أديس… اتفاق أمني.. وقضايا عالقة!!

 


 

عادل الباز
12 February, 2012

 


12/2/2012م
قبل بدء المفاوضات أمس الأول بين دولة جنوب السودان والسودان كنت قد أنهيت آخر فقرة من مقالي أمس قائلا ( في ظل هذه الأجواء كل ما نرجوه أن تسعى إليه الوساطة ليس التوصل لاتفاق بل تلطيف الأجواء ونزع فتيل الأزمة وإيقاف العدائيات بين الطرفين، وهو أقسى ما يمكن أن تفعله في جولة خمسة الأيام هذه. إذا نجحت في تحقيق إيقاف التصعيد الجاري الآن، فذلك إنجاز مهم. ما يجري الآن من تصعيد يمكن أن يقود البلدين للانزلاق للحرب) . في مساء متأخر أول أمس أعلن   ثابو أمبيكي رئيس جنوب إفريقيا السابق ورئيس لجنة الوساطة عن صفقة أسماها  «اتفاقية عدم اعتداء» تهدف إلى تفادي نشوب صراع مسلح، وقال أمبيكي إن»هذه الاتفاقية تعالج تلك القضايا. وتقول الاتفاقية الأمنية التي توسط فيها الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا إن الجانبين اتفقا على «احترام كل منهما لسيادة الآخر ووحدة أراضيه وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ورفض استخدام القوة والمساواة والمصالح المشتركة والتعايش السلمي).
بالفعل لم يخب توقعي، فإن أقصى ما يمكن للجنة أمبيكي الحصول عليه هو اتفاق يوقف العدائيات. أفضل ما في هذا الاتفاق تكوين آليه لحسم الخلافات بين الطرفين حال حدوث مناوشات أو اختراقات عسكرية على الحدود بين الطرفين .
حسن هذا علاج مؤقت- بندول- لا يمكنه علاج سرطان الحدود ولا خلاف البترول ولا معضلة أبيي. التقدم في هذه الملفات ليس ممكنا الآن، وليس للوفد ما يفعله الآن في أديس وعليه حزم حقائبه والعودة بأعجل ما تيسر إلى الخرطوم.
من هنا وصاعدا على  لجنة أمبيكي العمل في صمت وبعيدا عن الإعلام. كنت أظن أن العرب وحدهم المولعون بالإنشاء ولكن اتضح لي أن السيد أمبيكي و أعضاء لجنته الإفريقية وقد أصابتهم لوثة عربية بفعل فيروس إنشاء ألم بهم.!!!. تطلق لجنة امبيكي تصريحات كثيرة لا تعني أي شيء سوى ثرثرة غير منتجة فوق مبنى الاتحاد الإفريقي الأنيق. عليهم أن يعملوا بأناة على مقترح متكامل لحل القضايا العالقة، مستلهمين نموذج نيفاشا. في بداية التفاوض بنفاشا حمل الأستاذ علي عثمان بين يديه ورقة أساسية مثلت حجر الزاوية في التفاوض. أوضحت الورقة المواضيع التي سيجري التفاوض حولها وطرائق التفاوض، وحوت النقاط الأساسية التي تبدأ منها المفاوضات. قدمت هذه الورقة للجنوب وللوسطاء الذين أثنوا على الطريقة المنهجية التي مثلتها رؤية الورقة. لو أرادت الوساطة الإفريقية أن تنجح الآن في التوصل لمفاوضات حقيقية بين الطرفين فلا بد من طرح رؤية متكاملة تقدم للطرفين وتتم صياغتها بخبراء شاركوا في مفاوضات نيفاشا توافرت لهم الخبرة في إدارة العملية التفاوضية.
المشكلة الأساسية التي نواجهها الآن مع لجنة أمبيكي أنها بلا أسنان ولا سند. في نيفاشا كان المجتمع الدولي حاضرا في قلب العملية التفاوضية وكان قادرا على التوسط بفعالية وقادرا على دفع الأطراف للتوصل لحلول وسط. الآن المفاوضات تجري في غيبة شبه كاملة للمجتمع الدولي وهو حتى إذا حضر الآن فهو بلا قدرة على الضغط على أي طرف من الأطراف. فالمجتمع الدولي فقد كروت الضغط على حكومة السودان بعد أن صعد خلافاته مع النظام إلى مجلس الأمن ثم إلى الجنائية، وقاطعت الدول الغربية السودان وحاصرته اقتصاديا وسياسيا فلم يتبق شيء يمكن أن يضغط به المجتمع الدولي الحكومة  السودانية سوى الغزو المسلح!!. حكومة الجنوب أصلا لم تكن تتعرض لضغوط جادة والآن لن يستطيع أحد أن يجبرها على التفاوض بجدية. كل ما يسعى له المجتمع الدولي الآن هو إيقاف التصعيد وتجنب الحرب وهو عاجز كليا عن صنع سلام مستدام في السودان. يتبقى هناك أمل وحيد للتوصل إلى سلام بين البلدين وهو أن يستشعر البلدان الحاجة الماسة  للسلام بين البلدين والشعبين فيصنعان معجزة أخرى كنيفاشا تضاف إلى مآثر السودانيين وإرثهم في التسامح والإخاء والعيش المشترك.

عادل الباز

 

آراء