الاتفاق الإطاري السوداني وسيناريو حافة الهاوية

 


 

 

يبدو أن ما ألمحنا إليه في مقالتنا السابقة، من أن هناك من بين أطراف الاتفاق الإطاري، طرفاً في فمه ماء، قد بدا واضحاً اليوم، بعد ترحيل موعد التوقيع على الاتفاق النهائي من يوم الأول من أبريل إلى السادس من أبريل الجاري (اليوم)، (ونخشى القول إن تاريخ التوقيع سيتجاوز السادس من أبريل/ تم تأجيل التوقيع) على خلفية الخلاف بين الجيش والدعم السريع حول مواقيت عمليات الإصلاح والدمج والتحديث التي تم الاتفاق على مبادئ عامة لها.
وكان آية ذلك انسحاب وفد ممثلي الجيش من الجلسة الأخيرة لورشة الإصلاح الأمني والعسكري (وهي الجلسة الختامية المخصصة لتلاوة التوصيات النهائية التي توصل إليها المشاركون) في إشارة واضحة إلى أن التباين الذي بدا كبيراً بين الجيش والدعم السريع، ربما لا يكمن في كونه خلافاً إجرائياً، بل يتجاوز ذلك كمؤشر على عدم الثقة بين الطرفين، ناهيك بما قد يضمره ذلك التباين من صراع إرادات ونفوذ على السلطة.
جنرالات الجيش الكبار أصروا (بحسب معلومات كشفت عنها صحيفة السوداني) على أن تتم عملية دمج قوات الدعم السريع في الجيش بمدة لا تتجاوز ستة أشهر إلى سنة، فيما كشفت الصحيفة ذاتها، أن رد قادة ميليشيات الدعم السريع على هذا الشرط التعجيزي، هو أن تتم عملية الدمج خلال 22 سنة! فيما كان المطروح، قبل هذه المعلومات التي كشفت عنها “السوداني”، مطالبة الجيش بسنتين لإنهاء عمليات دمج الدعم السريع، ومطالبة قادة الأخيرة بأن تتم عملية الدمج في ما لا يتجاوز 10 سنوات.
ألعاب الوقت
من الواضح اليوم (بعيداً من دعاوى قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان سابقاً في وجه اعتراضات المواطنين على تجاوزات الدعم السريع بأن “الجيش والدعم السريع شيء واحد”)، أن حدود لعبة قادة الجيش بألعاب الوقت بدأت تنفد لتقترب من حدود ألعاب الدم، فهذه المرة – وكما كان واضحاً من بنية الانقلاب المفخخ 25 أكتوبر 2021 – نخشى القول إنه ربما آن الأوان – لا سمح الله – لأن يصطدم الجيش والدعم السريع إذا فشلا في إنجاح عملية الإصلاح الأمني والعسكري المزمع الاتفاق عليها ضمن بنود الاتفاق النهائي.
لكن ثمة خطورة كبيرة تكتنف سياسة حافة الهاوية التي يمارسها قادة كبار في الجيش اليوم مع الدعم السريع، التي نقدر أنها ضغوط من قيادات لنظام البشير في الجيش الذي تحكم فيه الإخوان 30 سنة تمت فيها تصفية معاشية لكبار ضباط الجيش في ما سمي آنذاك بعمليات “التمكين داخل الجيش”.
هذه اللعبة لسياسة حافة الحاوية التي يمارسها قادة الجيش، فيما هي تحاول باستمرار إعادة إنتاج لسيناريو حدث في دولة أخرى، لا تعي أنها لعبة تضمر امتناعاً بنيوياً حال دون ذلك السيناريو مرتين، نظراً إلى اختلاف سياقات صلبة وغير قابلة للمقارنة، لكن علاوة عن ذلك الامتناع، ليس هناك في سياسة حافة الهاوية هذه ما يضمن نجاحها لا لأنها مجربة وعقيمة، بل كذلك لامتناع يكمن في التناقض الرئيس الذي يحكم بنية كل من الجيش والدعم السريع. إلى جانب سياق إقليمي ودولي يحظر قوة ثالثة مؤثرة في هاتين القوتين لها أجندتها الخاصة (فلول نظام الإخوان) الذين نشطوا أخيراً في تأجيج الشحن بين الطرفين عبر التصريحات التي شهدناها في الأسابيع الماضية بين قادة من الدعم السريع وقادة من الجيش حول الموقف من الاتفاق الإطاري.
هكذا لا يبدو اليوم كلاً من مدنيي قوى الحرية والتغيير (المركزي) وقوى الانتقال الذين وقعوا على الإطاري، أطرافاً في الخلاف على بنود وثيقة الإصلاح الأمني والعسكري بين الجيش والدعم السريع، التي سيعطل عدم الاتفاق عليها – حتى الآن – الوصول إلى اتفاق نهائي لحل الأزمة السودانية.
بل لا يبدو حتى قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو حميدتي (الذي دفعته ضغوط دولية وإقليمية جبارة للحرص على الالتزام بالاتفاق الإطاري) طرفاً في تهديد الاتفاق الإطاري بالانهيار، لكن في الوقت ذاته وبطبيعة الحال ستكون قواته في قلب مشهد الاختلاف الذي سيتم التعبير عنه بالعنف هذه المرة بين الطرفين – لا سمح الله – وهو عنف ستنجر عنه حرب أهلية لا ينجو منها أحد.
