أزمة صناعة الكهرباء في السودان أو ( محنة إدارة الموارد )

 


 

محمد بدوي
13 June, 2016

 

تصاعدت أزمة التيار الكهربائي بالعاصمة السودانية الخرطوم منذ أبريل 2016م بشكل غير مسبوق حتي بلوغها تطبيق تدابير البرمجة الخدمية التي بموجبها تتم سريان جزئي للتيار ، عدم الأعلان إحداثيات تلك البرمجة بشكل رسمي في أجهزة الإعلام مثلت خرقاً اَخر للعلاقة التعاقدية بين الطرفين إدارة الكهرباء و المواطن . ، بالنظر إلي أزمة الإمداد الكهربائي فهي قديمة متجددة وفقاً لسجل توفير الخدمات في الدولة السودانية لكن ظل أرتباطها بأقليم السودان أكثر إلتصاقاً ، فيما يمكن إعتبار العاصمة السودانية ظلت تخظي بشكل تحظي بإستقرار نسبي لكونها تمثل من الناحية السياسية مركز إدارة السلطة إلي جانب كونها مركز إقتصادي وصناعي لتمركو القطاع الإنتاجي بها بشكل واسع ، أضف إلي التحولات التي جعلت منها دائرة الثقل السكاني للدولة السودانية نتيجة لحركة النزوح الواسعة كنتاج لفشل الحكومات الوطنية المختلفة في التعامل مع الصراعات المسلحة و السياسية علي إمتداد تاريخ ما بعد إستقلال السودان حتي أصبحت مدنها الخرطوم تلامس حدودها الأقاليم التي تحدها من كافة الإتجاهات .
مثل العام 1997م أحدي المحطات المهمة في التاريخ السياسي و الإقتصادي للدولة السودانية حيث شهد بداية أستخراج النفط الذي دغدغ حلم غالبية الشعب السوداني بالرفاهية ، الإ أنها مثلت (فرحة لم تكتمل) ، و ذلك نتيجة لسياسات السلطة الحاكمة وجهت عائدات النفط لتمويل الحرب الأهلية في مواجهة الحركة الشعبية لتحرير السودان اَنذاك التي أخضعت لمفهوم الأسلمة تحت مسمي (الجهاد الإسلامي) ، والذي توقف نتيجة للجهود و الضغوط الدولية والإقليمية في العام 2005م الذي شهد توقيع أتفاق السلام الشامل بين الطرفين ، ثنائية الإتفاق والمدخل الذي تعامل مع قضايا السودان علي نسق التجزئة سارع بوصول الصراع المسلح الذي نشب في إقليم دارفور (غربي السودان) بين الخرطوم و حركات الكفاح المسلحة المعارضة إلي مسرح واسع النطاق من الإنتهاكات الممنهجة ، لتتحول عائدات النفط إلي تمويل حرب أخري ، وفقاً لصديق الزيلعي ما يقدر ب 31 مليار دولار من جملة 65 مليار دولار من جملة عائدات النفط تم تبديدها في الفترة 2003-2009علي المصروفات الأمنية علي مستوي الدولة و التي بلغت نسبتها 60% من جملة ميزانية تسيير الدولة .
الفرصة التي وفرتها عائدات البترول كان يمكن توجيهها للبنية التحتية للتمكن من العبور لكن التعارض بين فلسفة الاسلام السياسي و ضوابط صندوق النقد الدولي جعل من مسرح الحال حرث في البحر ، في 2012م بالرغم من ذلك نشطت الخركوم علي الاستمرار نحو صندوق النقد مره اخري بعد عام من فقدان 75% من عائدات النفط نتيجة لانفصال جنوب السودان كان الاجدر البحث عن استدامة للاقتصاد المترنح بدلاً من اعلان سياسات تقشفية في واقع لم يشهد تقديم للخدمات منذ العام 1989م ، تواصل الأمر في 2013 م في الاعلان بسياسات تقشفية كحزمة ثانية (رفع الدعم عن المحروقات ) التي لم يعلن عنها بشكل شفاف مثل ما استهدف زيادة التعريفة الجمارك ، هذه الصمت في حد ذاته يعتبر معقيا في سياق الاجراءات للوصول الي صندوق النقد الدولي الذي تعبر عن الكشف عن الصورة الحقيقة للاقتصاد ، في تقديري أن ما زاد (الطين بله) هي تولي وزارة المالية لاعضاء في الحزب الحاكم بعيدين عن حيوية المعرفة الاقتصادية و الواقع العالمي المتسارع لتتعقد المسالة بغياب الكفاءة والمهنية .
