حمدوك و فرصة لعب دور الشخصية التاريخية

 


 

طاهر عمر
3 October, 2021

 

تأتي لحظات تكاد تكون فيها حتى الشعوب الحية التي ارتكزت على فكر عقل الأنوار على حافة أن تخرج من التاريخ كحال العالم الآن و هو يحاول جاهد ترتيب البيت من الداخل. هناك علماء اجتماع و مؤرخين نبهوا لهذا الحال منذ مطلع تسعينيات القرن المنصرم و لكي نقرّب لك المشهد أيام انقلاب الحركة الاسلامية في السودان كانت لحظة فارقة أثبتت أن النخب السودانية كحال السائر في نومه و أثبتت بما لا يدعو مجال للشك بأن النخب السودانية تسير في خط سير معاكس لمواكب البشرية في نشدانها للتقدم و الازدهار و كل ذلك كان بسبب غياب الشخصية التاريخية و في الغالب لا تأتي الشخصية التاريخية من بيتوتات طائفية كما هو حالنا في السودان حيث لم ينتج تاريخ سنار المهدية الانقاذ غير شخصيات أتت بهم الصدفة للعب دور الشخصية التاريخية كحال أسر أحزاب الطائفية.
و هناك فرق كبير بين من تاتي بهم الصدفة كحال زعماء احزاب الطائفية أي حزب مولانا و الامام و بين من هو فعلا ينتمي لمصاف الشخصية التاريخية و هنا ياتي دور تاريخ الذهنيات و كيفية سير المجتمعات في ظواهرها و حركتها للامام و كيف يأتي دور الشخصية التاريخية و قدرتها على معرفة مفاصل انقلاب الزمان و كيف أن الأفكار تنتظم لتسير بالمجتمع الى الامام و هنا تكمن أهمية دور الشخصية التاريخية و مسألة تاريخ الذهنيات في رفضه للقديم و ارتياده لعالم فكر مفارق و غير متفق بل متجاوز و لا يقبل التجاور و التساكن مع القديم و هنا تتبدى فكرة القطيعة مع التراث القريب منه قبل البعيد الغائبة من رفوف مكتبتنا السودانية.
غياب الشخصية التاريخية و ظهور من أتت بهم الصدفة للعب دور الشخصية التاريخية سواء أبناء البيوت الطائفية أو النخب السودانية التي تلقت تعليم غير كامل على يد المستعمر الا انه وضعهم في موضع ان يلعبوا دور من أتت بهم الصدفة قد أضاعوا فرصة قيادة السودان الى الامام و الخروج به من حيز المجتمعات التقليدية الى أعتاب الدولة الحديثة. فشل النخب في ترسيخ مفهوم السلطة و تسلسلها عبر التاريخ خلال الظواهر الاجتماعية جعلهم يبدون في حالة دون مقام لعب الشخصية التاريخية التي تستطيع نقل المجتمع من حال التكلس و الجمود الى حال مسايرة التقدم و الازدهار المادي. و اذا اردنا أن نعطي مثلا حيا للشخصية التاريخية و من أتت بهم الصدفة لأنهم من بيتوت الطائفية يمكن أن نقارن ما بين مارتن لوثر قائد الاصلاح الديني و بين الصادق المهدي مارتن لوثر و جون كالفن و عبر أربعة قرون ما زال فكرهم يشق فضاء المجتمعات و يفتح آفاق جديدة تتيح للانسانية امكانية التقدم الى الامام في وقت نجد أن الامام الصادق المهدي قد أتت به الصدفة أن يلعب دور شخصية تاريخية نجده لم يحقق أي تقدم يذكر و لا تراكم فكر يفتح على أفكار عقل الأنوار بل ظل على الدوام على تأبيد سيطرة و حل الفكر الديني و النتيجة غياب نخب سودانية قادرة على جسر ما يفصل بيننا و أفكار العالم.
