آل البيت …. جمعه وأعده / عوض سيد أحمد محمد عوض
عوض سيد أحمد
6 July, 2009
6 July, 2009
بـه الإعانة بدءاً وختماً وصلى الله على سيدنا محمد ذاتاً ووصفاً واسماً والحمد لله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله الهادي إلى صراط الله المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين آمين .
أما بعد :
فقد طلب إليّ أخ في الله نسباً وطريقاً وهو بعيد في بلد " اغتراب الاغتراب " طلب إليّ أن أعد له رسالة أطلعه فيها على ما تيسر لي الوقوف عليه من كتب القوم أهل الطريق ، لعل الله أن ينفعنا بها ويجعلنا من السالكين في دروبهم والمقتفين أثرهم ، إنه نعم المولى ونعم النصير ، وقد أوجزتها في أربع مواضيع هي :ـ
الموضوع الأول : نبذة عن أهل البيت .
الموضوع الثاني : نبذة عن المراغنة .
الموضوع الثالث : نبذة عن التصوف .
الموضوع الرابع : متفرقات .
والله نسأله أن يحمينا من آفة الغربة وغوائل اغتراب الاغتراب .
أولاً : أهل البيت:
اعلم أخي أن محبة آل البيت وإكرامهم واجبة على كل مسلم ومسلمة من الكتاب والسنة :
أ ) القرآن :
1ـ قال الله تعالى : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا
روي أحمد والطبراني عن أبي سعيد الخضري قال قال رسول الله : " أنزلت هذه الآية فيَّ وفي علي وحسن وحسين وفاطمة " .
وروى ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي عن أنس أن رسول الله كان يمر ببيت فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول : " الصلاة أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً "
2ـ قال الله تعالى : ولسوف يعطيك ربك فترضى
نقل القرطبي عن ابن عباس في قوله تعالى : ولسوف يعطيك ربك فترضى أنه قال : " رضا محمد أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار "
ب ) الحديث :
روى مسلم والنسائي عن يزيد بن أرقم قال : قام رسول الله خطيباً فقال : " أذكِّركم الله في أهل بيتي " ثلاثاً " " فقيل ليزيد بن أرقم من أهل البيت ؟ قال : " أهل البيت من حُرِم الصدقة بعده " قيل ومن هم ؟ قال : " آل علي وآل عقيل ، وآل جعفر ، وآل العباس " .
وفي رواية أخرى أنه قال : " أيها الناس إنما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتيني رسول ربي عز وجل فأجيبه ، وإني تارك فيكم ثقلين , كتاب الله فيه الهدى والنور فتمسكوا بكتاب الله عز وجل وخذوا به ، وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي كررها ثلاثاً " رواه مسلم
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن إبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : " ارقبوا محمداً في أهل بيته " رواه البخاري
المعنى : ( راقبوا : أي ( راعوه واحترموه وأكرموه )
أخرج الحاكم وصححه أنه قال : " وعدني ربي في أهل بيتي من اقَّر منهم بالتوحيد ولي بالبلاغ أن لا يعذبهم "
وفي رواية الإمام أحمد أن النبي قال " " إني أوشك أن أُدْعَى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله حبل ممدود من الأرض إلى السماء ، وعترتي أهل بيتي ، وأن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض يوم القيامة ، فانظروا بما تخلفوني فيهما " .
وفي رواية الترمذي عن ابن عباس قال قال رسول الله : " أحبوا الله لما يغذوكم به وأحبوني بحب الله ، وأحبوا أهل بيتي بحبي " . ( رواه الترمذي والحاكم وصححه على شرط الشيخين )
واخرج ابن سعد والملا في سيرته أنه قال : " استوصوا بأهل بيتي خيراً ، فإني أخاصمكم عنهم غداً ومن أكن خصمه أخصمه الله ، ومن أخصمه الله أدخله النار " .
وروى جماعة من اصحاب السنن عن عدد من الصحابة أن النبي قال : " مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك " . وفي رواية " غرق "
وروي عن أحمد مرفوعاً عن النبي قال : " من ابغض أهل البيت فهو منافق " .
وفي رواية لمسلم عن علي كرم الله وجهه قال : " والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، أنه لعهد النبي الأمي به أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق " .
واخرج الترمذي عن ابي سعيد الخضري قال : " كنا نعرف المنافقين ببغضهم علياً "
وأخرج مسلم من حديث أبو هريرة أنه قال في حسن وحسين " اللهم أحبهما وأحب من أحبهما "
وأخرج الترمذي عن أنس أنه سئل أي أهل بيتك أحب إليك ؟ فقال : الحسن والحسين.
( ذكر الفخر الرازي أن أهل بيته صلى الله عليه وسلم ساوَوه في خمسة أشياء : 1] في الصلاة عليه وعليهم في التشهد الأخير . 2] وفي السلام . 3] وفي الطهارة . 4] وفي تحريم الصدقة . 5] وفي المحبة ، كمثال لذلك قوله تعالى : سلام على آل يس وقوله تعالى: … ويطهركم تطهيراً وقوله تعالى : فاتبعوني يحببكم الله وكذلك تحريم الصدقة عليهم وتعويضهم خمس الخمس من الفئ والغنيمة " حرمها الإمام مالك على بني هاشم أيضا وكذلك أبوحنيفة " .
ملحوظة :ـ
يقول أيضاً : " إعلم أن المحبة المعتبرة والممدوحة هي ما كانت مع اتباع سنة المحبوب ، إذ أن مجرد محبتهم من غير اتباع لسنتهم كما يزعمه الشيعة والرافضة من محبتهم مع مجانبتهم للسنة لا تفيد مدعيها شيئاً من الخير ، بل تكون عليه وبالا ًوعذاباً في الدنيا والآخرة ، على أن هذه ليست محبة في الحقيقة ، إذ حقيقة الميل إلى المحبوب هو إيثار محبوباته ومرضاته على محبوبات النفس ومرضاتها والتأدب بأخلاقه وآدابه وفي ذلك يقول الإمام علي كرم الله وجهه : " لا يجتمع حبي وبغض أبو بكر وعمر " أي لأنهما ضدان وهما لا يجتمعان .
علم من الأحاديث السابقة وجوب محبة أهل البيت وتحريم بغضهم التحريم الغليظ ، يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه " وأرضاه في مدحهم
يا آل بيت رسول الله حبكم *** فرض من الله في القرآن أنزله
يكفيكم من عظيم الفخر أنكم *** من لم يصل عليكم لا صلاة له
(أي لا صلاة كاملة)
أحب النبي المصطفى وابن عمه *** علياً وسبطيه وفاطمة الزهراء
هم أهل بيت أذهب الرجس عنهموا *** واطلعهم أفق الهدى أنجماً زهراء
موالاتهم فرضاً على كل مسلم *** وحبهم أسنى الزخائر للأخرى
وما أنا للصحب الكرام بمبغض *** فإني أرى البغضاء في حقهم كفرا
هموا جاهدوا الله حق جهاده *** وهم نصروا دين الهدى نصرا
عليهم سلام الله ما دام ذكرهم *** لدى الملأ الأعلى وأكرم به ذكرا
تنبيه :
يقول أيضاً لا يتنافى هذا مع الأحاديث الصحيحة الأخرى والواردة عنه صلى الله عليه وسلم يحث فيها أهل بيته على خشية الله وطاعته وأن القرب يوم القيامة إنما هو بالتقوى وأنه لا يغني عنهم من الله شيئاً مثل قوله في حديث صحيح : " يافاطمة بنت محمد ، يا صفية بنت عبد المطلب ، يا بني عبد المطلب ، لا أملك لكم من الله شيئاً ، غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها أي سأصلها بصلتها " وكالحديث الذي أخرجه الشيخان ، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله جهاراً غير سرٍ يقول : " إن آل بني فلان ليسوا بأوليائي ، إن ولي الله وصالحوا المؤمنين " .
ووجه عدم المنافاة كما يقول المحب الطبري : أنه لا يملك لأحد شيئاً نفعاً ولا ضراً لكن الله عز وجل يملًكه نفع اقاربه ، بل وجميع أمته بالشفاعة العامة والخاصة ، فهو لا يملك إلا ما يملًكه له مولاه ، كما أشار إليه بقوله " غير أن لي رحماً سأبلها ببلالها ، وكذا معنى قوله : " لا أغني عنكم من الله شيئاً أي بمجرد نفسي من غير ما يكرمني به الله من نحو شفاعة ومغفرة ، وخاطبهم بذلك رعاية لمقام التخويف والحث على العمل والحرص على أن يكونوا أولى الناس حظاً في تقوى الله وخشيته .
