إضاءة علي كتاب: (حياة و تجارب) تأليف .. البروفيسور عبدالسلام محمود عبدالله
بورفيسور مهدي أمين التوم
20 June, 2022
20 June, 2022
بسم الله الرحمن الرحيم
من الظواهر المؤسفة في السودان عزوف بنيه عن الحديث عن أنفسهم و عن تسجيل تجاربهم و إنجازاتهم الشخصية ،و ذلك لأسباب مجتمعية تأبى الحديث عن النفس ، و تعف عن ذكر الإنجازات الشخصية . لهذا مضت أرتال من أبناء السودان العظماء إلى بارئهم بدون أن يسجلوا تجاربهم و نجاحاتهم و إخفاقاتهم لتستفيد منها و تبني عليها الاجيال الصاعدة. الواقع يقول إن عدداً ضئيلاً جداً من أهل السودان كتبوا سيرهم الذاتية و نشروها لتكون في متناول المجايلين و اللاحقين من أبناء الوطن..و لهذا فإن كتاب ( حياة و تجارب ) الذي نحن بصدده يُعتبر من الأمثلة القليلة للسِيَر الذاتية التي توفرت للمجتمع السوداني مكتوبة بقلم أصحابها..و حتى في ما نحن هنا بصدده كان للقَدِر حكمه !! فكتاب (حياة و تجارب) هذا أعد مادته كاملة مؤلفه بروفيسور عبدالسلام محمود عبدالله، لكن شاءت إرادة الله ان لا تكتمل طباعته و نشره إلا بعد وفاته بوقت وجيز ، فلم يره في شكله النهائي قبل أن يلتحق بالرفيق الأعلى راضياً مرضياً بما بذل و ما أنجز علمياً و مجتمعياً في بلاد السودان، و في مواقع أخرى إقليمية و دولية.
يقع الكتاب في ثلاثمائة و ثمان و خمسين صفحة من القطع الكبير ،في طباعة جيدة ،و تصميم جميل للغلاف و الصفحات، مع عدد كبير من الصور الفوتوغرافية التوثيقية ، و تزينه ثلاث مقدمات تضفي أبعاداً مهمة علي محتوى الكتاب و علي خلفيات بعض ما ورد فيه من أحداث ، لا أقول قد أغفلها المؤلف ، و لكنه تَوَاضَع عن الخوض في تفاصيلها.
لم تك بداية حياة المؤلف سهلة و ميسرة فلقد كانت حياة يتم و عصامية ،خففها التكافل الأُسَري و المجتمعي الذي يتميز به أهل السودان ، مما مَكَّن المؤلف من إكمال مراحل تعليمه العام تحت ظروف أسرية و مادية صعبة ، و ظل متنقلا بين الكاملين، مسقط رأسه ، و ود مدني و حنتوب و الخرطوم ، مشمولاً في كل تلك المواقع برعاية كريمة من الأهل و الأقارب ،و مدفوعاً للتقدم في سُلَّم التعليم بما كان يحرز من نجاحات و تفوق رغم كل ما كان يحيط به و بأسرته الصغيرة من ضيق ذات اليد ،و رغم ما كانت تتطلبه ظروف الحياة في مجتمع مشروع الجزيرة التي كانت تحتم علي الكل، و حتى الاطفال المشاركة في العمليات الزراعية منذ نعومة أظفارهم ، مما كان يتضارب في أحيان كثيرة مع متطلبات الدراسة النظامية في المدارس..و يروي الكاتب هنا كيف كانت أيام الشهر تتوزع عنده مناصفة بين المدرسة و الحقل ، مما كان يستوجب بذل جهد خرافي منه للحاق بما فاته في المدرسة خلال إسبوعين من كل شهر خلال العام الدراسي كان يقضيهما في الحقل مشاركاً في العمليات الزراعية .
رغم كل الظروف غير المواتية ، إستطاع المؤلف التَمَيُّز العلمي ، و كان من القِلَّة المحظوظة التي إحتضنتها مدرسة حنتوب الثانوية عندما كانت قبلة لأذكياء السودان و خاضعة لمنافسات شرسة بين أبناء كل أقاليم السودان ..لقد أفرد المؤلف جزءاً كبيراً من الكتاب لتسجيل ذكرياته و إنجازاته في رحاب مدرسة حنتوب الثانوية ، كما عَبَّر دون مواربة عن عِشْقٍ مستحق لتلك المؤسسة التربوية العريقة التي أمَّها العديد من فطاحلة المعلمين و الإداريين السودانيين و الأجانب ، و أضاء جنباتها العديد من طلاب أصبح لهم شأن و أي شأن في حاضر و مستقبل السودان.
