استدارة جيش البازنقر الرغبوية أو إنعطافة اللامعقول في منهج د. عشاري

 


 

 

٢٠ يوليو ٢٠٢٣

مقدمة:

لقد إستمعت الي اوديو نشره د. عشاري تحليلاً وتعقيباً علي "وثيقة توافق بين القوي المدنية من أجل العمل الوطني المشترك-

فاعلون مدنيون سودانيون يتحدثون بصوت واحد ، ١٩ يونيو ٢٠٢٣، صدرت باسم السفير نورالدين ساتي ، د. سليمان بلدو ، د. الباقر العفيف ، د. بكري الجاك "، حيث عرّف عشاري الجيش بانو "عمل الاستدارة وحوّل الحرب من حرب كانت في بدايتها في يومها الأول دفاع عن النفس لما الجيش أخذ علي حين غِرة انو أصبحت الآن حرب عادلة لإنقاذ السودان وإنقاذ السودانيين من دولة الجنجويد وهي الدايراها الخطة الامريكية واضح انو بدعم الامارات لانو الدعم الاماراتي ما ساهل ومستحيل الامارات تفعل ذلك دون رضا امريكا واسرائيل والاتحاد الافريقي ".  كما كرر د. عشاري لاحقاً في ذات الاوديو دعوته للشعب "الاصطفاف مع الجيش بمشكلاته وليس خوفا من الإسلاميين. الجنجويد شركة عسكرية أمنية خاصة مملوكة لآل دقلو " والجيش "عمل الاستدارة من ضلاله السابق انو حوّل المعركة وهذه الحرب الي حرب عادلة لإنقاذ السودان وحمايتو من خطر الجنجويد". يا لها من إستدارة بهلوانية كإستدارات الحواة للأطفال.

ما يهمني هنا هو زعمي أننا إزاء استدارة فكرية تحليلية لاتاريخانية إنعطف فيها د. عشاري من أدواته التحليلية السابقة النقدية الشوافة التي تناول عبرها تفكيك بنية المؤسسة العسكرية السودانية تاريخياً، كما تناولها كثير من الكتاب السودانيين والساسة

والنشطاء الثوريون الوطنيون والحركات التقدمية العادية للاستعمار. كذلك في فضاء الأدب السياسي وعلم الاجتماع والإقتصاد السياسي، هناك تيارات تقدمية تناولت المؤسسة العسكرية كمؤسسة تم إختراعها وصناعتها في الأساس لقمع المعارضين في حركات التحرر الوطني منذ الإستعمار وحافظت علي ذات وظيفتها في الفترة مابعد الكولونيالية وفي عصر العولمة وتحولت الي "بزنس" سياسي فاسد بجدارة.  لسان حال د. عشاري الرومانسي اللاعقلاني هنا يقول للجيش: عيونك شوكة في القلب توجعني وأعبدها وأحميها من الريح وأغمدها وراء الليل والأوجاع (محمود درويش).

إستدارة عشاري الفكرية من موقفه السابق حول مؤسسة البازنقر:

لقد فكّك من قبل د. عشاري دموية مؤسسة الجيش واتحفنا بتحليل نقدي ممتاز حول دموية مؤسسة الدولة والجنجويد ومقابرهم الجماعية والمشارح والمعتقلات السرية وعن جرائم العسكر والمدنيين في المجلس السيادي والجنجويد وفي احتيالهم علي الشعب، وعن مؤسسة البازنقر (العبيد المرتزقة) ومنهم شمس الدين كباشي ومشاركتهم مذبحة الشباب في ٣ يونيو ٢٠١٩. وكما ذكرنا الكاتب عبد الخالق السر كيف أن عشاري قدّم (تحليلا لغويا وخطابيا وسوسيولوجيا وفقا للسياق الذي يحكم تاريخ علائق الرق بتشابكاته العرقية والأثنية، ووفقا لتمظهراته "العنصرية" أو "الاستعلاء العرقي").

