جميع الأجهزة الحكومية والمؤسسات العامة  بتطبيق صحيح للشريعة الإسلامية. كان قصد الإسلاميين واضحا، صناعة الفساد، بالشريعة الإسلامية، لأجل تمكين أنفسهم كطبقة إسلاميين.
وكان مصير القضائية أمرا مفروغا منه، أسلمتُها بالكامل على المستوى البشري، بطردكم منها يا قضاة مفصولين لأنكم لم تكونوا أعضاء في حزب الحركة الإسلامية السودانية. فالبرنامج في دولة الإنقاذ، كدولة إجرامية فاسدة، كان برنامجا إسلاميا توحيديا للمؤسسات الثلاثة، التنفيذية والتشريعية، والقضائية.
ومن ثم يكون منطقيا وعقلانيا، على مستوى التحليل الدستوري والقانوني، أن يتم حل السلطة القضائية أيضا، بتسريح جميع قضاتها، والبدء من جديد بتركيب القضائية الحديثة الشابة.
وإلا فافصِحوا، وقولوا لنا إنه لا توجد مسوغات دستورية أو قانونية لحل السلطة القضائية، أو قولوا بالواضح إن "الشرعية الثورية" بتاعتكم والواردة في بيانكم لا تنطبق على جنس القضاة في السلطة القضائية الراهنة!
...
رابعا،
ما الفلسفة القضائية التي تعتمدونها أيها القضاة السابقون؟
(1)
لقد تغير العالم ولابد من الحذر
فلأن السودانيين يدركون اليوم أن الأيديولوجية الإسلامية لم تحمل إليهم  غير الشقاء، لم يعد من مجال للملاطفة أو خدع الذات بلفلفة الكلام، أو بالمجاملات. بالإضافة إلى أنه بعد الانفضاح الكامل لحقيقة المشروع الإسلامي، وللدولة الإسلامية، كفكرة، وكممارسة على أرض الواقع، لم يعد ممكنا للإسلاميين استخدام خدعة "حل الحزب الشيوعي" مجددا، بالصياح أو برفع المصاحف كلما تم الاعتراض على الأيديولوجية الإسلامية ومحورها تطبيق الشريعة الإسلامية أو اعتمادها مصدرا للقانون في الدستور.
فالحقيقة لابد أن تأتي اليوم بدليلها المادي الذي يقبله العقل، وإلا فهي مجرد أكاذيب وأوهام وضروب إرهاب فكري. مما ينطبق أيضا على كل من يتصدى للعمل العام، وأقصد القضاة السابقين والمفصولين، لا يمكنهم الصياح بحجة كونهم "قضاة".
على كل واحد من القضاة السابقين أن يقدم أولا كشف حسابه في العلن. أن يبين كل واحد منهم أيديولوجيته ومواقفه السياسية في كل قضية جوهرية ذات علاقة بمهنته ولها أهمية لدى المواطنين، خاصة الشباب.
كذلك تغير السودان، وعرف السودانيون بصورة جيدة شطن المثقفين الإسلاميين وغير الإسلاميين وفسادهم وخبثهم واحتيالهم عليه. وقد رأى السودانيون كيف هاجر العلمانيون زرافات ووحدانا إلى معسكر الإسلاميين، يريدون شيئا من ريع صناعة الفساد. فانعدمت الثقة في المواقف المعلنة. عليه، لابد من الفرز بمعايير دقيقة للتعرف على المنطلقات الفلسفية الحقيقية ومظان التحامل ضد الآخر وتاريخ النزاهة لدى كل من يتقدم للعمل العام، خاصة في السلطة القضائية.  
