احتفاءً بذكرى ميلاد الأديب الروائي الطيب صالح (13/07/1928- 17/02/2009)

 


 

 

(1)
نشرت مجلة حوار البيروتية (لرئيس تحريرها الشاعر توفيق الصائغ) النص الكامل لرواية موسم الهجرة إلى الشمال" في العدد 24/25 عام 1966 (ص 5-87)، وبمناسبة نشر الرواية يقول الدبلوماسي سيدأحمد الحاردلو: أنه كان في زيارة إلى قاهرة المعز صُحبة الأستاذ محمد أحمد المحجوب، واشترى خمس نسخٍ من مجلة حوار، وأعطى نسخة منها للأستاذ رجاء النقَّاش، الذي قرأ رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" بعين فاحصة-ناقدة، وكتب عنها مقالاً بعنوان: "الطيِّب صالح: عبقرية روائية جديدة" (*)، مجلة المصور المصرية، 1 فبراير 1968. وبهذه المناسبة، يسرني أن أدعو القارئ الكريم للإبحار في رحلة أدبية وارفة الضفاف مع الأستاذ رجاء النقاش، ونصه البديع، الذي وضع الطيِّب صالح على قمة الروائيين العرب، وجعل الناس يعودون الكرة لقراءة أدبياته السابقة، ويتشوقون لمطالعة إسهاماته اللاحقة.

(2)
النص الكامل لمقال الأستاذ رجاء النقاش
***
الطيب صالح... عبقرية روائية جديدة
بقلم رجاء النقاش
"لم أصدق عيني، وأنا ألتهم سطور هذه الرواية، واتنقل بين شخصياتها النارية العنيفة النابضة بالحياة، وأتابع مواقفها الحارة المتفجرة، وبناءها الفني الأصيل الجديد على الرواية العربية.. لم أتصور أنني أقرأ رواية كتبها فنان عربي شاب، ولم أتصور أن هذه الرواية الناضجة الفذة – فكراً وفناً – هي عمله الأول. لقد أخذتني الرواية بين سطورها في دوامة من السحر الفني والفكري، وصعدت بي إلى مرتفعات عالية من الخيـال الفني الروائي العظيم، وأطربتني طرباً حقيقياً بما فيها من غزارة شعرية رائعة.
ولم أكد أنتهي من قـراءة الرواية، حتى تيقنت أنني – بلا أدنى مبالغة – أمام عبقرية جديدة في ميدان الرواية العربية.. تولد كما يولد الفجر الجديد المشرق، وكما تولد الشمس الإفريقية الصريحة الناصعة.
فمن هو هذا الفنان الشاب، وما هي روايته؟.. إنه كاتب سوداني لم أسمع عنه، ولم اقرأ له شيئاً قبل هذه الرواية، واسمه الطيب الصالح. أما روايته فاسمها "موسم الهجرة إلى الشمال" … وكل ما عرفته عن هذا الفنان الشاب أنه من مواليد 1929 [1928 هو الصحيح]، وأنه تخرج في إحدى الجامعات الانكليزية، ولذلك فليس أمامنا إلا أن نواجه الرواية نفسها بدون أي مقدمة عن المؤلف، فأثمن ما لدينا عن المؤلف هو الرواية.
إنَّ الرواية تعالج المشكلة الرئيسية التي عالجها من قبل عدد من كبار الكتاب العرب. إنها نفس المشكلة التي عبَّر عنهـا توفيق الحكيم في روايتـه "عصفور من الشـرق"، وعبَّر عنها بعد ذلك يحيى حقي في روايته "قنديل أم هاشم"، وعبر عنهـا الروائي اللبناني سهيـل إدريـس في روايته "الحي اللاتيني".. وأقصد بهذه المشكلة: مشكلة الصراع بين "الشرق والغرب" وكيف تواجه الشعوب الجديدة هذه المشكلة.. كيف تعالجها وتتصرف فيها؟.. هل تترك هذه الشعوب ماضيها كله وتستسلم للحضارة الغربية وتذوب فيها وتقلدها تقليداً كاملاً؟ هل تعود هذه الشعوب إلى ماضيها وترفض الحضارة الغربية وتعطيها ظهرها وتنكرها إنكاراً لا رجعة فيه؟ هل تتخذ موقفاً ثالثاً يختلف عن الموقفين السابقين … وما هو هذا الموقف الجديد؟… تلك هي المشكلة التي تعالجها رواية الطيب الصالح.
