اثنا عشر دولار ألف فى حساب تيموثى وميدالية دهب

 


 

 


 

أميركا بلد العجائب والغرائب كما هو معروف عنها. ففى أرجائها المتسعة يتم إنتاج قصص من وحى الواقع تثير كثيرا من إستغراب العالم خارجها. وكثير من عجائب أميركا التى تتعلق بالحيوانات المنزليه وعلى رأسها الكلاب والقطط. وبالقدر الذى يعشق فيه الشعب الأميركى تربية الحيوانات وتدليلها والإعتناء بها ، لا تمثل تلك الحيوانات فى باقى الثقافات غير حيوانات عادية خقلها الله لتخدم البشر من خلال حراسته وحمل أثقاله عنه أو معاونته فى الصيد أو حتى أكلها ؛ ولا تحتاج لرعاية خاصة. وهى بذلك لا تمثل عبئاِ على مالكها من مسكن أو ملبس أو مأكل فى أغلب الأحيان. أما فى أميركا فتربية كلب مثلا فى البيت يحتاج لميزانية قد تفوق ميزانية الفرد فى الأسرة.

بالأضافة للسكن والأكل المصنوع خصيصا لكل نوع من أنواع الحيوانات تلك حسب سنها ووزنها وبيئتها ؛ تحتاج الى رعاية صحية مكلفة مما يضطر ملاكها لشراء بوليصة تأمين صحى تضمن العلاج والكشف الدورى للحيوان بقليل من التكاليف. لا يحتاج المرء لكبير عناء لمعرفة التكاليف العلاجية العالية للحيوانات المنزلية فى أميركا دون أن يملك أحدها. فمثلا فى المدينة التى أعيش فيها منذ ذهاء العقد يوجد عدد 14 مستشفى معنية بالحيوانات المنزلية مع العلم أن عدد سكان المدينة حوالى 130,00 فقط يخدمهم مستفيين كبار وبضع عشر عيادة فى حجم عيادات الحيوانات المنزلية. كما وهناك صناعات كثيرة تجنى أرباحاً طائلة من وراء تقديم مبتكراتها ومنتوجاتها وخدماتها للسادة بنى كلب وبنى كديس وغيرها من الحيوانات المحظوظة.

الحكاية الأولى

    زارتنا مرة صديقة لزوجتى وبصحبتها كلبها المدلل "جيروم" كما كانت تسميه وكانت تلك هى المره الأولى التى يشرفنا بالزيارة كلب. ولحسن الحظ كان الجو صيفا وكنا نجلس بحديقة المنزل فلم يتسنى للكلب أن يدلف الى الداخل. المهم فى الأمر قدمنا لضيفتنا علبة بيبسى بارد لتبل بها حر الصيف اللاهب ونسينا أن نقدم شيئا لجيروم فلم يكن بالحلة عضم من ملاح بايت. ولدهشتنا أقدمت صديقتنا على وضع علبة البيبسى على فم جيروم وهى تحثه على أن يروى ظمأه. فكانت تشرب قليلا وتعطى الكلب حتى فرغ محتوى العلبة. فسالتها كيف تشربى أنت والكلب من إناء واحد؟ فأجابت وبكل ثقة أن فم الكلب طاهر ولا خوف لأن الكلب يفرز مطهرا من فمه لا يحتاج معه أن يستاك بالفرشاة والمعجون كما نفعل نحن البشر. لم أقتنع بما قالت ولكن لم أسترسل فى الجدال فى شى لا أعرف عنه كثيرا واكتفيت بالإستعجاب من فعلها. فأنا أنتمى لثقافة تقول أن لعاب الكلب نجس بغض النظر عن طهارته من عدمها وأحرص دائماً أن لا يلعق الكلب يدى أو ملابسى حتى لا لأضطر للأغتسال وتغيير الملابس عند الصلاة. والحقيقة أنا ممن لا يحبذون إقتراب الكلاب منهم على إطلاق القول ؛ وربما يرجع ذلك لنبوة قديمة "ل فكى" بأن كلب سيعضنى فى يوم من الأيام. حدث هذا وأنا فى سنة أولى إبتدائى عندما أخذتنى والدتى الى الفكى وطلبت منه أن يفتح لى الكتاب. فهذا الحدث رسخ فى ذهنى كما لم يرسخ شى مثله. أجلسنى السيد فكى أمامه وبدأ فى قرأة مستقبلى من كتاب فى يده وانا ووالدتى الكريمة نستمع فى إنصات. ذكر الفكى أشياء مثل النجاح فى الدراسة ولكن ما استوقفنى هو أنه قال وبالحرف الواحد أن كلباً سيعضنى ! لذلك ومنذ ذلك الوقت لا أرى كلباً الا وأتذكر كلام الفكى إياه رغم عدم إيمانى بنبوئته. وحمداً لله فقد وصلت منتصف العمر ولم يجرؤ كلب على عضى بعد. وحمداً لله ثانية أنى أعيش فى أميركا مما يعنى ربما أجنى أموالا طائاة إذا عضنى كلب أميركى من خلال التعويضات التى تدفعها شركات التأمين.