(2)
أسئلة أولية للقضاة السابقين والمفصولين
(أ)
يا قاضي سابق، ما الذي جعلك تتحمس هكذا وتقدِّم نفسك، فجأة، تريد أن تستلم قيادة السلطة القضائية الجديدة، التي تدعي أنها ستكون القضائية الحرة الكذا والكذا، هكذا بطق الحنك، وليس بالبرنامج التفصيلي الواضح أو بالتخويل لك من أصحاب الحق أن تحتل المحاكم وقيادة القضائية ما بعد الإنقاذ؟
(ب)
من أنت؟ لا يكفي بالطبع أن تقول لنا إنك قاضي سابق. ولنترك الآن جانبا مسألة اسمك وهويتك. أقصد ما فلسلفتك القضائية؟ ما عقيدتك القضائية؟ فكله متعلق في الموضوع قيد النقاش عن مستقبل السلطة القضائية ومستقبل السودان.
(ج)
ما موقفك من تنزيل الشريعة الإسلامية في القانون العام وفي القضاء؟ خاصة في القضايا المتعلقة بحرية التعبير، وحرية العقيدة، وحرية الضمير، والخصوصية، وحرية المرأة في تركيب حياتها الخاصة وزيها وصحتها؟
(د)
ونسألك إن كنت مستعدا للنظر في إعلان عدم دستورية قانون وضعي إسلامي يقول إنه شريعة الله، وهو الشريعة الصحيحة لا نختلف معك في تفسير النص، لكنا بالواضح لا نريد أن تكون الشريعة الإسلامية مصدرا لتفسير القانون، وكله من سلطات القاضي التقديرية المحكومة بتفكيره وثقافته وميوله السياسية والدينية، مما يؤثر في تفسيره للوقائع والقانون؟
(هـ)
هل تجد يا قاضي سابق تناقضا بين تطبيق الشريعة بصورة صحيحة، وفق نص القانون، من جهة، والحريات الدستورية عن حقوق الإنسان، من جهة أخرى؟
(و)
وماذا عن التناقضات الثابتة بين الشريعة الإسلامية والقانون الدولي لحقوق الإنسان؟ أين تقف من هذا الموضوع؟
لا يمكن لك بالطبع أن تتعلل بالكذبة القضائية أن كل ما يفعله القاضي هو أنه يطبق نصوص القانون الصادر من المشرع على الوقائع أمامه، لأنا نعلم أن القضاة يشرِّعون أيضا، أحيانا حين يلائم ذلك أهواءهم السياسية والدينية والثقافية.
(3)
الفلسفة القانونية والميول العقائدية والرأي السياسي والعمر والثقافة العامة من معايير التعيين في القضائية الجديدة
(أ)
فلسلفتك القانونية يا قاضي سابق من المعايير التي يحكم المواطنون على أساسها ما إذا كانوا يريدونك في السلطة القضائية، بعد الإنقاذ. فقد تغيرت قواعد اللعبة السابقة. لم يعد ممكنا لك العودة إلى القضائية الجديدة، فقط لأنك كنت فيها قاضيا في يوم من الأيام. لأن العالم تغير، ولأنا نعرف اليوم مكر بعض القضاة، إسلاميين وغير إسلاميين، ونعرف إجرامهم وفسادهم وتلاعبهم بالقانون، ونعرف أن القضاة سيتحكمون في الحياة العامة والخاصة وفي حياة السودانيين حتى عبر الحدود الدولية.
(ب)
فهذا المعيار مهم، بسبب الاتجاهات في سياق العولمة التي جعلت القضاة يقررون في قضايا من نوع جديد، قضايا تتعلق بالحياة الاجتماعية، وحقوق الإنسان، والحقوق الاقتصادية، وحقوق المرأة في التحكم في هويتها، وكذا سيتدخل القضاة في المراجعة القضائية لقرارات السلطة التنفيذية وقرارات السلطة التشريعية ذاتها، ويمكنهم إعلان قانون ما بأنه غير دستوري، وهم سيتحكمون في الفصل في الانتخابات، وفي مسائل العدالة الانتقالية، وفي الجرائم العالمية من نوع المتهم بها قادة الحركة الإسلامية وأعوانهم العسكر.