لهذا فإن مشهد خريطة الصراع اليوم يبدو واضحاً في تعبيره عن انسداد خطر، هو النتيجة الوحيدة لانقلاب 25 أكتوبر 2021.
تبدو نهاية لعبة حافة الهاوية اليوم، بعد محاولتين فاشلتين لتكرار سيناريو ممتنع ومحكوم بالفشل (في كل من: عملية فض الاعتصام في 3 يونيو 2019 وانقلاب 25 أكتوبر 2021)، وفي ظل قناعة طرف عسكري بجدوى الاتفاق الإطاري (الدعم السريع) خطراً أكبر قد يتورط فيه ضباط كبار في الجيش، لكن الأرجح أن هذه المرة، حال المضي في هذه اللعبة إلى نهايتها – لا سمح الله – سيكون الثمن مكلفاً.
الأرجح، كذلك، أن سيناريو حافة الهاوية يعكس تخبطاً واضحاً ويعبر عن تردد وتناقض أحياناً، إذ ما معنى أن يوقع قادة الجيش على اتفاق إطاري بمساعدة أطراف دولية وإقليمية كبرى، وكان حصيلة لعملية سياسية معقدة قادتها الآلية الثلاثية برعاية الرباعية الدولية، على مدى سنة ونصف السنة، وحددت مواقيت معينة لمخرجاتها، لتكون النتيجة – حتى الآن على الأقل – على هذا النحو المهدد بنسف العملية السياسية!
الفرصة سانحة
حتى اليوم، لا تزال الفرصة سانحة لاستدراك وترميم العملية السياسية والوصول إلى اتفاق نهائي يضمن له المجتمع الدولي والإقليمي مخرجاً آمناً. وإذا ظن بعض من قادة الجيش أن في الاستجابة لضغوط ضباط كبار بالجيش من الحركة الإسلامية مخرجاً لهم أو ضماناً لاستمرارهم على السلطة فإن هذا ضرب من المستحيل، خصوصاً أنه لا مجال اليوم لأية مساحة تسمح للجيش بالانفراد بالسلطة في ظل إقصاء الدعم السريع، أو محاولة دمجه بطريقة متعسفة.
لقد كان واضحاً، كذلك من بيان قوى الحرية والتغيير أول من أمس الثلاثاء الذي لمح إلى الصعوبات المعطلة للتوقيع على الاتفاق النهائي، فيما عبر في الوقت ذاته، بأن خيار العملية السياسية هو أحد خيارات التحالف وليس الخيار الوحيد في التعاطي مع واقع الانقلاب، وكان في دعوة إلى وحدة قوى الثورة خصوصاً في هذه الأيام التي يتجدد معها ذكرى انتفاضة 6 أبريل 1985 التي أطاحت بنظام النميري، وذكرى 11 أبريل 2019 التي أسقطت البشير، مما يدل على إمكان استخدام خيارات ثورية أخرى.
بيان تحالف “الكتلة الديمقراطية” الذي حملت فيه الموقعين على الاتفاق الإطاري مسؤولية الانسداد السياسي، جاء في صيغة مواربة ومخادعة، فالجميع اليوم بات مدركاً أن “الكتلة الديمقراطية” مسؤولة وبدرجة كبيرة عن إعاقة الوصول إلى الاتفاق النهائي بسبب رفض التوقيع عليه بحجج واهية. فهذه المرة تدرك “الكتلة الديمقراطية” أن الخلاف الذي يعطل التوقيع على الاتفاق النهائي هو خلاف محصور بين الجيش والدعم السريع حول قضايا فنية وعسكرية، وأن قوى الحرية والتغيير (المركزي) وقوى الانتقال ليست طرفاً في هذا الخلاف، بل هي تبذل مساعي حثيثة للوصول إلى الاتفاق بين الطرفين بمساعدة المجتمع الدولي والإقليمي، فيما هذا الأخير تدفعه أسباب قوية لإنجاح الاتفاق الإطاري، وهي أسباب جيوسياسية وجيوستراتيجية حساسة جداً، وتعكس ضرورة أن يكون السودان اليوم في استراتيجيتها دولة مستقرة، فالسودان اليوم يمثل محور اهتزاز خطراً للأمن الإقليمي في وسط وشرق أفريقيا إذا ما انهارت الدولة المركزية فيه.
في ظل الطريق المسدود لسيناريو حافة الهاوية الذي يلوح به ضباط كبار في الجيش في خلافهم مع الدعم السريع، ربما كان هناك في الجيش تيار مقتنع بالاتفاق الإطاري، ونرجو أن يحد هذا التيار من تكرار مغامرات ستكون عواقبها مدمرة، هذه المرة ليس فقط بسبب الرهان على خيارات خاسرة ومجربة، بل كذلك لأن البنية التي أفسد بها نظام الإخوان المسلمين جهاز الدولة العام وفخخ بذلك الفساد بنية القوات النظامية العسكرية برأسين متمانعين، وتسببه في تفريخ جيوش أخرى للحركات المسلحة عبر تأجيج الحرب الأهلية، كل ذلك يتطلب اليوم من قادة الجيش إصغاء مخلصاً إلى صوت العقل والضمير وتغليب المصلحة الوطنية العليا للحفاظ على ما تبقى من بنية الدولة التي يستحقها شعب ما زال أمله كبيراً في تحقيق أهداف ثورته.
ونخشى القول إن إخلاف الجيش الوعد مع هذا الشعب في تطلعاته المشروع لمرة ثالثة، سيكون ثمنه باهظاً لدرجة ستدفع هذا الشعب لأن لا يتسامح مع من أخلفوا وعدهم له للمرة الثالثة!
*نقلا عن اندبندنت عربية
///////////////////////

 

آراء