فوضي السلاح (من ابتلاء الجيش الي لعنة المليشيا)!!

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
abdullahaliabdullah1424@gmail.com

مدخل
اي سلاح لا تسنده شرعية دستورية ويخضع لتوافق مدني، يتحول الي سلاح ضد المدنيين وللتغول علي حقوقهم، طال الزمن ام قصر. ويبدو ان هذه الوضعية الفاجعة، هي تلخيص لمأساة دولة اسمها السودان.
ورغم ان الحرب بين الجيش والدعم السريع، هي اسوأ السيناريوهات التي كانت متوقعة، إلا انها لسوء الحظ وقعت، بكلفتها الباهظة ووضعها مصير البلاد والعباد علي كف عفريت. وهذا ان دل علي شئ فهو يدل، علي انعدام المسؤولية عند من يحتكم علي السلاح، والاهم انهم اسوأ خلق الله، وعلي الاخص مليشيا الدعم السريع الاقل تنظيم وانضباط.
وبما ان هذه الحرب هي في الاصل تعبير عن اطماع ومخاوف لم تجد تصريفها عبر وسائل الاقناع والقنوات الشرعية. فهذا ما يشير بدوره لجملة اعطاب تطال الفريقين المتحاربين بشكل اساس، والفضاء العام كخلفية تلقي بظلالها علي الصراع.
فالطرفان المتقاتلان ينطلقان من ذات المرجعية (الوعي العسكري الزائف)، الذي يماهي بين السلطة والسلاح. وتاليا امتياز السلاح لا معني له من دون سلطة قمعية. اي وعي العسكرة الزائف يؤمن بالقوة ليس كاساس للحكم فحسب، وانما القوة كوعي يقوم عليه الوجود ويتقوَّم به. والحال ان وعي العسكرة كوعي استاتيكي متعالٍ، لا يجد ذاته إلا في السيادة المُعبر عنها كسلطة غير مساءلة، بل وتجرم التساؤل؟
وما يهم في هذا السياق ان وعي العسكر الزائف ككل وعي زائف يحتاج للقوة لفرضه كامر واقع! وذلك لانكاره وتعاليه علي حقائق الواقع، بصنع واقع متخيل، يتلاءم مع مخططاته (مصالحه) الموضوعة سلفا بمعزل عن الواقع. واذا صح ذلك، يصح اكثر ان الوعي الزائف (عسكري او غيره)، هو وعي طارد لبناء وعي حقيقي يتجاوب مع حاجات المجتمع الحقيقية. ليقع المجتمع رهينة دورة متكررة من الانقلابات العسكرية والانظمة الشمولية، التي كرست للوعي الزائف كقيم ومعايير مزيفة، ليس اقلاها قابلية المجتمع للعسكرة والاستبداد وتعايشه مع الفساد والخراب. ومن ثمَّ تحولت حياة المجتمع الي سلسة من البؤس والعذاب، والدولة الي ساحة اضطرابات وفوضي. وبما في ذلك فوضي السلاح، الذي اصبح الوسيلة المفضلة والناجزة للوصول للسلطة واحتكار الثروات. لتتكاثر الحركات المسلحة والمطالب التعجيزية، بل تتحول لغة السلاح الي اللغة المعتمدة سياسيا. لتنتج ما يمكن تسميته الاستثمار في الحروب سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، لشريحة مغامرة من المجتمع، تفتقر للقيم الاخلاقية والوطنية والانسانية! اي هي في حقيقتها مجموعة لصوص وقتلة، سمح لها السلاح ولغته وتغييب معايير القيادة واهليتها، بتصدر المشهد السياسي والسلطوي، والتحكم في مصير البلاد وشعبها. ليجد المجتمع نفسه وجها لوجه مع ما يسمي قادة (في الاصل امساخ) من نسخ الترابي والبشير وعلي عثمان ونافع وقوش والبرهان وحميدتي والكباشي وعبدالرحيم دقلو والحلو ومناوي وعسكوري واردول وهجو وجبريل وترك، وغيرهم من الطفابيع، المفروضة بقوة السلاح او بالتحالف مع المسلحين. ومؤكد ان هكذا انحطاطٍ وتردٍ علي مستوي صعود هذه القيادات، لابد وان ينحط ليس بالسياسة والسلطة، ولكن قبل ذلك امكانات وممكنات البلاد وحالتها العامة وعلي راس ذلك الوعي ذاته. وليس هنالك ادل علي هذا التدهور، من تصاعد سردية المركز والهامش كالسرطان او النار في الهشيم، وهي تقدم نفسها كتحليل معرفي ونزعة ثورية وبطولات وطنية. اي كخلاصة للوعي وحل جذري لمشاكل البلاد، التي يجري تاويلها بما يناسب ذات السردية ذات الصبغة المظلومية. مع ان المشكلة في ظننا كانت ابسط من هذه السردية الوعرة وما جرته علي البلاد من كوارث اضافية، وهي تتمثل في العجز عن بناء دولة حديثة تستجيب لمتطلبات الحداثة في بلد تقليدي. وان جزء كبير من هذه المشلكة يرجع للانقلابات العسكرية وفرض الاستبداد بكل تبعاته الممرضة للمجتمع.