ثانياً :السادة المراغنــة:
من هم السادة المراغنة ؟ للإجابة على هذا السؤال يجدر بنا الرجوع إلى الأخبار الموثقة لأثرين هامين في التاريخ الاسلامي هما :ـ
1ـ تاريخ الجبرتي:
جاء في تاريخ الجبرتي مجلد ثاني صفحة 147 ( مطبعة الشعب ) نبذة عن أحد أقطاب السادة المراغنة المتوفى عام 1202 هـ موافق حوالي عام 1792م جاء فيها :ـ
" توفى هذا العام السيد العارف بالله القطب عفيف الدين أبو السيادة عبد الله بن ابراهيم بن حسن ـ ( وبعد أن سرد نسبه الشريف حتى الجد السابع والعشرون ) ـ تابع قائلاً : " الحسيني المتقي المكي ، الطائفي ( نسبة إلى مدينة الطائف ) الملقب بالمحجوب ، ولد بمكة وبها نشأ وحضر دروس بعض علمائها مثل الشيخ النخلي وغيره ، واجتمع بقطب زمانه السيد يوسف المهدلي ، وكان إذ ذاك أوحد عصره في المعارف ، فانتسب إليه ولازمه حتى رقاه وبعد وفاته جذبته عناية الحق وأرته من المقامات لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فكان ( أويسياً ) تلقيه من حضرة جده كما أشار إلى ذلك سيدنا الشيخ مرتضى عندما اجتمع به في مكة سنة 1163 هـ ثم انتقل إلى الطائف بأهله وعياله ، وله مآثر شهيرة ومفاخر كثيرة وكرامات كالشمس في كبد السماء ، والبدر في غيهب الظلماء ، واحواله في احتجابه عن الناس مشهورة وأخباره في زهده عن الدنيا على ألسنة الناس مذكورة ومن مؤلفاته [1] فرائض وواجبات الاسلام [2] الكوكب الثاقب [3] رفع الحاجب عن الكوكب الثاقب ، وله ديوانان متضمنان لشعره : [1] العقد المنظم في حروف المعجم [2] عقد الجوهر في نظم المفاخر ، وله أيضاً " المعجم الوجيز في أحاديث النبي العزيز " وقد شرحه سيدي محمد الجوهري وله شرح الصلاة " المشيشية " وله مشارق الأنوار في الصلاة على المختار " .
ملحوظة :ـ
من أبرز المتصلين به واخذوا عنه : 1) من مصر : العالم العلامة الشيخ مرتضى الزبيدي صاحب " القاموس " المشهور 2) من السودان أخذ عنه الشيخ أحمد الطيب البشير شيخ الطريقة السمانية .
المذكور هو مؤسس الطريقة الميرغنية وجدّ الإمام الختم شيخ الطريقة الختمية .
2 ـ الكتاب الثاني:
اسم الكتاب : " نثر النور والزهر في تراجم افاضل مكة من القرن العاشر إلى القرن الرابع عشر الهجري "
المؤلف : الشيخ عبد الله مرداد أبو الخير المتوفى عام 1335 هـ .
هذا الكتاب عبارة عن مخطوطات تحوي تاريخ الحرمين الشريفين قام بإعدادها هذا العالم الجليل ( من علماء مكة المكرمة ) وهو من جزئين يحوي تاريخ ستمائة وخمسة عالماً من علماء الحرمين الشريفين شمل فيما شمل نخبة من علماء البيت الميرغني في تلك الحقبة التي جعلها المؤلف عنواناً لكتابه ، وهم :ـ
السيد أمين الميرغني : توفى 1161هـ
السيد أمين بن السيد حسن بن محمد أمين بن علي الميرغني المكي الحنفي عم العلامة السيد عبد الله الميرغني المحجوب ( لا أخوه كما زعمه بعضهم ) ـ كان من العلماء العاملين والجهابذة الفقهاء المحققين ، على جانب عظيم من التقوى والزهد والورع والصلاح وشرف التواضع والمجد ، روى عن مشائخ الوقت وأخذ منهم .. منهم الشيخ البصري والشيخ تاج الدين القلعي والشيخ تاج الدين الدهان وغيرهم ، وله التصانيف العديدة المفيدة والتحريرات النافعة منها حاشية على شرح الزيلعي وحاشية على الدر المختار وله رسالة سماها : " كشف القناع عن تحرير الصاغ " ورسالة " إزالة الوهم في جواز الصوم عند العجز عن الدم " فريدة في بابها نافعة لطلابها ، ورسالة : " القول الأحرى في وقوع الطلاق المعلق على نفقة العدة بالابراء " ، راداً بها على العلامة المرشدي القائل بعدم وقوع ذلك وقد وافق المترجم على ما هنالك سائر علماء مكة وفقهائها في فتواهم وكذلك افردوا لها رسائل مستقلة .
توفى في شعبان 1161هـ ودفن بالحوطة الشهيرة بحوطة المراغنة بالمعلا المقابلة لقبور الطبريين بمكة المكرمة .
السيد : محمد عثمان الميرغتي ( 1208 هـ / 1268 هـ )
السيد محمد عثمان بن أبي عبد الله السيد محمد أبي بكر بن العارف بالله السيد عبد الله ( المحجوب ) الشهير بالختم المكي الحسيني ، ولد سنة 1208 هـ ، وقرأ العلوم على عمه يس وغيره من مشائخ العصر وتصدر المسجد الحرام للإقراء والتدريس ولما ورد مكة ولىّ الله العلامة السيد أحمد بن ادريس لازمه وأخذ عنه الطريقة الشاذلية ، له من التآليف 1) الأنوار المتراكمة وشرحها 2) الأساس مع أذكار الصلاة المأمور بأدائها بعد الصلوات . 3) شرح منظومة البيقونية في مصطلح الحديث 4) مجموع صلوات " فتح الرسول ومفتاح بابه للدخول لمن أراد إليه الوصول " .
وكانت وفاته بالطائف سنة 1268هـ لخمس بقين من شوال ونقل إلى مكة ودفن بالمعلا ( حوطة المراغنة ) يوم الاثنين بعد العصر .
السيد ابراهيم بن عبد الله الميرغنى ( 1235هـ / 1302 هـ )
السيد ابراهيم بن مفتي مكة السيد عبد الله بن محمد بن السيد عبد الله الميرغني ولد بمكة المكرمة سنة 1235هـ وبها نشأ وحفظ القرآن العظيم وبعض المتون وقرأ على والده وعلى عمه السيد محمد عثمان المرغني وعلى جدى الشيخ عبد الله بن محمد صالح مرداد وأجازه بالتدريس فدرس وافاد وكان على جانب عظيم من التواضع والانكسار توفى 1302هـ ودفن بحوطة أجداده المراغنة المحازية لقبور الطبريين .
السيد أحمد الميرغنى :
السيد أحمد الميرغني مفتي مكة المشرفة وابن مفتيها ونشأ بها في حفظ وصيانة وورع وديانة ، وحفظ القرآن المجيد وبعضاً من المتون وشرع في طلب العلم فقرأ على والده في الابتداء وتفقه على جدي الشيخ عبد الله مرداد وقرأ عليه كتباً عديدة في الفقه منها شرح العيني وشرح ملللا مسكين على متن الكنز والدر المختار بحواشيه وقرأ عليه في التجويد وأصول الفقه وغير ذلك وقرأ على الشيخ محمد مراد البنغالي مفتي بنغالة نزيل البلد الحرام في الحديث والتصوف والفقه أيضاً ولما برع درًس وافتى وافاد ، ثم عرض عليه أمير مكة المشرفة الشريف عبد المطلب منصب الافتاء فقبله على شرط أن لا يحضر المجالس التي بالحكومة فقبل منه ذلك.
وتوفي بمكة الشريفة ودفن بالمعلا في حوطتهم المعروفة .
السيد محمد يس الميرغنى
السيد محمد يس بن العارف بالله تعالى السيد عبد الله ميرغني الشهير بالمحجوب المترجم في تاريخ الجبرتي ، الحسيني الحسني المكي الحنفي ، ولد بمكة المكرمة ونشأ بها في صلاح وجد واجتهاد وكان عالما ورعاً ، زاهداً مثقفاً في علم الفرائض ومناسخاته ، له تآليف عديدة منها شرح على الاخضري وشرح كتاب " النقاية " للحافظ السيوطي وغير ذلك ، قرأ العلوم على والده وعلى فقيه مكة ومحققها الشيخ طاهرسمبل والشيخ عثمان الشامي والمفتي عبد الملك وغيرهم ، حتى تخرج على أيديهم وكلهم أجازوه للدرس في المسجد الحرام : الحديث والفقه وغيرها من الفنون العربية .
كانت وفاته سنة 1251هـ شهر ربيع الأول ودفن بالمعلا بحوطتهم الشهيرة المحازية لحوطة آل الطبري .
السيد محمد الميرغنى
السيد محمد بن أبي عبد الله ( الختم ) الحسيني المكي العلامة المحدث الورع الأديب الفقيه ، كان من الأفاضل المنوه بشأنهم ، كاملاً ، صالحاً ، بارعاً في علم الحديث ولد بمكة وبها نشأ في ديانة وصيانة ، واشتغل بطلب العلوم على جماعة من مشائخها من أجلهم والده المذكور وعمه المفتي عبد الله ميرغني وغيرهما ، ومهر وفضّل ، وتصدر الإفادة والتدريس ، ثم رحل إلى اليمن ومكث به سنتين يدرس به وانفتح به هناك أناس كثيرون ، واشتهر لديهم بالمحدث ، فأرسل إليه جدى الشيخ عبد الله مرداد بأن يأتي إلى مكة المشرفة لشدة اشتياقه إليه ولما بينهما من مزيد الإلفة والإخاء والمحبة التامة المتصلة وبأن المسجد الحرام مفتقر إليه ، فقدم مكة المشرفة سنة 1270 وفتح درساً بالمسجد الحرام ، ثم توفى الساعة الخامسة من الليل ليلة الثلاثاء 25/12/1271 ومن الاتفاق العجيب أن الجد المذكور توفى في صبيحة الليلة المذكورة وصلى عليهما معاً وهما عند باب الكعبة ودفنا بالمعلا ( حوطة المراغنة ) .
