الأستاذ الفكرة .. بقلم: ثروت قاسم
ثروت قاسم
18 January, 2014
18 January, 2014
الحلقة الأولى ( 1- 2 )
Facebook.com/tharwat.gasim
Tharwat20042004@yahoo.com
1- صباح الجمعة 18 يناير 1985 ؟
نستعرض أدناه 4 مناسبات ، لكي نتدبرها ونأخذ منها العبر والدروس ، أم على قلوب أقفالها :
اولاً :
اليوم السبت 18 يناير 2014، تمر 29 عاماً على إستشهاد الأستاذ العظيم صباح الجمعة 18 يناير 1985 .
إستشهد على خشبة المشنقة في سجن كوبر بتهمة الردة المفبركة ( ما أنت بنعمة ربك بمجنون ؟ ... أجعل الالهة الهاً واحداً ، إن هذا لشيئ عجاب ؟ ) ، عن عمر يناهز ال 76 عاما . إستشهد وهو باذخ كالتبلدية الراسخة ، وهو باسم إبتسامة الطمانينة المطلقة ، وهو مؤمن إنه باق ما بقيت ( الفكرة ) !
ثانياً :
كما نحتفل هذه السنة بعيد ميلاد ( الأستاذ الفكرة ) ال 105 ، فقد ولد في عام 1909 !
ثالثاً :
ونحتفل كذلك بالذكرى ال 69 لتأسيس الحزب الجمهوري السوداني ، الذي أسسه الأستاذ العظيم في اكتوبر 1945 كحزب سياسي يدعو لإستقلال السودان والنظام الجمهوري؛ في زمن كان السيد خلف الله خالد واخرون في الأحزاب الإتحادية يعتمرون الطربوش الخديوي ويدعون لسودان تحت التاج المصري .
لم يقم الحزب الجمهوري علي أساس طائفي، بل قام علي أساس فكري سياسي, وهو جلاء المستعمر المصري والإنجليزي عن السودان ، وحكم السودان جمهورياً . ولأول مرة في السودان تبرز دعوة لجمهورية سودانية مستقلة فدرالية !
بعد تأسيس الحزب الجمهوري في عام 1945 ، اُعيد تسجيله فى عام 1951 ، ومرة ثالثة في عام 1968 ، ويجري حالياً أعادة تسجيله في نسخته الرابعة ، والإعداد للمؤتمر التاسيسي ، الذي نأمل أن يشارك فيه جميع الشرفاء والأحرار والمهمشين الأخيار .
رابعاً :
ونحتفل بالعيد ال 53 لإعلان الأستاذ العظيم ( الفكرة ) الجمهورية في أكتوبر عام 1961 .
نحن نحتاج لإستلهام وإعادة بعث ( الفكرة ) الآن اكثر من أي وقت مضى ، لكسوف شمسنا ، بل غيابها ، وسقوطنا في عصر الإنحطاط !
2- الإرث والفكرة ؟
في هذه المناسبات المركبة والمتداخلة ، يحق لنا أن نتسآل :
ماذا ترك فينا ولنا الأستاذ العظيم من إرث عظيم ، وماذا أخرج لنا من علم حسب الآية 148 في سورة الأنعام ( قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ) ؟
يُمكن إختزال إرث الأستاذ العظيم ، وهو إرث جد عظيم في كلمة واحدة ، ولكنها جامعة وشاملة ومحيطة :
( الفكرة ) .
بعد تفكير وتدبر وتأمل واعتكاف طويل إستمر سنوات وخرج منه في أكتوبر 1951 ، أعلن الأستاذ العظيم مجموعة من الرؤى والأفكار والمفاهيم والمعاني الدينية والسياسية والإجتماعية والثقافية سمى مجموعها ب
( الفكرة ) الجمهورية.
في أكتوبر 1951 ، أبتدع الأستاذ العظيم ... ( الفكرة ) .
عاش الأستاذ العظيم ( الفكرة ) ، وكان تطبيقاً عملياً لها ، حتى صار بحق وحقيق ( الأستاذ الفكرة ) ؟
في إطار شرح ( الفكرة ) ، أخرج لنا الأستاذ العظيم علماً كثيراً ونافعاً ومفيداً من خلال إصداراته الأصيلة المتعددة ، والتي تزواج بين الواجب في قطعيات الوحي وصحيح السنة والواقع بمنافعه ومصالحه المشروعة ، وتوافق بين الأصل الصالح والعصر المعيش . تحتوي ( الفكرة ) على رؤى ومفاهيم ومعاني تيسر ولا تعسر ، حسب ما جاء في الرسالة الثانية للإسلام ، التي تصلح لإنسانية القرن العشرين وما بعده .