وفي ذات السياق وبمقارنة بسيطة وبعيدا عن العواطف والترهيب بلغة الدين مرة، وبلغة الوعي والاستنارة والثورة، والتي احتكرها البعض كعملة نادرة، مرات. نجد ان جيل الاستقلال بل اخطائه كان اكثر وعي (حكمة) لمتطلبات وحاجات البلاد، مقارنة مع اجيال لاحقة (شباب اكثر حماس) اتجهت يسارا ويمينا ومناطقيا وجهويا، وهي لم تؤدلج السياسة فقط، ولكن حولتها لاحتكار في قبضة نخبة محددة، ومن ثمَّ ربطتها بما نالته من تعليم حديث. تدل كل المؤشرات انه لم يحدث حداثة حقيقية لا في طريقة تفكيرهم ولا سلوكهم ولا مقارباتهم لكيفية ادارة البلاد ولا الوعي بمرحلتها التاريخية وما يناسبها من معالجات. لتدخل البلاد في نفق مظلم من صراع السلطة المسلح، الذي وصل بنا اخيرا الي حرب جهالات تهدد وجود البلاد.
وواحدة من امهات اشكالات الوعي العسكري الزائف الذي يعي السلطة كعسكرة، ان قضية الاستيلاء علي السلطة والمحافظة عليها، ظلت الشغل الشاغل للمؤسسة العسكرية وقيادتها. والحال كذلك، تصبح قضية السلطة هي الاساس والاولوية، وما دونها وعلي راس ذلك، مسالة تقديم الخدمات للمجتمع وتطوير البلاد، تُحال الي الهامش، في حال لم توظف لخدمة مشروع السلطة. اي الوعي الزائف كوعي مبتذل ورغبوي، لا يستنكف الدفع نحو سلوك المسالك الطفيلية، سواء في تكديس اموال الريع او صرفها علي مجالات الرفاهية والحماية، مما يتسبب في تضخم انشطتها وتمددها في كل الاتجاهات. ويبدو ان زيادة امتيازات السلطة والمتسلطين، يغري بزيادة الرغبة في السلطة والتسلط يوما بعد يوم.
والحال ان هذه الوضعية او الهاجس السلطوي، عندما يُحرم من ادواته السياسية واجراءته الديمقراطية ويخصص لصالح العسكر. يتولد عن ذلك انتقال الصراع علي السلطة المغرية، الي داخل المؤسسة العسكرية وبين قيادتها. وهكذا صراع ينتج مراكز قوي، تنتج بدورها مؤسسات وكيانات موازية للجيش ومنافسة له علي السلطة وامتيازاتها (استباحة موارد البلاد). اما المفارقة، ان قيادات الجيش المسيطرة علي السلطة، وبسبب خوفها علي السلطة من ذات الجيش! تلجأ لبناء ما يشبه القوات الخاصة، وبامكانات اعلي من الجيش، بل وغرضها الاساس التصدي للجيش اذا ما تمرد علي قائده المستبد الفاسد (الذي يحول بقدرة قادر ليصير هو السلطة). ليُحال الجيش الي المعاش (عطالة مقنعة)! اي يصبح مؤسسة شبه خاوية، تنصرف للعناية بامتيازات كبار الضباط، والتصدي للتمرد والانتفاضات داخليا، والتصدي شكليا للعدو خارجيا، الذي غالبا ما يحيَّد بسبب تمرير مصالحه سلفا! والمحصلة، بدل ان يتحول الجيش الي حامي للبلاد واهلها، ولكن وبسبب سيطرته علي السلطة ومصادرته لخيارات بقية المواطنين، يصبح اكبر مهدد لسلامة البلاد وامن المواطنين، خاصة بعد تفجر صراع السلطة بينه وبين الكيانات التي صنعها قادته وبموافقته ورضاه، كما يجري الآن في هذه الحرب المجنونة!