و تجربة المؤلف كطالب بجامعة الخرطوم قادم إليها من حنتوب كانت ثرة ، لكن تجربته الوظيفية معها كانت مضطربة ، إذ هجر وظيفة المعيد في كلية العلوم بجامعة الخرطوم و التي وفرها له تميزه العلمي، بعد شهور قليلة من تعيينه ، هرباً من كثرة العمل، كما قال ، و اختار أن يصبح معلماً في المدارس الثانوية . لكنه ندم علي ذلك بسرعة فعاد بعد لأي لأحضان الجامعة كطالب دراسات عليا ، و من بعد ذلك انطلق لعالم التدريس الجامعي بعد حصوله علي درجات عليا من جامعة الخرطوم و جامعة شيفيلد البريطانية . و من هنا بدأ كتابة صفحات علمية و إدارية مشرقة ، متعددة الآفاق و البيئات، فترك بصمات سجلها في كتابه و لا تخطئها العين في جامعة الرياض بالسعودية ، و جامعة الجزيرة ، و جامعة السودان المفتوحة ، و اخيراً جامعة أفريقيا العالمية.. فالكتاب يحتوي علي سِجِلٍ حافلٍ و صادقٍ لكمٍ هائلٍ من الإنجازات و المساهمات التي ستخلِّد ذكراه في كل تلك المواقع التي غِشَاها و ترك فيها بصمات خالدة أسأل الله أن يكتبها في ميزان حسناته و يجزيه عنها كل خير.
عموما فإن التفاصيل و مجمل الأحداث الواردة في الكتاب تمثل سيرة ذاتية تستحق أن تُبسَط أمام الناس لأن فيها الكثير من التجارب و العِبَر ، و الكثير من آليات التغلب علي المصاعب و تحدي الإنتكاسات ، و الكثير مما يستحق أن يُراجَع..و بشكل عام فإن الكتاب يثبت ما كان للمؤلف من علاقات عامة واسعة إستغلها بذكاء في قضاء حوائجه المؤسسية ، و أظن، مما ورد من تفاصيل في الكتاب ، أن إنتماء المؤلف المبكر للإخوان المسلمين منذ ايام حنتوب ، و علاقاته الوطيدة بالعديد من قياداتهم ،قد ساعده في إنجاز الكثير ..كذلك يبين الكتاب أن المؤلف، رحمه الله ، كان يتميز بجرأة شديدة في تناول الامور العامة ، و في طرق الأبواب المغلقة . كذلك يوثق الكتاب لما تميز به المؤلف من شجاعة في القول ، و من نَفسٍ لا تعرف المستحيل ، و من إستغلال إيجابي غير محدود للعلاقات الخاصة و توظيفها لخدمة الأغراض العامة.. كذلك كم هو مدهش ما ورد في الكتاب من مرات تجرأ فيها بتقديم خدمات لجهات لا ينتمي إليها ، و من إبتدار مشروعات كبرى لأشخاص و لمؤسسات خارج نطاقه الوظيفي، بروح خلَّاقة لا تعرف المستحيل ، و صبر عجيب علي المكاره و علي إمتصاص الإنتكاسات و الصبر علي المرض و علي فقدان الأحباء و الأصدقاء و بخاصة فقده المفاجئ لرفيقة الدرب و شريكة النجاحات زوجته نوال الطيب رحمة الله عليها .
ألا رحم الله بروفيسور عبدالسلام ، و جعل الجنة مأواه مع الصديقين و الشهداء . و أسأله تعالى أن يجعل كتابه( حياة و تجارب ) هادياً و مرشداً للأجيال ،و أن يُخَلِّد تجاربه الثرة و يبقي علي بصماته الناصعة التي تركها في كلٍ من جامعة الجزيرة، و جامعة السودان المفتوحة و جامعة أفريقيا العالمية، و جامعة الرياض و معهد اللغة العربية في الصين، و أن يجزيه خيراً على صبره علي ما ظل يعانيه من أمراض و آلام مبرحة لم تقعده ابداً عن ما جُبِل عليه من بذل و عطاء و كريم خصال .