هذه كلها قضايا سياسية بالدرجة الأولى. عليه يتعين على الشباب أن يلتفتوا إلى جنس القضاة، بما في ذلك الالتفات إلى القضاة المفصولين والسابقين، وأن لا ينخدع الشباب بنوع البيان الثوري الذي أصدره "تجمع القضاة السابقين"، بل يتعين على الشباب عدم إسباغ أي معنى إيجابي لهذا البيان، لأنه صدر من جهة سرية مجهولة لم نسمع بها من قبل، لم نقرأ لها مقالا أو كتابا، وهي لم تعقد مؤتمرا، ولا حتى مؤتمرا صحفيا، وغير معروف أعضاؤها. فلكأنا نشهد أمامنا عينة من ثقافة هؤلاء القضاة السابقين، ثقافة مشربة بالسرية والتكتم والدسديس.
...
(4)
أسئلة إضافية للقضاة السابقين
قبل كل شيء، يتعين على القضاة السابقين، كأفراد، لأن القاضي الفرد مؤسسة في ذاته، الإجابة عن الأسئلة التالية. فالافتراض هو أن السلطة القضائية سيتم حلها أصلا، وسيتم إحلال سلطة قضائية جديدة في مكانها. حين يأتي الوقت. فلا مجال في هذه القضائية الجديدة للقضاة المفصولين أو السابقين أو القضاة في السلطة القضائية الراهنة، إلا وفق تمحيص وفحص ووفق تمثل المتقدمين للشروط الجديدة، فليس القضاء مثل أن تكون مهندس كهرباء مفصول، حيث لا أهمية لميولك السياسية أو العقدية في تدوير محطة كهرباء. القضاء في جوهره تفسيرات وتراكيب للوقائع وللقانون وللحياة ذاتها، موضوعه الفصل في القضايا بتطبيق القانون على الوقائع وإصدار القرار القابل للتنفيذ بقوة الدولة. مما كله سياسة في سياسة.
ولا يعني ذلك أن القاضي الإسلامي، أو المعتقد في دين معين أو رأي سياسي محدد مثلا سيتم حرمانه من الفرصة المتساوية للعمل في القضائية الجديدة، الموضوع هو أن يعرف المواطن هوية القاضي الذي سيتحكم في حياته، وأن تعكس القضائية الفلسفة التغييرية الجديدة بعد انهيار الدولة الإسلامية الإجرامية الفاسدة، وأن يدرك القاضي أهمية اعتبار جميع أبعاد النظر في القضية المعقدة أمامه.
هكذا تظهر خطورة القضاء، بينما يصوره لنا القضاة السابقون بالتغييب وكأنه عملية كهانة لا يعرفها غيرهم فلا تجدهم يتحدثون إطلاقا عن فقه القانون، ولا عن كيفية كتابتهم الرأي القضائي، لأنهم أصلا يحتقرون المواطن السوداني ويستهينون بعقله. وأنت لا تجدهم يكتبون سطرا واحدا عن كيف استعصت عليهم قضية. وهو ممتثلون للسياسة الرسمية السرية بعدم تمليك الجمهور أية معلومات ذات معنى عن كيفية دوران العملية القضائية، وعن كيفية خضوعها لأهواء القضاة السياسية والدينية والثقافية.
(أ)
تعيين القضاة
يا قاضي سابق، ما المعايير التي ستعتمدها لتعيين القضاة؟ ما رأيك في كوتة للنساء ليكنَّ 50% من القضاة، على أقل تقدير، في إطار زمني يتم تحديده وببرنامج مدعوم بالمال؟
وما موقفك التفصيلي المدعوم ببرنامج، الموقف من كوتات مخصصة في السلطة القضائية للمجموعات التعددية المختلفة في مناطق السودان، لأن كافة الفئات بين النساء والرجال لها خصوصيات ثقافية، أو عقدية، أو سياسية فكرية، أو قدراتية، كالإعاقة الجسدية، ولابد من أن تكون معبرا عنها في قضائية تعددية، لضمان سلامة القرارات القضائية ولتطوير فقه قانوني قائم على المساواة وتمثل العدالة؟
(ب)
محاسبة القضاة، وكيفية تقديم الشكاوى ضدهم، وكيفية إخضاع القضاة للمراقبة الشعبية
ما برنامجك المفصل لمحاسبة القضاة؟ إخضاعهم للتحقيق، وتأديبهم، وإيقافهم من العمل، وطردهم من الخدمة، وتقديمهم للمحاكمة العلنية. لأنا نعرف الكثير عن برنامج الخداع القائم الآن في القضائية الراهنة بشأن هذا الموضوع، حيث تعتمد القضائية سياسة رسمية سرية يعرفها القضاة فقط لحماية القضاة الفاسدين والتستر على جرائمهم.