وقبل أن نتعرض لمناقشة الرواية، وما تقدمه إلينا فكرياً وفنياً، لابد لنا أن نلاحظ ملاحظة أولية، فهذه الملاحظة بالذات تفسر لنا ما في الرواية من عنف ليس موجوداً في الروايات السابقة التي تناولت نفس الموضوع، فمشكلة الشرق والغرب، كما ظهرت في الروايات السابقة، لا ترتبط بتجربة مريرة مثل تلك التي يعبر عنها الطيب صالح، ذلك أن الشرقي عند هذا الفنان الشاب هو شرقي إفريقي “أسود اللون”، ومشكلة البشرة السوداء هذه تعطي للتجربة الإنسانية عمقاً وعنفاً، بل وتمزجها بنوع خاص من المرارة. إنَّ توفيق الحكيم، أو يحيى حقي، أو سهيل إدريس، أو غيرهم، من الأدباء الذين عبَّروا عن مشكلة الصراع بين الشرق والغرب، كانوا جميعاً من آسيا وشمال إفريقيا. وهذا معناه ببساطة أن مشكلة اللون لم تكن عندهم عنصراً من العناصر المشتركة في الصراع الكبير. ولكن ها هو الطيب صالح يصور هذه المشكلة ويعبَّر عنها من خلال إنسان إفريقي ذي بشرة سوداء، يذهب إلى لندن، ويصطدم بالحضارة الغربية اصطداماً عنيفاً مدوياً من نوع غريب. وعنصر اللون هنا له أهميته الكبرى، فالبشرة السوداء أكثر من غيرها هي التي انصب عليها غضب الغربيين وحقدهم المرير، وهي التي تفنن الغرب في تجريحها إنسانياً قبل أن يكون هذا التجريح سياسياً أو اقتصادياً أو ثقافياً. إنَّ الإنسان الأسود قد عاش قروناً من التعذيب والإهانة على يد الغرب، وتركت هذه القرون في النفس الإفريقية جروحاً لا تندمل بسهولة. ومن هنا كانت حرارة المأساة كما رسمها الطيب صالح في روايته الفذة. إنه يصوّر صدام أقدار متضادة إلى أقصى حدود التضاد. فمصطفى سعيد بطل الرواية، لا ينتقل من السيدة زينب إلى لندن، أو من السيدة إلى باريس، أو من بيروت إلى باريس، كما تجد في الروايات العربية التي صورت نفس المشكلة. إن هذا البطل الروائي الجديد ينتقل من قلب إفريقيا السوداء إلى لندن. والحوادث الرئيسة في الرواية تجري في أوائل هذا القرن، حيث كانت إفريقيا تغوص في ظلم وظلام لا حد لهما. على أن هذا كله لا يعني أن رواية “موسم الهجرة إلى الشمال” قد ركزت تركيزاً حاداً على مشكلة اللون … على العكس تماماً نجد أن الطيب صالح يمس هذه المشكلة برقة وخفة ورشاقة، وهو يمسها من بعيد جداً، حتى لا نكاد نلتقي بها إلا بين السطور. ولكن هذا العنصر اللوني مع ذلك يفسر لنا عنف الرواية وحدتها بصورة لا تجدها في أي رواية عربية أخرى عالجـت نفس الموضوع.. إن الجرح الإنساني الذي ينزف في هذه الرواية العظيمة هو أكثر عمقاً من أي جرح آخر … إنه جرح الإنسان الإفريقي الأسود.
وأول ما يلفت النظر بعد ذلك في هذه الرواية، هو ما يمكن أن نسميه بالموقف الحضاري للكاتب الفنان، ولا يستطيع أن يصل إلى هذا الموقف إلا فنان ذو عقل كبير وقلب كبير، لأن صغار الفنانين ليس لهم موقف حضاري على الإطلاق.. ورواية "الطيب" تعكس موقفاً محدداً واضحاً، لقد سافر مصطفي سعيد بطل الرواية إلى لندن، ووصـل هناك إلى أعلى درجات العلم، وأصبح دكتوراً لامعاً في الاقتصاد، وإن كانت ثقافته قد امتدت واتسعت حتى شملت كثيراً من ألوان الأدب والفن والفلسفة، وأصبح مصطفى سعيد مدرساً في إحدى جامعات انكلترا، ومؤلفاً مرموقاً. ولكنه في حياته الخاصة ارتبط بعلاقات وثيقة مع أربع فتيات انكليزيات، وانتهت هذه العلاقات جميعاً نهايات حادة دامية. وهي نهايات تُشبه طبيعة مصطفى سعيد نفسه، وتُشبه عواطفه الساخنة، ومزاجه الحاد كالسكين.
إن هذا البطل الروائي الوافـد من إفريقيا، يتعثر في أزمات حادة مريرة، ولا حل له في آخر الأمر كما تقول رواية الطيب صالح إلا بأن يعود إلى قرية في قلب السودان، ليشتري بضعة أفدنة هناك، ويعمل فيها بنفسه ويتزوج بنتاً من بنات القرية السودانية، ويواصل حياته الجديدة بطريقة منتجة هادئة، لم يعرفها من قبل في انكلترا حيث عاش هناك حياة عاصفة مؤلمة.