الحكاية الثانية

عندما كنت طالبا فى الجامعة. فى ذات مره ؛ وفى بداية المحاضرة لاحظ البروفيسر أن إحدى الطالبات وتدعى "أريانا" والتى كانت تجلس الى جوارى – تبدو حزينة - فسألها ما الأمر؟ فأجابت بحزن واضح أنها فقدت كلبها "إستيف" الليلة الفائته ولم تفلح جهودها وجهود أسرتها فى إعادته. وهنا تجاوب البروفسير وكل من فى القاعة ماعدا العبدلله لقصتها الحزينه. أستهلك ستيف معظم زمن المحاضرة فما كان من البروفسير الا تأجيلها للأسبوع القادم. لم يتبرم أحد لقرار التأجيل وكنت أنا الوحيد فى حالة ذهول لا أدررى ما أقول. لم يفت ذلك البروفسير فقد لاحظ أننى لم أشارك فى الحديث عن كلب أريانا المدعو أستيف أفندى - فاقترب منى وسألنى لما لا أبدو مرتاحا؟ صارحته باندهاشى لما حدث من تأجيل محاضرة من أجل كلب ضائع ليس مسجلا لحضورها كطالب ولا يدفع مصاريف دراسية تضمن للبروفسير راتبه الشهرى. وأضفت رغم أننى أشارك زميلتى أريان مشاعرها لفقدها ومصابها العظيم الا أننى لا أرى داعى لإنفاق الوقت فى الحديث عى كلب ؛ كيف ضاع وماذا أثمرت جهود بوليس الحيوانات فى البحث عنه وماذا تنوى صاحبته أن تفعل إذا لم يعد وماذا يا ترى سيكون مصيره غير المعروف. لم يعلق البروفسير طويلا على ما قلت واكتفى بأن إعتذر لى. ولكن أظنه فهم أن هناك قوم آخرين لا يدينون بنفس الثقافة الكلابية.

القصة الثالثة

حدثت عندما فقد جارنا مايكل قطه الجميل "قارفيلد". كنت أشاهد التلفاز عندما جاء أحد أبنائى وهو فى حالة توتر طالبا منى أن أتى لأشارك فى البحث عن قارفيلد الذى إختفى منذ قليل. قلت له: مالى أنا ومال قارفيلد! رمقنى إبنى بنظرة سريعة لكنها حائرة ! وردد بصوت منخفض : كل الناس بالخارج يبحثون عنه لما لا تأتى وتكون معهم ربما نجده. عندها قررت أن أنزل عند رغبة إبنى فلربما كان محقا وربما أستفدت وتعلمت شيئا جديدا - ومن الآن علىّ أن أتأهب لمساعدة كل الجيران عندما يفقد أحدهم حيوانا. وبينما أنا أستعد للخروج جاءت إبنتى تجرى نحونا فرحة وهى تهتف لقد وجدوه يا أبى. لم تأخذ كامل نفسها قبل أن تروى لنا كيف وجدوه ومن كان صاحب الفضل فى ذلك وماذا كان تعليق مايكل عندما رأه وماذا قالت إبنته وهلم جرا. 

 فى اليوم التالى جاءت الى منزلنا إبنة مايكل صاحب القط قارفيلد والبالغة من العمر ثمانية سنوات. دعانى الفضول لأسألها عن القط وكيف أصبح اليوم - كما طلبت منها أن لا يدعوه بالخارج لوحده حتى لا يضيع مرة أخرى. ولمعرفة موقع قارفيلد فى عائلتها قلت لها مداعبا لما لا تبيعنى القط بمبلغ عشرون دولارا وتستريحون من عناء البحث عنه كلما ضاع؛ رفضت العرض. رفعت السعر لمائة فرفضت ؛ لألف فرفضت. عندها قلت لها إذا بيعينى أخوك "كريس" – كريس يكبرها بعامين- عندها قالت لى خذ كريس بدولار واحد. ضحكتُ ولم أزد - لأنى أحتاج الوقت لأتأمل وأفكر فى ردها البرئ.

