الاستاذ عبدالرحمن الامين وجائزة الشيخ تميم
عبدالله مكاوي
14 December, 2022
14 December, 2022
abdullahaliabdullah1424@gmail.com
بسم الله الرحمن الرحيم
جدد توزيع جائزة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الدولية للتميز في مكافحة الفساد، رغبة في الكتابة عن قامة صحفية اسست مدرسة قائمة بذاتها في مجال الصحافة الاستقصائية، وتتبع فساد الانبياء الكذبة بصفة خاصة، الا وهو الاستاذ الكبير عبدالرحمن الامين.
وهي رغبة اجبرها علي التاجيل المرة تلو الاخري، حرب داحس والغبراء الجارية بين الجذريين والثوريين من جهة، وبين الحرية والتغيير والمشفقين علي احوال البلد الهشة من جهة. وما يجعل هذه الحرب عبثية (واحتمال كل حرب) ان الجميع متفق علي الاهداف، لتصبح علة الاحتراب هي الوسائل.
وهي علة يبدو انها ذات صلة بنوع من الاختلاط بين العقل والعاطفة يسم الشخصية السودانية الملتبسة، وعلي الاخص النخبة، وبصورة اكثر تخصيص الفاعلة في الشان السياسي. وهذه المسحة العاطفية التي تخالط العقل انتجت نوع من الوعي الانفعالي (اذا جاز الوصف)! وهو وعي ترك اثره علي التوجه السياسي، لنجده اكثر نشاط وشيوع وتاثير في الاحزاب العقائدية. وغالبا هو السبب الذي يجعل توجهاتها ذات طبيعة جذرية.
وعموما قطع المسافة للالتقاء مع عسكر قتلة وغادرين ليس بالامر السهل، ولكن عندما يصبح مصير الوطن وسلامة المواطنين رهينة لذات العسكر، فهذا يجيز الاخذ بالضرورات التي تبيح المحظورات كما يقول الفقهاء، او تجرع السم كما صرح الخميني وهو يقبل اتفاق مع الاعداء مكرها.
وحتي لا نبحر بعيدا عن موضوعنا وهو علي كل حال مرتبط بالتصدي للفساد. نشير الي ان جزء اساس من فساد الانقاذ المهول يصح رده للوعي الانفعالي السالف ذكره، والذي يتمظهر بصورة جلية في تكييف الوعي لتلبية الرغبات والطموحات غض النظر عن الامكانات وحقائق الواقع. والحال كذلك، في وضع المعارضة يميل للشيطنة والتجريم والتشكيك في الآخر المختلف، ليتوج ذلك بصناعة بديل نظري مثالي. اما في السلطة فهو يندفع للتبرير والانكار وصناعة عدو وهمي لتحميله الفشل والتقصير. اي باختصار هو وعي لا واعي، ومن السهولة بمكان انقياده للاهواء، وما يترتب علي ذلك من اخطاء وكوارث لا قبل لوطن بها.
لكل ذلك الفساد في عهد الانقاذ لم يكن حالة عرضية ولا حتي اضطرارية، ولكنه كان المحرك للنظام او البيئة التي يشتغل فيها، خاصة وان هذا الانحراف يجد التبرير في نزعة استباحة سابقة عليه. وهذا ما جعل فساد الانقاذ فريد في نوعه ويصعب مجاراته او تكراره.
ورغم ان فساد الانقاذ ذو طبيعة شمولية، بل وتحول الي طقس يسم حياة السودانيين، إلا ان نقله من حالة المشافهة والمظاهر الظاهرة الي مادة مكتوبة ووقائع مثبتة وكشفه بالوثائق والارقام والشخوص والكيانات والجهات، مما يصلح كدليل ادانة ومادة محاكمة للكوادر الاسلاموية الفاسدة، والاهم نزع ورقة التوت الدينية التي يتغطي بها الاسلامويون، لتظهرهم علي حقيقتهم مجرد لصوص، ونظامهم مجرد تشكيل عصابي. هو العمل الذي كرس له الاستاذ عبدالرحمن الامين طاقته ومواهبه، ليصبح قائد الفرسان الذين ضربوا نظام الانقاذ في العصب الحي (راسمالهم الديني/الاخلاق). بل يمكن القول ان كشف فساد الانقاذ بالادلة والوثائق والافراد، اسقط نظام الانقاذ كشريعة مدعاة (تمنح شرعية لدي البسطاء) ليستعيض عنها بالقوة العارية المجردة (جيش وامن ومليشيات وشرطة) لتثبيت سلطته الفاسدة.
