أوباما: 100 يوم من العمل … بقلم: د. أسامة عثمان، نيويورك
8 May, 2009
شهد يوم الأربعاء الماضي مرور مئة يوم منذ أن دخل باراك أوباما المكتب البيضاوي في البيت الأبيض رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية . ووقف الجميع للتأمل فيما أنجز خلال الأيام المئة التي انقضت. وليس لوقفة التقويم هذه أساس دستوري كالفترة التي تسبقها، أي منذ إعلان انتخاب الرئيس في مطلع شهر نوفمبر حتى حفل أدائه القسم ودخوله البيت الأبيض في 20 يناير من العام الذي يليه.
فتلك الفترة يحددها الدستور الذي يشترط أن تجرى الانتخابات في أول يوم ثلاثاء من شهر نوفمبر يقع بعد يوم الاثنين الأول في الشهر، بمعنى آخر، إذا تصادف أن كان آخر يوم في شهر أكتوبر هو يوم الأثنين فإن الانتخابات لا تجرى في اليوم الأول من نوفمبر وإنما في الثامن منه.ولا تجرى الانتخابات في يوم الأحد كما هو الحال في فرنسا مثلا، لأن الأحد عند الأمريكان كان يعتبر هو يوم الشعائر الدينية وينبغي أن لا يسافر فيه الناس من أجل الاقتراع، لذلك خصص يوم الثلاثاء حتى يتمكن الناس من السفر من الريف إلى المدينة في يوم الأثنين للتصويت للانتخابات في يوم الثلاثاء حتى لا يضطر الناس للسفر في يوم راحة العطلة الدينية ولقد كان الآباء المؤسسون كغيرهم من الأمريكان في ذلك الوقت من المتدينين ولكنهم انتبهوا من الوهلة الأولي على أن مسألة الحكم ليست مسألة دين وإنما مسألة دنيا وصاغوا دستورهم الخالد على هذا الأساس ولا يحسبن بعض الناس أن بعض مظاهر احترام التقاليد المسيحية هو دليل على تدين الدولة فالدولة لا دين لها وإنما التدين للأفراد.ويرجع تاريخ فترة الانتظار بين انتخاب الرئيس وتسلمه منصبه إلى سبب تاريخي هو أن الرئيس كان ولا يزال من الممكن انتخابه من أي من الولايات، وعليه كان لا بد من وجود فترة زمنية تمكنه من السفر على ظهر جواده أو عربته التي تجرها الخيول من ولايته حتى يصل واشنطن العاصمة ليمارس حكم الدولة الاتحادية بأسرها. ونسبة لاتساع رقعة الولايات المتحدة كانت الرحلة تستغرق وقتا طويلا إلى جانب أنه يحتاج لبعض الوقت لترتيب أموره في الولاية التي انتخب منها وتحميل متاعه للانتقال للسكن في البيت الأبيض. وغالبا ما يصطحب كلبه وبعض خيوله معه. ولقد تم الإبقاء على هذا التقليد لغرض آخر بعد أن تيسر السفر وهو إتاحة الفرصة للرئيس المنتخب للتشاور بشأن تكوين حكومته والاستعداد لاتخاذ القرارات العاجلة فور دخوله البيت الأبيض بعد أدائه اليمين.
أما مسألة الأيام المئة الأولى فهي تعود إلى عهد الرئيس فرانكلين روزفلت الذي انتخب رئيسا في عام 1933 عقب فترة الركود الاقتصادي الكبير التي ضربت العالم ابتداء من عام 1929، ولقد تابعت الصحافة الرئيس روزفلت الذي وعد خلال حملته الانتخابية بخطوات كبرى ليخرج البلاد من الوضع الاقتصادي المتردي.
وبالفعل نجح في العمل مع الكونغرس ومن خلال صلاحياته كرئيس في الدفع بعشرة مشروعات قوانين كانت هي الأساس لإجراء تغييرات أساسية في بنية الاقتصاد الأمريكي وفي بناء البنيات الأساسية في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية.