و ها هو حال النخب السودانية و على قرن من الزمن أو ما يقاربه و منذ قيام مؤتمر الخريجيين في ثلاثينيات القرن المنصرم لم تنجح النخب في اللحاق بمسيرة الفكر في العالم ما زالت آفاق مفكري السودان سواء كانوا نتاج اليسار السوداني الرث أو اليمين الغارق في وحل الفكر الديني لا يفرقوا بعد ما بين فكر الليبرالية التقليدية و الليبرالية الحديثة و ما زال أتباع اليسار الرث في السودان يرفضون عقلانية و أخلاقية الفرد في اصرارهم على اتباع إطراد العقل و التاريخ في الهيغليه و الماركسية و النتيجة يسار لا يختلف في فكره عن فكر أي لاهوتي غائي ديني لذلك تجد مستوى الفكر واحد في مستوى متدني سواء عند محمد ابراهيم نقد أم عند رجل الدين الذي يجسده الصادق المهدي. مثلا عندما كان الصادق المهدي يتحدث عن الصحوة في أعقاب ثور أبريل كان محمد ابراهيم نقد يتحدث عن حوار الدولة المدنية و انتهى الى به الى علمانية محابية للأديان في خط يرضي استاذه عبد الخالق محجوب في ابتداره الى فكرة دور الدين و امكانية أن يلعب دور في السياسة في السودان و استمر الانحطاط الفكري الى أن وصل لمرحلة أن يكتب الشفيع خضر دور القبائل و العشائر و السلالات في السياسة.
و كل ما ذكرنا يوضح أن النخب السودانية لم تستطع أن تنتج من بينها من يلعب دور الشخصية التاريخية كحال مارتن لوثر و فكرة الاصلاح و كالفن و كيف أصبح متحدي لتراث الثقافة اليهودية المسيحية فيما يتعلق بالربا و قد تحدى كالفن كل ذلك التراث عبر ألاف السنين لكي يصبح الأب الشرعي لفكرة سعر الفائدة أين المقارنة بينه و بين عبد الخالق و نقد في مهادنة خط وحل الفكر الديني هذه المهادنة التي بدأها عبد الخالق و سار على خطاها محمد ابراهيم نقد هي من انتجت أمثال عبدالله علي ابراهيم و رأينا كيف كان في صحبة الاسلاميين و كيف أنتج فكرة معارضة المعارضة التي كانت تعارض الانقاذ الثمرة المرة للحركة الاسلامية السودانية و هاهو ذات نفسه عبد الله علي ابراهيم عايش وسط النخب و كانه الأب الشرعي لثورة ديسمبر المجيدة فكيف تولد نار و نور الشخصية التاريخية من هذا الرماد؟
على العموم في الوقت الذي قام فيه مؤتمر الخريجيين على أفكار قديمة فارقتها نخب شعوب المجتمعات الحية و كانت أيامها ظهور أفكار تتحدث عن فلسفة التاريخ الحديثة و هي تنظم العلاقة ما بين الفرد في صراعه مع المجتمع و حينها كانت أزمة العلوم الأوروبية في قمتها و لم تنتبه النخب السودانية لكل ذلك الصراع فاذا بنخبنا السودانية تقع في فخ علوم أزمة العلوم الأوروبية و النتيجة أن أذكياء المجتمع السوداني ما زالوا في مصاف المثقف المنخدع بماركسية ماركس الى اليوم و غاب عنهم كيف انتهت أشعة الليبرالية التقليدية الى أفول و كيف أشرقت شمس الليبرالية الحديثة و كيف تطورت و وصلت الى اللحظة الراهنة الى مستوى مرحلة ديمقراطية ضد الديمقراطية و كيف تصارع حتى الشعوب المتقدمة في اوروبا و الغرب عموما في الخروج من هذه الاختناقات و هذا ممكن و معروف في تاريخ الرأسمالية بأنها تمر بأزمات دورية و تخرج منها و هي أقوى مما كانت عليه.
ننبه النخب السودانية بأن العبء الذي يقع على عاتقهم ثقيل جدا و يحتاج لمعرفة كيف تسير المجتمعات و من يقودها و هو يلعب دور الشخصية التاريخية و يحصل كل ذلك ذلك في ظل الأزمات المتلاحقة و يحتاج للمفكر النابه اللماح الذي يستطيع أعادة تنظيم المسيرة دون أن تفقد نشاطها و هي في سيرها نحو التقدم و مثل هذا القائد هو من يكون ملم بتاريخ الذهنيات و أكاد أكون قريب من اليقين بأن حمدوك كاقتصادي ملم بتاريخ الفكر الاقتصادي و النظريات الاقتصادية هو الأقرب الى أن يلعب دور الشخصية التاريخية المدركة لتاريخ الذهنيات و عليه أن ينفر و يترك انطواءه على نفسة بهذا الشكل المحير