السيد عبد الله الميرغنى
السيد عبد الله بن محمد بن السيد عبد الله المحجوب الميرغني الحنفي المكي مفتي الأنام ببلد الله الحرام ، وعلامة العلماء الاعلام ، ولد بمكة المشرفة واشتغل بطلب العلم ، وجد واجتهد وأخذ من أكابر علمائها ، فقرأ على عمه السيد يس ميرغني والعارف بالله الشيخ عمر عبد (رب ) الرسول والقاضي المفتي الشيخ عبد الحفيظ عجيمي ، كان آية في الصلاح ، والزهد ، والتقوى لا يقبل هدية فضلاً عن الرشوة مع كمال حسن خلق ، وذكاء ، وفقاهة وعبادة وقيام الليل تقلد الفتوى لمدة سنة واحدة ، وعندما أراد والي الحجاز حسيب باشا أن ينتزع الأوقاف السلطانية من أيدي الناس ، اعترض وقال : " لا يسوغ ذلك بحال ، فعزله ……، وقلَّد السيد / التني ظناً منه أنه يوافقه على مراده ، فأبى الأخير ، ومن ثم صدر الأمر بإرجاعه ومكث فيها إلى أن توفى بمكة المشرفة 1273هـ ودفن بالمعلا بحوطة المراغنة وتأسف الناس وحزنوا لموته غاية الحزن وحضر جنازته غالب الناس وكانت عظيمة وحافلة ، قل من يلحق نعشه من شدة الزحام .
السيد جعفر الميرغنى
السيد جعفر الميرغني بن السيد محمد عثمان بن السيد أبي بكر بن العارف بالله تعالى السيد عبد الله الميرغني ( المحجوب ) ولد بمكة فقرأ العلوم على عمه السيد / عبد الله ميرغني مفتي مكة ، وعلى والده السيد / محمد عثمان ( الختم ) وأخذ الطريقة عليه وبه تخرج وكان ذا أبهة وسكينة ووقار ، وأولاده ، كثير الذكاء والنبل ، غزير الأدب والفضل ، تخلف بعد موت ابيه سنة 1268هـ ، فتبعه المريدون من كل جانب ودرّس بالمسجد الحرام وحصل به النفع العام ، وله اشعار رائعة .
توفى بمكة المكرمة سنة 1277هـ ودفن بحوطة اجداده المراغنة .
الطريقة الختمية : ( نقشجم )
هؤلاء هم السادة المراغنة الأسرة التي ينتمي إليها سيدي مؤسس الطريقة الختمية السيد / محمد عثمان الميرغني ( الختم ) ، فهي أسرة من أشرف بيت بمكة المشرفة نسباً ودينا ًوحسباً ، ينتهي نسبهم إلى سيدنا الحسين سبط رسول الله صلى ، وابن الامام علي كرم الله وجهه وأمه سيدتنا فاطمة الزهراء بنت رسول الله وقد كان لهذه الأسرة شأن عظيم في مكة باعتبارها من الأسر ذات الوزن الكبير الاجتماعي والديني ولا سهاماتها الممتدة في التربية والارشاد .
وفي ظل هذه الدوحة الشريفة نشأ الاستاذ الختم رضي الله عنه وكان مولده بالطائف عام 1208 هـ ( موافق 1798م ) توفى والده وهو في العاشرة من عمره ، فتولاه عمه السيد / يس الميرغني بالتربية والرعاية وكان من أجل العلماء يومئذ ببلد الله الحرام ، فأخذ جل علوم الظاهر منه ، ثم واصل مع مشايخ آخرين ببلد الله الحرام فاتقنها جميعاً من نحو وفقة وصرف وبيان وحديث وتفسير وكان عمره إذ ذاك لا يتجاوز الرابع عشرة سنة ، ثم تعلق قلبه بطريق أهل الله ، فأخذ الطريقة النقشبندية ، ثم أخذ الطريقة القادرية ، وخدمها مدة ثم أخذ الطريق على يد السيد / أحمد عبد الكريم الأزبكي ، وصحبه أياماً عديدة تحصل له على يديه فتوحات ، فدلّه السيد / المذكور على شيخ إرشاده العارف بالله النفيس سيدنا السيد أحمد بن إدريس ( 1163هـ / 1252هـ ) وكان كما قال فيه الاستاذ : " على قدم الاتباع علماً وعملاً وخلقاً وأدباً ، غرّة زمانه ، وواحد دهره وأوانه " فلم يزل تحت تربيته إلى أن بلغ حد الكمال ، فأتاه الأمر بتأسيس طريقته المسماة بـ " الختمية " وهي مركبة من : " الطرق الخمسة " التي أخذها على شيخ إرشاده سيدنا أحمدبن ادريس ويرمذ لها بـ : " نقش جم :-
فالنون إشارة إلى الطريقة النقشبندية .
القاف إشارة إلى الطريقة القادرية .
الشين إشارة إلى الطريقة الشاذلية .
4.الميم إشارة إلى الطريقة الميرغنية . ( طريقة جده السيد عبد الله الميرغني المحجوب )
هجرته إلى إفريقيا :
أ ) الهجرة الأولى :
توجه سيدنا الختم رضي الله عنه أولاً إلى الحبشة حتى وصل بلدة بها ( بلدة بلغا باريتريا ) وهناك أخذ عليه الطريق خلق كثيرون وأهدى إليهم من جواهر معارفه واسلم على يديه أناس كثير وحسن اسلامهم وأسس خلاوي القرآن وعين خلفاء له لمواصلة الدعوى والارشاد ثم رجع إلى مكة وجلس مع شيخ إرشاده مدة ثم توجها معاً من مكة إلى أرض مصر .
ب ) الهجرة الثانية :
" توجه سيدنا الختم رضي الله عنه بصحبة شيخ إرشاده السيد أحمد بن ادريس إلى إقليم مصر وأقاما بها مدة بقرية : " الزينية" ثم واصل سيدنا الختم رحلته متجهاً إلى بلاد السودان للدعوة والارشاد ونشر الطريقة فسار على خط النيل ماراً على بلاد النوبة ، ووادي حلفا ثم دنقلا حتى وصل الدبة ومنها اتجه غرباً حتى بلده " باره " ( شمال كردفان ) وفيها تزوج إمرأة فوضعت له سيدنا / الحسن الميرغني ( 1235هـ ) ومن كردفان اتجه نحو عاصمة الدولة " سنار " ومنها اتجه شمالاً حتى المتمة ثم شندي شرقاً ثم الدامر ومنها رجع طالباً التاكا ماراً على ساحل نهر عطبرة فاختار هناك بقعة سماها " السنية ـ ( مدينة كسلا ) حالياً ـ " واستقر بها ومن معه مدة وهناك هاجر إليه خلق كثير من بقاع السودان المختلفة من علماءهم وعامتهم وأخذوا عليه الطريقة فصارت قرية عظيمة ومن هناك واصل رحلته الميمونة والتي استغرقت حوالي تسع سنوات ( 1228هـ إلى 1237 ) جاب فيها معظم بقاع السودان شرقاً وغرباً وشمالاً وظهر على يديه فيها كرامات شهيرة ، فأذعن له الخاص والعام وأحبه البار والفاخر وأخذ على يديه كبار علماء السودان ووصلوا وتكملوا على يديه ، نذكر منهم الشيخ اسماعيل الولي ( مؤسس الطريقة الاسماعيلية ) والقاضي عربي والخليفة حماد البيتي والفقية محمود بادي خال سيدي السيد / الحسن الميرغني وغيرهم كثير ، هذا في منطقة كردفان فقط وقس على ذلك في بقاع السودان المختلفة حيث خلف وراءه ما يزيد عن ألف خليفة من أكابر علماء السودان .
ج ) الهجرة الثالثة :
" توجه سيدنا الختم رضي الله عنه في رحلة ثانية إلى بلاد السودان عن طريق سواكن وكان ذلك في حوالي عام 1248هـ .
مؤلفاته :
" أما مؤلفاته وهي كثيرة كما سبق الاشارة إلى ذلك في تاريخ علماء الحرمين الشريفين أعلاه ونضيف إلى ما ذكر أعلاه نذكر منها :ـ
كتاب تاج التفاسير على كلام الملك الكبير " قام المجلس الأعلى للشئون الاسلامية بمصر بإعادة طبعه في جزئين عام 1392هـ .
ألف كتابين في الحديث الأول سماه " رحمة الأحد في اقتفاء أثر الرسول الأمجد " ، " والآخر اسمه " الوعظ الثمين في تعمير أعصار رمضان الثلاثين "
أما رسائله في علم التصوف وآداب الطريقة والأذكاار الخاصة بالطريقة الختمية وإحياء الحضرات فقد جمعت في عدة كتب نذكر منها 1) مجموع الأوراد الكبير " طبع بمصر عام 1939م 2) الرسائل الميرغنية في آداب الطريقة الختمية " .
مجموعة النفحات الربانية المشتملة على سبع رسائل ميرغنية وغيرها كثير .
ثالثا: التصوف:
اختلف العلماء في اشتقاق كلمة " صوفي "ومن أين جاءت ؟ فقيل أنها مشتقة من الصفاء وقيل مشتقة من الصف الأول للصلاة ـ ( حيث كان بعض الصحاية يتسابقون عليه لما ورد في فضله من ثواب عظيم ) ـ وهناك قول آخر أنها منسوبة لأهل الصفّة " وهم ثلاثمائة نفر من فقراء المهاجرين لم يكن لأكثرهم مأوى فكانوا يقيمون في " سقفة " مسجد رسول الله للعبادة وحفظ القرآن والتفقة في الدين والجهاد في سبيل الله ، منهم الصحابي الجليل عبد الرحمن بن صخر ( أبوهريرة ) وقد أطلق عليهم الصحابة : ( أهل الصفة ) .
