الأخضر الليموني وملامح الانقلاب الجذري في فكر الصادق المهدي

 


 

 


قلما أجد نفسي في اتفاق مع النمط الفكري الذي يتبعه الصادق المهدي حيث يلوح لي فكره وكأنه فكر طوبي فوقي (شعاراتي) مفارق لأي أصول فلسفية أو نزعة عملية (براغماتية).
ولكني اليوم إزاء اتفاق جزئي مع إحدى النقاط الجزئية في هذا الفكر التجزيئ.
فقد كتب الصادق المهدي كلمة مفيدة بمناسبة ما سمي بمشروع شجرة الليمون الذي دعت إليه أمانة المرأة بهيئة شئون الأنصار للدعوة والإرشاد.
وفي هذه الكلمة أشاد الصادق بالمشروع الذي مثل سابقة نادرة في اهتمام حزب الأمة بأي مشروع عملي يتعلق بالنفع العام للشعب. (وهذه الملاحظة منا وليست منه بطبيعة الحال!)
وأشاد الصادق باهتمام أمانة المرأة الأنصارية بمشروع زراعة شجرة الليمون لأن الهيئة أضافت لدورها الدعوي الإرشادي التربوي دورا مجتمعيا خدميا.
وذكر أن نشر غرس شجرة الليمون يدعم مشروع تخضير السودان المطلوب لصحة البيئة، وأن غرس أشجار الليمون يساهم في خفض تكاليف معيشة الأسرة، وأن الليمون بما يحتوي من فيتامينات (ب وج) يمثل بندا هاما في التوازن الغذائي ودواءا وقائيا وعلاجيا.
وهذا الملخص المجتزأ يمثل جوهر كلمة الصادق المهدي بعد أن خلصناها من الحشو والاستطرد الذي استدعى فيه بعض المبتذلات الشعبية وأحاديث الشعراء والمغنين في مدح الليمون لونا وشرابا.
وقد كان المرجو أن يتجه الصادق عوضا عن هذا الاستطراد التطويلي إلى التأصيل السياسي الحضاري لمثل هذا المشروع المهم، فيذكر أن حزب الأمة بدلا من أن يكتفي بالمطالبة الملحة بنيل حقوقه تجاه الشعب (بأن يوليه الحكم)، فقد آثر أن يبدأ بمعالجة معادلة الحق والواجب، معالجة حسنة، فيؤدي بعض واجباته نحو الشعب بالقيام بمثل هذا المشروع قبل أن يطالبه بأن يوليه بالحكم.
وأن يؤكد لأتباع حزب الأمة ولأفرد الأمة جميعا، أن صنع الحضارة وإحراز التقدم الوطني لا يتم عن طريق العمل السياسي المباشر، (ديماغوغيا كان أو غير ديماغوغي)، وإنما بالانخراط في كافة أنواع العمل الطوعي ذي الطابع الخِدمي المستقبلي وذي الأثر الباقي مثل هذا المشروع.
وأن أداء مثل هذه المشرعات التنموية الحضارية الرائعة لا ينبغي أن يرتبط بالأوضاع السياسية القائمة، وما إذا كان حزبي حاكما أم محكوما، وإنما يرتبط بالوطن وأهله وحسب.
وأن قيام حزب غير حزبي على أمر الحكم لا ينبغي أن يحد من مبادرات حزبي وألا يمنعه من الإسهام في الخير العام.
وأن قيام حزبي على أداء مثل هذا المشروع الحضاري التنموي المهم لا يعني أنه يخدم به في الختام الحزب الحاكم كما يفهم بعض السياسيين الرعاع.
وقد سمعنا من بعض مهرجي هؤلاء السياسيين السودانيين ومشعوذيهم في السنوات الفارطة أن أفضل وسيلة لتخليص السودان من حكم الإنقاذ تتمثل في تخريب الاقتصاد الوطني.
وفي هذا السياق كانت واحدة من أعاجيب سياسي أكاديمي (مثقف) يدعى عجوبة أن دعا السودانيين في واشنطون إلى الامتناع عن إرسال كتب أكاديمية إلى جامعة الأحفاد لأن في ذلك خدمة لحكومة الإنقاذ كما قال!
وهذا منطق في غاية الابتذال سرنا أن الصادق المهدي اتجه إلى تجافيه والانصراف عن دواعيه.
ولكن ما سرنا أن الصادق اتجه بمثاليته الزائفة إلى تضخيم هذا المشروع – مشروع الليمون إياه – قبل أن ينفذ جزء منه في الواقع.
وتلك مثلبة أخرى من مثالب المثفقين ذوي الميول التنظيرية الهوائية.
فإنهم لا يكادون يتقبلون جهد المقل.
ولذا تراهم دوما يطالبون بالمزيد.
وفي هذا التوجه ما فيه من استتفاه لنمط المشروعات التنموية العملية المحدودة، والانصراف إلى المزايدة في أمرها، بما يؤدي إلى إجهاضها أو إحباطها، بتحيملها ما لا قبل لها به من المهام الجسام.
ولذلك فقد أنكرت اتجاه الصادق إلى هذه الوجهة الضارة، بمزايدته بمشروع الليمون قبل أن يبدأ تنفيذه قائلا:" ومع دعمي لهذه المبادرة المباركة فإنني أقترح أن تقرروا غرس مليون شجرة في العاصمة والأقاليم فإن تحققت في ظرف ستة أشهر ننتقل للمليون الثاني".
فهذا المطلب هو واحد من مطالب التمني السياسي لا من المطالب العملية التي تراعي ظروف الواقع والامكانات المحدودة التي قد لا تعين على غرس مليون شجرة كما طلب.
وقد كان الأجدر بالصادق أن يثمن المشروع الحالي كما هو، وأن يدعو إلى إنفاذه بخطته الراهنة، وألا يضيف إليها جديدا من فيض الخاطر ووحي القريحة السخية الذي لا يغيض.
وأن يتقدم إلى دعمه دعما ماديا عمليا كأن يقدم له بعض المال، أو أن يأمر بتفريغ كوادر حزبه، وهو على رأسها، للعمل بالمشروع في يوم واحد أو أكثر من أيام العطلات.
وذلك بدلا من أن يكتفي بنداء هائم غائم إلى أحد المشاتل بالسقاي ليقوم بدعم المشروع.
وبدلا من أن يتنادى بواحد من الشعارات القديمة السقيمة التي كرَّهتنا فيها الإنقاذ بعد أن أفرغتها من كل مدلولاتها وذلك بدعوته إلى ما سماه ( السودان بستان الليمون)!


mohamed ahmed [waqialla1234@yahoo.com]

 

آراء