إطار وقف إطلاق النار وإعادة الإعمار (3) تمكين القدرات المحلية لتحقيق الاستدامة

 


 

 

بروفيسور/ مكي مدني الشبلي
المدير التنفيذي – مركز مأمون بحيري

تمهيد:
أفضى الإحتراب المدمر الذي اندلع في الخرطوم منتصف أبريل 2023 بين الجيش والدعم السريع إلى كارثة وطنية انداحت آثارها الاقتصادية والاجتماعية لبقية ولايات السودان ودول الجوار الإفريقي والعربي. وألقى الاقتتال الطاحن بظلام قاتم علي الفترة الانتقالية المتعثرة التي كابدها السودان بعد نجاح ثورة ديسمبر في القضاء على حكم الإنقاذ الشمولي في أبريل 2019. وفي خضم فشل الفترة الانتقالية في تحقيق استحقاقات السلام والانتعاش الاقتصادي وتهيئة البيئة المؤدية لانتخابات حرة ونزيهة، استعر الإحتراب الكارثي منتصف أبريل 2023 ليضيف أعباء واستحقاقات متراكمة على الفترة الانتقالية، ويسلط الضوء على الأوزار التي لازمت الممارسات السابقة من السياسيين والعسكريين.
وعلى هذه الخلفية الحالكة فإن الإطار المقترح لوقف إطلاق النار وإعادة إعمار السودان ينطوي على مهام واختصاصات محددة لتحقيق السلام والانتعاش بالسودان، ويضع حداً لتراكم الآثار الوخيمة للصراعات المهلكة التي لازمت الخمسين سنة الماضية. كما يرمي الإطار المقترح إلى المساعدة في تحديد أوجه القصور والثغرات في تجربة الانتقال السابقة، ويمهد الطريق لانتقال حقيقي يراعي التسلسل والتدرج في تنفيذ المهام المؤدية للحكم المدني الراسخ والتحول الديمقراطي المنشود بعيداً عن الرغبوية الجامحة والتشاؤم المستكين. وتحقيقاً لهذه الغايات المأمولة ينطوي الإطار المقترح على عملية تخطيط استراتيجي واقعي يحدد أولويات الانتقال ويقسم المهام المسندة بشكل منسق بين الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية والدولية بما يضمن تحاشي الانتكاسات التي لازمت فترة الانتقال السابقة.
استعرض الجزء الأول من الإطار المقترح لوقف إطلاق النار وإعادة الإعمار مهام وآليات التدخل الوطني والإقليمي المباشر لبسط الأمن. وتناول الجزء الثاني مهام وآليات ترسيخ الانتقال. ويستعرض الجزء الثالث المهام المتعلقة بتمكين القدرات المحلية لتحقيق الاستدامة وفق استراتيجية خروج متدرج للتواجد الإقليمي والدولي (Exit strategy).
ونظراً لأن الفترة الانتقالية القادمة تتحمل أعباء إخفاقات تجربة الانتقال السابقة منذ سقوط نظام الإنقاذ في أبريل 2019، وأوزار حرب أبريل 2023، فإن تحديد مدة الفترة الانتقالية ينبغي تجرده من الاشتهاء بحيث يضع في الحسبان فترة واقعية تكفي للإيفاء بعقد اجتماعي بين الدولة والشعب يكسبها الشرعية المطلوبة. وينطوي هذا العقد الاجتماعي على مجابهة الحكومة لتحديات الانتقال المتراكمة التي تشمل، فيما تشمل، وقف الأعمال العدائية، ومراجعة اتفاقية سلام جوبا، والتسريح ونزع السلاح، وإدماج الدعم السريع وجيوش الحركات المسلحة في الجيش السوداني، وعودة اللاجئين والنازحين، وإرساء أسس الدولة الناهضة، وتحقيق وإدارة الاندماج المجتمعي ، وتوفير الوظائف للشباب، والتركيز على حقوق المرأة، توطئة للشروع في تحقيق الانتعاش الاقتصادي، وتهيئة البيئة الصالحة لقيام انتخابات حرة ونزيهة.
وفيما يلي استعراض للمهام والاختصاصات التفصيلية لمرحلة تمكين القدرات المحلية لتحقيق الاستدامة التي تهدف إلى تمتين القدرات المحلية لبسط الأمن، وفرض النظام القانوني الوطني الفاعل القائم على المعايير الدولية، وتهيئة الأطر المؤسسية الوطنية لتنفيذ برامج التنمية المستدامة، وتجهيز المؤسسات السياسية وتعميم النهج التشاركي لتحقيق التحول الديمقراطي.