أما الإمام القشيري فقد كان يرى غير ذلك ، فبعد استعراضه لهذه المسميات والاشتقاقات فقد خلص إلى القول : " … وليس يشهد لهذا الاسم من العربية قياس ولا اشتقاق ، والأظهر فيه أنه " كاللّغب " ، وواصل حديثه مخبراً عن هذه الطائفة : " ثم إن هذه الطائفة اشهر من أن تحتاج في تعيينها إلى قياس لفظ أو إلى اشتقاق " أ . هـ
علم التصوف : * يقول الإمام الشعراني
اعلم يا أخي رحمك الله ان علم التصوف عبارة عن علم انقدح في قلوب الأولياء حين استنارت بالعمل بالكتاب والسنة ، فكل من عمل بهما انقدح له من ذلك علوم وآداب وأسرار وحقائق تعجز الألسنة عنها ، فالتصوف هو زبد عمل العبد بأحكام الشريعة ، إذا أخلا عمله من العلل وحظوظ النفس ، وقد اجمع القوم على أنه لا يصلح للتصدر في طريق الله تعالى إلا من تبحر في علوم الشريعة ، وعلم منطوقها ومفهومها وخاصها وعامها " أ . هـ
* ويقول الإمام الجنيد :
" إن طريقتنا هذه مشيدة بالكتاب والسنة ، فلا بد فيها من اتباع الشرع مع الجدّ والاجتهاد في العبادة والعمل بالكتاب والسنة " ومن أقواله : " الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من من اقتفى اثر الرسول " ويقول أيضاً :ـ " ما أخذنا التصوف عن القيل والقال ولكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات بمحاربة شهوات النفس الأمارة " وقيل أنه سمع رجلاً يقول " أهل المعرفة يصلون إلى ترك الحركات من باب البر والتقرب إلى الله تعالى " فرد عليه قائلاً فيما معناه : " إن هؤلاء الذين يزعمون أن ترك الأعمال التي كلف الله بها عباده ، وجعل غيرها من أنواع البر والتقرب لله تقوم مقامها هؤلاء ما هم إلاّ قوم تكلموا بإسقاط الفرائض وسائر الأعمال وهو عندي من عظائم الأمور ، والذي يسرق ويزني أحسن حالاً من هؤلاء ، لأن الذي يسرق ويزني يعرف عصيانه ويرجو توبته بخلاف هذا الذي يعتقد انه في ارفع المقامات " .
( ولد أبو القاسم الجنيدي ونشأ ببغداد ومات بها سنة 277هـ وهو القائل أيضاً : " التصوف هو صفاء المعاملة مع الله "
* يقول ابن خلدون
" هذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الأمة ، وطريق هؤلاء القوم هو طريق الحق والهداية ، وهو طريق سلكه رواد هذه الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ويقوم أصله على العكوف على العبادة والاعراض عن زخرف الدنيا وزينتها ، والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه ، وكان ذلك عاماً في الصحابة والسلف ، فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرون التالية ، وجنح الناس إلى مخالتطها واندفعوا إلى الترف ، والاسراف في ملاذ الحياة ، وهنا برز رجال اشتهروا بالزهد والورع والصلاح ، فجاءت هذه التسمية ، فأصبح علماً قائماً بذاته له قواعد وأصول وأسس خاصة في السلوك إلى الله تعالى .
*ومن أقوال الأمام أبي حامد الغزالي في كتابه " المنقذ من الضلال "
يقول فيه : " ….. وعلمت أن طريقهم إنما تتم بعلم وعمل وكان حاصل علمهم قطع عقبات النفس والتنزه عن أخلاقها المذمومة حتى يتوصل الانسان بذلك إلى تخلية القلب عن غير ذكر الله تعالى وتحليته بذكره ، وكان العلم أيسَرْ من العمل ، ثم ظهر لي أن أخص خواصهم ما لا يمكن الوصول إليه بالتعلم ، بل بالذوق والحال وتبدل الصفات ، فعلمت يقيناً أنهم أرباب أحوال لا أصحاب أقوال ، ولقد انكشف لي أثناء الخلوات أمور لا يمكن إحصاؤها واستقصاؤها والقدر الذي أذكره لينتفع به ، أني علمت يقيناً أن الصوفية : هم السالكون لطرق الله خاصة ، وأن سيرتهم أحسن السير ، وطريقهم أصوب الطرق ، وأخلاقهم أزكى الأخلاق ، وأن جميع حركاتهم وسكناتهم وظاهرهم وباطنهم مقتبسة من نور مشكاة النبوة ، وليس وراء نور النبوة على وجة الأرض نور يستضاء به ، وأول شروظ الصوفية : تطهير القلب بالكلية عما سوى الله تعالى "
ومفتاحها : استغراق القلب بالكلية بذكر الله عز وجل ، وآخرها الفناء بالكلية في الله "
هذه شهادة الإمام الغزالي في التصوف والمتصوفة وهي شهادة عالم درس وتبحر في علوم الشريعة حتى عدّ من مجددي " القرن الخامس الهجري ثم سلك طريق القوم بعد روية واقتناع ويقين .
* الشيخ عز الدين ابن عبد السلام
كان هذا الشيخ ينكر طريقة القوم ويقول : " هل لنا طريق غير الكتاب والسنة ولكن بعد أن اجتمع بهم وذاق مذاقهم وعرف حقيقتهم صار يمدحهم كل المدح ومن أقواله : " … من أعظم الدليل على أن طائفة الصوفية قعدوا على أعظم اساس الدين ، ما يقع على أيديهم من الكرامات ، الخوارق ، ولا يقع شئ من ذلك قط للفقية إلا إن سلك مسالكهم كما هو مشاهد .
وفيما يلي عرض موجز لأشهر من سلكوا هذا الطريق منذ القرن الهجري الأول :ـ
القرن الهجري الأول : حذيفة اليماني
هو صاحب رسول الله وهو أول من فلسف العبادة وجعل منها طريقة خاصة ، بل أول من رفع العلم " وسار على الجادة ، قيل له : " نراك تتكلم كلاماً لم نسمعه من أحد من أصحاب رسول اللله صلى الله عليه وسلم فمن أين أخذته ؟؟ قال : خصني به رسول الله صلى صلى الله عليه وسلم ، كان الناس يسألون عن الخير وكنت أسأل عن الشر ، وعلمت أن الخير لا يسبقني " وحوله قامت مدرسة صغيرة لبعض الصحابة هي أقرب إلى الفطرة والبساطة .
القرن الثاني الهجري : (1) أولهم الرائد الزاهد الجليل الإمام الحسن البصري رضي الله عنه وهو تلميذ حذيفة الأول والاستاذ الذي تخرج على يديه أئمة المتصوفين مثل : مالك بن دبنا وثابت البناني وأيوب السختياني وسواهم (2) أبوحمزة الصوفي ( العراق ) (3) ابراهيم بن أدهم ( خراسان ) (4) رابعة العدوية ( البصرة ) وسفيان الثوري ( الكوفة ) وغيرهم .
القرن الثالث الهجري : (1) المحاسبي (2) ذو النون المصري (3) الجنيد (4) السري السقطي (5) بشرى الحاقي (6) شقيق البلخي (7) أبي يزيد البسطامي (8) أبي سهل التستري وغيرهم
القرن الرابع الهجري : (1) الشبلي (2) الخواص (3) الطوسي وغيرهم .
القرن الخامس الهجري : (1) القشيرى (2) الغزالي وغيرهم .
القرن السادس لهجري : (1) ابن عربي (2) ابن الفارض(3) جلال الدين الرومي وغيرهم .
مقامات السلوك عندهم :-
التوبـــة :
" فهي أول منزل من منازل السالكين وأول مقام من مقامات الطالبين والتوبة أصلها الندم لأنه ركنها الأهم ، وشروطها ثلاثة أشياء [أ] الندم على ما عمل العبد من المخالفات [ب] الإقلاع عن الذنب في الحال [ج] العزم على ألاً يعود إلى مثل ما اقترف من المعاصي مع رد المظالم لأصحابها أو التكفير عنها ، ولابد للتأهب لأسباب التوبة : فأول ذلك : هجران إخوان السوء ، فهم الذين يحملونه على الردة ويشوشون عليه صحة هذا العزم ، ثم يكبح نفسه عن متابعة الشهوات وتعاطي المحظورات ويبرم العزيمة على ألاّ يعود إلى مثلها في المستقبل .
0 جاء في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم قال : " العبد ليعمل بعمل أهل الجنة ، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها "
0 التائب حبيب الله : يقول ابن القيم الجوزي في كتابه ( مدارج السالكين )
" التوبة هي حقيقة دين الاسلام والدين كله داخل في مسمى التوبة ، وبهذا استحق التائب أن يكون حبيب الله ، فإن الله يجب التوابين ويحب المتطهرين ، فإذاً : التوبة هي الرجوع مما يكره الله ظاهراً وباطناً إلى ما يحبه الله ظاهراً وباطناً ويدخل في مسماها : الاسلام ، والايمان ، والاحسان ، لذا كانت غاية كل مؤمن ، وبداية الأمر وخاتمته ، فهي الغاية التي من أجلها الخلق والأمر ، والتوحيد جزء منها ، بل هو جزءها الأعظم الذي عليه بناؤها "
0 الأنهر الثلاثة : يقول أيضاً "لأهل الذنوب ثلاث أنهار عظام يتطهرون بها في الدنيا فإن لم تف طهرواً في نهر الجحيم يوم القيامة ، وهي : 1) نهر التوبة النصوح 2) نهر الحسنات المستقرقة للاوزار المحيطة بها 3) نهر المصائب العظيمة المكفرة ، فإذا أراد الله بعبده خيراً أدخله أحد هذه الأنهار الثلاثة فورد القيامة طيباً طاهراً فلم يحتج إلى التطهير الرابع .
الورع :
" قال صلى : " كن ورعاً تكن أعبد الناس " .
الزهد
" الزهد هو أن يخلي السالك قلبه مما خلت منه يداه ، وان تفقد الدنيا في عينه كل قيمة ، بحيث يميل ميلاً وطيداً عنها ، لينصرف بكليته إلى الله تعالى ، جاء في محكم التنزيل قوله تعالى : : إن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين وفي الحديث : " لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة لما سقى كافراً منها شربة ماء " .
