د. محمد أحمد محمود: وثلاث مسائل

 


 

 

 


بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحلقة الأولي

abdelmoniem2@hotmail.com

المسألة الأولي: سوء الأدب

حق الاحترام المتبادل هو أوَّل خطوة في طريق السلام، والاعتراف بحقوق الآخرين واحترامها مع الاحتفاظ بمخالفتها هو الذي يفتح باب الحوار ويبني جسر التواصل بين الناس للتعارف والتعلُّم وتوطيد ثقافة السلام. والإنسان الذكي عاطفيَّاً واجتماعيَّاً هو الذي تكون لديه القدرة على تقمُّص مشاعر الآخرين ووضع نفسه في سياقهم ليفهمهم ويتعامل معهم ليجذبهم إلى منهجه أو فكره، أو ليزيل حاجب الجهل والخوف بينه وبين الآخرين، وأوَّل خطوات إنسان كهذا هو استئناس الآخرين لا تنفيرهم.

إنَّ من طبع البشر الإجحاف والتعدِّي على حقوق الآخرين وأوَّل حقٍّ يعتدون عليه هو حقّ الاحترام، وهذا الحق هو إثبات كرامة الإنسان، إذ يظنُّون أن رأيهم السالب عن شخص ما يهبهم الحق لعدم احترامه فيسيئون الأدب وهو أوَّل سبل العنف لأنَّه ينفي الآخر والنفي المعنوي هو القتل الأول للآخر يعقبه القتل البدني.

ففي خضمِّ التداعي إلى قصعة بروفسير قاسم بدري لم يُقاوم د. محمد أحمد محمود، قيِّمُ جماعة الحسَّ الأخلاقي السليم، فرصة أن يثلم دين الإسلام، وانبرى كحُجَّة على دين لا يؤمن به ليُصحِّح مفاهيمه، ويُعرِّي تناقضاته ويصوِّر الأحداث كما تخيَّلها لا كما وردت في المصادر.

الدكتور محمد أحمد محمود يتشدَّق بحقوق الإنسان والعقلانيَّة ويعتبر سوء الأدب مع الآخرين دليلاً على الصدق وعدم النفاق، فيغيب عنه الخط الفاصل بين الصراحة والوقاحة، وهو أوَّل من يهين هذه الحقوق ولا يتمسَّك بها ويدَّعي العقلانيَّة ولا يمارسها، فهو صوت بلا عقل، يقرأ فلا يفهم، ويكتب فيكذب.

أمَّا انعدام الذكاء الأخلاقي فيظهر في ازدواجيَّة معاييره إذ يتوقَّع من الناس تعاملاً متحضِّراً واحتراماً ولا يعطي الناس نفس هذا الحق.
لقد كتبت من قبل مقارعاً له بالحجَّة، ودعوته للحوار بالتي هي أحسن، ورجوت له الهداية، واحترمت حقَّ اخياره للإلحاد مذهباً وسألته أسئلة لتساعدني في فهم فكره وفهم نفسي ولم يُجب عليها بعد، وذكَّرناه ولم تنفع الذكري بحقِّ المسلمين في احترام رموزهم وعقائدهم، ولم يأت ذلك بثمر، ولذلك فقد وجب الردُّ عليه؛ إذ لا يزال سادراً في غيِّه يصف لسانه الكذب ويختلق خياله ما يهوي، لا يقرأ بموضوعيَّة العالم المُحايدة ولكن بذاتيَّة المتعالم المنحرفة التي تبحث عن الشبهات لتقيم الدليل على الحق.


وكما عهدناه من قبل فقد أبرح لؤماً وأساء لسيد الخلق المصطفي صلَّى الله عليه وسلَّم إساءة إيجاب وإساءة سلب. فإساءة الإيجاب كانت في اتِّهام النبيِّ الأمِّي بالكذب بادِّعاء أنَّ النبيَّ اختلق النبوَّة وألَّف القرآن الكريم وهو سيعلم غداً من هو الكذَّاب الأشِر.

أمَّا إساءة السلب فهي غمطه حقَّ المصطفي صلى الله عليه وسلم في الاحترام أو حقِّ من يؤمنون برسالته فذكر اسمه مُجرَّداً بينما سيَّد قاسم بدري ووهب نفسه لقب الدكتور وهو وقاسم بدري وغيره من المُشوَّشين فكراً ومنهجاً من نخبتنا المنكوبة لا يساوون عفطة شاة ميتة، على عفنها وسوئها وضررها، في حضرة المصطفي صلى الله عليه وسلَّم.