اما نموذج الجنجويد الهمجي الوحشي او (الدعم السريع كاسم دلع وتضليل)، هو في الحقيقة عملة لها وجهان، وجه يعبر عن النسخة الاسلاموية الاكثر تخلف، ووجه يعبر عن احد المنتجات الرثة للوعي العسكري الزائف. وعموما، وصف التخلف ليس اساءة، بقدر ما هو اقرار لحالة رفض التقيد بالقانون وازدراء المؤسسات والتصرف من منطلقات رغبوية، دونما اكتراث لحقوق ووجود الآخرين. وعليه، ما يربط بين الاسلامويين والعسكر والدعم السريع، هو الخضوع للبداوة في اردأ صورها (الصعلكة)، والكارهة للمدنية ومعادية للمدنيين. لذلك ليس مصادفة، من ناحية، ان يصادر الاسلامويون والجيش ثروات البلاد عن طريق الهمبتة، ويرد عليهم الدعم السريع بذات الهمبتة، لمصادرة موارد البلاد قبل الحرب، وثروات اهل العاصمة بعد الحرب! ومن ناحية، ان ينقلبوا علي المدنيين في كل مرة يقومون بثورة من اجل تمدين الدولة ودمقرطة السلطة.
ويصح، ان هنالك احزاب مدنية تورطت في الانقلابات العسكرية، ولكن الاكثر صحة، ان هذا التورط لا يتعدي دور العامل المساعد، الذي وافق هوي (استثار رغبة مكبوتة) وثقافة انقلابية متجذرة، في الوعي الزائف لدي العسكر. بدلالة ان صراعات الانقلابيين، تحسم دائما لصالح العسكر، للاستفراد بالسلطة، ومن ثمَّ تحويلها لسلطة الفرد. كما ان ذات الوعي الزائف، غالبا ما يجد صداه داخل الاحزاب العقائدية ذات النزعة الشمولية (الراعي الاساس للانقلابات العسكومدنية)، والتي تميل لاستسهال التحديات وتعقيدات القضايا، ومن ثمَّ حشرها داخل نموذج مكتمل (صالح لكل زمان ومكان). ولذلك تتحرق شوقا لحرق المراحل، عبر الوصول للسلطة باقصر الطرق، وتاليا فرض نموذجها بقوة السلطة. ومرة اخري، هذا يردنا للمقارنة مع جيل الاستقلال، (الشُياب اذا جاز التعبير او اصحاب الخبرات والتجارب الحياتية)، في ان التغيير عملية معقدة وبطيئة ويجب ان تتوافق مع استعداد المجتمع وثقافته ومرحلته التاريخية ومجمل الظروف المحيطة. وعموما اذا كان جيل الاستقلال اخطاء في تحويل الصراع السياسي لمناكفات حزبية وزعامية، فان الجيل اللاحق ركب لهذه المناكفات استعدادات حربية، لتتحول السياسة لساحة معارك حقيقية، لا يستنكف العسكر وانصارهم فيها عن استخدام السلاح.
وكل هذا لا ينفي ان الخلفية العامة التي اسهمت في الوصول لحالة الحرب الراهنة بين العسكر، شارك فيها السياسيون ايضا. سواء بسبب الاداء السياسي السيئ الذي انتج فراغ احتلاه العسكر، او الافتقار للتقاليد الديقراطية والعمل المؤسسي داخل اروقتها، او الاستعجال للوصول الي السلطة دون استعداد، او الانشغال بالصراعات والتشاكس والخصومات، عوض العمل والتعاون من اجل بناء مشروع وطني يمكن لرسوخ دولة حديثة. لذلك اقصي ما تنجح فيه، هو التخلص من الانقلابات بعد استنفاد اسباب بقاءها. ولكن ما يعقب ذلك، هو الفشل بجدارة في تحويل هذا المكسب العاجل الهش، الي مكسب وطني مستديم. اي هي احزاب تزايد بالشعارات الديمقراطية والثورية والاسلامية عندما تكون في المعارضة، وعندما تجد اقل هامش للحكم، تركن كل شعاراتها جانبا (انتطارا لانقلاب جديد، ان لم تساهم فيه كحاضنة). ولكن هذا لا يكذب حقيقة ان الانقلابات كما تدمر البيئة العامة، تدمر من ضمنها الاحزاب والانشطة السياسية والعملية السياسية برمتها.
