مليشيا الدعم التأرجح بين البطش والسياسة

 


 

 

لم تؤسس مليشيا الدعم كتيار سياسي، أو حتى اجتماعي لديه مشروعا سياسيا تناضل من أجله، أو حتى مطالب حقوقية ساعية لتحقيقها، هي مليشيا عسكرية كونها رئيس النظام السابق عمر البشير و جعلها تحت أمرته، لها مهام محدودة باعتبارها قوة كونت من أجل أستخدامها في البطش، ظهر ذلك جليا في عمليات ضربها للحركات المسلحة في دارفور، و مطاردت البعض عبر الحدود مع بعض الدول ، إلي جانب دورها في قتل المدنيين من الطلاب و الشباب في انتفاضة سبتمبر 2013م. و في انتفاضة ديسمبر 2018م مارست ذات البطش، و القتل في فض الاعتصام، و أيضا كان دورها حماية نظام البشير من أي انقلاب يمكن ان ينفذه الجيش. كان قائد المليشيا واعي لهذه الأهداف، و لذلك كان رئيس النظام هو الذي يحدد مسار المليشيا و أماكن تحركاتها و تواجدها. طوال فترة عمل المليشا زمن الإنقاذ كانت خارج دائرة السياج السياسي، إذا كان ذلك من خلال المنابر السياسية أو حتى من خلال الخطاب السياسي، و كانت تتقاضى ميزانيتها من الدولة رغم الأزمة السياسية التي كانت تعيشها البلاد.
عندما اشتدت الأزمة الاقتصادية في البلاد بعد انفصال الجنوب. كانت مخابرات المملكة العربية السعودية قد انجزت عملية تجنيد ضابط الأمن طه عثمان الذي أصبح مدير مكتب رئيس الجمهورية ثم وزير دولة لرئاسة شؤون الرئاسة، و أيضا مبعوث الرئيس للمهامات الخاصة خارج السودان. حيث اقنع عثمان الرئيس البشير في ذلك الوقت أن يشارك السودان في حرب اليمن تحت راية (قوات الحزم) و أن يجد الدعم المالي من قبل دولة الأمارات العربية و المملكة السعودية، و قد رتب للبشير لقاء في ذلك الوقت مع الملك عبد الله، و سافر البشير للسعودية و بالفعل التقى بالملك عبد الله، و تم الاتفاق على إرسال قوات لليمن تتكون من قيادات من الجيش مع عدد من الفنيين و الجنود تابعين للقوات المسلحة، و عدد كبير من عناصر مليشيا الدعم السريع. كانت الولتان السعودية و الامارات تدعمان السودان عبر السلطة الحاكم، و كانتا تدعمان مليشيا الدعم لوحدها، لذلك تعمقت العلاقة بين حميدتي و ضابط الأمن طه عثمان مدير مكتب الرئيس. بعد ميزانية اليمن؛ بدأ حميدتي ينظر للمستقبل بأفق جديد، لذلك عمل من أجل إبعاد موسى هلال من على طريق طموحه الشخصي، ابعاد موسى هلال وفر له التنقيب عن الذهب في جبل عامر الذي امتلكه، حصائل الذهب كانت بداية الطموح السياسي، لكن لم تظهر الأجندة السياسية بصورة بارزة. و عند استدعاء قواته من قبل البشير ل اثناء ثورة ديسمبر للخرطوم، و بفطرة ذكائه قرأ الساحة قراءة ذكية، و قرر أن يقف إلي جانب الشعب الذي ينادي بإسقاط النظام. و عندما سقط النظام لم يوفق حميدتي على الفريق كمال عبد المعروف و القيادات التي تم بها تشكيل قيادة الثورة. رفضت تلك القيادات لكي يزيل أي عقبة تقف في طريقه.