فهل ستقبل يا قاضي سابق إخضاع القضاة للمحاسبة الداخلية ونزع حصانتهم لتقديمهم للمحاكمة الجنائية والمدنية حين يفسدون في وظائفهم القضائية  والإدارية والإجرائية (أنظر تحت عن حصانة القاضي)؟
هل ستقبل المراقبة الشعبية للقضاة في محاكمهم وفي وظيفتهم القضائية لكتابة الرأي القضائي؟
هل ستقبل نقل القاضي الفاسد إلى محكمة أخرى أم ترى أنه يلزم طرده من القضاء وتقديمه إلى المحكمة الجنائية والسماح بمقاضاته لجبر الضرر الذي تسبب فيه بفساده؟
(ج)
حصانة القاضي فيما يتعلق بقراره القضائي
هل للقاضي حصانة مطلقة أم مقيدة بشأن وظيفته القضائية في كتابة الرأي القضائي تحديدا؟ أقصد أن الرأي القضائي هو وسيلة القاضي لصناعة الفساد والاتجار بمحكمته. فنريد أن نعرف منك ما إذا كنت ستتعلل باستقلال القاضي في قراره ومن ثم ستُفشِل أية ملاحقة للقاضي الذي يستخدم رأيه القضائي سلاحه للإفساد. وهو موضوع التمييز، لا الموازنة، بين استقلال القاضي ومحاسبيته.
(د)
السرية في القضائية
ما موقفك يا قاضي سابق إزاء نشر القرارات القضائية، خاصة من المحكمة العليا؟
المقصود هو أن السلطة القضائية الراهنة لا تنشر إلا أقل من 1% من القرارات القضائية. وفي تقديري يكمن سبب السرية في ضمان التغطية على فساد قضاة المحكمة العليا. فما أنت فاعل في هذا الأمر البسيط المتعلق بالعلانية للقضاء، أن يتم نشر جميع قرارات القضائية من المحكمة العليا، بل ومحكمة الاستئناف، وحتى محكمة الموضوع، مما لا يكلف شيئا؟
هذا السؤال متعلق باللجنة الماسونية الصغيرة في القضائية المكلفة باختيار قرارات قضائية تافهة لا قيمة سوابقية لأغلبها، لتنشرها في المجلة القضائية كل عام أو عامين، وكله لأغراض ذر الرماد على العيون وللمراء. وقد أمر رئيس القضاء الحالي حيدر بمسح القرارات القضائية التي كانت منشورة في موقع القضائية الشبكي وملصقة بالسيرة الذاتية لكل قاض في المحكمة القومية العليا. وكذا أمر بعدم نشر القرارات القضائية المختارة للاحتيال في الموقع الشبكي. بالإضافة إلى أن المجلة القضائية لا يمكنك أن تتحصل عليها إلا بالتحنيس وبتضييع وقتك وبالمرور على تدابير خبيثة بل حتى تسجيل اسمك في دفتر عند موظف قبل لأن تتحصل على نسخة منها. 2008، وعرفت أن الحال ذاته مستمر حتى العدد الأخير.