إن الحل الذي يراه الطيب صالح في روايته أمام بطله المضطرب المعذب هو أن يعود إلى أصله ومنبعه؛ ليبدأ من جديد هناك. فهذه هي البداية الصحيحة والسليمة. لم يجد نفسه في لندن مهما أخذ من علمها وثقافتها، ومهما طاردته نساؤها وتعلقن به تعلقاً جسدياً شهوانياً عنيفاً، لن يجد الطمأنينة ابداً إلا إذا عاد إلى النبـع، وألقى وراء ظهره بقشور الثقافة الغربية، وأبقى على جوهر هذه الثقافة، ثم مزج هذا الجوهر بواقع بلاده … هنا فقط سوف يصبح إنساناً منتجاً … إنساناً فعالاً له دور حقيقي في الحياة.
وهذا هو نفس الحل الذي ارتآه من قبل توفيق الحكيم لبطله محسن، فقد عاد به إلى الشرق ليبدأ البداية الصحيحـة. وهذا ما رآه يحيى حقي في “قنديل أم هاشم” لبطله “إسماعيل” … إنَّ اسماعيل لكل علمه لا يمكن أن يقدم لوطنه شيئاً إلا إذا بدأ من السيدة زينب، وتزوج من فاطمة الزهراء ابنة هذا الحي الشعبي.. فالذين يتعالون على واقعهم الأصلي، أو ينفصلون عنه، لا يمكن لهم أبداً أن يؤثروا على هذا الواقع، أو يغيروا فيه أي شيء، إن مثل هذا الواقع لم يهضمهم ولن يعترف بهم، بل سوف يرفضهم تماماً، مثلمـا يرفض أي جسم غريب وشاذ. لابد أن تكون البداية من الواقع، من النبع الأصلي، من القرية، من السيدة زينب، من الناس الذين بدأ بينهم الإنسان وخـرج منهم.
على أن هذه الرؤية الحضارية عند هذا الفنان الشاب ترتبط أشد الارتباط برؤية إنسانية أخرى، استطاع الطيب صالح أن يصورها ويجسَّدها لنا في روايته بصورة عميقة تسمو إلى درجة عالية من الشفافية والمقدرة الفنية الخلاقة المبدعة.
وهـذه الرؤية الإنسانية تتضح أمامنا بعد تحليل الرواية وتحليل علاقاتها المختلفة. فمصطفى سعيد بطل الرواية يرتبط في انكلترا بأربع علاقات نسائية، وتنتهي هذه العلاقات بانتحار ثلاث فتيات، كما تنتهي العلاقة الرابعة بالزواج، ثم بجريمة قتل قام بها مصطفى سعيد.. لقد قتل زوجته في سريرها، وبعد محاكمتـه في لندن، والنظر في ظروف القضية، تم الحكم عليه بسبع سنوات، قضاها في أحد السجون، ثم عاد إلى إحدى القُرى السودانية، واشترى أرضاً عمل فيها بنفسه، وتزوج من إحدى بنات القرية، وهي حسنة محمود، وأنجب منها ولدين.
والعلاقة بين مصطفى سعيد والفتيات الانكليزيات الثلاث لم تتجاوز العلاقة الجسدية، لم يكن هناك بين هذه العلاقات علاقة حب حقيقية، بل كانت كلها علاقة شهوة جامحة، فالفتيات الانكليزيات يرين في مصطفى سعيد مظهراً للقوة البدائية الوافدة من إفريقيا. إنه بالنسبة إليهن ليس إنساناً يستحق علاقة عاطفية كاملة بكل جوانبها الروحية والمادية معاً، فهو كائن غريب، يحمل رائحة الشرق النفاذة، وهو حيوان إفريقي يستحق أن تلهو به هؤلاء الفتيات، ويستمتعن به فقط.
إن علاقة مصطفى سعيد بهؤلاء الفتيات ليست علاقة عاطفية إنسانية صحيحة قائمة على التوازن والمساواة، بل هي علاقات حسية قائمة على الاستغلال، وهذا النوع من العلاقات يذكرنا ولا شك بالعلاقات بين الاستعمار والبلاد المحتلة، فالاستعمار يستغل بلداً من البلدان، ويستنزفها بقسوة؛ لكي يستمتع بما فيها من ثروات وإمكانيات، ولو أننا لاحظنا تمسك الاستعماريين ببلدان إفريقيا على سبيل المثال لوجدنا أن هذا التمسك فيه رائحة خارجية سطحية من المحبة والعشق بل والهوس العاطفي، لقد كان الفرنسيون يتركون الجزائر بعد استقلالها وهم يذرفون الدموع الغزيرة، وفي جنوب إفريقيا نجد أن الأوروبيين لا يريدون أن يتركوا الارض الإفريقية، إنهم يتمسكون بها كما يتمسـك العشاق بشيء عزيز عليهم … ولكنهم في حقيقتهم ليسوا عشاقاً، وإنما هم يستغلون ويستثمرون الأرض والناس.