الفقر :
" الفقر عندهم هو فقد الأشياء من القلب وامتلاء مكانها بالحب لله عز وجل ، وهذا عندهم هو الفقر المحمود المفتخر به ، غير المستعاذ منه ، والذي قرن بالكفر لقوله " اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر " الفقراء هم صفوة الله عز وجل من عباده ، ومواضع أسراره بين خلقه ، يصون الخلق ببركاتهم ، ويبسط عليهم الرزق ، والفقراء الصبر جلساء الله تعالى يوم القيامة .
الصبر
" الصبر هو الخروج عن حظوظ النفس بالمجاهدة والثبات على فطامها عن مألوفاتها ومحبوباتها والاستقامة على الطريقة المثلى ، قال الله تعالى : : وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون .
التوكل
" بينما دعا الاسلام إلى : " التوكل " فإنه ذم " التواكل " في الحديث المروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " جاء رجل على ناقة فقال : يار سول الله أأدعها وأتوكل ؟؟ فقال صلى عليه وسلم : " إعقلها وتوكل " فهذه دلالة على على أننا مأمورون بالسعي والأخذ بالأسباب مع تحقق العبد أن التقدير من قبل الله تعالى وهو الفاعل المختار الذي بيده مفاتيح كل شئ ، فإن تعسر شئ فبتقديره وإن تيسر شئ فبتيسيره ، أما التواكل فليس من شيمة المؤمن "
الرضاء
الرضاء هو الخروج عن رضاء نفسه بالدخول في رضاء الله مع تسليم وتفويض الأمر كله له بلا منازعة ولا اعتراض ، وأن يتقبل كل ما يأتي من الله بإطمئنان كما قال بعضهم : " وكلت إلى محبوبي أمري كله إن شاء أحياني وإن شاء أماتني " .
حقوق الطريقة الصادقة :ـ
يقول ختم هل العرفان سيدنا السيد / محمد عثمان الميرغني في الرسالة الرابعة من كتاب : ( الرسائل الميرغنية ) : وذلك تحت عنوان : " حقوق الطريقة الصادقة
" …… إني لما دخلت إلى أرض التاكة ، ورأيت بها أقواماً عن سبيل القوم أفاكة ، لم يميزوا بين شيوخ البركة والارشاد ، ولم يعلموا مراتب الأخوة وحكم الإجازة في إصلاح الأسياد ولم يخافوا أهوال يوم القيامة الشداد ، ولم يقيموا الوزن بالقسط على أنفسهم وغيرهم من العباد ، .. لذا جعلت هذه الرسالة لبيان ما البس عليهم وسميتها : " الزهور الفائقة في حقوق الطريقة الصادقة " وجعلت فيها ثلاثة قواعد هي :ـ
القاعدة الأولى : في مراتب الشيوخ وكيفية اذنهم وإجازتهم .
القاعدة الثانية : في حقوق الإخوان وما يتعاملون به بينهم .
القاعدة الثالثة : في الطريقة وأدابها .
1 ) مراتب الشيوخ :
شيوخ الإرشاد : )) هم السادة أهل الارشاد والإمداد والمتحققين بالمشيخة الذين عليهم الاعتماد في الدنيا والآخرة وهم الرجال الذين بهم يحصل عند الله الاسعاد ، والقائل فيهم العظيم الجواد : ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة فمن أوصاف شيخ الارشاد حفظ الشريعة وتنظيم أهل الطريقة وهو الذي إن أمر فبالله ، وإن أمد فمن الله ، وإن أخبر فعن الله ، وإن دعا فإلى الله … يعلم أحوال المريدين فيربيهم بأنواع أحوالهم لأنه مأذون من الله ورسوله .
شيوخ التبرك : " واصلها إذن العارفين ، وذلك أن يأذن العارف لبعض مريديه بالنيابة عنه في نصح الإخوان ، فحكمها أنها تصلح لكل سالك ، وهي على قسمين :ـ
1ـ قسم مأذون له ومأمور بتلقين الذكر ، وحث الإخوان وتعمير الخلوات وهؤلاء شيوخ تبرك وليسوا بأهل : " شياخة " وإنما هم إخوان ناصحون لإخوانهم ولا ينبغي الترجمة لهم بالشيخوخة ، وإنما يقال لهم : " خليفة " فلان أو نائبه أو نقيبه أو الخليفة أو النائب أو النقيب ، فإن رأى الإخوان ينسبوه إلى الولاية والارشاد ، فمن واجبه أن ينفي ذلك عن نفسه بل يقوم بزجرهم وسط الملأ وتشنيعهم والتبّري من افعالهم وأن يعرفهم أنه أخ لهم محجوب مثلهم فإن لم يفعل ذلك ، وركن إلى أقوالهم ، فهذا يدخله في زمرة " المدَّعين " لما لم يصلوا إليه ويتحققوا به وهو طريق يستوجب " المقت " والطرد والعياذ بالله فعلى الخليفة أن يقيم الوزن بالقسط على نفسه أولاً وعلى غيره من العباد ثانياً وأن يلزم حدَّه ولا يتعداه
2ـ قسم مجاز منهم لنفسه ، غير مأذون له في إعطاء غيره ، فلا يصح لهؤلاء التصدر على أي فرد من أفراد المؤمنين أو يدعي أو يُعرّف نفسه الناس بغير ما عنده ، فإن فعل فإنها مدعاة للمقت والطرد والابعاد والعياذة بالله .
شيوخ القرآن والعلم : فهولاء ينبغى لهم أن ينصحوا اتباعهم ويأمروهم بالتقوى وتحقيق المقروء واتقانه والعمل به من قرآن وكتب فقة ( علم الظاهر ) أما كتب القوم فأمرها إلى أهلها .
2 ) حقوق الإخوان :
" حقوق الإخوان فيما بينهم هي أن يعظموا كبيرهم ويرحموا صغيرهم ويتناصحوا ، ويتحابوا ، ويتواصلوا ويتساءلون عن أحوالهم في أمر دينهم وصحتهم ، ولا تفوت أيام قليلة إلا وقد وصل كل واحد منهم إلى أخيه ، إما في بيته أو مسجد ، ويتفقدون كل غائب منهم ، فإن كان مريضاً وبلغ مرضه ثلاث أيام عادوه صغيراً كان أو كبيراً ، ولا يجتمعون في موضع ويفترقون عن غير ذكر ، قربة إلى الله ورسوله ، فإن بعدوا عن بعضهم أكثروا المكاتبات بينهم وتواصوا بالصبر "
ويبشرنا سيدنا ومولانا الختم رضي الله عنه إذ يقول :ـ
" …. فإذا وقعت بينكم معشر الإخوان المحبة بمثل هذا فإنكم من زمرة قوم قال الله فيهم أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون وإن لم تكونوا كذلك ، فأنتم من زمرة قوم قال الله فيهم أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون
3 ) آداب الطريق : يقول سيدي ومولاي الختم رضي الله عنه :
" …. اعلموا معاشر الإخوان أن الطريقة هي أشرف الأمور ، إذ هي المحتوية على أسرار وعليها الأنوار تدور ، ولكن حقيقتها صعبة لمن يتكاسل ، ويتغافل ، وثمارها قريبة لمن سهر وشدّ المئزر ، والطرق إلى الله تعالى بحسب أنفاس الخلائق ، ومن قام على القدم المحمدي فقد سلك إكسير الطرائق ، فمن حقوقها أن تحثوا عليها الإخوان ، وأن تجعلوا اشتغالكم بها مقدماً على ما سواها باطمئنان ، وأن تعمروا أوقاتكم بالذكر ، والمراقبة للعلي البرّ ، ومن حقوقها أن تأتوا بوظائفها بالنشاط ، فإني أرى فيكم انحطاط ، …..وانبهكم يا معشر السالكين أن طريقتنا هي أعظم الطرق واقربها إلى الله ، وهي من أسهل الطرق وفيها كمال الانتباه " أ . هـ
أن الطرق وإن تعددت فكلها داعية إلى سنن المصطفى وكلها تستمد من حضرته وآداب السلوك كثيرة وفيما يلي نورد نذر منها :ـ
ينبغي على كل مريد أن يداوم على ذكر الله سراً وجهراً ولا بد له من مجلس لنفسه يذكر ما تلقنه من شيخه بهمة ونشاط ، ويوبخ نفسه ويحاسبها على التقصير .
عليه الإطلاع على تصانيف وكتب ورسائل مشيخته ، ويلتزم بما سطّر فيها من آداب وسلوك وقيم .
ينبغي على المريد ألا يأكل إلا الحلال لعلمه أن أكل الحلال هو منشأ كل خير ، وأكل الحرام لا ينشأ عنه إلا المعاصي واسوداد القلب ، وكذلك البعد عن أكل الشبهات ، لأن أكلها ينشأ عنها أفعال مشوبة بالريا والكبر .
من أولى المكارم حسن الظن بالمسلمين فإن الله تعالى لا يسألك في الآخرة لماذا أحسنت ظنك بعبادي ، وإنما هو سائلك عن سوء الظن بهم ، وعليك بالتواضع وزوال الكبر والروعنات النفسية واستعن على تحصيل مقام حسن الظن بصحبة الأخيار ، وترك صحبة الأشرار .
إعلم أنه ليس لإبليس حيلة يوقع بها السالك أكبر من ظنه بنفسه الخير والصلاح
فيصرعه من حيث لا يشعر لأمانه من حذره منه ، فاعلم أن عشق النفس لا يجنى منه إلا أحط الخصائل مثل: الكبر ، الحسد ، الذل والإهانة .