وظل تقليد التقييم الأولي بعد فترة السماح غير المكتوبة التي يحظى بها الرئيس بعد انتخابه حيث يخفف الحزب الآخر من غلوائه في انتقاده وانتقاد سياساته كنوع من القبول بنتيجة الانتخابات وإتاحة الفرصة للرئيس لينفذ ما وعد به. وفي هذه الفترة ترصد الصحافة وأجهزة الإعلام كل ما يصدر عن الرئيس وحكومته يوم بيوم لإجراء هذا التقييم المبدئي في نهاية فترة السماح. فمسألة الأيام المئة الأولى هي بدعة من بدع الصحافة التي صارت جزء من آليات المحاسبة والمسآلة على الأداء منذ اللحظة الأولي.
من المسلّم به أن الرئيس مهما كان ذلك الرئيس، لا يستطيع إجراء تغييرات كبرى في التوجهات الرئيسية للبلاد في غضون ثلاثة أشهر وذلك بسبب أن الميزانية للعام الذي يستهل فيه الرئيس فترته تكون قد أجيزت في السنة التي سبقت حيث أن دورة الميزانية غير مرتبطة بدورة الانتخابات.
ومن الممكن الإعلان عن توجهات إستراتيجية كبرى في خلال الحملة الانتخابية أو خلال برنامج عمل الحكومة في مستهل دورتها ولكن ترجمة هذه التوجهات الإستراتيجية إلى خطط مفصّلة مدعومة بميزانيات محددة تحتاج لبعض الوقت.
كما أن تشكيل فرق العمل في مجالات حساسة مثل الأمن القومي يحتاج لفترة قد تمتد لستة أشهر حيث أن عملية الاختيار والتمحيص تتطلب بعض الوقت إلى جانب ضرورة موافقة الكونغرس على كل اختيارات الرئيس في هذا المجال بعد إجراء تمحيص واستجواب إضافي للمرشحين للمناصب.
بدأ الرئيس أوباما فترة رئاسته وكل هذه القيود المؤسسية تحيط به إلى جانب أن قدره قد جعله يرث أسوأ سجل لرئيس أمريكي منذ الحرب العالمية الثانية. فقد أجمعت استطلاعات الرأي العام على تدهور صورة أمريكا في العالم في خلال الأعوام الثمانية التي سيطرت فيها إدارة بوش على مقاليد الأمور، إلى جانب أنه قد ورث حربين في العراق وأفغانستان وزاد الأمر تعقيدا أنه قد استهل ولايته وقد ضربت البلاد والعالم باسره أسوأ كارثة مالية منذ قرابة الثمانين عاما.
من أبرز الجوانب التي استطاع الرئيس أوباما أن يضع بصماته فيها خلال فترة الأيام المئة الأولى هو جانب تغيير صورة أمريكا في العالم لأن من المعروف أنه في مجال العلاقات بين الدول للنظرة التي ترسم تصور الآخرين عنك أهمية لا تقل عن أهمية السياسية المتبعة في العلاقة بالآخر.
بهذا الفهم أعلن اوباما منذ اللحظة الأولى بأن حكومته على استعداد لأن تستمع بانتباه وأن تخاطب الجميع الدول الحليفة والدول المنافسة والدول المعادية على حد سواء، كما أنه أعلن عن استعداده للعمل مع الأمم المتحدة بدلا عن معاداتها واتخاذ سياسة انعزالية فأعلن على وجه السرعة عن سفيرته للأمم المتحدة ممثلة في سوزان رايس وأعلنت مرشحته لوزارة الخارجية هيلاري كلينتون عند مثولها أمام الكونغرس عن نيتها في التعامل الوثيق مع الأمم المتحدة. وتستعد الولايات المتحدة لخوض انتخابات مجلس حقوق الإنسان لتنال عضويته بعد أن قاطعته في البداية وظلت في موقف المراقب.