هكذا كانت فتيات لندن يجدن في مصطفى سعيد صحة وقوة وإثارة لخيالهن الجامح حول إفريقيا وما فيها من عنف وحيوية، ومن هنا أقبلت عليه الفتيات كالفراشات، أو أن أردت صورة أقبح وأصدق: فإنهن قد أقبلن عليه كما يقبل الذباب على قطعة من الحلوى.
أكان من الممكن أن يحب مصطفى سعيد مثل هؤلاء الفتيات؟ كلا بالطبع ولا واحدة منهن أثارت فيه عاطفة سليمة. وقد كان هو نفسه مشحوناً – من الداخل – ضد أوروبا، وضد التشويه الإنساني الذي حملته أوروبا إلى إفريقيا والإفريقيين في نفس الوقت. ولذا كانت نظرته إلى الأوروبيات إليه نظرة غير إنسانية، ومن هنا اقتصرت هذه العلاقات كلها على الجانب الجسدي، ثم سئم منهن في النهاية، فتركهن، وانتهى بهم الأمر إلى الانتحار، لا بسبب عاطفة صادقة، ولكن بسبب عادة جسدية عنيفة ضاعت وضاع معها كل ما حولها من خيال جامح. ثم جاءت علاقة مصطفى سعيد بالفتاة الانكليزية التي تزوجها. ظل في البداية يطاردها وترفضه رفضاً كاملاً، واخيراً طلبت منه أن يتزوجها. وتم الزواج بالفعل، ولكنها تعودت على أن تثيره بشتى الوسائل والأساليب العنيفة دون أن تسمح له بالاقتراب منها، إنها تشتهيه وتحتقره في نفس الوقت. تريده وتنكره بل وتنكر على نفسها أنها تريده. وظلت هكذا تعذبه وتعمل على تهديم أعصابه بلا رحمة، حتى هددها بالقتل فلم تعبأ بالتهديد. وجاء يوم قرر فيه أن يقتلهـا بالفعل، فاستسلمت للقتل كما تستسلم لأي علاقة جسدية تريدها في هوس مجنون. وكان مقتل هذه الفتاة عنيفاً غريباً، وكانت هي نفسها تشتهي هذا القتل وتطلبه وتتمناه، لأنها كانت تجد في مصطفى سعيد مثالاً مجسداً للعنف الإفريقي، وكان لديه ولا شك الكثير من "السادية" أو الرغبة في تعذيب الآخرين، كما كان لديها أيضاً الكثير من "الماسوشية" أي الرغبة في تعذيب النفس.
وهكذا كانت هذه الزوجة الانكليزية هي الأخرى تحمل نموذجاً معقداً للحب المريض الشاذ. لقد كان الجنس بشتى صوره في علاقاته مع الأوروبيات مطلوباً لذاته، فالجنس أولاً وأخيراً هو الهدف، هل شرط أن يتحقق الجنس في إطاره الإفريقي الجامح المثير للخيال، ومن هنا كان الجنس في تجربة مصطفى سعيد مع الفتيات الانكليزيات مجرداً من أي معنى إنساني، فليس وراء هذه العلاقات كلها أي رغبة في بناء أسرة، ولا أي رغبة في إنجاب أولاد، ولا أي رغبة في مواصلة حياة منتجة … الجنس للجنس، هذا هو شعار أولئك الفتيات الانكليزيات مع هذا الفتى الإفريقي، كل ذلك رغم ما كانت بعض الفتيات تقمن به من محاولات لتغطية هذه الرغبة المجنونة، بأساليب مكشوفة من الحديث عن الفن والشرق وإفريقيا.
وهكذا فشلـت علاقاته النسائية في أوروبا فشلاً إنسانياً وانتهت بالجريمة والسجن. بقى في حياة مصطفى سعيد بطل الرواة حبان ناجحان: أما الحب الأول فهو حب “اليزابيث” وهو نوع من عاطفة الأمومة. إن هذه السيدة الانكليزية كانت تعيش في القاهرة مع زوجها المستشرق الذي تعلم اللغة العربية واعتنق الاسلام، وقضى عمره كله في البحث عن المخطوطات العربية ودراستها.. ثم مات ودفن في القاهرة التي أحبها، وقضى فيها أعظم سنوات عمره. كانت اليزابيث، زوجة المستشرق بمثابة الأم الروحية لبطل الرواية مصطفى سعيد. لقد احبته كجزء من حبها للشرق وفهمها له، وأحبته لأنها أحست بامتيازه وذكائه وصفاته الإنسانية الأخرى، ولم تفكر فيه أبداً على أنه “لعبة إفريقية” مثيرة. لذلك كان حبها ناجحاً، وظل مشتعلاً حتى النهاية، وإن طغت عليه جوانب الأمومة بسبب السن. ومن الواضح أن اليزابيث قد تدربت كثيراً حتى استطاعت أن تصل إلى هذا المستوى من العاطفة النقية الصافية … لقد عاشت في القاهرة طويلاً مع زوجها، وتعلمت العربية وعاشرت الناس في الشرق وأحبتهم، لقد اكتشفت الشرق من جانبه الإنساني لا من جانبه الجسدي والمادي. ولذلك أحبت مصطفى سعيد ووجدت سعادة غامرة في هذا الحب، ولم تطلب من مصطفي شيئاً، بل كانت تساعده كلما احتاج إلى المساعدة، إن لذتها الكبرى هي في هذا الحب الصافي نفسه، وفي اكتشافها لروح الشرق الجميل: بتراثه وتاريخه وشمسه وناسه – ولقد نظرت اليزابيث إلى مصطفى سعيد في ضوء رؤيتها للشرق كله.
