أدفنوا موتاكم و أنهضوا (2)

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
ذكرت في الجزء الأول من هذا المقال أنني قد قمت بإستلاف عنوان هذا المقال "أدفنوا موتاكم و أنهضوا", من إسم ديوان للشاعر الفلسطيني توفيق زياد, وفي الجزء الأول حاولت الاجابة بإختصار علي سؤالين هما: ماهو السودان الذي أتمني إنبثاقه بعد الحرب؟ والسؤال الثاني هو: و من سيحق له تحديد ملامح الدولة السودانية/الجمهورية الثانية القادمة؟ في هذا المقال ساتناول بالتفصيل الإجابة علي السؤال الثاني.

المتتبع لما يكتبه بعض المؤيديين للدعم السريع يجد ان كثيرا منهم يقولون الآن مامعناه بان الدعم السريع يقاتل من اجل اسقاط دولة 1956 و إقامة دولة المهمشين . هم بالطبع قد استلفوا هذا القول من الحركات الدارفورية المسلحة. وهو قول عام و لايستند علي مانفستو او برنامج مفصل من الدعم السريع, ولكن رغم ذلك ساتناوله بالنقاش هنا ضمن اجابتي عي سؤال : من يحق له تحديد ملامح الدولة السودانية/الجمهورية الثانية القادمة؟

دولة 1956 السودنية التي يريدون إسقاطها هي بالطبع الدولة السودانية الحالية, ولكن من وجهة نظري فان دولة 56 قد إندثرت منذ حين. أعتقد ان دولة 56 هي الدولة التي بدات بعد سقوط دولة المهدية, وهي الدولة التي أنشات خزان سنار, مشروع الجزيرة, السكة حديد, الخدمة المدنية المنضبطة, التعليم المجاني و العلاج المجاني في كل انحاء السودان ريفه و حضره. واصل الحكم العسكري الأول بقيادة عبود تطوير تلك الدولة تنمويا و خدميا وكذلك فعل نميري حتي حوالي نهاية السبعينيات. إنتفع سكان مدن و قري السودان بخدمات دولة 1956 لذا لم تكن هنالك هجرة كبيرة من الريف للمدن خاصة للخرطوم (التي لم يصل عدد سكانها لنصف المليون نسمة حتي تاريخ نهاية السبعينيات) . دولة 1956 بدأت تتهاوي في نهاية السبعينيات و سقطت في حوالي منتصف الثمانينيات. فحتي نهاية السبعينيات لم يفكر معظم السودانيين في الهجرة من بلادهم. كانت مرتبات العمال و الموظفين آنذاك تكفي لاعاشتهم بل كان من يعمل منهم في الخدمة المدنية يتقاعد في سن الخمس و الخمسين وتصرف له الدولة معاشا يكفي لتقاعد كريم له و لاسرته, وقد كانت قيمة الجنيه السوداني الواحد حينها تزيد عن الثلاث دولارت. كل ذلك بدأ في التداعي في حوالي بداية الثمانيات و إكتمل الانهيار في منتصف الثمانينيات التي شهدت أول مجاعة في البلاد منذ مجاعة سنة ستة الشهيرة في عهد الدولة المهدية .
أ إ
بعد إنهيار دولة 1956 في منتصف الثمانينيات و إنقلاب الإنقاذ في 1989 وحتي 2019 حاولت الإنقاذ تأسيس ماسمته بدولة المشروع الحضاري , الا انها فشلت في ذلك فشلا ذريعا. لكل ذلك يمكننا القول بأنه لايوجد حاليا بالسودان دولة ذات مشروع تنموي حضاري, لذا فلو دعا الدعم السريع و مؤيديه بطريقة سلمية لقيام جمهورية سودانية ثانية بعقد اجتماعي جديد و تركيز التنمية في الاقاليم بدلا من الخرطوم لوجد تاييدا من الكثيرين بما فيهم كاتب هذه السطور, الا أنهم بدلا من ذلك لجاوا للحرب والاغتصاب و تدمير البنية التحتية للدولة ثم بعد ذلك رفعوا شعار اسقاط دولة 1956 لاقامة دولة المهمشين كسبب لحربهم.