(هـ)
القضاة الفاسدون في القضائية الراهنة
تريدون أيها القضاة السابقون في بيانكم استلام قيادة القضائية بالشرعية الثورية! فلنتفق، على سبيل تسهيل النقاش، أن الشرعية الثورية معروف أمرها ولها مشروعية في المنعطفات الخطيرة في التغيير السياسي في الدولة. ولنفترض أنكم نجحتم بوضع اليد في احتلال كراسي قيادات القضائية، وفق أحلامكم الزاهية في البيان. فما أنتم فاعلون عندئذ بالقضاة الفاسدين المجرمين في النظام القائم؟
مثل: عبد الباسط عبد الله عبد الصمد، وصلاح التيجاني الأمين، ود. أحمد محمد عبد المجيد، وأزهري الحاج شرشاب، وكوثر عوض عبد الرحمن، وفادية عبد القادر كريم الدين، ويحيى أحمد محمد خير، ونادية سليمان، وآسيا بابكر مختار، وبكر محمد بكر عبد اللطيف، ووهبي أحمد دهب، وآدم محمد أحمد إبراهيم، وإلهام وني، والبشري عثمان صالح، وأنس حسن مالك، وأحمد الطيب عمر، وعثمان عطا المنان، وغيرهم، فالقائمة بأسماء القضاة الذين عندي بينات فسادهم من تجربتي الشخصية في المحاكم طويلة. مما يشير إلى أن أغلبية القضاة في درجات المحاكم المختلفة فاسدون.
وما أنتم فاعلون بالمحامين الفاسدين مثل علي أحمد السيد وإيمان المك، وعبد الرحيم النصري، من أعضاء العصابات القضائية، ومن كبار المفسدين للقضاة وموظفي المحاكم؟
وماذا عن كبار المراقبين في المحاكم وصغار الموظفين، من الفاسدين، أماني سليمان، إبراهيم محمد حامد، وكبير المراقبين في المحكمة العليا السعيد قاسم محمد أحمد؟
نريد برنامجا واضحا ومفصلا عن سياستكم للتعامل مع الجريمة المنظمة في القضائية الراهنة، مما كذلك سيصب في موضوعات حل هذه السلطة القضائية، ومحاسبية القضاة الفاسدين، واستقلال القاضي، واستقضاف الأموال التي جمعها القضاة الفاسدون من الرشاوى، وتحقيق العدالة لضحايا القضاء السوداني الفاسد.
(و)
استقلال القاضي واستقلال القضاء
نريد أن نعرف منك يا قاضي سابق يا من تريد بالشرعية الثورية احتلال المواقع القيادية في القضائية وكذا تريد احتلال المحاكم بدرجاتها: ما فهمك لاستقلال القضاء؟ تحديدا، كيف ترى استقلال القاضي في قراره دون تأثر بالعوامل السياسية والشخصية الخارجية؟ وكيف ترى استقلال القضائية كمؤسسة لا تعتمد في ماليتها ولا في تعييناتها للقضاة على السلطة التنفيذية أو التشريعية؟ وماذا عن التعلل بهذا الاستقلال حين يتعارض مع لزوم المحاسبية للقاضي بشأن رأيه القضائي؟
...
لا نريد يا قاضي سابق أية تهويمات أو أشكال خطاب مرائي أن القوانين والقواعد الراهنة تنطوي على حلول لكل ذلك. فالقوانين والقواعد الراهنة قُصد بها الاحتيال، عليه لابد من منظومة لا تنسرب إليها أشكال هذا الاحتيال في الممارسات الإسلامية من نوع الكذب، بالطبع يقولون إن الكذب لمصلحة الإسلام، والغش والانحراف عن القانون ونشر الهراء، وكله له فقه إسلامي متكامل، فنحن يا قاضي سابق أمام منظومة متكاملة للاحتيال الإسلامي الذي استبان الآن لجميع السودانيين أنه يستعمر السلطة القضائية الراهنة.
والموضوع في أصله هو أننا أمام سلطة قضائية ركبها الإسلاميون بقيادة حسن الترابي خصيصا لتكون وظيفتها الأساس صناعة الفساد وحماية صناعة الفساد في الجهاز التنفيذي وفي القطاع الخاص وفي المؤسسات العامة. وهي سلطة قضائية إسلامية تستلهم الشريعة الإسلامية وتنفذها بطريقة صحيحة في جميع قوانينها وتدابيرها وإجراءاتها وطقوسها ومرجعيتها وفي تركيبتها البشرية.