وتشمل المرحلة الثالثة أربع ركائز على النحو التالي:
1. بسط الأمن:
• إحكام السيطرة الوطنية على المقاتلين بنقل مراقبة فرض وقف إطلاق النار وإنهاء العدائيات إلى المؤسسات الأمنية الوطنية وإنهاء دور القوات الإقليمية في المراقبة، وتحويل مراقبة تنفيذ اتفاقيات السلام للسلطات المحلية، ودعم واستدامة تدابير الثقة في المؤسسات الأمنية الوطنية، وتأمين أسلحة المتقاتلين وتخزينها أو التخلص منها، وتطوير القدرة المحلية على السيطرة على الأسلحة، وفض معسكرات التسريح، وإعادة دمج المقاتلين السابقين في المجتمع، وتقديم خدمات المتابعة لإعادة الإدماج.
• تركيز إصلاح العلاقات بين الشرطة والمجتمع بمراعاة حقوق الإنسان، واكتساب مهارات الوساطة وحل النزاعات، وأساليب التحقيقات الجنائية التي تحترم حقوق الإنسان دون الحد من كفاءتها في الضغط على المجرمين، والتحسب للارتفاع المتوقع لمعدلات الجريمة بعد الصراع كأولوية قصوى لمنع تقويض الأمن وسيادة القانون.
• السيطرة الوطنية على الأراضي السودانية بنقل مهام مراقبة الحدود وحرية الحركة وحماية السكان ومسؤوليات الأمن العام إلى قوات الشرطة المحلية من القوات الإقليمية إلى الجهات الفاعلة المحلية.
• إعادة تشكيل الجيش والشرطة بعد استكمال عمليات دمج الدعم السريع والحركات المسلحة بتقديم برامج المساعدة العسكرية للجيش الواحد لإذكاء عقيدته القومية، وبناء الجيش الواحد والشرطة الواحدة لمراقبة الامتثال للترتيبات الأمنية الإقليمية مع دول الجوار وتعزيزها.
• إيلاء المساعدات الدولية اهتماماً خاصاً لمساعدة الشرطة على تطوير وتطبيق قواعد السلوك الداخلية والإجراءات التأديبية، ومساعدة مكاتب المفتشين العامين على التحقيق في سوء سلوك الشرطة أو تورطها في الفساد أو الأنشطة الإجرامية ومعاقبة مرتكبيها. ويتعين معاقبة سوء سلوك الشرطة مع لجان المقاومة بسرعة وعدالة، وإلا فإن الشرطة الجديدة ستشبه الشرطة القديمة المقوضة لفرص السلام والتحول الديمقراطي.
2. العدالة الانتقالية:
• تنفيذ دورات بناء قدرات مشتركة بين السلطة القضائية وإدارة السجون والشرطة والمتخصصين في حقوق الإنسان للتمكين من رؤية مشتركة لحفظ السلام، وتطوير العمل الجماعي لمحاربة المفسدين وسيادة القانون.
• نقل مسؤوليات ومهام العدالة الانتقالية إلى مؤسسات العدالة الوطنية وتشجيع التعاون مع المؤسسات العدلية الدولية، والتخلي التدريجي عن دور المراقبة الإقليمية لتطبيق القانون مع الاحتفاظ بالحد الأدنى من التعاون الشرطي الإقليمي والدولي، والاستمرار في توفير الدعم الفني وبرامج بناء القدرات للشرطة الوطنية لاستعادة مكانتها التي فقدتها بسبب ازدراء لجان المقاومة، ودورها السلبي في حرب أبريل 2023، خاصة في الخرطوم، وتشجيع التعاون بين كيانات إنفاذ القانون الوطنية والإقليمية والدولية.
• إعادة تنظيم الجهاز القضائي للتعامل مع قضايا ما بعد الراع الملحة شاملة القتل والنهب والتعدي على الممتلكات والأراضي المجتمعية (الحواكير) وتهريب السجناء وقضاء الأحداث وقضايا المواطنة والفساد، وتسريح المقاتلين ونزع سلاحهم. والشروع الفوري في الفصل في القضايا العالقة لقطع الطريق أمام تغول "المفسدين". ومنح الأسبقية للمحاكم الأدنى لاختصاصها مباشرة بمعظم قضايا المواطنين في مرحلة ما بعد الصراع، والتنسيق المستمر بين إصلاحات القضاء والشرطة والسجون نظراً للترابط الوثيق بين أدوارهم في الانتقال.
• المبدأ التشغيلي لجميع إصلاحات قطاع العدالة هو تعزيز المؤسسات الفاعلة الأهلية، وليس استبدالها.