وإذا كان د. محمد أحمد محمود يريد بتجريد المصطفي صلى الله عليه وسلَّم من ألقابه تنقيص قدره فقد خاب مسعاه، وإن كان يريد أن يُخبر العالم أنَّه لا يؤمن به كنبيٍّ مُرسل فقد قالها من هم أعلم منه واحتفظوا له بحقِّه إن كان في العلم، أو في التأثير على الإنسانية جمعاء في مدَّة ثلاث وعشرين سنة، أو كمصلح اجتماعي عظيم، أو كمُشرِّع حكيم، أو كقائد فذٍّ لا يزال الناس يكتشفون أنواع قيادته العبقريَّة، أو كإنسان متصالح مع نفسه طبَّق ما دعا إليه على نفسه وعلى عشيرته الأقربين قبل الآخرين ولم يكن يسكنه تناقض بين القول والفعل مثل جماعة نخبتنا، وقد كان مثال التطبيق الفعلي للأخلاق والميزان الحق للأخلاق السليمة. ولدكتور محمد أحمد محمود كامل الحق أن يختار من بين هذه الألقاب ما يشاء ولكن إن أصرَّ على أن يغمطه حقَّه، ولا يعتذر عن عمله المشين ولا يصحِّحه مستقبلاً فأنا له بالمرصاد.

والدكتور محمد أحمد محمود الذي يؤمن بحقوق الإنسان يعرف معني أن يحترم الجميع حقوق الآخرين ومسئوليَّتهم وواجبهم أن يحفظوا لهم هذه الحقوق بل بدأت ديباجة حقوق الإنسان بها:

لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم.

ولما كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني، وكان غاية ما يرنو إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الفزع والفاقة.

فإن الجمعية العامة تنادي بهذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم حتى يسعى كل فرد وهيئة في المجتمع، واضعين على الدوام هذا الإعلان نصب أعينهم، إلى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات عن طريق التعليم والتربية واتخاذ إجراءات مطردة، قومية وعالمية، لضمان الاعتراف بها ومراعاتها بصورة عالمية فعالة بين الدول الأعضاء ذاتها وشعوب البقاع الخاضعة لسلطانها.

26المادة
٢. يجب أن تهدف التربية إلى إنماء شخصية الإنسان إنماء كاملاً، وإلى تعزيز احترام الإنسان والحريات الأساسية وتنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العنصرية أو الدينية، وإلى زيادة مجهود الأمم المتحدة لحفظ السلام.

المادة 29
١. على كل فرد واجبات نحو المجتمع الذي يتاح فيه وحده لشخصيته أن تنمو نمواً حراُ كاملاً.
٢. يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته لتلك القيود التي يقررها القانون فقط، لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق في مجتمع ديمقراطي.
٣. لا يصح بحال من الأحوال أن تمارس هذه الحقوق ممارسة تتناقض مع أغراض الأمم المتحدة ومبادئها.

المادة 30
ليس في هذا الإعلان نص يجوز تأويله على أنه يخول لدولة أو جماعة أو فرد أي حق في القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف إلى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه.

وقد نُبِّه الدكتور محمد أحمد محمود من قبل لهذه الإساءة ولكنَّه لم يتبيَّن النصح وهو بذلك يكون قد ناقض ديباجة حقوق الإنسان العالمية وموادها المذكورة أعلاه، وبذلك يكون قد تعدَّي على حقوق أقرب أصدقائه من المسلمين الذين لم يثيرهم الأمر واعتقدوا أنَّه أمر بسيط، فهم إمَّا لا غَيرة لهم، أو أنَّهم جبناء أو أنَّهم منافقون مشوَّشون فكريَّاً وجهلاء.

فكيف حاز الدكتور محمد أحمد محمود على إجازته العلميَّة؟
المعروف أنَّ طالب العلم الذي يبدي تفوُّقاً في مجال ما يفتح له باب البحث والتخصُّص في باب من أبواب العلم في جامعة أو معهد علميٍّ حائز على شهادة تشهد له بصحَّة المنهج العلمي المُتَّبع وتوفُّر الموارد بأنواعها. ويبدأ طالب العلم بحثه نحت إشراف أستاذ متخصِّص في المجال، وبعد انقضاء المدَّة المطلوبة واستيفاء كامل الشروط يُناقش طالب العلم ثلاثة أعضاء تدريس من الممتحنين؛ أحدهم مشرفه، وثانيهم ممتحن داخلي من نفس جامعته وثالثهم من جامعة أخري وذلك لحفظ الموضوعيَّة.
ومهما ادَّعت الجامعات الموضوعيَّة فهي ذاتيَّة مُقنَّنة إذ قد لا توافق جامعة أخري على إجازة نفس رسالة الدكتوراه ولو أنَّ كلّ الإجازات عُرضت على كلِّ العلماء في نفس المجال أو في مجالات مختلفة لما حازت رسالة واحدة على القبول.