فإن كنت يا قاضي سابق تختلف معي في هذا التقدير وله أسس تجريبية مادية سجلتها في عدة مقالات عن تفكيك القضائية الإسلامية الفاسدة، فقل إن ذلك غير صحيح. خاصة وأنه لا يمكنك يا قاضي سابق أن تتعلل بخدعة القضاة أنهم لا يمكنهم الرد في الصحف على موضوعات تخص القضاء أثناء شغلهم وظيفة القضاء.    
...
خامسا،
نهاية النظام وشيكة لكن يا قضاة لا وظائف لكم في القضائية الجديدة
(1)
بعد نهاية الدولة الإسلامية الإجرامية الفاسدة
لا يهم متى تندفن الدولة الإسلامية الإجرامية الفاسدة، التي تسمي نفسها "الإنقاذ". ندرك أن المثقفين الإسلاميين وأعوانهم سيستميتون في الدفاع عن هذه الدولة وفي حمايتها، وسيستخدمون جميع الوسائل الإجرامية وغير الأخلاقية للبقاء في السلطة، لأن في استحواذهم على جهاز الدولة وفي إمساكهم بمفاصله حمايتُهم من التجريد من الأرصدة المنهوبة، وفي السلطة إمكانات استمرار إفلاتهم  من الملاحقة والعقوبة على جرائمهم الموضوعية.
فحتى إذا لم يخرج الشباب في أية مظاهرة، ستنهار دولة الإنقاذ تحت ثقل إسلاميتها وإجرامها وفسادها. من تلقاء نفسها. فهي اليوم دولة فاقدة لأية مشروعية، ولا شرعية لها من أي نوع. ولا حتى شرعية إسلامية، بعد أن انبجع المشروع الإسلامي ذاته واندفن مع حسن الترابي لم يبق من هذا المشروع إلا السخف في كتابين عن (التفسير التوحيدي) غير جديرين بتضييع الوقت لقراءتهما، لكني أحرض الشباب على قراءة كتاب (التفسير التوحيدي) في جزئيه، ليعرفوا بصورة مباشرة في النص الشعوذة الدينية في لبوس العلمانية الزائفة لحسن الترابي، "مفكر" الحركة الإسلامية الوحيد، إن كان يمكن للشخص الذي أمر بتعذيب معارضيه وتشريدهم وبتقتيلهم أن يوصف بأنه "مفكر". سأعود في مقال لتبيين ما قررته هنا.
فنحن اليوم أمام مجموعة من المثقفين الإسلاميين اللصوص، وهم متحالفون مع قيادات عسكرية وأمنية موتورة، ليس لهم من برنامج عملي غير العنف الإجرامي، ويعيشون الخوف والفزع، غير قادرين على اتخاذ القرار المفضل لديهم هو الهروب والنجاة بأنفسهم للاستمتاع بالأرصدة المنهوبة.
(2)
اكتبوا رؤيتكم للقضائية الجديدة وانشروها
فمهلا أيها القضاة السابقون والمفصولون! لا يزال الليل طفلا، دعكم عن الاستعجال والأحلام الوردية فيها صورتكم تحتلون المواقع المهمة في القضائية، ترووا قليلا، لأن المثقفين الإسلاميين وحرس الإنقاذ لم يعترفوا بعد في العلن بالموت الدماغي لدولتهم التي وصفتموها بأنها نازية. والأفضل أن تجلسوا يا قضاة لتكتبوا رؤيتكم وبرامجكم التفصيلية للقضائية الجديدة، وانشروها على الملأ للنقاش العام، لكن تذكروا أنكم لستم الوحيدين المخولين بتركيب القضائية الجديدة، فهي ليست حكرا لكم. ولا تفكروا مجرد تفكير في وظائف في هذه القضائية الشبابية الحديثة.
...
د. عشاري أحمد محمود خليل
ushari@outlook.com

 

آراء