و يخرج بخطاب يصبح قاسم مشترك بين النخب ليس للترضية و تسهيل المحاصصة بل ليفتح بصرهم و بصيرتهم بأن العلوم التي تقوم عليها أفكارهم و أحزابهم علوم تخطاها عقل الأنوار منذ قرون و أن عالمنا اليوم في مرحلة حرجة جدا و يجب الانتباه الى أن حتى الشعوب المتقدمة تمر اليوم بمرحلة تحتاج الى إعادة النظر مرات و مرات مثلا على ذلك ها هي الدولة المتقدمة تعود الى فكرة الحماية الاقتصادية و أن تنطوي كل أمة على نفسها في حدود الثلاثة عقود القادمة لم يعلنوا ذلك للملاء و لكن كل المؤشرات تقود الى ذلك و هي أي مسألة الحماية الاقتصادية هي أيضا من نتاج تاريخ الفكر الليبرالي و لها فلاسفتها و هنا لا يزعفنا المجال أن نتحدث عنها و كيف و متى بدأت و كانت لها فلاسفة و كيف عارضوا سياسة اليد الخفية لأدم اسمث و ها هي تعود من جديد الى مسرح الأحداث.
و هكذا يحدثنا تاريخ الذهنيات و كيف ترتب الشخصية التاريخية حال المجتمعات حتى لا تخرج من التاريخ. فيا حمدوك أنت من تستطيع أن تحفظ الشعب السوداني بأن لا يخرج من التاريخ بشكل نهائي و هو في لحظته الراهنة التي يتكالب على ساحة الفكر و السياسة كل من العسكر و رجال الدين فاذا كان هناك فكر يجمعنا مع الشعوب الحية فلا يمكن أن يحصل هذا الجهل الطموح للمغامرين و الجهل المؤسس الذي يجعل المغامريين في ساحة الفكر و السياسة من غادة الحركات المسلحة أكبر أداة هدم كما يعمل مناوي الآن و أردول و غيرهم و لا يهمهم إلا ممارسة محاكاة الغريم كما يفعل كل من أردول و يسار عرمان في مسألة محاكاة الغريم.
غياب دور الشخصية التاريخية هو ما يتيح الفرصة للمغامريين أمثال البرهان و حميدتي كعسكر أن يعتقدوا بأنهم يمكنهم أن يكون لهم دور في الفكر و يجعل أمثال المغامر مناوي و أردول و عرمان بأن يتحدثوا عن بناء الأوطان. بناء الأوطان و مسألة تفادي الخروج من التاريخ تلعبه شخصيات تاريخية لم تظهر ملامحها في المغامرين و العسكر و هيهات. ملامح الشخصية التاريخية نجدها تتبدي في شخصية حمدوك إلا أنه منطوي و لا يدرك أنه يمكنه لعب الشخصية التاريخية التي يمكن أن تقود الشعب السوداني باتجاه التقدم و الازدهار و يمكن أن تجعلنا على قدرة للمصالحة مع أفكار الحداثة و عقل الأنوار بدلا من أن تنتشر أفكار أمثال حميدتي و البرهان و أردول و مناوي و عرمان حيث لا يشتغل عقلهم بغير فكرة محاكاة الغريم التي تحطم مسيرة تقدم الشعب السوداني. فيا حمدوك انت من تتضح فيك ملامح شخصية تاريخية لم تأتي بها الصدفة كما كان الامام الصادق المهدي أنت شخصية تاريخية أتت بها ثورة عظيمة كثورة ديسمبر ينبغي أن تملى مكانك و كرسيك كما ينبغي أي كما تفعل الشخصيات التاريخية و قلناها لك من قبل أن من حولك خاليي الوفاض من الفكر فانت لا تنتظر منهم شئ بل بادر بفكرك انت اذا أردت بالسودان و الشعب السوداني خير. و بالمناسبة كل الحاصل من هرج يا حمدوك لأنك لم تلعب دور الشخصية التاريخية و بغير لعب هذا الدور سيستمر التخبط السياسي و و الفشل و الصراع على المحاصصة يا حمدوك أنت من تستطيع أن تقدم أفكار تربط بها هذا الرميم الذي يجسده العسكر و المغامريين أمثال أردول و مناوي و عرمان بأن يدوره في فلك فكرك الذي لا يتيح لمغامراتهم التي لا تفتح الا على درب خروج السودان و شعبه من التاريخ و هذا ما لا يعجب أي سوداني

taheromer86@yahoo.com
////////////////////////

 

آراء