وشهادة الدكتوراه ليست هي سنام العلم وإنَّما هي تدريب على منهج البحث العلمي يُجاز صاحبها على أنَّه يمكنه أن يقوم بالبحوث المستقبليَّة من دون إشراف مباشر من أستاذ آخر، ولكن يجب أن تخضع بحوثه لتمحيص من هم أقدم وأعلم منه في مجاله ولذلك تقوم برامج ما بعد الدكتوراه التي قد تمتد لأربعة أعوام.

لا علينا فقد حاز الدكتور محمد أحمد محمود على شهادة الدكتوراه في اللغة وبذلك فقد صارت دراسته كتاباً متوفِّراً في الجامعات يفترض أن يكون إضافة لعلوم البشرية حتى تواصل الرُّقي والتقدُّم. فكم منكم قرأ هذا الكتاب؟ وما هي الإضافة التي أضافها للبشريَّة؟ وكم من الناس يعرفونه أو قد تأثَّروا بعلمه؟ وما هو الإصلاح الاجتماعي الذي قام به؟

ومن تمحيصي لمنهج د. محمد أحمد محمود اتَّضح لي بما لا يترك مجالاً للشكِّ جهله بمبادئ البحث العلمي ناهيك عن أصوله وفروعه وقد تناولت ذلك في مقالاتي السابقة "زخرف القول. لقد اعتقد د. محمد أحمد محمود أنَّ حيازته لشهادة الدكتوراه تؤهِّله ليفعل ويقول ما يشاء كما يشاء، ويؤخذ كلامه على محمل الجدِّ كأنَّه الحقيقة المطلقة، ولكن هيهات فكم من متعالم يتخفَّى في ثوب عالم وهذا هو أسّ البلاء في نخبتنا الفاشلة الذين لا مرجعيَّة واضحة لهم يحتكمون إليها فلا هم احتكموا إلي المنهجيَّة العلميَّة الصحيحة ولا هم احتكموا إلي دينهم فصاروا مُنبتين لا هم أرضاً قطعوا ولا ظهراً أبقوا.

الدكتور محمد أحمد محمود توفَّرت له كلِّ سُبل التعليم وموارده من أساتذة وكتب وغيره، وكانت نهاية رحلته الأكاديمية رسالة دكتوراه، بينما المصطفي صلى الله لم يدرس في مدرسة، ولا تتلمذ على أستاذ، وكان أميِّاً ومع ذلك جاء بكتاب أيضاً سمَّاه القرآن، لم يدَّع تأليفه وحاز على إجازة أساطين اللغة في عصره، وهم أهل فصاحة وبلاغة سليقة وبلغوا شأواً فيها لا يعادله أو يدانيه أحد في غابر أو حاضر، وقد حاز القرآن على إجازة من لحقهم وأيضاً آلاف العلماء من كلِّ مصادر المعرفة، بل صار هذا الكتاب هو سيِّد الكتب قاطبة، والمرجع الرئيس في اللغة العربية بحالها. ألا يستحقُّ "مؤلِّفه" إجازة عالم أو سيِّد أو بروفسير؟ هذا الكتاب العظيم تُرجم لمائة وأربعة عشر لغة فكم لغة تُرجمت إليها رسالة د. محمد أحمد محمود؟

والمصطفي صلَّى الله عليه وسلَّم حصل على إجازة لقب النبيِّ عن جدارة واستحقاق بالدليل والبرهان في زمانه، ومن علماء اللغة الذين أدركوا إعجاز القرآن ومنهم أستاذ د. محمد أحمد محمود البروفسير عبدالله الطيب، بشهادته، وهي إجازة في تقييمي أفضل وأقيم من تقييم د. محمد أحمد محمود أو تقييم أساتذته الذين منحوه شهادة الدكتوراه. ولذلك فلا يحقُّ لدكتور محمد أحمد محمود أن يذكر نبيِّنا بدون لقب السيد النبي سيِّد رسول المسلمين وهو، إن فعل، يحفظ بذلك حقَّنا ويحفظ حقَّه إذ أنَّه ليس من المسلمين، ونواصل حوارنا معه بالحسني لا نظلمه ولا يظلمنا.

ويجب التنبيه إلى أنَّ المواقع التي تنشر مقالاته يجب أن تحترم القرَّاء ولا ترضي الإساءة لهم، فمن يشتم والديَّ يشتمني والمصطفى صلى الله عليه وسلَّم أحبُّ إلى منهما عقلاً وعاطفة. أمَّا إذا لم تحترم هذه المواقع حقِّي في الاحترام فأنا أستخدم حقِّي في مقاطعتها وللآخرين أن يفعلوا ما شاءوا فلن يسألوا عمَّا أفعل ولن أسأل عمَّا يعملون.

وسنواصل إن أذن الله تعالي

ودمتم لأبي سلمي

 

آراء