• تكثيف الحملات الإعلامية العامة لشرح دور الشرطة والنظام القضائي الجديد في تحقيق السلام والتحول الديمقراطي، وعقد لقاءات منتظمة بين الشرطة والمنظمات المجتمعية وبين القضاة والمدعين العامين وموظفي المحاكم والمواطنين.
3. الرعاية الاجتماعية والانتعاش الاقتصادي:
الرعاية الاجتماعية
• تطوير وتوفير الفرص والخدمات الاقتصادية بإدارة وطنية لتشجيع عودة اللاجئين والنازحين داخلياً (IDP) إلى مواطنهم الأصلية الدائمة وتأمين استدامة عودتهم بإغلاق جميع المعسكرات المؤقتة.
• توفير الأمن الغذائي بحصول الجميع على طعام آمن ومغذي يلبي احتياجاتهم الغذائية وتفضيلاتهم بحيث يتوفر للحصول عليها باستدامة وإنصاف. والتخلص التدريجي من توزيع الإغاثة إلا في حالات الطوارئ، والانتقال إلى برامج المعونة الغذائية المعززة للانتاج، وضمان إعمال آليات السوق لتوفير الغذاء، وتنفيذ خطط الإصلاح والتنويع الزراعي.
• تحويل إدارة الصحة العامة المتعلقة بإدارة المياه والنفايات للمسؤولين الوطنيين وتوسيع أنشطة إدارة النفايات إلى المناطق الريفية، وتحديث المعدات الطبية، والتوسع في تشغيل المستشفيات لتقديم الرعاية المتخصصة، وبناء القدرات للإدارة المحلية للعيادات، ومأسسة برامج التطعيم على مستوى الدولة للوقاية من الأمراض المعدية، وتنفيذ برامج تثقيفية طويلة المدى في مجال الرعاية الصحية.
• إيواء النازحين واللاجئين ببناء مساكن بأسعار مخفضة، والفصل القضائي في منازعات الملكية وتقديم التعويضات لأصحاب المنازل المدمرة، ودعم العودة الطوعية للنازحين في كافة حقب ومناطق الصراع إلى منازلهم أو أراضيهم أو أماكن إقامتهم المعتادة السابقة بأمان وكرامة على أساس اختيار حر ومستنير. والتأكد من توافق ظروف النقل والإدماج المحلي للنازحين مع القانون والمعايير الدولية لحقوق الإنسان والمبادئ التوجيهية المتعلقة بالسكن اللائق بعد الإخلاء والتشريد القسري، وإتاحة سبل الإنصاف والمشورة والمساعدة القانونية وضمان محاكمة عادلة لجميع المواطنين الذين تعرضوا للإخلاء القهري.
• صيانة واستعادة الفتح المبكر للمدارس والجامعات باعتبار عودة الأطفال والشباب إلى فصول وقاعات الدراسة بمثابة مكاسب السلام (Peace dividend) وداعمة لاستدامته. وتدريب ودعم المعلمين في مناطق النزاع لتلبية الاحتياجات الخاصة للفتيات والفتيان، والتأكد من أمن وسلامة المدارس والجامعات للتلاميذ والطلاب والمعلمين. وتطوير وتبادل المواد التعليمية التي تراعي النوع الاجتماعي للمعلمين، ومأسسة فرص تعليم الكبار ودعم جهود حملات محو الأمية.

الانتعاش الاقتصادي
• السيطرة على اقتصاد الظل (اقتصاد الصراع) بالتشدد في إنفاذ القانون وقطع العلاقة بين السلطة السياسية والثروة المكتسبة بطرق غير مشروعة، وتجريد المفسدين (Spoilers) من الحوافز الاقتصادية لتأجيجهم الصراع، واتخاذ إجراءات صارمة ضد التجارة الإجرامية التي تنتهك حقوق الإنسان وتساهم في زعزعة الاستقرار، وتشجيع دمج هياكل السوق الموازي بجعل القنوات الرسمية أكثر سهولة وأقل سعراً، ورعاية رواد الأعمال، وتحويل الأدوات المالية لاستيعاب القطاع غير الرسمي بشكل أفضل من خلال برامج التمويل الأصغر، والائتمان التجاري، والخدمات الإرشادية.
• الانتقال التدريجي من اقتصاد الصراع (اقتصاد الظل) لاقتصاد السلام (الاقتصاد الرسمي) بتوزيع النشاط الاقتصادي بطريقة احتوائية (Inclusive) حتى يتمكن كافة المواطنين من إدراك فوائد السلام من حيث تحسين الحياة وسبل العيش، والتأكد من أن السياسات التي تتبعها الحكومة بدعم الشركاء الدوليين عالية الحساسية تجاه تجدد الصراع والتوترات الاجتماعية (Conflict-sensitive).