أما الحب الثاني الحقيقي الناجح، فقد التقى به مصطفي سعيد بعد أن خرج من سجون لندن، وعاد إلى السودان، واختار إحدى القرى ليقيم فيها، هناك تزوج فتاته السودانية "حسنة بنت محمود"، وعاش فيها سعيداً كل السعادة حتى مات غريقاً في أحد الفيضانات التي التهمت بعض أهل القرية، وكان بينهم مصطفى سعيد.
وهذا الحب هو وحده الذي أنجـب مصطفى سعيد – من خلاله – ولدين.. هنا "الجنس" له دور في بناء الحياة، والحب مبني على الاقتناع والمساواة والرغبة الصادقة في إقامة علاقة إنسانية صحيحة.. ومصطفى سعيد في تلك القرية السودانية معشوق حقيقي بسبب صفاته الأصيلة فيه، مثل ذكائه وعمق شخصيته، وحبه للقرية، وقدرته على العمل والإنتاج. إنه ليس كما كان في أوروبا: حيواناً عنيفاً متوحشاً، تجري وراءه الفتيات لغرابته وشذوذه، إنه هنا إنسان طبيعي، والحب في هذه القرية السودانية بسيط وصادق وأصيل. ومصطفى سعيد لم ينجب إلا من زوجته السودانية، وليست هذه الفكرة في الرواية تعبيراً عن أي تعصب قومي، ولكنها فكرة تكشف عن معنى إنساني بالدرجة الاولى، فالزوجة السودانية هي الحب الوحيد الحقيقي، ولذلك فهي ليست عقيماً مثلما كان الأمر مع الفتيات الأوروبيات، وعواطفهن الغريبة الشاذة.
وبعد موت مصطفى سعيد، رفضت زوجته السودانية "حسنة بنت محمود" أن تتزوج من "ود الريس"، وهو عجوز سوداني من ابناء القرية، لقد كانت “حسنة” تفضل الموت على أن تتزوج من "ود الريس″. لقد ذاقت عذوبة الحياة في ظل مصطفي سعيد ذلك الإفريقي الذي صقلته الحضارة والتجربة ثم عاد في نهاية المطاف إلى أرضه، ليبدأ منها بداية حقيقية، لقد وجدت فيه وهي البنت الإفريقية البسيطة شيئاً جديداً: فهو منها ولكنه غريب عنها وجديد عليها … ولذلك كله احبته بعد أن تسد عينيها إلى عالم أوسع وأعمق من عالمها البسيط.
وما أشبه حسنة بنت محمود بالسودان نفسه، بل ما أشبهها بمصر وبكل بلد شرقية متطلعة إلى الجديد.. تريد أن تخطو إلى الامام دون أن تنزع جذورها من الأرض.
وكانت "حسنة"، بعد أن مات زوجها مصطفى سعيد، تريد أن تتزوج شخصاً آخر هو "الراوي" الذي يقدم لنا القصة بلسانه. وهذا "الراوي" هو في الحقيقة الامتداد الوحيد المقبول لمصطفى سعيد.. سافر إلى أوروبا وعاد إلى وطنه يحمل مشعلاً هادئاً وصادقاً، ولذلك جعله مصطفى وصياً على أولاده وثروته وزوجته وأسراره جميعاً.
ولكنهم فرضوا على "حسنة" أن تتزوج من العجوز "ود الريس" فكانت النتيجة أن قتلته وقتلت نفسها. وبذلك تكون “حسنة” قد قتلت التقاليد القديمة التي تعودت أن تجعل من المرأة شيئاً من المتاع المادي، وليست "إنسانة" ذات عاطفة خاصة مستقلة. انها قتلت رمزاً من رموز الماضي بتقاليده ونظرته الخاطئة إلى الحياة، وأحدثت بهذه "الجريمة" صدمة مفجعة لمجتمع قريتها الإفريقي الهادئ البسيط … لقد استيقظ هذا المجتمع فجأة على هذه الجريمة الحادة القاسية. وفي هذه الجريمة سقطت حسنة شهيدة حبها، وشهيدة حرصها على ألا تتراجع عن العالم الجديد الجميل الذي خلقه لها زوجها الأول مصطفي سعيد.