ترك الأستاذ العظيم فينا ولنا ما إن تمسكنا به لن نضل بعده أبداً ، ترك فينا ولنا مع كتاب الله وسنة رسوله ... ( الفكرة ) المكملة للفهم الصحيح لكتاب الله وسنة رسوله الكريم ، في عصرنا الحديث هذا ، حيث الكلام ليس بالخيوط كما تنبأ في زمن غابر الشيخ فرح ودتكتوك ، وإنما بالمحمول .
يبقى الأستاذ العظيم حياً بيننا ، ما دامت ( الفكرة ) موجودة ، وهي باقية لن تموت . ومادام الجمهوري باق ، فكل جمهوري تطبيق عملي للفكرة ، فهو الفكرة تمشي على قدمين .
تسعى ( الفكرة ) لتلبية إحتياجات الانسان المعاصر ؛ إذ أنها تدعو الى المجتمع الصالح الذى يرتكز على المرجعيات الثلاثة :
+ الديمقراطية ،
+ الاشتراكية ،
+ والعدالة الاجتماعية .
وفي مفهوم ( الفكرة ) ، تعني العدالة الاجتماعية حق المواطنة فى أسمى تجلياتها ، بغض النظر عن الدين ، أو العنصر ، أو اللون ، أو الطائفة ، أو القبيلة ، أو الوضع الإجتماعي .
ترى ( الفكرة ) أن القرآن لم يغادر كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها ، ويحتاج إلى إجتهاد لبلورة فهم جديد يتماشى مع العصر ، ويساعد في حل قضايا الانسان المعاصر من القرآن.
تقول الفكرة أن قرآن الاصول ، الذى يتضمن الحقوق الانسانية الاساسية ويفي بتطلعات الانسان المعاصر ، هو المرجعية لحلول مشاكل انسان اليوم .
3- الأرث وأخلاق القرآن ؟
ثلاثة خصال شخصية نبيلة تبرز ونحن نتذكر الأستاذ الفكرة :
اولاً :
+ خلقه القرآن .
من أهم ما نتذكر به الأستاذ الفكرة هو خلقه وتعامله مع الآخر ، فقد كان ( خلقه القرآن ) .
ثانياً :
+ الرحمة .
كان الأستاذ الفكرة تجسيداً للآية 107 في سورة الأنبياء :
( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )
كان الأستاذ الفكرة رحيماً مع الجميع ، حتي مع خصومه الذين إشتهروا بالغلظة والشدة والعنف ، ورحيماً حتى مع الكدايس والنمل ، وله قصص تُروى في هذا المضمار ، بل رحيماً حتى مع الشجر .
ولا غرو ولا عجب ، فنحن نكرر يومياً فى صلواتنا صفة ( الرحيم ) قبل بدء وأثناء كل صلاة، وهى من أسماء الله الحسنى، وتعنى ( كثير الرحمة ) .
هل تسمع الشاعر يشدو:
وُلد الرفق يوم مولد محمود
والمروءات والهدى والحياء
والهمزية النبوية لشوقي وكانها تحكي عن رحمة الأستاذ الرمز :
إذا رحمت فأنت ( أم ) أو ( أب )
هذان فى الدنيا هما الرحماء
يحاكي ( الأستاذ الفكرة ) بوذا في التسامح والرحمة !
ذهب أحدهم لبوذا حتى يسمح له بالذهاب لبحيرة جايا المقدسة ، حتى يستحم فيها ويتطهر.
قال له بوذا:
كن رحيماً بالناس، وبعد ذلك أى ماء هو تماماً كبحيرة جايا !
ثالثاً :
+ الطمانينة .
نتذكر الأستاذ الفكرة بأنه كان متصالحاً مع نفسه ، ومع الآخرين . كانت نفسه ( مطمئنة ) ، بل كان يجسد ( الطمانينة ) .
الطمأنينة أعم من السعادة ؛ السعادة ترتبط بالمسرات ؛ والطمأنينة ترتبط بالقناعات والسلوكيات ! السعادة مؤقتة والطمأنينة دائمة! الطمأنينة هي سبب الفوز برضى الله في الدنيا والآخرة ، ودخول الجنة ، ومرافقة الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى ذلك في الآيات من 27 إلى 30 في سورة الفجر فقال :
( يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وأدخلي جنتي ) .
رابعاً :
+ الإيمان .
ولكل ذلك فقد قابل الأستاذ الفكرة الموت على منصة الإعدام فجر الجمعة 18 يناير 1985 ، وهو مبتسم إبتسامة الرضى والطمانينة المطلقة ، فقد كانت نفسه ( مطمئنة ) . لأنه وببساطة كان اولاً وأخيراً ( مؤمناً ) .
كان الأستاذ الفكرة تجسيداً للآية 28 في سورة الرعد :
( الذين آمنوا ، وتطمئن قلوبهم بذكر الله ، آلا بذكر الله تطمئن القلوب) . فالطمأنينة والسعادة وراحة البال ليسوا بغير الإيمان ، فهو الأصل والمنبع والمبتدأ والخبر .