ومن هذه الوجهة، يحسب لعبد الرحمن الامين وصحبه الميامين، نظير جهودهم الحثيثة في فضح فساد الاسلامويين، ان ارتفعت كلفة الانتماء لهذا التنظيم الفاسد، ليخجل البعض وينكر البعض ويتبرأ البعض الآخر، من الانتماء لهذا التنظيم المافيوي. اما من ظل يتفيأ ظلاله فقد لجأ للمغالطة والتحدي الاجوف والولوغ في الفساد حتي اذنيه من غير حياء. ليصبح الانتماء للانقاذ وصمة عار لكل صاحب سوية انسانية او اخلاقية.
والحديث عن عبدالرحمن الامين لا ينفصل عن اسلوبه السهل الممتنع واللغة البسيطة المحكية، وكانه يحمِّل حروفه عطور و كلماته مباخر، يلطف بها اجواء مقاله، عسي ولعل تَحِد من عفونة فساد الانقاذ وتحلل قيم الاسلامويين، وهول الصدمة من شدة الجرأة علي الحق والتجرؤ علي اسم الله! لتتحول مقالاته الي لوحات فنية رغم انها تتناول قضايا اجرامية. والحال ان هذا الابداع، افسح المجال امام مقالاته الاستقصائية، لتصل اعداد قراءتها لارقام فلكية، بل واعادة قراءتها كل مرة بذات الشغف وفغر الفيه.
وبوصفي احد قراء ومعجبي ومحبي الاستاذ عبد الرحمن الامين، يتيح لي ذلك القول بكل اطمئنان ان مجرد ظهور اسمه يرفع سقف التوقعات لمادة دسمة ورؤية مستبصرة، اما ما يخص مقالاته الاستقصائية عن فساد (الابالسة)، اذا ما وجدت مخرج وامكانات وممثلين، فهي بمثابة سيناريوهات جاهزة لانتاج افلام عن فساد الكيزان تسير بفضائحه الركبان.
وكون الاستاذ عبد الرحمن الامين اختار لونية الصحافة الاستقصائية، بكل مصاعبها ومتاعبها ومخاطرها وجهودها المضنية في استحصال المعلومة، فهذا ان دل علي شئ فهو يدل علي علو الهمَّة وقبول التحديات الجسام، وهذا بالطبع ليس مجانا، ولكن مقابل ذلك، ان عائد اللونية الاستقصائية هي الاكثر تاثير ومردود عاجل، لدرجة قدرتها علي تغيير رؤساء وحكومات وحلول قضايا محل قضايا واولويات مكان اولويات، وتعرية شخصيات وشعارات وكشف جرائم وانتهاكات وسيف مسلط علي الفساد والتجاوزات.
لكل ذلك، اقل ما يمكن تقديمه لمقابلة جهوده والاحتفاء بانجازاته، هو السعي لتكريمه برد الجميل، كوفاء لعطائه. وفي هذا السياق يمكن التقدم بملف مقالاته الاستقصائية، التي تتبعت الفساد في مظانه وكشفت الغطاء عن التعدي علي المال العام ونهبه، بصورة ليس لها مثيل في التاريخ، من اجل الترشح لنيل جائزة الشيخ تميم بن حمد للتميز في مكاحة الفساد، اذا ما توافرات كامل الشروط. وهذا بدوره يحتاج للجنة لحشد الدعم وعمل اللازم بما يجعل حظوظه في نيل الجائزة اكبر، وهنالك متسع من الوقت (مدة عام). وكل ما نحتاجه هو الاخذ بهمَّة واخلاص الاستاذ عبدالرحمن الامين في التفاني في اداء مهامه، الشئ الذي انعكس علي مقالاته جودة واتقان.