بعد سقوط النظام جاء طه عثمان زائرا السودان و مهنيئا، لكنه كان يحمل أيضا مشروعا سياسيا أخر. كانت الامارات و السعودية تريدان عملية تحول ديمقراطي محدودة، حتى لا تتاثر الدول الأخرى بعملية التحول الديمقراطي. فالأفكار التي بدأت عند قائد الدعم ليست من بنات أفكاره، و لكن جاءت من خارج الحدود. حيث أعلنت كل من السعودية و الأمارات دعم الثورة بثلاث مليارات من الدولارت، ثم بدأت الامارات تقدم دعوات لبعض السياسيين لزيارة أبوظبي، و أيضا بدأت مرحلة إعداد مليشيا الدعم لمرحلة جديدة في سودان ما بعد الثورة، حيث بدأ حميدتي يقدم طلباته للفريق أول البرهان أولها كان فك حظر التجنيد لمليشيا الدعم، و الثاني إلغاء المادة الخامس من قانون الدعم حتى لا يكون الدعم تابعا لقرارات القائد العام، الثاني حل جهاز العمليات في جهاز الأمن، الغريب أن حميدتي الذي طالب حل الجهاز استوعب أغلبية عناصره في الدعم السريع، بدأت مرحلة إغالة قيادات في جهاز الأمن و القوات المسلحة و بدأ حميدتي يختار بعضهم للعمل في مليشيا الدعم، ثم بدأت مرحلة توطين قوات من المليشيا داخل العاصمة و نقل معسكرات للجيش و تسليم مقارها للمليشيا. و بدأ يستقبل كميات كبيرة من الاسلحة من قبل بعض الدول، و تدريب قواته من قبل مليشيا فاغنر، إضافة للدخول مع المليشيا في عملية التنقيب عن الذهب.
استغل حميدتي الخلاف الذي كان دائرا بين القوى السياسية و المكون العسكري و ذهب يخاطب التجمعات ( رجال الإدارات الأهلية – الطرق الصوفية) و توطدت علاقته بهؤلاء في شرق النيل و غرب أم درمان و شمالها و أيضا جنوب الخرطوم، ثم بدأ يوزع الحوافز ميئات ( البكاسي البيكب) إلي جانب تمديد نفوذه للصحافة و الإعلام حيث اشترى بعض الصحف، كل ذلك و المؤسسة العسكرية لم تحرك ساكنا، ثم بدأ خطابه السياسي يظهر بقوة من فوق المنابر، ينبئ أن الرجل يريد أن يلعب دورا أكثر تقدما مما هوعليه. ثم تحملت الأمارات تكلفة محادثات السلام في جوبا، و التي كان يرأس وفد الحكومة فيها حميدتي. ثم بدأ الخلاف بين المكون العسكري و القوى السياسية حتى أدى لانقلاب 25 أكتوبر. و بدأت مرحلة جديدة دخل فيها المجتمع الدولي بقوة عبر الثلاثية التي تضم الأمم المتحدة و الاتحاد الأفريقي و منظمة الإيغاد و الرباعية التي تضم أمريكا و بريطانيا و السعودية و الامارات. حتى الوصول للاتفاق الإطاري ثم تعقدت المسالة لأسباب عديدة لذلك اصبح طريق الحل هو الانقلاب الذي تم الترتيب له سياسيا و خارجيا لكنه لم ينجح.
استطاعت الدول المساندة لمليشيا الدعم أن تضخ أموالا كثيرة لكي تشتري العديد من الناشطين السودانيين في الخارج لدعم مليشيا الدعم، كانت تعتقد أن الدعم سوف ينتصر في معركته مع الجيش، و بالتالي تحتاج لعمل إعلامي يؤثر على الروح المعنوية داخل الجيش و في نفس الوقت أن ينجح في تعبئة الشارع ضد الجيش باعتباره واقف ضد الديمقراطية و تحركه الفلول. و اتهام الفلول بدأ يظهر بصورة كبيرة أثناء حميدتي كان ينقل قواته إلي الخرطوم باعتبار