كما أن الإدارة قد كونت فريق عمل للنظر في كيفية التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية بالانضمام لها أو إيجاد صورة ما للتعاون معها، ولكن المؤكد أن معاداتها لم تعد في جدول أعمال الحكومة الأمريكية، أما تحطيمها الذي كان ينادي به بولتون سفيرها لدى الأمم المتحدة ولم ينجح فيه فربما ترك أمره لعبد الرحيم محمد حسين والنافع على نافع ، وغيرهما من غلاة الحزب الحاكم في السودان وذلك وفقا لما صرحا ووعدا به!.تمثلت محاولة تغيير صورة الولايات المتحدة في العالم في أول أمرها بإجراء داخلي اتخذه أوباما في اسبوعه الأول وهو قراره بإغلاق معتقل غوانتانامو سيئ السمعة ثم أعقب ذلك بزيارة لحضور اجتماعات الناتو في أوروبا وزيارته لأمريكا اللاتينية ومصافحته لهيغو شافيز وإرساله رسائل إيجابية لكل من كوبا ونيكاراغوا وإيران. كما أعلن أن إدارته ستكون أكثر تفهما للحساسية الثقافية والدينية للشعوب الأخرى، ودلل في وقت وجيز عن أنه أكثر براغماتية وأقل أيدلوجية من الرئيس بوش وأكثر إيمانا بالدبلوماسية التفاعلية المبادرة.
وإن بدأ التغيير في صورة الولايات المتحدة في العالم واضحا في خلال هذه الفترة القصيرة فإن التغيير الحقيقي في السياسية الخارجية لا يزال ينتظر.
فالرئيس قد استغرقته محاولات إنقاذ الاقتصاد وإيقاف التدهور والحفاظ على وضع بلاده في الساحة الاقتصادية العالمية. ولا يزال تحدي الانسحاب بمسؤولية من مستنقع العراق ماثلا أمامه على الرغم من إعلانه الالتزام بما وعد به في حملته الانتخابية فهو مسؤول عن إنهاء حرب لم يبدأها وعارضها منذ البداية.
وعليه أن يغير الواقع على الأرض في أفغانستان ولقد أعلن سياسته التي تختلف تماما عن سياسة الرئيس بوش وهي أن باكستان وأفغانستان يعتبران منطقة واحدة من حيث إستراتيجية محاربة الجماعات المارقة على سلطة الدولة.
ولا تزال العلاقة مع إيران وكوريا الشمالية موضع إشكالية إلى جانب أن الحرب مع الجماعات غير الممثلة لدول والتي تمثل تحديا لأمريكا وللعالم لا تزال قائمة وإن لم يسمها الحرب على الإرهاب كسلفه. ولم يظهر تقدم بعد في ملف الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية.
ويبقى التحدي الأكبر لأوباما على الرغم من الجهد الذي بذل في تكوين فريق لإدارة الاقتصاد والأزمة المالية هو كيفية إدارة الأزمة المالية والخروج بالاقتصاد الأمريكي من الركود بأسرع ما أمكن. فخطة الإنعاش والحوافز التي كانت أول خطط الكبرى في بداية أيامه المئة الأولى لم تظهر نتائجها بعد وقد تنجح وقد لا تنجح. كما أن الحلفاء الأساسيين للولايات المتحدة قد لا يدعمونها كما ظهرت بوادر ذلك في اجتماع قمة العشرين الأخير في بداية أبريل. .ما كان من أبرز نجاحاته في هذا المجال هو أنه قد استطاع أن يقلل من اللوم الذي كان قد القي به على عاتق بلاده ومسؤوليتها عن الأزمة فالأزمة الآن صارت أزمة الجميع والمسؤولية عن إيجاد الحلول مسؤولية جماعيةلم تشهد فترة الأيام المئة الأولى تقدما في ملف الشرق الأوسط غير تعيين مبعوث خاص خبير بالمنطقة وزيارة وزيرة الخارجية للمنطقة أكثر من مرة إلى أن سوء طالع الرئيس أوباما هو أن حكومة ممعنة في اليمينية والتطرف قد انتخبت في إسرائيل وأنها لا تزال تتلكأ في القبول بحل الدولتين الذي تبنته هذه الإدارة عن سابقتها.