لنعد للسؤال الذي هو موضوع هذا المقال و هو: من يحق له تحديد ملامح الدولة السودانية/الجمهورية الثانية القادمة؟ فلاشك ان من يحدد مستقبل أي دولة لعشرات لسنين هم من يكتبون دستور تلك الدولة, تماما كما فعل الإباء المؤسسيين للولايات المتحدة الامريكية الذين صاغوا دستورها في 1787 وهو نفس الدستور- بإضافات بسيطة- الذي يحكم الحياة السياسة الامريكية حاليا. لاشك انه بعد ان تضع هذه الحرب اوزارها سيكون ذلك الوقت هو الفرصة التاريخية للسودانيين لكتابة دستور دائم لبلادهم لأول مرة منذ نيل السودان استقلاله. و من يجلس علي طاولة كتابة ذلك الدستور هم من سيحدد مستقبل البلاد لعشرات السنين القادمة وأيضا فان تلبية نصوص الدستور لتطلعات سكان ولايات السودان و اغلبهم من المهمشين ستكون مفتاح النجاح او الفشل لسودان المستقبل. لكل ذلك فأنني كمواطن سوداني أعارض أي مؤتمر دستوري يتكون من أعضاء غير منتخبين لكتابة دستورنا القادم . فلماذا يكتب دستوري الدائم أي شخص لم اختاره؟ فمن يعطي سياسيين من أمثال عقار, مناوي, او عرمان حق الجلوس علي طاولة المؤتمر الدستوري ولايعطي ذلك الحق لمحمد احمد السوداني المسكين؟ اذن ما هو الحل؟

الحل الذي اقترحه هنا هو ان تدير البلاد بعد نهاية الحرب حكومة تكنوقراط مدنية لمدة لا تزيد عن السنتين, تستعين خلالها بالأمم المتحدة و بالمنظمات الدولية للقيام بإحصاء سكاني وانشاء مفوضية انتخابات, ومن ثم تجري انتخابات ذات شقين: الشق الأول لانتخاب أعضاء للبرلمان من دوائر جغرافية يحددها الإحصاء السكاني (يقوم ذلك البرلمان بانتخاب رئس وزراء). الشق الثاني و الأهم هو ان تنتخب كل ولاية من ولايات السودان مندوب او مندوبين للمؤتمر الدستوري الذي ستحدد له فترة زمنية محددة لصياغة دستور دائم للبلاد. سيتم تزويد المناديب المنتخبين لكتابة الدستور بمستشارين قانونيين لاعانتهم في عملهم, كما و سيتم تعريفهم و افهامهم بتفاصيل دساتير الدول الناجحة التي تتبع دستورا فيدراليا كالولايات المتحدة و الهند , و أيضا سويسرا التي تتبع دستورا كونفدراليا يعطي اقاليمها سلطة كبري بينما تتمتع حكومتها المركزية بسلطة ضعيفة.

لو تمخضت هذه الحرب بشيء واحد مفيد سيكون ذلك هو توافق غالبية اهل السودان علي دستور دائم لبلادهم يديرون بموجبه إختلافاتهم. فكل النخب السياسية الحاكمة في بلدان العالم الأخرى لديها إختلافات جوهرية فيما بينها إلا إنها توافقت علي أن تدير تلك الاختلافات بموجب دستور بلادهم , و نحن إن نجحنا في إجازة دستور دائم متوافق عليه لبلادنا نكون لأول مرة منذ الاستقلال قد اتفقنا علي ثوابت سياسية وبذلك يكون شهداؤنا قد دفعوا حياتهم لهدف نبيل وهو إستقرار و ازدهار بلادهم و تطورها السياسي عبر توافق اهاليهم علي دستور دائم لبلادهم التي إفتدوها بحياتهم الغالية.

أخيرا, لو كان لي من الامر شيئا لنصصت في دستور البلاد علي ملكية الدولة لكل المعادن و أولها الذهب, والا يقوم بالتعدين و بيع المعادن غير الدولة او شركة مساهمة تمتلك الدولة معظم أسهمها علي ان تخصص عائدات التعدين أولا لقطاعي الصحة و التعليم في كل انحاء البلاد.

husseinabdelgalil@gmail.com
///////////////////////////

 

آراء