بروفيسور
مهدي أمين التوم
19 يونيو 2022م
Sent from my Galaxy
mahditom1941@yahoo.com
/////////////////////////
من الظواهر المؤسفة في السودان عزوف بنيه عن الحديث عن أنفسهم و عن تسجيل تجاربهم و إنجازاتهم الشخصية ،و ذلك لأسباب مجتمعية تأبى الحديث عن النفس ، و تعف عن ذكر الإنجازات الشخصية . لهذا مضت أرتال من أبناء السودان العظماء إلى بارئهم بدون أن يسجلوا تجاربهم و نجاحاتهم و إخفاقاتهم لتستفيد منها و تبني عليها الاجيال الصاعدة. الواقع يقول إن عدداً ضئيلاً جداً من أهل السودان كتبوا سيرهم الذاتية و نشروها لتكون في متناول المجايلين و اللاحقين من أبناء الوطن..و لهذا فإن كتاب ( حياة و تجارب ) الذي نحن بصدده يُعتبر من الأمثلة القليلة للسِيَر الذاتية التي توفرت للمجتمع السوداني مكتوبة بقلم أصحابها..و حتى في ما نحن هنا بصدده كان للقَدِر حكمه !! فكتاب (حياة و تجارب) هذا أعد مادته كاملة مؤلفه بروفيسور عبدالسلام محمود عبدالله، لكن شاءت إرادة الله ان لا تكتمل طباعته و نشره إلا بعد وفاته بوقت وجيز ، فلم يره في شكله النهائي قبل أن يلتحق بالرفيق الأعلى راضياً مرضياً بما بذل و ما أنجز علمياً و مجتمعياً في بلاد السودان، و في مواقع أخرى إقليمية و دولية.
يقع الكتاب في ثلاثمائة و ثمان و خمسين صفحة من القطع الكبير ،في طباعة جيدة ،و تصميم جميل للغلاف و الصفحات، مع عدد كبير من الصور الفوتوغرافية التوثيقية ، و تزينه ثلاث مقدمات تضفي أبعاداً مهمة علي محتوى الكتاب و علي خلفيات بعض ما ورد فيه من أحداث ، لا أقول قد أغفلها المؤلف ، و لكنه تَوَاضَع عن الخوض في تفاصيلها.
لم تك بداية حياة المؤلف سهلة و ميسرة فلقد كانت حياة يتم و عصامية ،خففها التكافل الأُسَري و المجتمعي الذي يتميز به أهل السودان ، مما مَكَّن المؤلف من إكمال مراحل تعليمه العام تحت ظروف أسرية و مادية صعبة ، و ظل متنقلا بين الكاملين، مسقط رأسه ، و ود مدني و حنتوب و الخرطوم ، مشمولاً في كل تلك المواقع برعاية كريمة من الأهل و الأقارب ،و مدفوعاً للتقدم في سُلَّم التعليم بما كان يحرز من نجاحات و تفوق رغم كل ما كان يحيط به و بأسرته الصغيرة من ضيق ذات اليد ،و رغم ما كانت تتطلبه ظروف الحياة في مجتمع مشروع الجزيرة التي كانت تحتم علي الكل، و حتى الاطفال المشاركة في العمليات الزراعية منذ نعومة أظفارهم ، مما كان يتضارب في أحيان كثيرة مع متطلبات الدراسة النظامية في المدارس..و يروي الكاتب هنا كيف كانت أيام الشهر تتوزع عنده مناصفة بين المدرسة و الحقل ، مما كان يستوجب بذل جهد خرافي منه للحاق بما فاته في المدرسة خلال إسبوعين من كل شهر خلال العام الدراسي كان يقضيهما في الحقل مشاركاً في العمليات الزراعية .
رغم كل الظروف غير المواتية ، إستطاع المؤلف التَمَيُّز العلمي ، و كان من القِلَّة المحظوظة التي إحتضنتها مدرسة حنتوب الثانوية عندما كانت قبلة لأذكياء السودان و خاضعة لمنافسات شرسة بين أبناء كل أقاليم السودان ..لقد أفرد المؤلف جزءاً كبيراً من الكتاب لتسجيل ذكرياته و إنجازاته في رحاب مدرسة حنتوب الثانوية ، كما عَبَّر دون مواربة عن عِشْقٍ مستحق لتلك المؤسسة التربوية العريقة التي أمَّها العديد من فطاحلة المعلمين و الإداريين السودانيين و الأجانب ، و أضاء جنباتها العديد من طلاب أصبح لهم شأن و أي شأن في حاضر و مستقبل السودان.
