الاتجار بالبشر: جريمة العصر …..ماذا عن السودان؟ 2 … بقلم: د. اشراقه مصطفى حامد

 


 

 

 

فوانيس

د. اشراقه مصطفى حامد

fawanesi@hotmail.com

فيينا- النمسا


الإتجار بالبشر جريمة العصر والعودة بالانسانية الى عصر الرق الذى ظنّ العالم بانه اندثر, ليعود بوجه اكثر اجراما, فهذه الجريمة تحدث فى اغلب دول العالم بل من الصعب استثناء دولة منها سواء كانت دول تصدير, استقبال او ترحيل للضحايا.

يلعب الفقر دورا كبيرا فى تفشى هذه الظاهرة وكذلك الظلم والكيفية التى توزع بها ثروة العالم, حيث الاثرياء يزدادون ثراء والفقراء فقرا مدقعا, الشىء الذى يدفع بالضحايا لسوق الدعارة, استغلالهم فى المزراع والمصانع مقابل عائد لا يسمن ولا يغنى من جوع, هذا غير استغلالهم فى الخدمة المنزلية حيث يتعرضون خاصة النساء للعنف الجسدى والتحرشات الجنسية.

بالاشارة الى تقرير باليرمو واتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة

Palermo (The Convention against Transnational Organized Crime)

يمكن القول إن الإتجار البشرى يعتبر انتهاكا صارخا ضد حقوق الانسان, فالجماعات التى يتم اغرائها بوعود كاذبة مستغلين فقرهم وعوزهم واشواقهم للحياة الكريمة حيث يواجهون الحقيقة المره ويكتشفون بعد فوات الاوان ان هذه جريمة منظمة تقف ورائها مافيا عالمية تسلب حريتهم وتحركهم وفق جشعها وجيوبهم المنتفخه للمزيد من در المال الحرام بعرف الأديان السماوية والقوانين المدنية. يظلون مستعبدين الى حين ارجاعهم للمبالغ الطائلة التى صرفت فى تسفيرهم حيث يصعب اعادتها وبالتالى يقع الضحايا فى مساومات جديدة وبيعهم من جديد ويظلون دائرين فى رحى هذه الحرب ضد انسانيتهم وانسانية العالم الذى يقف ضد هذه الجريمة المنظمة.

فئة قليلة كما تشير التقريرات امتلكت قرارا شجاعا بالوقوف امام المحكة للادلاء برؤيتهم ويحدث هذا فى الغالب فى الدول التى اسست لقانون صارم ضد الإتجار بالبشر ولها برنامج حماية مؤسس يقدم كل الدعم المادى والمعنوى للضحايا واعادة تأهيلهم من جديد.

اسباب الاتجار بالبشر عديدة ولكنها تتداخل مع بعضها البعض ومن الصعب فصلهم, فالفقر ناتج عن سياسة توزريع ثروة وسلطة العالم بطريقة غير عادلة يتحكم فيها فى الغالب شمال الكره الارضية ومع ذلك لم يسلم من هذه الجريمة المنظمة, حيث انفتاح السوق العالمى واسواق الجنس المنظم بدء من الانترنيت مرورا بالوقوف على الرصيف لبيع الجسد دون ارادتهم, يتداخل ذلك ايضا فى ضرورة الهجرة لاجل العمل حيث يتم ايضا إستغلالهم فى مصانع النسيج وفى المزارع الكبيرة وفى خدمة البيوت وفى الطاعم و تلعب الحروب, عدم الاستقرار السياسى, الكوراث الطبيعية والحكومات الديكتاتورية دورا فى وقوع الضحايا فى الايادى المجرمة التى تسوقهم الى المجهول حيث يتم انتهاك ماتبقى من انسانيتهم.

مهم جدا الانتباه ان محاربة هذه الجريمة ومعالجة كل الخدوش التى حدثت فى روح العالم لن يتم الاّ بمراجعة سياسات الهجرة العالمية وهذا يتطلب اعادة النظر فى كيفية ادارة العالم وان يتاح لجنوب الكرة الارضية حرية اتخاذ القرار وبناء قدرات مجتمعاتهم وحمايتها الشىء الذى يسد كل ثغرات الهجرة الغير شرعية. هذا لا ينفى ان الهجرة فى حد ذاتها حقا انسانيا كفلته القوانين الدولية وفقا لمسوداتها.

هل هناك إتجار بالبشر فى السودان؟

لا يمكن نفى ذلك فى بلد عانى من الحروب الطويلة والحكومات الديكتاتورية وعدم الاستقرار السياسى ما أدى إلى افقاره. البحوث والتخطيط العلمى الذى يتم تجاهله والتعامل معه بثانوية يقلل من حجم جريمة الاتجار بالبشر فى السودان اذ هذا يحرم المرء الباحث من عقد مقارنات بين ماهو متوفر من تقارير عالمية وبين ماهو موجود ومقروء بعيون سودانية.