أستميح القارئ/ة هنا وأنا أقتبس مطوّلا من نص عبد الخالق هنا لتبيان والتركيز حول تفكيك عشاري السابق للمؤسسة العسكرية حيث يعرفها كمؤسسة بازنقرية وهي "كظاهرة تاريخية، بأنها النواة الأولى للجيش النظامي السوداني كما نعرفه اليوم. وهي، وان كانت بداياتها تعود الى ما عرف بزرائب تجارة الرقيق، والتي يقوم بحراستها والمساعدة في الصيد، بعض الرقيق أنفسهم بناء على توجيهات السيد مالك الزرائب. الا انها وبناء على توصيات محمد علي باشا، أصبحت النواة الأولى للجندي النظامي، والمؤسسة العسكرية الحديثة. لذلك فإن  "البازنقر"، ووفقا للتعريف السابق للبازنقرية كمؤسسة، هو نواة الجندي النظامي السوداني المنبت والذي يعمل في خدمة تاجر الرقيق أيا كان موقع ومسمى هذا التاجر: مالك للزرائب، أو مؤسسة استعمارية، كما هو الحال مع التركية، أو "جهادية" في نسختها المهدوية، أو قوة دفاع السودان، كما هو الحال مع الاستعمار البريطاني، وأخيرا ما يعرف ب "قوات الشعب المسلحة" عبر نظم الحكم في دولة ما بعد الاستقلال. كما يري عشاري، ونحن نواصل اقتباس عبد الخالق، "أن البازنقرية تظل هي السمة الملازمة لهذه المؤسسة من خلال عمالتها للغير وارتهان ارادتها وإئتمارها للاسياد: مصر، السعودية والإمارات. من هذا المنطلق، يعرف الكاتب "البازنقر، هو الجندي العب*د النذل، والنذالة خصيصة لزومية، للتمييز بينه وبين العب*بيد الأشراف الذين قاوموا تجارة الرق مثلما فعل البازنقر" ص١٠٣. والبازنقر، مستوجب للإحتقار كونه "في خدمة السيد، يؤدي البازنقر أكثر الأفعال دناءة وانحطاطا ضد أهله، بما في ذلك شن العدوان ضدهم، وتقتيله لهم تقتيلا، وتعذيبه لهم، واغتصابه جنسيا قريباته، واخفاءه بالقسر عشرات المئات من الشباب الثوار ورفضه الإفصاح عن أماكن وجودهم أو عن مصائرهم" ص ١٠٣.  يزعم عشاري في ذلك الكتاب أن الكباشي في بازنقريته "يُجسدِن عقيدة الجيش السوداني الراهن، بما هو جيش إجرامي عدو للشعب خائن للوطن. ومن ثم فإن البازنقر، العب*د في هيئة الضابط في الجيش ، محتقر، ليس فقط، كما هو يعلم، محتقر من قبل أسياده في السعودية والإمارات ومصر، وإنما كذلك هو البازنقر محتقر بين ضحاياه، وبين الشباب الثوار المقاومين ضد اجرامه ونذالته، هنا هم شباب الحتانة" ص ٦٨.

لقد كتب عشاري بإسهاب عن طبيعة المؤسسة العسكرية ذات النسب الجينولوجي في البازنقرية، الضاربة عميقا في تاريخ الرق، ومنتوجها الجندي"الع*بد البازنقر"، في وحشيته وضراوة البالغة في التنكيل بأهله، مرضاة لسيده. فالبازنقرية، كعبودية ونذالة، هي حالة ماثلة ومجسدة في علاقة المؤسسة العسكرية الراهنة، ورهط البازنقرات من العسكر الذين يقودونها ويرهنون البلد بكاملها لتجار الرقيق المعاصرين، محمد بن سلمان ومحمد بن زايد. يستطرد عبد الخالق في نقده الرصين لموقف مماثل آخر من الكاتب دوغلاس جونسون الذي بيّن "الإشكال البنيوي الذي ظل ملازماً للقوات المسلحة في ظل تشابك مصالحها وولائها للدولة الزبائنية التي أنشأها المستعمر، على حساب المصالح العليا للوطن والمواطن".