وما اشبه جريمة “حسنة” بجريمة مصطفى نفسه في لندن "جريمة حسنة" هي ثورة ضد التقاليد التي تحول المرأة إلى لعبة. وجريمة مصطفى سعيد هي قتل للوجدان الأوروبي المعقد، والذي يعلن كراهيته واحتقاره لإفريقيا، ثم يتمسك بها ويقبض عليها بأصابعه، بل وينشب أظافره فيها حتى لا تضيع.. فموقف أوروبا من إفريقيا هو تظاهر بالكره يقابله حرص على إفريقيا وتمسك بها مستبد وعنيف. وهذا هو نفسه موقف الزوجة الانكليزية من زوجهـا الإفريقي مصطفى سعيد … كانت تبدي له كرهاً وتمنعاً واحتقاراً، وهي في الحقيقة تريده لتعتصره وتحقق متعتها، ثم تعامله بعد ذلك كالكلب.
جريمة "حسنة" هي قتل للوجدان الإفريقي بتقاليده القديمة بحثاً عن وجدان إفريقي جديد، وجريمة مصطفى سعيد قتل للوجدان الأوروبي باستبداده وعنفه ورغبته في السيطرة بحثاً عن وجدان أوروبي خال من التعقيد والمرض.
كل شيء في هذه الرواية الكبيرة له معناه: الحب والجنس والجريمة. بقي أن نلاحظ كيف مات مصطفى سعيد في الرواية، لقد مات غريقاً في ماء النهر دون أن تطفو جثته أو تظهر بعد ذلك، وهكذا اختارت أنامل الفنان الموهوب لبطله أن يذوب في النيل رمز الأرض والأصل وإفريقيا.. رمز المنبع الكبير والبداية الصحيحة.
لقد مات مصطفى سعيد ميتة كبيرة لها مغزاها، كما كان كل شيء في حياته له مغزاه … ولعل النهر نفسه أراد أن يتطهر بالنور الذي وصل إليه مصطفى سعيد بعد تجارب شاقة، وبعد اصطدام حاد، وامتزاج عنيف بالحضارة الأوروبية. ولعل مصطفى سعيد أراد أن يتطهر هو أيضاً من آثامه الفكرية والجسدية في هذا النهر المقدس؛ لأنه مصدر الحياة التي تدب على شطآنه !
ولعل مصطفى سعيد أراد أن يبعث ويعود إلى الحياة بعد امتزاجه بالنهر … ليكون نوراً جديداً ينتشر في الرض الإفريقية، ويبدد الظلام، ويهدي السائرين الحائرين إلى الطريق..
وأخيراً ماذا نجد في هذه الرواية من القيم الفنية؟.. نجد فيها كل شيء يحتاج إليه الفن العظيم. فعباراتها الجميلة، تعتمد على لغة عربية في غاية الصفاء والاناقة والشاعرية. إنها لغة ناصعة مصقولة مغسولة في نهر من الفن المقدس. لغة غنية بالأضواء والظلال، مليئة بالشحنات العاطفية، بعيدة عن التبذير والثرثرة. وموقف الطيب صالح من الحوار في هذه الرواية هو موقف نجيب محفوظ. إنه يستعين بروح اللهجة العامية، ويحافظ على الصياغة الفصيحة البسيطة، لذلك تشعر وأنت تقرأ الرواية بالروح الشعبية الأصيلة، دون أن تضيع في غابات لهجة محلية صعبة معقدة. ففي حديث على لسان محجوب أحد شخصيات الرواية يقول “الراوي” عندما حزن حزناً عميقاً لانتحار حسنة بنت محمود:
"يا للعجب، يا بني آدم أصح لنفسك، عد لصوابك، أصبحت عاشقاً آخر الزمن. جننت مثل ود الريس. المدارس والتعليم رهفت قلبك، تبكي كالنساء، أما والله عجايب. حب ومرض وبكاء، إنها لم تكن تساوي مليماً، لولا الحياء ما كانت تستاهل الدفن، كنا نرميها في البحر، ونترك جثتها للصقور".
وهذا نموذج للحوار الفصيح الذي يحمل الكثير من الروح الشعبية، بل وحتى من الصياغات الشعبية بعد قليل من الصقل والتعديل. وفي هذه الرواية قدرة خارقة على الوصف، فالقرية الإفريقية مرسومة في هذه الرواية بريشة عبقرية، أنك تحس بها لوحة حيَّة نادرة بكل ما فيها من بشر وحيوانات ونباتات وليال مقمرة وليال مظلمة، إن هذا كله يتحرك ويصرخ من فرط حيويته وحراراته.