أن يشهد السالك نفسه أنه دون كل أحد من المسلمين وأن ما على وجه الأرض ليس
بأكثر عصياناً منه ولا اقل ادباً منه ، إن مجرد الشعور بالفوقية على أحد من عوامي المسلمين يدخله في درجة من درجات الكبر ، وقد انعقد اجماع العارفين على أن من عنده شئ من " الكبر " لا يصح له دخول حضرة الله تعالى أبداً ولو عبد عبادة الثقلين .
يقول أحد العارفين : " من أراد أن الوجود كله يمده بالخير فليجعل نفسه : تحت الخلق
" كلهم في الدرجة ، فإن المدد الذي مع الخلق كالماء لا يجري إلا في المواضع المنخفضة دون العالية " .
اعلم أنه لا يسلم من سوء الظن بالناس إلا من طهر الله باطنه من سائر المخالفات بحيث
يصير لا تخطر الفاحشة على باله ، فإنه حينئذ لا ينظر في الناس كلهم إلا الخير قياساً على نفسه .
عليه أن لا يذكر أحداً بعيب يراه ، وأن يقبل عذر أخيه إذا اعتذر إليه ولو كان كاذباً
لحديث الترمذي : " من أتاه أخوه متنصلاً من ذنب فليقبل اعتذاره محقاً كان أو مبطلاً ، فإن لم يفعل لم يرد على الحوض " . وروي ايضاً عن ستر العورة قوله : " من ستر عورة أخيه ستر الله عورته ، ومن كشف عورة أخيه كشف الله عورته " كان الإمام الحسن البصري رضي الله عنه يقول : " والله لقد أدركنا أقواماً لا عيوب لهم ، فتجسسوا على عيوب الناس فأحدث الله لهم عيوباً " .
اعلم أن الطرق كلها داعية إلى سنن المصطفى ، فلا يجوز الانكار على طريقة أحد
غير طريقتك ، كما ينبغي على السالك ألا يحتقر مسلماً ولو بلغ في الفسق ما بلغ ، بل الواجب أن يأمره بالمعروف وبنهاه عن المنكر بقول ليّن ، ففي الحديث " كفوا عن أهل لا اله إلا الله ولا تكفروهم بذنب فمن كفّر أهل لا إله إلا الله فهو إلى الكفر اقرب " ويقول الإمام علي كرم الله وجهه : " أعلم الناس بالله تعالى اشدهم حباً وتعظيماً لأهل لا إله إلا الله ، ومن كلام الامام الشافعي رحمه الله تعالى : " ليس بعد الشرك ذنب أعظم من السخرية بالناس ومن عظّم لله عظمه الله تعالى بين الناس وصاحب العكس بالعكس " .
4 ) البر والاحسان
أن يحسن لمن يسئ إليه وفي الحديث : " مازاد الله عبداً بعفو إلاّ عزاً " وأن يستغفر لهم فقد ورد : " من استغفر للمؤمنين والمؤمنات فله بكل مؤمن ومؤمنة حسنة " وجاء أيضاً : دعوة الرجل لأخيه بظهر الغيب تعدل سبعين دعوة مستجابة ويؤكل الله تعالى بها ملكاً يقول آمين آمين ولك مثل ذلك " ودعاء الملك لا يرد .
5 ) احترام الخليفة :
على الإخوان احترام الخليفة وتعظيمه وامتثال أمره ، ولو كان اصغر منهم سناً ، وينبغي عليه أن يكون حسن الخلق ، مديم الذكر ، كثير الوداد ، جميل الصفح عن إخوانه ، وأن يخلص النية من شوائب الأغراض النفسانية ، ولا يستنكف عن الخدمة للصغير فضلاً عن الكبير ، وقد قيل : " من تعزز عن خدمة الإخوان ابتلاه الله بالذل والامتهان " فالحذر الحذر من التقصير ، فاجعل سعيك لله ، وتحبب لإخوانك وحببهم لبعضهم ، واحذر من الكبر والحسد وحب الرئاسة ، والحقد ، والغيبة ، والنميمة فإنها المهالك وتسد المسالك .
رابعاً :ـ متفرقات :
ما يجب في حق الولي ووجوب تعظيمه :
من يستحق اسم الولاية :
" يقول العارف بالله الشيخ الغرباني : " الولي بسكون اللام هو : " القرب " فولى الله تعالى : " القريب منه " بامتثال طاعته واجتناب نواهيه لأنه بذلك ينال محبته لاتباع سنة نبيه " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله " وهناك معناً آخر وهو الولاء بمعنى " النصْرة " أي من تولى الله رعايته وتوفيقه وتسديده ، وكلا المعنيين يحصلان للولي :ـ فولي الله هو الذي يتقرب إلى الله بما افترض عليه ، ثم لم يزل يتقرب إليه بالنوافل حتى يحبه .. فإذا أحبه كان سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله الذي يمشي بها " ، كما ورد في صحيح البخاري ، وفي رواية : " كنت له سمعاً وبصراً ولساناً وقلباً وعقلاً ويداً ومؤيداً ، فيكون مشتغل القلب بالله مستغرق القلب في معرفة نور جلال الله ، لا يفتر عن ذكر الله ، ولا يرى بقلبه غير الله " .
وجوب تعظيم الانبياء والأولياء :
" إن تعظيم الانبياء والأولياء جاء من يوم خلق الله تعالى آدم عليه السلام وأمر الملائكة بالسجود له إكراماً وتعظيماً لما آتاه من علمه ، وإعلاماً لهم بإصطفائيته من بين سائر مخلوقاته وإرشاداً لخلقه بتعظيم أصفيائه ، فالملائكة عليهم السلام عندما امتثلوا لأمر الله بالسجود له وتعظيمه فقد عظموا من عظمه الله ، أما ابليس فقد قاس الدين برأيه ، فقال : " أنا خير منه " وأنف عن تكرمته عليه واستنكف من السجود له ، فكان أول من " تكبر " على الصالحين ، ولم يعظم من عظمه الله ، فلذلك استحق الطرد من رحمته لتكبره على هذا العبد الصالح وهو عين التكبر على الله ، إذن فالملائكة هم أول من عظّم الصالحين من الجنس الانساني ، أما ابليس فكان أول من أعلن " التكبر " عليهم ونعلم أنه كان من الموحدين الذين يؤمون بالله وحده لا شريك له إيماناً لا يخالطه شك ولا شبهة ، فلم ينفعه علمه وتوحيده وإيمانه فكان جزاءه الطرد من رحمة الله وهذا جزاء كل من تكبر على انبياء الله وعلى أوليائه ، واستنقصهم وانكر أهل الحق ولم يتأدب مع الله لهم ، لأنهم صفوة الله ومحل نظره من عباده " .
واعلم أن الكبر هو : " بطر الحق وغمط الناس " كما ورد في الحديث الشريف أي " انكار الحق واستحقار الناس " فاعلم أن الله سبحانه وتعالى قد بين لنا على لسان رسله الفرق بين أهل وداده وبين سائر الناس بقوله تعالى : فقالوا إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده فالذين اصطفاهم الله تعالى من بريته واصطنعم لنفسه واختصهم برحمته يستحقون التعظيم والتبجيل ، وهذا من باب الحب في الله والتعظيم له .
" ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب " فتعظيم الشعائر مطلوب فكيف بأهل الشعائر فهم العلماء والأولياء ، فأولياء الله هم أهل العزة والولاية قال تعالى : ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون ويقول تعالى إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا لأجل هذه الخصوصية وهذه الإصطفائية لهم من الله ، فإن التعظيم واجب لهم في الحياة وبعد الممات لأن : لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله فوجاهتهم عند الله لم تزل أبداً ولم يعزلوا عن ذلك المنصب الرفيع بالموت ، فهم الوجهاء في الدنيا والآخرة ومن المقربين .
ـ ما يجب في حق الولي : يجب في حق الولي : الصدق لقوله : " المؤمن إذا قال صدق وإذا قيل له صدّق " ويجب في حقه الأمانة ، فالخائن والكاذب لا يكون ولياً لله لقوله : " يطبع المؤمن على الخلال إلا الخيانة والكذب " وقد جاء في محكم التنزيل قوله تعالى : إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون ويجوز في حقهم جميع الأمراض البشرية من الأمراض المتنوعة حتى تلك الممتنعة عن الانبياء لأنهم من أشد الناس بلاءً بعد الانبياء ، فتقع عليهم الأذية من الناس ، والسخرية ، ومن ضرب ، وسبّ ، ، وكافة أنواع الإهانات ـ وليست هذه البلايا نقصاً في حقهم ، إنما هي زيادة في شرفهم عند الله تعالى ، لذلك إذا اراد الله بعبدٍ سوءاً سلطه على ولي من أوليائه بالسب والإهانة ، فيهلكه الله ويلحق به الضرر في دينه ، وهي أشد العقوبة والعياذ بالله ، أو في دنياه وهي أخف العقوبة .