و تجربة المؤلف كطالب بجامعة الخرطوم قادم إليها من حنتوب كانت ثرة ، لكن تجربته الوظيفية معها كانت مضطربة ، إذ هجر وظيفة المعيد في كلية العلوم بجامعة الخرطوم و التي وفرها له تميزه العلمي، بعد شهور قليلة من تعيينه ، هرباً من كثرة العمل، كما قال ، و اختار أن يصبح معلماً في المدارس الثانوية . لكنه ندم علي ذلك بسرعة فعاد بعد لأي لأحضان الجامعة كطالب دراسات عليا ، و من بعد ذلك انطلق لعالم التدريس الجامعي بعد حصوله علي درجات عليا من جامعة الخرطوم و جامعة شيفيلد البريطانية . و من هنا بدأ كتابة صفحات علمية و إدارية مشرقة ، متعددة الآفاق و البيئات، فترك بصمات سجلها في كتابه و لا تخطئها العين في جامعة الرياض بالسعودية ، و جامعة الجزيرة ، و جامعة السودان المفتوحة ، و اخيراً جامعة أفريقيا العالمية.. فالكتاب يحتوي علي سِجِلٍ حافلٍ و صادقٍ لكمٍ هائلٍ من الإنجازات و المساهمات التي ستخلِّد ذكراه في كل تلك المواقع التي غِشَاها و ترك فيها بصمات خالدة أسأل الله أن يكتبها في ميزان حسناته و يجزيه عنها كل خير.
عموما فإن التفاصيل و مجمل الأحداث الواردة في الكتاب تمثل سيرة ذاتية تستحق أن تُبسَط أمام الناس لأن فيها الكثير من التجارب و العِبَر ، و الكثير من آليات التغلب علي المصاعب و تحدي الإنتكاسات ، و الكثير مما يستحق أن يُراجَع..و بشكل عام فإن الكتاب يثبت ما كان للمؤلف من علاقات عامة واسعة إستغلها بذكاء في قضاء حوائجه المؤسسية ، و أظن، مما ورد من تفاصيل في الكتاب ، أن إنتماء المؤلف المبكر للإخوان المسلمين منذ ايام حنتوب ، و علاقاته الوطيدة بالعديد من قياداتهم ،قد ساعده في إنجاز الكثير ..كذلك يبين الكتاب أن المؤلف، رحمه الله ، كان يتميز بجرأة شديدة في تناول الامور العامة ، و في طرق الأبواب المغلقة . كذلك يوثق الكتاب لما تميز به المؤلف من شجاعة في القول ، و من نَفسٍ لا تعرف المستحيل ، و من إستغلال إيجابي غير محدود للعلاقات الخاصة و توظيفها لخدمة الأغراض العامة.. كذلك كم هو مدهش ما ورد في الكتاب من مرات تجرأ فيها بتقديم خدمات لجهات لا ينتمي إليها ، و من إبتدار مشروعات كبرى لأشخاص و لمؤسسات خارج نطاقه الوظيفي، بروح خلَّاقة لا تعرف المستحيل ، و صبر عجيب علي المكاره و علي إمتصاص الإنتكاسات و الصبر علي المرض و علي فقدان الأحباء و الأصدقاء و بخاصة فقده المفاجئ لرفيقة الدرب و شريكة النجاحات زوجته نوال الطيب رحمة الله عليها .
ألا رحم الله بروفيسور عبدالسلام ، و جعل الجنة مأواه مع الصديقين و الشهداء . و أسأله تعالى أن يجعل كتابه( حياة و تجارب ) هادياً و مرشداً للأجيال ،و أن يُخَلِّد تجاربه الثرة و يبقي علي بصماته الناصعة التي تركها في كلٍ من جامعة الجزيرة، و جامعة السودان المفتوحة و جامعة أفريقيا العالمية، و جامعة الرياض و معهد اللغة العربية في الصين، و أن يجزيه خيراً على صبره علي ما ظل يعانيه من أمراض و آلام مبرحة لم تقعده ابداً عن ما جُبِل عليه من بذل و عطاء و كريم خصال .
بروفيسور
مهدي أمين التوم
19 يونيو 2022م
Sent from my Galaxy
mahditom1941@yahoo.com
/////////////////////////