• مسار الانتقال التدريحي من اقتصاد الصراع لاقتصاد السلام يتطلب التسلسل في التحول من القطاع غير الرسمي غير المشروع (Illicit informal sector) الذي يتسم بإنتاج وتجارة المخدرات والتهريب والابتزاز، إلى القطاع غير الرسمي المشروع (Subsistence sector) الذي يتسم بزراعة الكفاف والمنتجات المدعومة بالإعانات الحكومية وآليات دعم الأسعار لتعويض أي دخل مفقود، ثم التحول للقطاع الرسمي المشروع (Licit formal sector) الذي يتميز بإنتاج محاصيل التصدير ذات الإنتاجية العالية وغيرها من الصناعات التحويلية والتعدين وتقديم الخدمات.
• الإصلاح المؤسسي للتخطيط الإستراتيجي بوضع مسؤولية التخطيط وتنفيذ الخطط والبرامج السنوية لدى مفوضية وطنية تتبع مباشرة لرئيس الوزراء، وتفعيل دور الدولة في إدارة الاقتصاد لبناء اقتصاد مرن ومستقر يعزز السلام المستدام والنمو الشامل والاستثمار وخلق فرص العمل والتخفيف من حدة الفقر بدعم سبل العيش (Livelihood).
• وضع القواعد التي تشكل الإطار العام للأنشطة الاقتصادية العامة والخاصة بطريقة شفافة وموثوقة للاستفادة القصوى من الموارد المحلية والخارجية المتاحة، وتعزيز الفاعلية (Effectiveness) بتوطيد قدرة الدولة على إدارة ورقابة السياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ودعم شرعية الدولة (Legitimacy) بإشراك جميع أصحاب المصلحة الرئيسيين في السياسات الاقتصادية وتحقيق العدالة والمساواة بسيادة القانون، وفرض سلطة الدولة (Authority) بتأسيس وصيانة عقد اجتماعي بين الحكومة والمواطنين واستعادة القدرة على تبني وتنفيذ السياسات الإصلاحية.
4. الحوكمة والتشاركية:
الحوكمة
• استكمال إعداد وإجازة المرجعية الدستورية عبر الحوار الوطني، وخلق منافذ لمناقشتها بواسطة الكيانات الشعبية، وإقرار الوثيقة الدستورية بواسطة المجلس التشريعي الانتقالي.
• تكريس المساءلة الديمقراطية باعتبارها شرطاً أساسياً للحوكمة الرشيدة وتحقيق السلام والتحول الديمقراطي بواسطة القدرات المحلية تحقيقاً للاستدامة. وتشمل أولاً المساءلة الأفقية (Horizontal accountability) بين سلطات الدولة الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، ومساءلتها كلها للهيئات الرقابية المستقلة (المراجع العام، وهيئة مكافحة الفساد، ومؤسسة الأمانة العامة للمظالم، وهيئة حقوق الإنسان، والإعلام). وثانياً المساءلة الرأسية (Vertical accountability) وتشمل المساءلة المباشرة بين الحكومة والشعب حول الالتزام بالعقد الاجتماعي بينهما. وبعد الانتخابات تتمثل المساءلة الرأسية في سلسلة المؤسسات والعمليات التي تربط الحاكم المنتخب بناخبيه ومنظمات المجتمع المدني.
• التخلص التدريجي من القوات الإقليمية التي ساعدت في وقف إطلاق النار وبسط الأمن، ونقل مهامها للسلطة الوطنية الانتقالية التي بدورها تقوم تدريجياً بالتخلي عن سلطاتها لصالح حكومة وطنية دائمة تأتي عبر الانتخابات الحرة والنزيهة.
التشاركية
• التعجيل الرغبوي بالانتخابات بعد الصراع الطويل، والفشل في توقيتها الحصيف يؤدي لتقويض السلام وإرساء التحول الديمقراطي، ويمثل سبباً مباشراً لتجدد الإحتراب. وتعد الفترة الكافية لبسط الأمن الشامل وتجريد الأطراف المتنافسة من السلاح بواسطة قوات حفظ السلام الوطنية/الإقليمية شرطاً مسبقاً لإجراء انتخابات حرة ونزيهة. وتأسيساً على طبيعة الصراع المستمر في السودان منذ استقلاله وعلى التجارب الشبيهة بالدول النامية فإن المغامرة بإجراء انتخابات في السودان قبل مرور خمس سنوات من وقف القتال والعدائيات يمثل تضرعاً لتجدد الصراع واستدامته.