ـ المعجزة والكرامة : يقول الشيخ الغرباني :
" إن المعجزة والكرامة التي تقع على أيدي الانبياء والاولياء من خرق العادة في حياتهم وبعد مماتهم إنما هي من فعل الله تعالى يخلقها إكراماً لهم ، وينسبها إليهم وليست من خلقهم ، فهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ، ولا يأخذون إلا ما أعطاهم الله ، ولا يتقون إلا ما وقاهم الله وما يجري على أيدهم من المعجزات ، والكرامات في حياتهم فإنما هو لإقامة دين الله تعالى ، ولإظهار حجته ، وبيناته ، وبيان صدق عبده في النبوة ، وفي الولاية ، أما ما يظهر من ذلك بعد موتهم فإنما هو للدلالة على علو منزلتهم عند الله وخصوصيتهم لديه وأنهم ممن لهم البشرى في الحياة الدنيا والآخرة ، وليمتاز ولى الله من عدو الله : " الساحر والكاهن " . والأدلة على ذلك كثيرة ، والقاعدة المعتمدة من أهل السنة أنهم لا ينسبون شيئاً من ذلك الاّ الى الله تعالى ، وأنه سبحانه وتعالى يخلق المعجزة والكرامة للنبي والولي وينسبها إليهم فضلاً منه وكرماً وتشريفاً وتعظيماً ، ليميز الخبيث من الطيب ، والقريب من البعيد وقد قرأنا في الأثر قصة الصحابي ( جابر بن عبد الله ) الذي استخرج جثة ابيه ( أحد شهداء أحد ) من قبره فوجدها كيوم وضعها قبل ستة أشهر ، غير هنيهة عند أذنه وهناك احاديث عن سماع صلاة الصحابة وتلاوة القرآن في قبورهم ، وفيهم من أوصوا بوصايا بعد موتهم ، وتم تنفيذها كما طلبوا .
ـ زيارة القبور : " القاعدة المتفق عليها من أهل السنة أنه لا ينبغي لمسلم جاهلاً كان أو متعلماً أن يعتقد أن نبياً أو ولياً حيا أو ميتاً ، ينفع أو يضر بنفسه ، إنما ينبغي الاعتقاد أن النفع والضرر الحاصل هو من عند الله سبحانه وتعالى ، يجريه على يد من يشاء من عباده نبياً كان أو ولياً ، حياً أو ميتاً ، فقد خص هؤلاء لأنهم أحبابه ، لم تلههم الدنيا ولم يشغلهم عن طاعته مال ولا بنون ، فشفاعتهم مقبولة ، ووجاهتهم عند الله مسلم بها ومعلومة ، إذن فهم وسيلتنا إليه ، كما أنهم وسيلته إلينا ، بهم اهتدينا وعنه بلغونا ، ومنهم وصل الدين إلينا ، فالرسل وسائطه تعالى إلى عباده والعلماء ورثتهم وخلفاؤهم إلى يوم القيامة ، وقد أخبرنا رسول الله بأننا ننتصر بإبدال الانبياء ونسقى الغيث بهم ويدفع عنا البلاء بهم ، فهم وسيلتنا في أمور ديننا ودنيانا ، بهم يصرف الله السوء عن الأمة ، من هنا جاءت تسميتهم : " بأهل التصريف " فإن كل ما ينسب إليهم من فعل هو من عند الله ، فالفاعل الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى فإيماننا به وملائكته ورسله وأوليائه وانهم صفوته من خلقه والمقربون لديه يجعلنا نتشفع بهم إليه ونحبهم لحبه ونعظمهم لأجله ونتبرك بهم وبآثارهم اقتداءً بما أرشدنا الله إليه في كتابه وسنة رسوله ، فاعلم أن هذه الزيارة مندوبة إجمالاً لقوله " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فذوروها " فقد التزم اكابر الأحياء الأدب مع أكابر من الأموات فقد ثبت عنه أنه زار الأنبياء في قبورهم ليلة أسرى به بإرشاد من سيدي جبريل عليه السلام ، وثبت أيضاً زيارته لأموات المؤمنين وتحيتهم بتحية الاسلام والدعاء لهم ، وثبت أيضاً زيارة سيدتنا فاطمة رضي الله عنها لقبر عمها حمزة كل جمعة ، وأيضاً زيارة الامام الشافعي لقبر الامام أبو حنيفة وكان كلما زاره يدعو عند قبره ويتوسل به إلى الله تعالى في قضاء حوائجه ، بل إذا تصافت صلاة الصبح في حضرته يمتنع عن القنوت فيها تأدباً له لأنه لا يرى مندوبيته " .
ـ الختـــام :
في الختام ننهي هذا الجزء الأخير بإلقاء نظرة سريعة على كتاب العالم العلامة خادم الحرمين الشريفين الشيخ / محمد علوي المالكي المكي الحسني وهو كتاب " مفاهيم يجب أن تصحح " لنستعرض بإيجاز شديد بعض هذه المفاهيم ونرى كيف صححها وقوّم اعوجاجها ، نبدأ أولاً :ـ
1 )) التعظيم بين العبادة والأدب :ـ يقول المؤلف
" يخطئ كثير من الناس في فهم حقيقة التعظيم وحقيقة العبادة ، فيخلطون بينهما خلطاً بيناً ، ويعتبرون أن أي نوع من أنواع التعظيم هو عبادة المعظم : فالقيام وتقبيل اليد ، وتعظيم النبي " بسيدنا " ومولانا ، والوقوف أمامه في الزيارة بأدب ووقار وخشوع ، كل ذلك في نظرهم غلو يؤدي إلى العبادة لغير الله تعالى ، وهذا في الحقيقة جهل ، وتعنت لا يرضاه الله ولا رسوله ، وتأباه روح الشريعة الاسلامية .
والحاصل أن هناك أمرين عظيمين لا بد من ملاحظتهما :ـ
1ـ وجوب تعظيم النبي ورفع رتبته على سائر الخلق .
2ـ إفراد الربوبية لله تبارك وتعالى .
أما من بالغ في تعظيم النبي بأنواع التعظيم ولم يصفه بشئ من صفات الباري عز وجل فقد أصاب الحق ، وحافظ على جانب الربوبية والرسالة جميعاً ، وذلك هو القول الذي لا إفراط فيه ولا تفريط ، وإذا وجد في كلام المؤمنين اسناد شئ لغير الله تعالى يجب حمله على : " المجاز العقلي " ولا سبيل إلى تكفيرهم ، إذ المجاز العقلي مستعمل في الكتاب والسنة .
2 )) الواسطة :
" يخطئ كثير من الناس في فهم حقيقة الواسطة ، فيطلقون الحكم هكذا جزافاً بأن الواسطة " شرك " وان من اتخذ واسطة بأي كيفية كانت فقد " اشرك بالله " .
فاعلم أن الواسطة لا بد منها وهي ليست شركاً وليس كل من اتخذ بينه وبين الله واسطة يعتبر مشركاً وإلا لكان البشر كلهم مشركين بالله ، لأن أمورهم جميعها تنبني على الواسطة : فالنبي تلقى القرآن بواسطة جبريل ، فجبريل واسطة للنبي ، وهو الواسطة العظمى للصحابة رضي الله عنهم ، فقد كانوا يفزعون إليه في الشدائد فيشكون إليه حالهم ، ويتوسلون به إلى الله ، ويطلبون منه الدعاء ، فما كان يقول لهم : " اشركتم و " كفرتم فانه لا يجوز الشكوى إليّ ولا الطلب مني عليكم أن تذهبوا وتدعوا بأنفسكم فإن الله أقرب إليكم مني " لا " لا بل يقف ويسأل ويدعو لهم ويطلب من الله قضاء حوائجهم ، مع أنهم يعلمون كل العلم أن المعطي حقيقة هو الله ، وأن المانع والباسط والرازق هو الله وأنه يعطي بإذن الله وفضله وهو الذي يقول : " إنما أنا قاسم والله معطي " وبذلك يظهر أنه يجوز وصف أي بشر عادي أنه : فرّج الكربة وقضى الحاجة أي كان واسطة فيها ، فكيف بالسيد الكريم والنبي العظيم اشرف الكونين وسيد الثقلين وأفضل خلق الله على الاطلاق ؟؟
وقد جاء في الصحاح أن الله تعالى يدفع العذاب عن أهل الأرض بالمستغفرين وعمار المساجد وأن الله سبحانه وتعالى يرزق بهم أهل الأرض وينصرهم ويصرف عنهم البلاء والفقر .
الأحاديث : ـ
" لولا عباد الله ركّع ، وصبية رضّع ، وبهائم رتّع ، لصب عليكم العذاب صباً ثم رضي رضاً " .
" هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم " .
" إن لله عز وجل خلقاً خلقهم لحوائج الناس ، يفزع إليهم الناس في حوائجهم اولئك الآمنون من عذاب الله تعالى " .
" إن الله ليصلح بصلاح الرجل المسلم ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله ، ولا يزالون في حفظ الله عز وجل ما دام فيهم " .
" إن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة من أهل بيت من جيرانه بلاء " ( ثم قرأ الراوي ـ ابن عمر ـ قوله ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ) صدق الله العظيم .
" الابدال في أمتي ثلاثون بهم ترزقون وبهم تمطرون وبهم تنصرون " .
" لن تخلو الأرض من أربعين رجلاً مثل خليل الرحمن ، فبهم تسقون وبهم تنصرون ، ما مات منهم أحد إلا ابدل الله مكانه آخر " .
3 )) مفهوم التوسل : يقول :
" اعلم أن من توسل بشخص ما فهو لأنه يحبه ، إذ يعتقد صلاحه وولايته وفضله ، تحسيناً للظن به أو لأنه يعتقد أن هذا الشخص محب لله سبحانه وتعالى يجاهد في سبيله ، أو لأنه يعتقد أن الله سبحانه وتعالى يحبه كما قال تعالى : " يجبهم ويحبونه " أو لاعتقاد هذه الأمور كلها في الشخص المتوسل به ، وهو في هذه الحالة كأنه يقول :
" يار ب إني أحب فلاناً ، واعتقد أنه يحبك ، وهو مخلص لك ، ويجاهد في سبيلك واعتقد أنك تحبه ، وانت راض عنه ، فأتوسل اليك بمحبتي له وباعتقادي فيه أن تفعل كذا وكذا .."
( ولكن المتوسلين يتسامحون في التصريح مكتفين بعلم من لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء " يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور " )
إذن فمن قال " اللهم إني أتوسل إليك بنبيك " هو ومن قال :ـ " اللهم إني أتوسل إليك بمحبتي لنبيك .... إلخ سواء . وهكذا يقال في حق غيره من الأولياء .
