مفاهيم في قواعد أخلاقيات مهنة العمل الصحافي (6)
i.imam@outlook.com
من الضروري الاشارة هنا، الى أنه فى العادة يتم تقرير سياسة تحرير الصحيفة عند تأسيسها، وتحديد طابعها الصحافى، ثم يتم الحفاظ على هذه السياسية أو تغبيرها بمرور الوقت نتيجة لتغير الظروف الاجتماعية والحياة السياسية التى تعد الصحيفة جزءاً منه.
و السياسية التحريرية هي الوجهة التى تختار الصحيفة اتباعها فى إجابتها على سؤالين بالغي الأهمية: الأول: ماذا ستنشر؟ والثاني: كيف ستنشر؟
من الضروري التأكيد على أن السياسة التحريرية للصحيفة تُعتبر بمثابة الجهاز المنظم للعمل الصحافي، باعتبارها مسؤولة عن تحديد ما يُنشر؟ وكيف؟. وبالتالي، فإن مستوى الحريات الصحافية يعتمد بشكل كبير على محتوى وآليات السياسات التحريرية المعمول بها داخل الجسم الصحافي والإعلامي. وتفتقد الصحف السودانية للسياسات التحريرية المكتوبة، والمعلن عنها. ومما يُلفت الانتباه، أن معظم ان لم يكن كل الصحف السودانية، تفتقر الى دليل الأسلوب الصحافي (ٍStyle Book) الذي يُعتبر الأساس في تحديد الأسلوب الصحافي المعتمد للصحيفة، والذي يُعد من أهم الملامح التعريفية بالصحيفة، ويكسبها قدراً من التفرد والتميز عن غيرها من الصحف. ومن حُسن المصادفة، أني كنت مقرر لجنة دليل الأسلوب الصحافي لجريدة "الشرق الأوسط" اللندنية في عهد الأخ الصديق الأستاذ عبد الرحمن بن حمد الراشد رئيس تحرير صحيفة "الشرق الأوسط" آنذاك. وقد اتاح لي موقعي ذاك في اللجنة كثير المام بأفانين دليل الأسلوب الصحافي للصحيفة (ٍStyle Book).
وينبغي في هذا الصدد، تعريف الأسلوب لغةً واصطلاحاً. فالأسلوب كما جاء في "لسان العرب" لأبي الفضل جمال الدين بن منظور الأنصاري الرويفعي الإفريقي، هو الوجه والمذهب والطريق والأسلوب هو الفن يٌقال: أخذ فلان بأساليب من القول أي أفانين منه.
ومن تعريف ابن منظور يًمكن أن نستنتج ما يلي:
1- ان الأسلوب نسق معين ونظام.
2- ان النسق قد يكون عاماً فيعني الطريق، وقد يكون خاصاً فيعني: خرق النظام اللغوي وكسر النسق.
ومن المهم في ذلك معرفة أن الأسلوب هو المذهب ولكل مذهبه. أما تعريف الأسلوب اصطلاحا: من المؤكد أن مصطلح الأسلوب هو أقدم بكثير مما يطلق عليه في العصر الحديث بالأسلوبية والتي تفرعت عن اللسانيات، حيث أن الأسلوب كان موجوداً منذ زمن أرسطو وهو معروف عند البلاغيين العرب. وأن مقال (style)في دائرة المعارف الكونية قد بٌني على ما يشبه المعنيين اللذين استخلصناهما من لسان العرب، فالأسلوب في هذه الحالة وفي هذه المقالة يعني معنيين متناقضين هما:
1- النسق من الآثار: وهنا الكلام عليه عاماً مطلقاً، باعتباره لغة من اللغات أو أدباً من الآداب أو جنسا من الأجناس الأدبية، كالحديث عن أسلوب الرواية او أسلوب الشعر أو أسلوب عصر من العصور كأسلوب الشعر الجاهلي أو العباسي أوما شابه.
2- الفرادة او التجويد: أي (ظاهرة منفردة) ذات سمة خاصة كإبداع أثر محدد أو آثأر كاتب بعينه.
ويجب علينا الاطلاع على بعض التعريفات الأجنبية للأسلوب، كتعريف بوفون (Buffoon) للأسلوب: هو الإنسان نفسه. وهنا يكون الكلام مقتصراً على أسلوب مخصوص لا على أسلوب مطلق. وكذلك تعريف غاستون (Gaston) للأسلوب في كتابه "رسالة في فلسفة الأسلوب" حينما بين السنن اللغوية والأسلوب وأقام بينهما مقابلة، فقال: "إن السنن هي اللغة بوصفها محدداً قبليا متعالياً عن المتكلم بوصفه مُعطىً محايداً".
فأسلوب الشاعر اللبناني إيليا أبي ماضي مثلا متميز ومتفرد عن أسلوب الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي،على الرغم من أنهما ينتميان الى مدرسة شعرية واحدة "الرومانطيقية".
فلابد من وجود الأصالة في كل أسلوب أدبي، وكذلك الوجازة في الكلام أي الاختصار البليغ، وكذلك التلاؤم والانسجام في المبنى والمعنى. فالقصد من المبنى والمعنى أو الشكل والمضمون يكمُن في ما يلي:
(أ) العاطفة (Sentiment)من كره وحب وحزن وفرح وخوف وأمان.
(ب) الفكر(Thought Idea) حيث تؤ خذ من الحياة ومظاهرها الطبيعية والمصطنعة .
(ج) الخيال (Imagination) وهو الموهبة وهي تختلف من أديب لآخر.
أخلص الى أنه، مما تقدم يمكن ان نجسد ذلك في الكثير من القطع الشعرية والنثرية كما في قصيدة الربيع للبحتري وكتابات عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين وأحمد حسن الزيات وعباس محمود العقاد وغيرهم. فمثلا من يقرأ مؤلفات ابراهيم المازني يجد أن أسلوبه فكه ومطعم بنكهة أوروبية، ويمتاز بالبسالة والسلاسة والليونةة. وعند اطلاعنا على كتابات سلامة موسى نجد أن كتاباته تمتاز بالاتجاه العلمي المتأثر بمدارس علم النفس الحديثة ونظرية دارون في التطور. وهكذا بالنسبة لكل أساليب، كأسلوب الدكتور طه حسين الذي يمتاز بالتكرار الموسيقي والجمل المتقابلة وبساطة المفردات، وأسلوب عباس محمود العقاد الذي يمتاز بازدحام الأفكار وقلة الألفاظ الإنشائية الزائدة.