والحال كذلك، تصبح علتنا الاساس في العسكرة والاستبداد، واي محاولة لعقد مقارنة بين الحكم العسكري والديمقراطي، هي محاولة للتغبيش والتعمية علي الحقائق، لمرامٍ ومصالح خاصة، مهما تلبست معايير الموضوعية والحرص علي المصلحة الوطنية! اي ليس هنالك وجه للمقارنة بين الحكم الديمقراطي، الذي تضطلع به احزاب سياسية مهما كانت درجة رداءتها، وبين الحكم العسكري الذي يسطو عليه جنرالات مهما كانت درجة محاسنه (ان وجدت). لانه يصح القول الدارج، ان الحكم الديمقراطي يملك امكانية اصلاح علله وعيوبه، عكس الانظمة العسكرية التي تصر علي عرض صورتها الزاهية، حتي ياتيها الاجل المحتوم، ولكن بعد خراب مالطة. وحتي اذا صح ان هنالك حكم عسكري صالح في زمان ومكان ما، رغم الشكك في ذلك، إلا ان تجربتنا في السودان تقول عكس ذلك، لدرجة انها من فرط رداءتها، تنتج حركات مسلحة ومليشيات وحشية، تخوض جميعها حروب عدمية، تقود البلاد الي المجهول، بعد دفع كلفة بشرية ومادية يندي لها الجبين.
وايضا التبسيط المخل من تجليات الوعي الزائف، سواء بصيغته العسكرية الاكثر وضوح او الايديولوجية الاكثر التباس. ومن دلائل ذلك التعاطي مع السلطة كنواة صلبة غير قابلة للتجزئة والاقتسام والمشاركة والتبادل او التنازل. وبما ان التبسيط يحتاج للتجسيد، فهذا ما جعل السلطة تتجسد في شخص (قائد امام زعيم). والحال كذلك (في حالة العسكر بصفة خاصة) بقدر ما يستطيب القائد استفراده بالسلطة المطلقة، بقدر ما تستقر بنية العسكر في تراتبية وضوابط يصعب كسرها، نسبة لضيق هامش الحرية والمناورة. وهذا ما يبيح القول، ان الوعي العسكري المزيف الذي يتطلع للسيادة بطريقة عنجهية، يستبطن حاجة للعبودية تستشري بين مكوناته. وهذا بدوره قد يفسر نفور العسكر من الحرية والحياة المدنية بتبعاتها من المسؤولية. ويلجأ في ذلك للمرواغة بحجة الضبط والربط وعدم السماح بالفوضي، التي تتطابق لديه مع العمل الجماهيري! وغالبا هو ذات السبب الذي يجعلهم يتنصلون من واجب مواجهة قادتهم، وهم يرتكبون الاخطاء ويمارسون الاستبداد والفساد علي راس الاشهاد. اي باختصار العصمة والقيادة والزعامة والكارزمة، وغيرها من الصفات التعظيمية التي تُضفي علي القادة، والتراتبية علي المؤسسة والتنظيم والطريقة، هي في الاصل تمويه او هروب او تقية للتنصُل من المسؤولية الملازمة للحرية، وبقية من ثقافة العبودية التي رزحت تحتها البشرية.
وعموما، بما ان وعي العسكر المزيف، هو وعي سلطة متسلط، فهذا ما جعل سمة الانظمة العسكرية هي التسلط، علي طريقة تسلط (الكل ضد الكل). اي كل من وجد سلطة يتسلط علي غيره، وهذا لا ينطبق علي المؤسسة العسكرية فقط، ولكنه ينسحب كذلك علي الحياة المدنية. والحال انه ذات النمط الذي جعل كل السُلطات تُكرس لدي المسؤول. ليصبح منصب الرجل الاول سواء في الحكومة او غيرها من المؤسسات، هو المطمح لكل متسلط يرغب في الحلول محله. وبالطبع مستخدما كافة الاساليب، وعلي الاخص القذرة منها (وما مصطلح الحفر إلا احد مبتكرات الكيزان في الخدمة العامة).
والحال كذلك، مؤكد ان اهم منصب يجري التنافس حوله، هو منصب البشير في حكومة الانقاذ! والبشير اول من يعلم ذلك، وهذا ما دفعه لخلق ورعاية كيانات موازية للجيش، وكان اخطرها الدعم السريع. ليصبح البشير نفسه اول ضحايا الصراع علي منصبه صبيحة 11 ابريل 2019م. لينفسح المجال امام رفقاء السلاح للحلول محله.