التوسل به صلى قبل وجوده : روي ابن تيمية حديثين مستشهداً بهما وهما :ـ
الحديث الأول : روى أبو الفرج ابن الجوزي بسنده إلى ميسرة قال قلت يا رسول الله متىكنت نبياً ؟ قال قال رسول الله : " لما اقترف آدم الخطيئة قال :
يارب أسألك بحق محمد لما غفرت لي فقال الله : يا آدم كيف عرفت محمداًولم أخلقه ؟ قال : يارب لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت فيّ من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوام العرش مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك ، فقال الله : صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي ، أدعني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك " .
أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه
الحديث الثاني : لما خلق الله الأرض واستوى إلى السماء ، فسواهن سبع سماوات وخلق العرش وكتب على ساق العرش : محمد رسول الله خاتم الانبياء وخلق الجنة التي
اسكنها آدم وحواء، فكتب اسمي على الأبواب , والاوراق ، والقباب ، والخيام وآدم بين الروح والجسد فلما أحياه الله تعالى نظر إلى العرش فرأى اسمي ، فأخبره الله أنه سيد ولدك فلما غرّهما الشيطان ، تابا واستشفعا باسمي إليه .
( كتاب الفتاوى ج 2 ص 151 )
التوسل به بعد مماته :
عن عبد الله بن عمر قال : " استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب فخطب الناس فقال : " يا أيها الناس إن رسول الله كان يرى في العباس ما يرى الولد للوالد ، فاقتدوا أيها الناس برسول الله في عمه العباس واتخذوه وسيلة إلى الله : ادع يا عباس ، فكان من دعائه رضي الله عنه :ـ
" اللهم انه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة ، وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك ، وهذه أيدينا اليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة ، فاسقنا الغيث ، وأحفظ اللهم نبيك في عمه فأرخت مثل الجبال حتى اخصبت الأرض وعاش الناس ، واقبل الناس على العباس يتمسحون به ، ويقولون له : هنيئاً لك يا ساقي الحرمين ، ... " وانشد عباس بن عتبة ابن أخيه ابياتاً منها :ـ
بعمي سقى الله الحجاز وأهله عشية استسقى بشيبته عمر
تعليق المؤلف :
1ـ " ... ومن فهم من كلام أمير المؤمنين أنه إنما توسل بالعباس ولم يتوسل برسول الله لأن العباس حي والنبي ميت ، فقد فات فهمه وغلب عليه وهمه ونادى على نفسه بحالة ظاهرة أو عصبية لرأيه قاهرة ، فان عمر لم يتوسل بالعباس إلا لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تلمح ذلك من قوله : " وانا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا " وهو بذلك قد توسل برسول الله على ابلغ الوجوه " .
2 ـ روي الأمام الحافظ بن كثير عند تفسيره للآية " ولوأنهم إذ ظلموا أنفسهم " الآية ، الحكاية المشهورة عن العتبى قال كنت عند قبر النبي ، فجاء أعرابي فقال : " السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك إلى ربي ، ثم أنشد يقول :ـ
يا خير من دفن بالقاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
ثم انصرف الأعرابي ، فغلبتني عيني فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال : " الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له " .
3 ـ فقد ورد ثبوت حياة الآرواح وبقاءها بعد مفارقة الاجسام بالكتاب والسنة الأمثلة :ـ
مناداة النبي لكفار قريش يوم بدر : " يا عمرو بن هشام يا عتبة بن ربيعة ، يا فلان ابن فلان ... أنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً ، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً "
فقيل له ما ذلك ؟ فقال : " ما أنتم بأسمع لما أقول منهم "
تسليمه على أهل القبور ومناداته لهم بقوله :" السلام عليكم يا أهل الديار " .
القرآن : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون
علم من الاحاديث الثابتة أن اأعمالنا تعرض على النبي ، فن وجد خيراً حمد الله وإن وجد غير ذلك استغفر لنا " .
ان المستعان به والمطلوب منه الاغاثة حقيقة هو الله تعالى ، ولكن السائل يسأل متوسلاً إلى الله بالنبي في أنه يقضي حاجته ، فالفاعل هو الله ولكن أراد أن يسأله ببعض المقربين اليه ، والأكرمين عليه فكأنه يقول : " انا من محبيه ( أو محسوبيه ) فارحمني لأجله " وسيرحم الله كثيراً ، من الناس لأجل النبي وغيره من الانبياء والأولياء والعلماء .
ـ حكى القرآن المجيد قول نبي الله سيدنا سليمان لأهل مجلسه من الجن والانس : ] يا ايها الملأ ايكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين [ فالأتيان بالعرش على هذه الطريقة هو مما لا يقدر عليه الا الله وليس داخلاً تحت مقدور الانس ولا الجن عادة ، وقد طلبه سليمان من أهل مجلسه ، فكانت الاجابة بكلمة " أنا آتيك به " افكفر سيدنا سليمان بذلك الطلب وأشرك ولي الله بهذا الجواب ؟؟؟
حاشاهما من ذلك ، إنما اسناد الفعل في الحالتين على طريقة المجاز العقلي وهو سائغ في لسان الشرع فمثلاً إذا قلت : أغثني يا الله " تريد الاسناد الحقيقي باعتبار الخلق والايجاد ، وإذا قلت " أغثني يا رسول الله " أو يا ولي الله " تريد الاسناد المجازي باعتبار الكسب والتوسط والتسبب بالشفاعة فانظر معي إلى لفظ حديث الاستغاثة الوارد في صحيح البخاري : " … بينما هم كذلك إذ استغاثوا بآدم ثم موسى ثم بمحمد فقوله صلى الله عليه وسلم إذ استغاثوا بآدم " فإن الاسناد إليه مجازي إذ المستغاث به حقيقة هو الله تعالى وهو أمر وارد ومعلوم في اللغة .
4 )) مفهوم التبرك :
التبرك : هو توسل الى الله سبحانه وتعالى بذلك المتبرك به سواء أكان أثراً أو مكاناً أو
شخصاً .
ويجوز التبرك من جهة :ـ
ـ بالنسبة للأعيان : لإعتقاد فضلها وقربها من الله سبحانه وتعالى مع اعتقاد عجزها عن جلب خيراً أو دفع شر إلا بإذن الله .
ـ بالنسبة للأثار : لأنها منسوبة إلى تلك الاعيان ، فهي مشرفة بشرفها ومكرمة ومعظمة ومحبوبة لأجلها .
ـ بالنسبة للأمكنة : فلا فضل لها لذاتها من حيث هي أمكنة ، ولكن إنما لما يحل فيها ويقع من خير وبر : كالصلاة والصيام وجميع أنواع العبادات مما يقوم به عباد الله الصالحين إذ تتنزل فيها الرحمات وتحضرها الملائكة وتغشاها السكينة ، وهذه هي البركة التي تطلب من الله في الأماكن المقصودة لذلك .
حديث التبرك :ـ
ـ عن جعفر ابن عبد الله بن الحكم أن خالداً بن الوليد فقد قلنسوة له يوم اليرموك ، فقال " اطلبوها فلم يجدوها فقال : اطلبوها فوجدوها ، فإذا هي : قلنسوة خَلِقة " أي ليست جديدة فقال خالد : اعتمر رسول الله r فحلق راسه فابتدر الناس جوانب شعره فسبقتهم إلى ناصيته فجعلتها في هذه القلنسوة ، فلم اشهد قتالاً وهي معي إلا رزقت النصر" .
ـ عن عثمان عن أنس أن أم سليم كانت تبسط للنبي r نطعاً فيقيل عندها على ذلك النطع ، قال : فإذا نام النبي r ، أخذت من عرقه وشعره فجمعته في قارورة ثم جمعته في سك وهو نائم ، فقال فلما حضر أنس بن مالك الوفاة أوصى إلى أن يجعل في حنوطه من السك قال : فجعل في حنوطه " .
ـ وأخرج البخاري عن ابن جدعان قال ثابت لأنس رضي الله عنه : ما امسست النبي r بيدك ؟ قال : نعم فقبلها "
ـ وأخرج أيضاً عن صهيب قال : " رأيت علياً رضى الله عنه يقبل يد العباس رضي الله عنه ورجليه " .
ـ " وفي حديث اسماء بنت سيدنا ابي بكر الصديق أنهم كانوا يحتفظون بجبة رسول الله rالتي كانت عند سيدتنا عائشة قالت : فنحن نغسلها للمرضى نستشفي بها " .
ـ روي ابن تيمية عن الأمام أحمد رضي الله عنه أنه رخص في التمسح بالمنبر والرمانة ، وذكر أن ابن عمر وسعيد ابن المسيب ويحيى بن سعيد من فقهاء المدينة كانوا يفعلون ذلك
ـ " عن نافع أن عبد الله بن عمر أخبرنا أن الناس نزلوا مع رسول الله r على الحجر أرض ثمود فاستقوا من آبارها وعجنوا به العجين ، فأمرهم رسول الله r أن يهريقوا ما استقوا ويعلفوا الابل العجين وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة .
القرآن : ـ ] قال لهم نبيهم ان آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة [
ملحوظــــــة : يقول المؤلف :
" خلاصة القصة أنهم كانوا يستنصرون ويتوسلون إلى الله تعالى بهذا التابوت ومحتوياته من آثار تركها آل موسى وهي : عصا موسى وشئ من ثيابه وثياب هارون ونعلاه وألواح من التوراة وطست كما ذكره المفسرون والمؤرخون كإبن كثير والقرطبي والسيوطي والطبري .
وهذا يدل على معاني كثيرة منها : التوسل بآثار الصالحين والمحافظة عليها ومنها التبرك بها .