ونشهد بأن الأستاذ الفكرة كان مؤمناً .
4- الفكرة والمبصرون ؟
تحاكي ( الفكرة ) بين العقلاء المبصرين قصة الفيل مع العميان ؟
يضع الأعمى الأول يداه على ظهر الفيل ، فيخال الفيل حائط ضخم ! يمسك الأعمى الثاني بخرطوم الفيل ، فيؤكد لك إن الفيل ماسورة ضخمة ! يمسك الأعمى الثالث بسن الفيل ، فيظن الفيل كتلة صماء من العاج ! وهكذا دواليك !
هذه السطور المبصرة ترى ( الفكرة ) مجسدة في الآية 30 في سورة فصلت :
( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا ؛ وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ) .
الأستقامة هي المرجعية المفتاح في ( الفكرة ) !
الإستقامة تعني إستيلاد المواطن الصالح العامل المفيد ... المفيد لنفسه ، ولعائلته ، ولوطنه ، وللبشرية جمعاء . لا تعني الإستقامة قيام الليل وصيام النهار بدون عمل دنيوي مفيد . بل تعني العمل الدنيوي المفيد المثمر الذي يحفظ للأنسان كرامته وإحترامه وإستقلاله المادي وثقته بنفسه ؛ ويشارك في إعمار الأرض .
تعني الإستقامة حسن المعاملة مع الآخر ، ومع الله سبحانه وتعالى .
وللأهمية الاخلاقية القصوى للإستقامة وحسن الخلق ، كرر القرآن الكريم نفس المعني في الآية 13 في سورة الأحقاف :
( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) !
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
قال الرسول عليه الصلاة والسلام :
( ان الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار ) !
ونشهد بأن الأستاذ الفكرة كان ( مستقيماً ) ، يمشي على صراط مستقيم . وهكذا كل جمهوري يعيش ( الفكرة )، ويعمل على هديها وهداها .
قال :
حدثني ، يا هذا ، عن الجمهوريين ؟
قال :
الناس السمحين ، الناس القيافة .
5- شر الدواب ؟
زايد بعض شر الدواب على الاستاذ العظيم وعلى ( الفكرة ) ، فإتهموا الأستاذ العظيم ، جوراً وبهتاناً وخسة ونذالة وجهلاً وتجهيلاً ، بالردة والكفر ؟
هؤلاء وهؤلاء هم شر الدواب !
وما أدراك ما شر الدواب ؟
شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون . ولو علم الله فيهم خيراً ، لأسمعهم ، ولو أسمعهم ، لتولوا وهم مُعرضون . ً
وسوف نحاول للمرة ال 71 أن نستغفر لهم ، ونسمِِعهم قبل أن يتولوا وهم مُعرضون .
الذين كذبوا محموداً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا !
الذين كذبوا محموداً كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ !
فتولى الأستاذ الضرورة عنهم وقال :
يا قوم . لقد أبلغتكم الرسالة الثانية للأسلام ، ونصحت لكم ؛ ولكن لا تحبون الناصحين ؛ فكيف آسي على قوم يجحدون ؟
وأردف قائلاً بالدارجي :
( زى ما نبذوكم بالمافيكم ، يجى وقت يشكروكم بالمافيكم ) ؟
هؤلاء واؤلئك يزرعون الحنظل ، وسوف يحصدون الُمر، إنهم كانوا قوماً لا يعقلون ؟
أما خليل فرح فكأنه يتغزل في الاستاذ الفكرة :
هنا تلقى الخلق الإعرابي ...
لا خوف لا ضيم لا مرابي
ظل محمود الكابي ...
والشرف الاصلو سوداني
وكأن الخليل يُذكرك بالسعيد الطيب شايب وجلال الهادي ( من صحابة الأستاذ الفكرة ) عندما يقول :
هنا روعة عصرا ولى ...
وروايع جيلنا الهله
إياك يا عاشق تحرق ...
في بحور أوصافك تغرق
هي شامة تورنا الابرق ...
هي جنة نيلنا الأزرق
الشامة ترمز للسعيد والجنة ترمز لجلال ؟
ايها الجمهوريون :
أنتم دعوة القرآن الحق الشاملة الجامعة، وطريقة صوفية نقية، وجمعية خيرية، ومؤسسة اجتماعية، وحزب سياسى نظيف... أنتم الإسلام !
نقطة على السطر . .
قال قائل منهم :
نسأله تعالى ان يوالى سبل ستره علينا ، ويغمرنا بمننه وأفضاله وألطافه ؛ فلو كشف المستور وطفح ما فى الصدور ، لاسودت وجوه ، وهرعت أناس الى القبور؟
نواصل في الحلقة الثانية ...
///////