وفي الرواية شاعر كبير، أدواته الفنية في منتهى الطاعة لرؤاه الفنية الفياضة.
ولنقف أمام بعض النماذج والمقاطع المختلفة من هذه الرواية، فسوف ترى فيها قدرة الكاتب والفنان على الوصف، وسوف نلمس بين السطور شاعرية أصيلة نادرة وصياغة فنية الأسلوب العربي … لا شك أنها صياغة منفردة بشخصيتها الخاصة … وهي صياغة قادرة على أن تمنح صاحبها مكاناً بارزاً بين كبار اصحاب الأساليب العربية اللامعين.
يقول الطيب في وصفه للصحراء:
"هذه الأرض لا تنبت إلا الأنبياء. هذا القحط لا تداويه إلا السماء. هذه أرض اليأس والشعر".
ويقول الطيب عن الصحراء ايضاً:
"تحت هذه السماء الرحيمة الجميلة أحس إننا جميعاً إخوة. الذي يسكر والذي يصلي، والذي يسرق والذي يزني، والذي يقاتل والذي يقتل. الينبوع نفسه. ولا أحد يعلم ماذا يدور في خلد الإله. لعله لا يبالي. لعله ليس غاضباً. في ليلة مثل هذه تحس أنك تستطيع أن ترقى إلى السماء على سلّم من الحبال. هذه أرض الشعر والممكن وابنتي اسمها آمال. سنهدم وسنبني وسنخضع الشمس ذاتها لإرادتنا وسنهزم الفقر بأي وسيلة. السواق الذي كان صامتاً طوال اليوم قد ارتفعت عقيرته بالغناء، صوت عذب سلسبيل لا تحسب انه صوتـه.. يغني لسيارته كما كان الشعراء في الزمن القديم يغنون لجمالهم".
وعندما كان مصطفى سعيد بطل الرواية يحاكم في لندن وقف يقول، وما أروع ما يقوله الفنان على لسان بطله:
"إنني أسمع في هذه المحكمة صليل سيوف الرومان في قرطاجة، وقعقعة سنابك خيل "اللنبي" وهي تطأ أرض القدس. البواخر مخرت عرض النيل لأول مرة تحمل المدافع لا الخبز، وسكك الحديد انشئت أصلاً لنقل الجنود، وقد أنشأوا المدارس ليعلمونا كيف نقول نعم بلغتهم. انهم جلبوا إلينا جرثومة العنف الأوروبي الأكبر الذي لم يشهد العالم مثيله من قبل، جرثومة مرض فتاك أصابهم أكثر من ألف عام: نعم يا سادتي أنني جئتكـم غازياً في عقر داركم. قطرة من السم الذي حقنتم به شرايين التاريخ. أنا لست عطيـلاً. عطيل كان أكذوبة “.
وعلى لسان محجوب أحد شخصيات الرواية يقول عن البطل مصطفى سعيد: "تريد أن تعرف حقيقة مصطفى سعيد؟ مصطفى سعيد هو في الحقيقة نبي الله الخضر، يظهر فجأة ويغيب فجأة. والكنوز التي في هذه الغرفة هي كنوز الملك سليمان، حملها الجان إلى هنا. وأنت عندك مفتاح. أفتح يا سمسم، ودعنا نفرق الذهب والجواهر على الناس".
والنموذج الأخير الذي أود أن أقدمه هنا هو وصف الراوي لجده العجوز الذي يقترب من المائة:
"يا للغرابة.. يا للسخرية. الإنسان لمجرد أنه خلق عند خـط الاستواء، بعض المجانين يعتبرونه عبداً وبعضهم يعتبرونه إلهاً. أين الاعتدال؟ أين الاستواء؟.. وجدي بصوته النحيل وضحكته الخبيثة حين يكون على سجيته، أين وضعه في هذا البساط الأحمدي؟ هل هو حقيقة كما أزعم أنا وكما يبدو هو؟ هل هو فوق هذه الفوضى؟ لا أدري. ولكنه بقي على أي حال رغـم الأوبئة وفساد الحكام وقسوة الطبيعة، وأنا موقن أن الموت حين يبرز له سيبتسم في وجه الموت".
هذه النماذج كلها تكشف لنا ما في حوار الطيب صالح وأسلوبه وتصويره للشخصيات والمواقف من عذوبة وخصوبة وغنى فني وفكري عظيم.