أن حميدتي يريد أن يتصدى للفلول و الكيزان. و هذه الحملة لم يشترك فيها ناشطين في الإعلام فقط حتى قيادات سياسية عبر القنوات التلفزيونية. الغريب في الأمر أن 60% من الذين وافقوا على أن تبدل قناعاتهم كانوا من العناصر التي كانت تنتمي إلي الإسلاميين. و بدأوا يشنون حملة قوية ضد الكيزان و الإسلامية في أكبر مشهد كوميدي سياسي، عناصر إسلامية قبل ثلاث ساعات تنقلب 180% لكي تبصق على تجربتها و تاريخها السياسي، كيف المجتمع يصدق هؤلاء. هؤلاء الذين تم استقطابهم لدعم المليشيا لم يخبروا الشعب السوداني حتى قبل يومين من الانقلاب أن للمليشيا برنامجا ياسيا، و حتى يقولوا أنها تحولت بضربة بين يوم و ليلة لقوى سياسية لديها مشروعا للديمقراطية، في السودان. و أيضا تم شراء آخرين بهدف أن يشكلوا دعم إعلامي للمليشيا، و هذا الحديث متناقل في قروبات الذين ينتمون للدعم السريع لذلك خطابهم بدأ يتحول ليأخذ منحيا قبليلا بعض الشيء، و لكن خاب فألهم تماما، حيث نتائج الميدان جعلت رسائلهم تسقط بسبب ممارسات المليشيا نفسها في الأحياء السكنية، الغريب في الأمر أن هؤلاء يحاولون التجمل بالكذب، و لكن المواطنين أكثر جرأة في أعلان مواقفهم المؤيدة للجيش، بل يخرجون للتأييد في ظل تطاير الزخيرة من كل جانب، مما يؤكد أن المليشيا قد فقدت حتى الخطوة التي كانت تقدمت بها في مسرح السياسة. و لم يبقى لها إلا أن تلملم أزيال الخسران و تعلن الانسحاب من ساحة المعركة. و أفضل لها أن تحتفظ ببعض ماء الوجه من أجل أن تجدد نفسها و تشرع في تكوين حزب تمارس من خلاله العملية السياسية. لا اعتقد أن أغلبية القوى السياسية الوطنية و القوات المسلحة سوف توافق أن يجلس أي ممثل لمليشيا عسكرية في أي حوار سياسي بعد هذه الحرب غير ممثل القوات المسلحة. الحوار السياسي يجب أن يبدأ بعد دمج هذه المليشيا في القوات المسلحة و تكون تابعة للقائد العام للجيش أو حلها و تسريحها.
أن الحرب الدائرة الآن هي حرب مليشيا الدعم السريع و بعض الناشطين السياسيين الذين لم يستطيعوا اينظروا ابعد من موطيء اقدامهم، و هؤلاء قلة؛ و هي قيادات لا تمثل قواعدها، و دائما الأفكار الكبيرة و القضايا الوطنية العظيمة تفسدها الطموحات الضيقة. و هي حرب بعيدة عن القبلية و الجهوية، و تمثل فقط طموحات لأبناء أسرة يعدوا في أصابع اليد، و السلوك الشنيع الذي تعدى على ممتلكات المواطنين و اعراضهم و حالات السرقة و كسر المحلات التجارية مسائل بعيدة عن اخلاق و قيم السودانيين، هي تنبئ بدخول عناصر مرتزقة هي التي أطلقت مصطلح ( الغنائم) و يجب التعامل مع المسألة في حدود هذه العناصر المنفلته التي لا تمثل إلا نفسها. و يجب أن يصب الحديث السياسي الآن مرحلة ما بعد الحرب التي لها طريقا واحدا السير في طريق صناعة الديمقراطية و تكوين مؤسساتها. و نسأ الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com
//////////////////////////

 

آراء