إسرائيل و الجنوب
د. محمد شرف الدين
26 January, 2012
26 January, 2012
إن زيارة سلفاكير، رئيس دولة الجنوب، الي إسرائيل مؤخرا،تعتبر نتاجاً طبيعياً، ومولوداً شرعياً، للسياسة الرعناء، التي ظلت تنتهجها عقلية القرار في البلاد، تجاه الجنوب منذ الاستقلال،عقلية ظنت وعلى مدي، عشرات السنين، أن العلاج لمشكلة الجنوب، هو الحرب.. وعكفت تهدر موارد البلاد، في شراء السلاح كأدوية لقتل أبناء السودان من الجانبين، وكأنهم جراثيم تسببت في إشعال اسقام الإحتراب بين الإخوة في الشمال و الجنوب،لم تكلف تلك العقلية نفسها، جهد البحث و دراسة الأسباب الحقيقة للمشكلة، ومحاولة وضع حلول حذرية، بدلاً عن النهج القتالي، الذي آمنت به جل الحكومات وإعتنقته علي مدي زهاء الستين عاما كتشخيص صحيح لعلاج المشكلة ...ولم يقتصر الأمر على الساسة فحسب، بل شاطرهم فيه كافة قطاعات المجتمع المستنيرة، (الفنانون) تغنوا لتأجيج الحرب و إزكاء نيرانها،أما الشعراء الذين هاموا في أودية كل الحكومات جعلوا من شعرهم حطباً لإضرام نار القتال بين الإخوة،ونظّر المثقفون و الكتاب لعقلية الحرب وقدموا لها البعد الايدلوجي كوقود ثقافي للإستمرار في القتال،المثقفون الذين بدوا الحرب ثقافيا من خلال ما اثاروه من جدل بيزنطي بين ما أسموه جدل (الغابة و الصحراء) في إشارة رمزية للإفريقانية و العروبة، فالحرب اولها كلام كما تعلمون.. فبعض الكتاب و المثقفين عملوا علي فصل السودان ثقافيا، من خلال الإتجاهات الثقافية الهلامية الانفصالية المزعومة في (الغابة و الصحراء)،وكان للإعلام بأنواعه المختلفة دوره السالب في شطر السودان الي بلدين متناحرين،وأسهم رجالات الطرق الصوفية في الجهد السالب ايضا، الجهد الذي دفع الجنوب دفعاً نحو هاوية الإنفصال وذلك من خلال وقوفهم خلف عقلية الحرب، ولم يقدموا، منذ الإستقلال أي مبادرة لحل المشكلة سلميا،فإنفصال الجنوب علي انقاض كل هذه المتراكمات،و المعطيات المأسوية لن يكون في صالح دولة الشمال في المستقبل المنظور ، بل سيكون مصدر قلق ومنبعا قويا لتصدير المشاكل الي السودان،ولعل ميزان التبادل الوحيد الذي سيميز علاقة البلدين في القريب، سيكون ميزان تبادل الاتهامات وتأجيج الصراع و القلاقل و استغلال نقاط الضعف في كل طرف،إتكاءً على مناصرين دوليين أو إقليميين،ولن يؤدي ذلك الي استقرار لا الشمال ولا الجنوب، فقد ظل فاقدي البصيرة في الشمال، يظنون أنه بذهاب الجنوب ستحل مشكلة الشمال،وهللوا ونحروا الذبائح بعد إعلان الإنفصال... ولكنهم لايدرون أنهم نحروا مستقبل السودان.. نحروا إستقراره... نحروا التسامح وروح المودة و الإخاء الإنساني.. هم مسؤلون عن زيارة سلفاكير الى إسرائيل ..إسرائيل التى تثير أعصابهم لدرجة الجنون..فأنتم مسئولون عن إفتتاح سفارة لإسرائيل بالقرب من حدودنا الجنوبية في جوبا ، مثلما لديها سفارة في حدودنا الشمالية في القاهرة..كل ذلك يحدث في زمن الغفلة وليس الإنتباهة.!
M. Sharafeldin [msharafadin@hotmail.com]