قمت فى اثناء رحلتى البحثية بالاطلاع على التقارير الخاصة بالاتجار البشرى, السودان نموذجا وذلك فى

Trafficking in Persons Report

والصادر فى يونيو من هذا العام من

Department of State- USA

وقارنتها بالتقارير السابقة بدء من 2002 ولم اجد اى تغيير يذكر غير ماذكر من وعود باولاء هذا الامر أهمية تستند على ابعاد الحلول الثلاثة متمثلة فى الوقاية, الحماية والمتابعة القانونية. السودان ووفقا لهذه التقارير موضوع فى آخر الدرجات اسوة بالكونغو ومورتانيا.

يمكن التعامل مع هذه التقارير كفرضيات بحثية وهو ان السودان دولة منشأ وتصدير وترحيل الضحايا خاصة فيما يخص العمالة واستغلالها فى سوق العمل باجر زهيد واستغلالهم فى سوق الدعارة. هناك مؤشرات لهذا الاستغلال خاصة فى ظل الحروب والنزوح وان ماسببته الحروب الطويلة والصراعات الدامية فى السودان خلفت تفكيكا واضحا فى النسيج الاجتماعى الشىء الذى يتطلب قراءة هذا الواقع بذهن مفتوح وجراحات قابلة للتداوى.

بعض النساء من اثيوبيا وارتريا يتم تصديرهن عبر السودان الى دول الشرق الاوسط ويتم استغلالهن ايضا فى سوق العمالة الرخيصة والدعارة وكل هذا يتم عبر شركات مافيا منظمة منتشرة فى كل انحاء العالم.

نقرأ فى بعض الاحيان مايشير الى وضع بعض المهاجرين والمهاجرات فى دول كمصر والامارات والحديث عن الشقق المفتوحة والدعارة المتفشيه دون ان يكون هناك سؤال ملحا فى ظل واقع جريمة الاتجار بالبشر, هل تساءلنا عن ماوراء هذا؟ هل هناك وكالات تشغيل وتسفير فى السودان؟

هل هناك مكاتب لتزويج السودانيات؟ اذا الاجابة نعم على اى اساس وكيف تمّ التصديق لها ووفق اى معايير؟

ووضع بعض المهاجرين فى لبنان لا يختلف كثيرا حيث يتم استغلالهم فى سوق العمالة الرخيصة وهذا يقود الى فرضيات اخرى ما اذا كانت هناك جماعات منظمة لزج بعضهم فى سوق الدعارة؟ ماذا عن بيع الاعضاء؟ الى اى مدى يمكن ان يقود الفقر للتنازل عن جزء من جسد البنى آدم؟

كل هذا جانب والاتجار بالاطفال جانب آخر اكثر حرقة فى الروح, ولا يمكن نفى كل اشكال الانتهاكات التى تمت للطفولة من تجنيد وزج فى الحروب وبيعهم عبر اوغندا ليواجه مصير الاستغلال الجنسى والبدنى. ماذا يحدث فى حالات الخطف التى تتم من قبل المليشيات المتحاربة؟ ماذا يحدث للاطفال وهل هناك تغيير ملموس بعد برامج اعادة توطين الاطفال ونزع السلاح منهم ومحاولة ادماجهم من جديد فى حياة طبيعية تليق بطفولتهم؟

كما ذكرت آنفا ان وجود هذه الجريمة فى السودان لا يمكن نفيها انطلاقا من ان العالم صار مؤبوء بهذه الجريمة البشعة اذ يبدو باننا لم نبرح ازمنة الرق والعبودية.

ماذا بعد؟

البدايات قد انطلقت بتكوين لجنة لم تكن الاولى من نوعها وان لم يكن هناك اداء ملحوظ لماسبق من لجان, لابدّ من تحية المبادرة التى قامت بها المنظمة العالمية للهجرة فى السودان بالتعاون مع مركز الهجرة والبحوث التابع لجهاز المغتربيين وبدعم الحكومة السودانية فى شقيها {الشمالى} و {الجنوبى}, لابدّ من الدعم المتواصل لتحقيق الحد الأدنى بوضع اجندة وطنية ضد هذه الجريمة بدء من برامج الوقاية وتحقيق كل وسائل الحماية للضحايا والتعامل معهم باحترام وانسانية كل هذا لا يقل اهمية من قانون صارم يحمى الضحايا ويعاقب كل من يرتكب هذه الجريمة.

كل هذا لابدّ من تتويجه ببرنامج وعى وتطوير القدرات والمهارات الشىء الذى يتطلب خطة اعلامية تغطى وتحلل وترصد وتراقب.

د. أشراقه مصطفى حامد

مستشارة فى مركز التدخل لحكاية النساء ضحايا الإتجار البشرى فى فيينا

النمسا.

ملحوظة: بناء استراتيجيات على ضوء الحملة الاعلامية لمكافحة الإتجار بالبشر فى السودان, بحث مقدم لاحدى الجامعات الاوربية لنيل درجة مابعد الدكتوراه.

 

آراء