قصر النظر الحزبي و الغاية تبرر الوسيلة في فلسفة الاسلام السياسي شكلت أحدي ملامح سياسات حكومة الإسلامين السودانين فعمدت إستخدام الخدمات كسلاح في صراعها السياسي ضد المعارضين فعملت بشتي الوسائل علي تغيير خارطة نفوذ الاحزاب المعارضة ، فبدأت بسياسات التقسيم الإدارية للتقليل من مراكز عبر إحكام سيطرتها علي مفاصل الدولة فنتج عن ذلك التقسم في مراحله المختلفة أن أصبح السودان يحوي 25 ولاية حتي العام 2011م يسيطر عليها أعطاء الحزب الحاكم ، هندسة التقسيم إستهدفت بعض المدن التاريخية والمرتبطة تاريخياً بالنفوذ السياسي لأحزاب المعارضة و التي شكلت مساهمات مهمة في التاريخ السياسي فدفعت بها الي فقر الخدمات مثل الكهرباء و الماء و غيرها ....
.
شكلت ديون السودان الخارجية والتي برزت بشكل جلي في فترة حكم مايو (1996-1985م) شكلت أحدي السمات المصاحبة للإقتصاد السوداني ، و لعل إدارة الإقتصاد لا يمكن فصله من العقبات التي تقود إليها سياسات الدولة في تعاطيها مع ذات الشان و أرتباط ذلك بالسلم والأمن الدولي و ما ترتب علي ذلك من نتائج ، بعد احداث سبتمبر 2011 تم تصنيف السوان كاحد الدول الراعية الارهاب التي صحبتها عقوبات اقتصادية بدأت تنهش في عظم الإقتصاد السوداني الذي مهدت له الحركة الإسلامية السودانية بتخريب متعمد لقطاعات حيوية علي سبيل المثال المشاريع الزراعة ، النقل ( البحري ، الجوي ، السكك الحديدة ) و الصناعة ( مصانع النسيج ) عبر تشريد الكفاءات من ناحية و الإهمال الكامل بعد بداية أستخراج البترول فنتج عنه ذوبان للخلفية الأقتصادية للدولة فلم يتحول إلي نظام إقتصادي إسلامي (ليس سوي أحدي الشعارات النظرية لقاموس الإسلام السياسي) .
كشف ذلك الواقع المتخبط عن أزمة إدارك و إدارة تمثلت في مباردة السودان للأنضمام لصندوق النقد الدولي الامر الذي يتطلب سلسلة من الإصلاحات الإقتصادية من أجل التحول الي نظام الإقتصاد الحر، فبدأت الخرطوم في عملية الخصخصة دون الإدارك أنها لا يمكنها أن تحظي بإستحسان صندوق النقد الدولي ، لأن الخصخصة في ظل العقوبات الإقتصادية تعني أن الدولة يجب أن ترفع من مواردها سواء عن طريق زيادة الضرائب أو مصادر الدخل الأخري لكي تتمكن من التوازن .
التخطيط الأستراتجي للمشروعات الاقتصادية يتطلب العديد من الشروط لكي لتحقيق الجدوي ، فالمشاريع ذات الأستخدامات المتنوعة بالطبع تعتبر احدي المصادر التي الرافدة للميزانية العامة ، لكن يبدو أن النظر إلي قطاع الخدمات بالتجزئة هو ما تركزت نحوه أنظار الحكومة مثل إنشاء سد مروي الذي افتتح في شمالي السودان في العام 2009م بتكلفة ثلاثة مليارات دزلار من أجل إنتاج كهرباء تكفي كل السودان لكن ما لبث أن أنخفض أنتاج السد إلي 650 ميغاواط في ديسمبر 2015م ، المشاريع المرتبطة بالسدود عادة ما يتم التخطيط لها لانتاج خدمات متعددة من الكهراباء الي الانتاج السمكي والحيواني ، الزراعة و الصناعة وغيرها ، أضف إلي ذلك أنها تتطلب مشاركة السكان الأصليين المهجرين في الأمر سواء بالتعويض الحقيقي و أن ينعكس المشروع علي