وفي الرواية فوق ذلك كله امتزاج خصب أصيل بين فضائل الرواية التقليدية مثل التصوير الدقيق العميق للشخصيات وخلق الحكاية الممتعة التي تشد الأنفاس حتى النهاية، وفضائل الرواية الحديثة التي تعتمد على تصوير الأحلام والعالم الداخلي للإنسان. لقد استخدم الطيب صالح في روايته جميع الأساليب المناسبة في مزيج فني سليم خصب وأصيل. ولذلك جاءت روايته في النهاية رواية عصرية من ناحية، ولكنها من ناحية ثانية تفوح بالأصالة والارتباط بالتراث الروائي العربي والعالمي معاً. إنها بعبارات أخرى "رواية عربية متطورة"، تمثل خطوة جديدة في أدبنا الروائي، بل وتفتح في تاريخ الرواية العربية صفحة جديدة مشرقة … إنها علامة من علامات الطريق في أدبنا العربي المعاصر.
وقد تصطدم هذه الرواية في النهاية ببعض البيئات الأدبية المحافظة، وذلك بسبب بعض الفقرات التي تتحدث عن الجنس، ورغم أن الرواية تحتفظ بجانب كبير من قيمتها أو استغنت عن هذه الفقرات، إلا أنها بالتأكيد سوف تفقد شيئاً جوهرياً.. سوف تفقد ما فيها من صدق وحرارة، وسوف تفقد ما فيها من طعم لاذع لاسع مرّ. إنَّ هذه الرواية رغم صراحتها وجرأتها قد عالجت الجنس كجزء أساسي من بناء الرواية ونبضها الفني والإنساني، وهذا ما يعطي لهذه الرواية الفذة كل الحق في أن تبقى نصاً كاملاً لا يتصرف فيه أحد حتى ولا كاتبه نفسه.
إن رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" تعتبر من انضج نماذج الرواية العربية، بل الرواية العالمية أيضاً في معالجتها لموضوع الجنس. إنها تواجه هذا الموضوع بجرأة فنية "بدائية"؛ ولكنها شديدة الصدق والأصالة، فالرواية رغم جرأتها لا تستسلم أبداً لموضوع الجنس. إن الجنس في هذه الرواية عنصر من عناصرها، يخدم العمل الفني، وتظهر المواقف الجنسية طبيعية في موضعهـا من الرواية وفي تعبيرها عن ضرورة فنية وموضوعية، ومن واجـب حياتنا الأدبية أن تقابل هذا الموقف بجرأة وشجاعة، ولا يجوز أن نخفي رؤوسنا في الرمال.. فنجعل حراماً على أدبائنا ما ليس حراماً على غيرهم ونمنعهم من أن يقتربوا من موضوع الجنس إذا دعاهم إلى ذلك فنهم وفكرهم وصدقهم مع الفن والحياة، والواجب – هنا أن تتحقق حريتنا الفكرية والفنية بمواجهة الحقيقة لا بالهروب منها، ولو استطاعت حياتنا الفنية أن تهضم الفقرات الجنسية من رواية الطيب صالح بدون مضض أو امتعاض، فإنها بذلك تكون قد خطت مائة سنة أدبية إلى الأمام …. وإني لأتمنى أن يحدث هذا تماماً.
بقيت ملاحظة مؤسفة هي أنَّ هذه الرواية العظيمة لم تنشر إلا في عدد واحد سابق من مجلة “حوار”، التي كانت تصدر في بيروت، ثم عصفت بها رياح الفكر الوطني الحر، حيث كانت هذه المجلة تمثل منظمة حرية الثقافة العالمية، التي تستمد التمويل والتوجيه من المخابرات الأمريكية. ولست اشك في أنَّ الطيب صالح لا علاقة له بالمنظمة العالمية لحرية الثقافة، فهو – كما تقول روايته في كل حرف منها – عبقرية عربية، تنبض بوطنية صحيحة غير مريضة ولا ملتوية، وإذا كان من المؤسف أن هذه الرواية لم تنشر إلا في مجلة حوار، فإنني اتمنى أن تنشرها دار نشر عربية في القاهرة أو بيروت بنصها الكامل (**) في أقرب وقت، وتقدمها إلى القراء العرب في كل مكان؛ لكي يلمسوا بعقولهم وعواطفهم ميلاد عبقرية جديدة في سماء الرواية العربية؛ ولكي يشهدوا هذه الصفحة الجديدة المشرقة التي يفتحها في تاريخ الأدب العربي هذا الشاب الإفريقي الذي شرب من ماء النيل، ولم ينس لونه ولا طعمه عندما سافر إلى لندن وشرب من مياه “التايمز” الإنكليزي، بل بقى إفريقيا وعربياً وإنساناً وفياً لجذوره الأصيلة." انتهي

(3)
(*) المقال منقول من كتاب: الطيب صالح: عبقري الرواية العربية، ط 4، بيروت: دار العودة، 1984، ص 78-100، ونُشر أول مرة في صحيفة المصور المصرية، بتاريخ 1 فبراير 1968.
(**) صدرت الطبعة الأول لرواية "موسم الهجرة إلى الشمال" في بيروت: دار العودة، 1966.

ahmedabushouk62@hotmail.com

 

آراء