وما يهم قوله هنا، ان الوعي الزائف الذي لطالما دفع العسكر للاستيلاء علي السلطة، كحق مكتسب بقوة السلاح، تضاعفت ازمته وخوائه وخداعه وعنفه، مع اندغام وعي الاسلامويين الاكثر زيف معه. لتتواصل الاضرار الكارثية علي الدولة والمجتمع بوتيرة متصاعدة (متوالية هندسية)، حتي سقوط راس النظام عقب ثورة شعبية، شاملة كل ارجاء البلاد. ولكن ما حدث بعد ذلك، هو عجز الوعي العسكري الزائف، الذي ازداد تشظي وافلاس، من استدراك الحكمة. ليتجه اتجاه معاكس لوجهة الثورة، ومعاند لحقائق الواقع ورغبة الشعب، باصراره للاستيلاء علي السطة بطريقته الانقلابية المعتادة! دون وضع اعتبار الي ان القوات المسلحة، التي كانت تتحكم في السلطة بطريقة منفردة، مستفيدة من امتياز السلاح. لم تعد وحدها مسيطرة بعد تغير اطراف المعادلة، وازاحة توازن السلاح لجهة موازية، لا تقل عنها طمع في السلطة ووحشية في السلوك ورغبة في الاستحواذ علي موارد البلاد. بمعني نظام الانقاذ اجهد وعي الزيف العسكري واستنفده تبجحه ودعاويه، ودفعه دفعا للاقتتال الداخلي بين مكوناته، بعد ان جعل السلطة غاية والاستفراد بها غاية الغايات.
ليتم استغلال غباء وطمع ونفاق البرهان من قبل الاسلامويين والانتهازيين وكبار العسكريين والمصريين، ليعود بالامور الي ما قبل سقوط البشير ويحل سيادته محل البشير. وهذا ما يتعارض مع طموح حميدتي المدفوع بجهله وطموحه وداعميه في الامارات، ليقيم مشروعه السلطوي الخاصة (امارة آل دقلو الامارتية) علي انقاض مشروع البرهان السالف الذكر. لتقع الواقعة ليس بسبب صعوبة الوصول لتوافق بين المشروعين المعاديين للثورة والدولة المدنية، ولكن لان الوعي العسكري الزائف المسيطر علي الجانبين يصور لهما ان الحرب هي اقصر طريق للانتصار الساحق ونيل كامل الكيكة.
والحال ان ما يجعل ورطتنا مع صراع السلطة المسلح كبيرة، ان لم تكن بحجم ضياع دولة وتشريد اهلها. ان اشعال الحرب من السهولة بمكان، اي كمجرد استجابة لمشاعر او تخوف من هواجس، وهو ما يتوافر في ظل سيطرة العسكر بمصالحهم الخاصة والضغوطات الداخلية والخارجية عليهما. اما ايقاف الحرب ومعالجة اسبابها، فهو ما يحتاج للشجاعة والتعقل ومراعاة المصلحة العامة. وجميعها عملة غير متداولة عند معظم الاطراف المؤثرة، وعلي الاخص طرفي الصراع، ومن يدعمهما في حربهما العدمية.
وعلي العموم الحرب سيئة، ولكن الاسوأ منها، ان تجربتها بكل خسائرها البشرية والمادية، لن يستفد احد او طرف منها شيئا! اي لو قدر الله ووقفت الحرب بقدرة قادر، سيظل العسكر علي موقفهم التاريخي في التسلط علي السلطة والمدنيين، ويستميت الدعم السريع في الاحتفاظ بقواته لاعادة الكرة، وتظل القوي السياسية في تشاكسها وتباغضها، والحركات المسلحة في ابتزازها ومزايداتها. ولله الامر من قبل ومن بعد.

اخيرا
وكما تعودنا علي حدوث اسوأ السيناريوهات، لا يستبعد سيناريو انتصار الدعم السريع وسيطرته علي الاوضاع، وعندها انفتاح البلاد علي تجربة رهيبة من البطش والارهاب، والعودة القهقرية الي عهود الفوضي والظلام.
عاجل الشفاء للجرحي في كل البلاد وعلي الاخص الجنينة الجريحة، وتقبل الله شهداء الوطن (سنبلة) في حرب الجنرالات المجرمين، وعودة مظفرة للغائبين. وحقيقة وطن يتحكم فيه امثال حميدتي والبرهان ماذا نتوقع له ولمواطنيه؟! ودونكم قول حميدتي انه يسعي للديمقراطية (وكانها نهب ذهب وقتل طفل واغتصاب امرأة وشراء تاتشر مسلح)! وقول البرهان دون استحياء ان قوات الدعم السريع مليشيا وترتكب فظاعات (وكانه ناشط في منظمات حقوق الانسان، وليس صانع وميسر لها)! حقا كما يقول المثل (الاختشو ماتو). الله لا كسب الاسلامويين والعسكر والمليشيات. ودمتم في رعاية الله وبلاد آمنة مطمئنة.
////////////////////////

 

آراء