تنمية حقيقية لهم في البدء ، أضف إلي ذلك الحرص علي عدم تأثير المشروع علي الحضارة والثقافات الموجودة بالمنطقة لانها ايضا مصدر أقتصادي باستغلالها في الوجه الأمثل الذي يتناسب مع قيمتها التاريخية بل يجب عدم المفاضلة بين العائد الإقتصادي و أية أضرار تتعلق بطمس التاريخ أو الأرث الوطني ، لنخلص إلي أن مشروع السد راكم من الديون كونه تم انشاءه بقرض خارجي الي جانب فشل المشروع من الناحية الاقتصادية لنقف علي احد اسباب صناعة الكهرباء في السودان .
تحويل الهيكية الإدارية لقطاع الكهرباء الي شركة ارتبط بواقع مفترض وهو نجاح سد مروي ، تلك الخطوة أهملت التراكم التاريخي لتجربة وارث صناعة الكهرباء في السودان فبدات عمليات التوسع في الشبكات و وسائل التوصيل وفقا لاحداثيات المتوقع من السد ، بفشل تحقيق السدد لما خطط له اصبح سريان التيار المولد بالموارد خارج نطاق السد لا تتسق وسعه الشبكة فاصبح التيار الكهربائي رغم شحه يسري بضعف او بما لا يتناسب و كفاءة الشبكة ، هذا التحول في البنية الادارية و تعدد مراكز الخدمة بين وزارة الكهرباء و ادارة السدود صحبتها بالطبع تحولات ادارية اهملت ما تبقي من كفاءات في مجال التواليد الكهربائي ليكتمل الامر بفشل في المصدر و الموارد البشرية المتبقية .
مشروع سد النهضة الاثيوبي عبر عن دراسة حالة بقليل من التاني يمكن استخلاص التجارب منها في كونها استندت علي ارضية صلبة منذ بدايتها في صورتها الكبيرة التي بدأت بمشاركة تمويلية للسكان تعتبر احدي السبل لتخطي عقبة التمويل الاولي والركون للاقتراض ، ثانيا الجدوي الاقتصادية يمكن حسابها علي مجمل الاقتصاد الوطني لاثيوبيا ، كما أنها تمكن من أرتفاع اثويبا الي مراكز السيطرة علي القرات الدولية في القرن الافريقي نمتيجة للتاثير الاقتصادي من حيث العائد و الاستغلال الامثل لمياه النيل الي جانب انها استطاعت من ناحية سياسية ان تمثل لحمة التقاء بين المعارضين والوطنيين في مشروع يرحج المصلحة العامة و ليس مثار خلاف ، اما من الناحية الفنية فتقل نسب التصاق المخاطر بها بل ان السد قد يجعل من اثوبيا دولة محموية بكون ان التخطيط له بدأ بانتقال سلسل لنظام الاقتصاد الحر حيث قامت اثيوبيا علي مدار العامين 2013-2014 ببيع 21 مؤسسة انتاجية حكومية في سلاسة دون الحوجة الي اجراءات تقشفية صارمة ليتم انتاج الكهرباء كاحدي موارد السد وليس كله .
ختاماً أزمة خدمات الكخرباء ليست سوي تلخيص لحالة الخدمات و مدي كفاءاتها في تلبية الأحتياجات الي جانب انها تشير الي ما يحيط بتالمشاريع الخدمية وصناعتها من ضعف في التخطيط و الادارة و التشغيل ، فالسودان بموقعه وامكانياته الطبيعية من نهر النيل و الشلالات و كونه موقع التقاء نهرين في القارة كان يمكنه ان يصبح مركز لصناعة الكهرباء ليس فقط للاكتفاء الذاتي لكن لتصديرها الي جميع الدول التي تربطها بها حدود و تعاني في الحصول علي الانتاج الكهربائي ، ليس من مخرج من الازمة سزي ان تصحيح المسار لان الصناعة في هذا المجال مرتبطة بالمهنية والاحتراف و الابداع وهو ما يتوفر في كثير من المهنيين السودانيين الذين تحتضنهم منافي العالم و دوله اما السير بذات سياسة الخرطوم الحالية ستحيل السودان الي قرية كبيرة تحيطها الظلام


badawi0050@gmail.com

 

آراء