حوار العسكريين والمدنيين حول ما بعد ذهاب عبود نهض الصف الثاني وشباب العسكريين بدور إيجابي ومتين انحاز للثورة ، وسعي بتصميم لإنهاء حكم عبود فورا، مثل الباقر والمرضي وجعفر نميري المذكور في كتاب : ثورة شعب الصادر عن الحزب الشيوعي، في منشور طالب بإطلاق سراحه ضمن الضباط الذين سجنوا أو اعتقلوا لأنهم انحازوا للثورة مؤيدين ضد مؤسستهم العسكرية الحاكمة. ومن بين المشاركين في الحوار في منزل المحامي محمود حاج الشيخ: الضابط مزمل غندور الذي قال للسادة المدنيين المتطلعين إلى تناول وجبة السلطة الدسمة، الجديدة والجاهزة، التي يستدعي مشهدها القادم تجرية باقلوف على كلبه، قال: لا تعيدوا الأحزاب مرة ثانية! لا تسلموها للحزاب! ومن الغريب حقا أن يخرج الجيش من السلطة والممارسة السياسية، وينهمك في حالة تعر كامل وكأن قيادته !، التزمت ببيت الطاعة، فإن زغب الحواصل ضباطه سيقطعون أرجلهم من الإقدام على التسلل والمراوغة. ويتحول مرة ثانية إلى مؤسسة مظهريا محايدة،وكان ينعم هو بالسلظة وجرت محاولات انقلابية شتى ضد عبود، وانتهت بإراقة دماء زكية مثل انقلاب علي حامد، وهو انقلاب وطني صميم هدفه تغيير نظام الحكم للحيلولة دون قيام السد العالي وإغراق حلفا وتهجير أهلها، مما يعني إضعاف الوضع الاستراتيجي للسودان إزاء مصرأ زلز نجح الانقلاب لن يكون أمام مصر عبد الناصر غير حل واحد هو إقامة سد صغير نسبيا لا يؤدي إلى إغراق أراض داخل الدولة المجاورة. ومنذ أيام الإنجليز نهض العسكريون بأداء أدوار سياسية عسكرية، وبعد الاستقلال ، كان لكل حزب من الأحزاب مجموعته الخاصة داخل الجيش، بل هناك موالون كثر لدولة مجاورة ممن سمح لهم بالعودة والعمل في الجيش السوداني، وهم أصلا كانوا ضباطا في الجيش المصري، وهذا بلا أدنر ريب اختراق وخازروق! كان الحال يومئذ يقتضي بالبداهة إسناد دور حيوي للجيش على مستوى السلطة، وهو أصلا موجود في المؤسسة وماسونيتها على مستوى القيادة، يتضمن الدور منحهم وزير الدفاع وربما نائب رئيس الجمهورية أو مجلس السيادة وبعض مديري المديريات ومشاورتهم ، ومن بعد ظهر تيار فكري يعتبر الجيش طبقة ثورية مثل كل مكونات التحالف، مما جهر به منصور خالد في الملتقى الذي أقامه، في الخرطوم، وقام نايف حواتمة ، حسب الرواية يقول: يامنصور خل العسكر يطرح فكره ، أيش بدك! أي فكر في مايو الذي في حكاياتنا، العسكريتاريا مستولية على السلطة نفسها، متمكنة منها، مرود في مكحلة! وما حدث في مصر يؤكد أن الجيش لا يمكن أن يبعد تماما من العملية السيلسية! أو يُسمح له بالابتعاد من قبل قوى داخل البلد وخارجه، دع عنك ما هو كامن داخل بطن الجيش نفسه! ومن بعد ظهرت مذكرات بعض المدنيين ممن شاركوا في الحوار مع العسكريين، فوصفه بعضهم بالتعالي والازدهاء، ولكن الرجل حقيقة متعلم ومثقف ورجل مستقيم وكاتب متميز وعلى حظ من الورع. وفي نهاية المطاف، صار مزمل نفسه ضحية غياب تعامل مؤسسي مع الجيش، في أول محاولة أنقلابية: مايو، إذ أحيل إلى المعاش وسجن ، ولم يكن حظه مدنيا في قيادة حزب سياسي كبير بأحسن حلا! إنتلجنسيا الغرادنة، الأفندية الجلابة، لايحبون التعامل مع زول مثل مزمل، يؤثرون التعامل باطمئنان مع همبول يمكن أن يبزوه ويحركوه كأراجوز من وراء ستار، كنميري الذي أثبت لهم أنه غتيت وبزهم في المكر بالشلاليت، لأنهم أرادوا له أن يوطي، ويطأطئ فاعتلاهم. " الفئران خارج الجحور"! يروى ان أساتذة جامعة الخرطوم ، أول أيام ثورة 21، قرروا ابتعاد الجامعة عن المشاركة في السلطة، فارتدوا أروابهم وذهبوا في موكب إلى السوق، حيث يجتمع كبار الساسة والنقابات الكبرى ذات الياقات البيض، وكان الترابي يمثل الجامعة ، وطلبوا المثول أمام المجتمعين، دخلوا، ولاحظ أحمد عبد الحليم أن الاجتماع منعقد بدون أن يكون له محصر تدون فيه القرارات، فقال لهم: أولا هذا اجتماع تاريخي يحدد مصير البلد ربما لسنوات قادمة، ولكنني لا أرى محضرا تدون فيه الوقائع والقرارات، وثانيا: نبلغكم أن الجامعة لاتريد المشاركة في السلطة : "الحكم" وسيعود كل الأساتذة إلى الحرم الجامعي، وبعيد انصرافهم عائدين قال المحجوب: هؤلاء لابسو القراقيب يريدون تعليمنا السياسة! مؤتمر الخريجين البعاتي يعود فيه الغرادنة إلى إعادة إنتاج اللعبة القديمةّ! السلطة يجب أن تكون وقفا عليهم . الإنجليز كانوا يؤمنون بأن رجال الإدارة الأهلية شخصياتهم أفضل، وأنهم على مستوى ممارسة السلط والحكم أثر ذكاء ومنفعة للعمل العام ولمصالح الناس! وهكذا أبعد الجيش واحتكر الأفندية السلطة، ولا سيما تخصصات مهنية معينة، ولم ينسوا على مستوى الأحزاب استجلاب حشود من الريف للتخويف ولدرء الكارثة! واتض أنه مامن انقلاب نجح أو لم بنجح، إلا كان تنفيذا لقرار من جهة سياسية مدنية بحتة! وأن أول ضحايا الانقلاب الحاكم، هم الضباط ثم الجنوجد، ابلقتل والسحن والطرد، ولا أعرف إذا صار الجيش نفسه ضحية ذلك! abuamnabadawi@gmail.com