زرت المتحف البريطاني في لندن British Museum عدة مرات إبان اقامتي هناك لست سنوات ، وهو متحف يضم بعض اندر وأعظم الاثار والمقتنيات الثقافية الافريقية والاسيوية " سرقتها " بريطانيا من مستعمراتها في القارتين .
سررت وسعدت بالطواف علي العديد من اجنحة الدول الافريقية وخاصة الجناح السوداني وقد علت مدخله كلمة : Sudanolog اَي سودانيات لتمييزه واستقلاله عن جناحه القديم المسمي Egyptology المصريات ، اعترافا باستقلالية الحضارات السودانية القديمة ، وأنها ليست مجرد صدي او انعكاس لحضارات مصر الفرعونية . يمتاز الجناح السوداني بحسن عرض مقتنياته الآثارية ترميما وحفظا وتوثيقا وعرضا يشاهدها ويعبر عن اندهاشهم وإعجابهم المئات من الزوار والسياح وإعدادهم نحو مليوني سنويا كما قال لي " المطوف " وهو ما ليس ميسورا ومتاحا بطبيعة الحال في متحفنا القومي بالخرطوم عند زيارة العشرات ناهيك عن المئات ، والذي يعاني من ضمور الامكانات المالية والفنية والخيال الخلاق لاستدامة صيانة وحفظ وعرض آثارنا " المسروقة " ان تم استردادها ؟ والشيء بالشئ يذكر فقد نظم المتحف البريطاني في سبتمبر ٢٠٠٤ وبالتنسيق مع الهيئة القومية السودانية للآثار وسفارتنا في لندن معرضا للآثار السودانية وتدشين كتاب موسوعي زانته مجموعة من الصور عميقة التعبير زاهية الالوان عن حضارات السودان القديمة علي غلافه العنوان Ancient Sudan Treausres كنوز السودان القديمة . يصح القول انها آثارنا " سرقت " بليل من بلادنا ولكن ربما هو اللص الأمين ان صح التعبير والمفارقة الذي أحسن حفظها في حرز أمين , حفظها وصانها وأشهرها وروج لها ولَم يبعها او يتربح من ورائها . المطلوب والمقترح ليس استعادتها اليوم وإنما التفاوض حولها مع بريطانيا باعتبارها " سلفية Loan " تسترد فيما بعد ولكن حتي ذلك الحين يتم تعويض السودان بمساعدات مالية وفنية لتطوير متاحفنا للحفاظ علي ما لديها من مقتنيات آثارية وثقافية وبما يحفظ قيمتها الحضارية وروعتها في اعين الناظرين وموقعها بين الحضارات العالمية .
هامش : شكا لي مدير المتحف البريطاني عند زيارتي الأولي له من ضعف الميزانية التي تخص بها الحكومة المتحف فقلت له (مبتلينا بالعقل البيروقراطي السوداني ): لماذا لا تتقاضون رسما او ثمنا زهيدا ( جنيه واحد مثلا ) يدفعه الزائرون والمئات يصطفون يوميا للدخول لدعم موازنتكم؟ جاءت اجابة المدير من شقين : "قانون المتحف يمنعنا من تقاضي رسم دخول لا من المواطنين ولا الأجانب...الدخول مجانا . ثم أردف المدير قائلا. : هذه اثاركم الافريقية وتراثكم جلبناها من بلادكم ..... كيف يجوز لنا اخلاقيا ان نطلب منكم ثمنا لمشاهدتها "؟؟ د . حسن عابدين ١٧ ابريل ٢٠٢٠