أما الغائب الأكبر عن الإنجاز في المئة يوم الأولى فهو أفريقيا. فعلى الرغم من الاحتفاء الكبير بانتخاب الرئيس أوباما باعتباره أول رئيس لدولة عظمى تجري في عروقه دماء أفريقية. فقد أهملت جميع وسائل الإعلام الكبرى رصد الإنجاز في أفريقيا للمئة يوم الأولى.ركّز مساندو قضايا أفريقيا أثناء الحملة الانتخابية على الدفع بثلاثة قضايا أساسية لتكون في سلم أولويات الرئيس أوباما بعد انتخابه وهي مشكلة الفقر ومرض الإيدز حيث كان من المتوقع اتخاذ خطوات سريعة لزيادة دعم الولايات المتحدة لمساهمتها في تمويل صندوق مكافحة الإيدز العالمي والبرنامج الأمريكي لمكافحة الأمراض الكبرى في أفريقيا الإيدز والملاريا والسل، وقضية إلغاء ديون أفريقيا ولقد أثرت الأزمة المالية والاقتصادية في جميع هذه البرامج
ويتشكك اللوبي الأفريقي في مقترح جاءت به إدارة أوباما وهو أن يتولى صندوق النقد الدولي تقديم القروض والمساعدات اللازمة لإنقاذ اقتصاديات أفريقيا من تأثير الأزمة المالية، ويشكك الكثيرون في جدوى أي خطوات يقوم بها الصندوق لأن سياسات الصندوق هي سبب الأزمة في المقام الأول في بلدان العالم الثالث عامة وأفريقيا خاصة وينادون بإصلاح مؤسسات بريتون وودز جميعها لتواكب العصر.
والقضية الأفريقية الثالثة هي مسالة العدالة والسلام في دارفور و التي اتسمت معالجة إدارة أوباما بالبطء الشديد في التعامل معها في نظر اللوبي النشط الذي قدم تصورا لما ينبغي عمله للإدارة منذ دخول الرئيس أوباما إلى البيت الأبيض، يتمثل في الدفع باتجاه العدالة الدولية والسعي للضغط على الرئيس السوداني بغية تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية ليجيب عن التهم الموجهة إليه واستخدام سياسية العصا الغليظة من عقوبات وتضييق وحصار وضربات عسكرية في النهاية لإيقاف تدهور الأوضاع ووضع حد للمأساة.
لم تستجب الإدارة لهذه المطالب وبدأت في دراسة وتجريب وسائل متعددة للتعامل مع الأزمة تمثلت في تعيين موفد خاص جديد سيتبعه قائم بالأعمال جديد أيضا. وتبدي الخرطوم تفاؤلا مفرطا في أمر تحسن العلاقات مع الإدارة الجديدة وربما شجعها عدم أخذ الإدارة بمقترحات لوبي دارفور القوي في الاعتقاد بأن في مقدورها الخروج من مأزق العلاقات المتدهورة باستمرار مع الولايات المتحدة.
وقضايا أفريقيا لا تؤثر على الرأي العام بشكل كبير في أمريكا، فالرئيس بوش كان من أكثر الرؤساء الذين قدموا دعما ماليا لأفريقيا ولكن ذلك لم يشفع له ولم يحسن من صورته لدى الرأي العام الأمريكي ولا الرأي العام الأفريقي وتبعا لذلك فإن أفريقيا ليست في أعلا سلم الأولويات للسياسية الخارجية لإدارة أوباما.
ولقد أظهرت استطلاعات الرأي العام أن أوباما لا يزال يحظى بشعبية كبيرة فاقت تلك التي حصل عليها كل من بوش وكلينتون بعد انقضاء الأيام المئة الأولى من تقلدهم مسؤولية الرئاسية.
وعبرة الأمور بخواتيمها ونأمل أن يستطيع الرئيس التاريخي للولايات المتحدة أن ينجز إنجازا تاريخيا في نهاية فترة رئاسته.و أن تستمر البداية الموفقة حتى نهاية المطاف.
د. أسامة عثمان
نيويورك
نقلا عن جريدة الصحافة ليوم الأربعاء 6 مايو 2009