• تحوُّل السودان الممزق بالصراع الطويل إلى ديمقراطية سلمية يتطلب استثمار قدر كبير من الوقت والمال في عملية مفتوحة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ونظراً لصعوبة التعجيل بهذه العملية لجسامة التحديات، فالأوجب تأجيل الانتخابات حتى لا تكون سبباً في تجدد الصراع. وذلك منعاً للمقاتلين السابقين، الذين تحولوا إلى سياسيين، من النكوص بإشعال الصراع برفضهم نتائج الانتخابات غير المواتية على المدى القصير، أو من خلال الحكم التعسفي الإقصائي في حالة النتائج المواتية، مما يخلق مظالم جديدة ويقود لتجدد القتال على المدى الطويل.
• تقاسم السلطة بين جميع مكونات ثورة ديسمبر أمر ضروري لتطور التحول الديمقراطي، ولا سيما من خلال تحالفات متعددة الأطراف. وعلى الرغم من أن أسلوب التمثيل النسبي يمثل وسيلة شائعة لضمان تمثيل هذه التحالفات، إلا أنه يحتاج لضمانات تمنع طغيان الأغلبية.
• يمثل توفير التمويل اللازم للانتخابات بعد الصراع الطويل العنصر الأهم لنزاهتها. والقصور في ذلك يؤدي إلى انخفاض فرص نجاحها بتدني مستويات إقبال الناخبين وارتفاع التزوير ومخالفات التصويت ومحدودية دور الإعلام في المراقبة والتدقيق.
• يقدر عدد الناخبين في السودان بحوالي 23 مليون ناخب من مجموع السكان المقدر بنحو 43 مليون نسمة. وتأسيساً على تجارب الدول الخارجة من الصراع فإن تكلفة الناخب الوحد، خاصة بعد حقبة الفساد الانتخابي الذي لازم حكم الإنقاذ، ودمار البنية التحتية في حرب أبريل 2023، تقدر بنحو 20 دولار للناخب الواحد. وعليه فإن المبلغ الواجب توفره لنجاح الانتخابات يقدر بنحو 575 مليون دولار.
• ينطوي الدعم اللوجستي لإجراء الانتخابات بعد خمس أعوام من وقف العدائيات على إجراء الإحصاء السكاني وتوفير وتأمين الوصول لصناديق الاقتراع، وتعزيز آليات حصر الأصوات، ونشر فرق المراقبة، والتواصل مع المواطنين، وإتاحة نتائج الانتخابات على نطاق واسع لتجنب التزوير وسوء الفهم، وتعزيز برامج التوعية المدنية قبل الانتخابات وبعدها، وتواصل الحوار بين المواطنين وممثليهم السياسيين على المستويات القومية والولائية والمحلية.
• تنقسم الأحزاب أثناء الانتقال إلى ثلاث فئات: 1) الأحزاب السياسية التي كانت موجودة قبل ثورة ديسمبر (أحزاب جناحي قوى الحرية والتغيير التي يواجهها تحدي المساءلة حول أدائها أمام عضويتها وناخبيها)، 2) الأحزاب السياسية التي تتأسس خلال الانتقال (لجان المقاومة التي تواجه تحدي التحول من كيان احتجاجي لكيان سياسي). 3) الأحزاب السياسية التي تنبثق من الفصائل المتحاربة السابقة (الدعم السريع ومكونات الجبهة الثورية التي تواجه تحدي الموارد والخبرة وعدم تكافؤ الفرص السياسية التي يواجهونها). وحتى تبلغ هذه الأحزاب النضج السياسي المطلوب لتحاشي إخفاقات الانتقال منذ سقوط الإنقاذ، يتعين إخضاعها لدورات متخصصة لبناء القدرات لتمكينها من مواجهة التحديات التي تسبق وتعقب الانتخابات.
• تكثيف الحوار الوطني لسد فجوة الثقة بين المجتمعات السياسية والمدنية والعسكرية التي أجهضت الانتقال قبل حرب أبريل 2023، بحيث يفضي الحوار إلى تجريد السياسة من السلاح (Demilitarization of politics) وتحويل الكيانات السياسية والحربية والاحتجاجية إلى كيانات ديمقراطية قادرة على الحفاظ على السلام وإرساء التحول الديمقراطي عبر منصات حوارية تعزز الثقة في تحقيق السلام وانتعاش الاقتصاد وشرعية الانتخابات.
melshibly@hotmail.com

 

آراء