القصة الرابعة

حدثت وأنا بعد طالبا فى الجامعة. أثنا دخولى الى مكتبة الجامعة رأتنى زميلة تدعى "ميقان". طلبت ميقان أن تستخدم تلفونى الجوال فناولتها له.  وبعد أن فرغت من مكالمتها بدأت تحكى لى عن حزنها لما أصاب كلبتها "بايسيليا". سألتها-  ما الأمر؟ قالت لى أنها مصابه بالتهاب الأذن الوسطى وقد وصف لها الطبيب مضاد حيوى ثلاث مرات فى اليوم وقد حان معاد الجرعة الثانية ولا تجد من يعطيها لبايسيليا فى معادها. فقد تركتها لوحدها بمنزل والدتها وهى غير موجودة الآن بالمنزل ولا تدرى ماذا تفعل وهى لا تستطيع أن تعود للمنزل الآن لإستكمال محاضراتها فى ذلك اليوم! كنت أستمع لها بإنصات ولكن أريدها أن تتوقف عن الكلام والشكوى حتى يتسنى لى أنى اسال عن ؛ هل تصاب الكلاب بالتهابات الأذن؟ لم أسمع بهذا فى كلابنا الأولين والأخرين ! وكمان تاخذ كلبة لا راحت ولا جات مضاد حيوى ثلاث مرات فى اليوم ! أجابتنى ميقان بكل برآة لقد إكتشف الطبيب المعالج منذ يومين أنها مصابه بإلتهاب فى الأذن. ولكن  وددت أن أعرف كم كلفها كل ذلك ! فقالت ببساطة متناهية لقد دفعت للطبيب ثلاثمائة دولار و مائة وعشرون دولار أخرى للدواء لأن بوليصة التأمين التى تخص بايسيليا تغطى فقط 60% ! تذكرت على التو كلابنا بوبى وجرقاس وبوليس وغيرها من الكلاب المسكينة التى عرفتُ على مدى الطفولة والصبا.... عدت بذاكرتى الى كلاب القرية التى عرفتها فى محاولة لأتذكر إن كان واحد أو واحدة منها كانت تبدو عليها أعراض التهاب الأذن دون ان ندرى ....

القصة الأخيرة لتيموثى القط المسكين.

فى يناير الماضى شاهدت إمرأه خمسينيه تدعى "جوسى بوقين" قط فى الجانب المقابل من الطريق السريع أثناء قيادتها لسيارتها قبل الغروب بقليل على الحدود بين ولايتى منسوتا وساوث داكوتا. شدّها المنظر لسببين ؛ الأول وجود القط نفسه. ثانياً أن القط لا يتحرك. أدارت جوسى السيارة وغفلت راجعة لترى ماذا به ؛ فى ذات الوقت كان داخل السياره بصحبتها كلب وأرنب حيواناتها الخاصة أو قل اصدقائها الأوفياء. هالها الموقف عندما إقتربت من القط وإكتشفت انه قد لصق على الأسفلت بمادة شديدة الإلتصاق جعلته لا يستطيع الحركة. شكرت الله على إنقاذه قبل أن يحل الليل فيدهسه سائق آخر دون أن يراه. المهم ، أخذت المرأة القط معها الى المنزل وفى الصباح سلمته لمأوى الحيوانات فى المدينة وهناك أطلق على القط المسكين إسم تيموثى. كشف عليه الطبيب فوجد أن مخالبه قد ذهبت وأن المادة اللاصقة موجودة فى أماكن متفرقه من جسده متسببة فى جروح متفاوتة الأحجام والتاثير. وضع الطبيب القط تحت العنايه المركزه لمدة خمسة أيام الا أنه فارق الحياة فى اليوم الخامس ؛ وهنا إنقلب الحال !!

تابعت محطات التلفزيون الخمس فى المدينة أخبار القط تيموثى. فى اليوم الأول نالت السيدة التى أنقذته الإستحسان والتقدير من الناس وانتهى الأمر. ولكن عندما أذاعت محطات التلفزيون نبأ موت القط إنقلبت الدنيا على الفاعل المجهول وتمنى البوليس أن يصل إليه حتى يسعد سكان المدينة بخبر إلقاء القبض عليه وتقديمه الى المحاكمة ؛ فالبوليس هنا يهتم كثيراً بعمل ما يريده الناس أو يعبر عن ميولهم. دعماً لجهود رجال التحقيق والبحث تبنت الأمر شخصيات لم ترد أن يعرفها الناس وقامت بفتح حساب بنكى باسم القط تيموثى. فى اليوم الثانى لوفاته وصل حساب تيموثى فى البنك 12 الف دولار. وفى اليوم الثالث فاجأ الممثل السابق "كن واهيل" الجميع بتبرعه بجائزة كان قد فاز بها فى هوليود عام 1990 وهى عبارة عن الكرة الذهبية. كل هذه المبالغ خصصت للمساعدة فى الكشف عن مرتكب ذلك الفعل الشنيع والقبض عليه ليحاكم على فعله الآثم. نسيت أن أخبركم أن حساب تيموثى مازال مفتوحاً لتلقى تبرعاتكم.

mekkimusa@aol.com

 

آراء