نكتفي هنا بإضاءة الأستاذ الناقد الباحث عبد الخالق السر حول تعريف عشاري بدموية الجيش تاريخياً في سياق تناوله للكباشي. (راجع مقال "البازنقر" للدكتور عشاري أحمد محمود، استعراض وملاحظات نقدية، عبد الخالق السر). كما كتب عشاري أيضا عن إجرام البرهان في سياق البراغماتية واللا-أخلاقية من قبل قيادات الحركة الشعبية، وشرعنة إعلان المبادئ بين الحركة الشعبية والحكومة الإنتقالية ، ولكنه تغاضي عن تصنيف البرهان كبازنقر.

الخلاصة هي أن عشاري قد استزبل (من الزبالة) تحليله الرصين العميق وتفكيكه التاريخي للمؤسسة العسكرية ، واستبدله بموقف عاجل قصير المدى ومنخفض السقف الفكري كونه يتناسي الأساس المادي التاريخي للمؤسسة العسكرية السودانية وولوغها في إختراع المليشيات لتحارب نيابة عن مؤسسة نأت بنفسها عن دورها الوطني في حماية السيادة الوطنية وتحولت الي مرتزقة مأجورة تنهب موارد الدولة وشركاتها وتبيع موارد الدولة الي الأخوان المسلمين "بتراب القروش" وترهن الجيش الي قيادتهم البائسة النهّابة، وتبطش بالمواطنين، واخترعت مهنة الإغتصاب في المؤسسة الأمنية العسكرية والإبادات الجماعية. هذا هو كتاب وتاريخ المؤسسة العسكرية التي سطت عليها مؤسسة الأخوان المسلمين الحزبية التي تنطلق من أيديولوجيا وخطاب سياسي بغيض قائم علي الإحتفاء بالدين ولاعلاقة لها بمفهوم الوطن. وقبل ذلك كانت مؤسسة تمارس القمع والمذابح على مواطنيها منذ الاستقلال؛ مذابح جوبا و واو والضعين ومذابح دارفور وجبال النوبة والنيل الازرق ، ومذبحة حوش القيادة العامة، ثم ولغت في الحروب الأهلية الدموية. تناسي د. عشاري فجأة تحليله السابق لبنية الجيش الموضوعية وشروطها التاريخية وإستدار نحو طرح لاتاريخاني يزعم فيه تحوّل مؤسسة الجيش فجأة الي جيش وطني لاعلاقة له بالعنف والإرتزاق والزبائنية وأن مليشيا الجنجويد هي إبن شرعي من أصله الجيني: نطفة، وعلقة ومضغة ثم عظاماً إكتست لحماً فأصبحت على شاكلته جنجويداً ؛ أو بمجازٍ آخر، تلك المليشيات تكوّنت عضوياً وجدلياً من المؤسسة العسكرية السودانية كما يتكوّن اللبن من الفرث والدم .

في الختام، شكراً عبد الخالق السر، بصرك اليوم حديد لا تبخل علينا بشوفك الثاقب؛ وشكراً عشاري علي تعرية إحتيال وخداع دفن سياسة العولمة "أب كراعن برة" وفضح ممثلي أيديولوجيا الوجبات السريعة في المنظومة الامريكية والإتحاد الاوروبي والإتحاد الأفريقي والدول العربية ووكلائهم وزبائنهم المحليين نخب الداخل الطفيليين ضيقي الأفق وعديمي البصر والبصيرة الوطنية ونكران الذات الذين تسوقهم نزواتهم الضيقة وولعهم بالإستوزار الذي لاعلاقة له بالمواطن المستضعف كما البهائم. لعل الجميع يتذكّر أن بذور الثورة هم الثوار وأن الثورة جاءت لتبقي وتنتصر.

مرجع:

"البازنقر" للدكتور عشاري أحمد محمود ، استعراض وملاحظات نقدية، عبد الخالق السر.

https://www.facebook.com/teeto707/posts/897487224268965/?locale=hi_IN

elsharief@gmail.com

 

آراء