وحتي اذا لم يحالفه الحظ في نيل الجائزة او لم يستوفِ اشتراطات نيلها بعد عمل اللازم، إلا ان مجرد وجود اسمه وانتاجه تحت الاضواء، لهو اكبر مكسب لشخصه ولقضايانا التي تستحق التعاطف، ومن ثمَّ المساعدة علي السعي لتتبع واسترداد اموالنا المنهوبة في البنوك والدول الخارجية.
اما التخوف والتحرُّج من دولة قطر بواصفها داعمة للاسلاميين، بل واضافت لهم القوميين العرب، للعب دور اقليمي مؤثر في محيطها. يمكن بث الاطمئنان بان الجائزة ذات معايير مستقلة وطابع دولي، ولذا يتوافق تسليمها مع اليوم الدولي لمكافحة الفساد. كما ان قطر تبحث عن تحسين صورتها الخارجية، ويكفي انها من اجل ذلك انفقت المليارات بسخاء طائي لتنظيم بطولة كاس العالم. ولذا يصعب عليها التلاعب بحرف مسار الجائزة نصرة لحلفاء غير موثوقين.
كما ان قطر وغيرها من الدول الداعمة للاسلامويين السودانيين، غالبا ما يُغيبون بذات الخدع والاكاذيب والاساليب المضللة التي يمارسونها في الداخل، ولذا عندما يطلعون علي فساد الاخوة الاسلامويين بالادلة والبراهين والوثائق، مؤكد ان النظرة ستتغير والدعم سيخف ان لم يتوقف، اقلاه من باب حفظ مال الداعمين حتي لا يتسرب للجيوب الخاصة! اي بمعني الاسلامويون السودانيون اصبحوا عبء، وليس في مصلحة اي دولة او منظمة التعاون معهم او الاقتراب منهم، بعد تجربتهم الكارثية في السودان.
وختاما الاستاذ عبد الرحمن الامين لا يحتاج لجائزة من اي نوع، لان جائزته الحقيقية هي تقدير واحترام العارفين بفضله وجهوده وسعيه لخدمة الوطن وانسانه والتصدي للمستبدين والفاسدين، و لحسن الحظ هم كثر، اما الترشيح لجائزة تميم فهو مجرد (زيادة خير) وتعبير عن محبة، يشرفها ان تتوشح القلادة الدولية.
واخيرا
عمنا ابراهيم الشيخ اذا صدقنا ان الصدفة وحدها او رغبة البرهان حصرا، هي ما جمعت بينكم في ساحة الاعتصام، وهي السانحة الوحيدة للتعرف علي البرهان المغمور، ولو انها مثلت جواز مروره للارتباط بالثورة وصولا لتسنمه دفة قيادة المرحلة الانتقالية! فماذا نسمي تصريحاتك الاخيرة التي تشيد فيها بالبرهان؟! وهو من تلطخت يده بدماء الثوار والغدر بالثورة واجهاض الفترة الانتقالية بعد قيامه بالانقلاب المشؤوم، سبب كل الكوارث الآنية؟! وهو من لم تنجب الارض منذ بسطها والي حين طيها من يكذب وينافق مثله؟! ومن يطمح بكل الوسائل للسيطرة علي السلطة، ولو كان ثمن ذلك تدمير البلاد وتشريد اهلها؟!
كما ان التسويق للاتفاق الاطاري اذا صح انه يهدف لخير البلاد والعباد، لا يحتاج للتدليس والدغمسة والتهوين من جرائم وانتهاكات العسكر، او وصفهم بالحكمة والشجاعة ومراعاة المصلحة العامة، ظنا ان ذلك يحولهم من ذئاب وثعالب الي غزلان وارانب!
والاهم ان الحرية والتغيير هي نفسها ساهمت بقدر وافر في هذا الواقع الماساوي، ولو ان وقت الحساب لم يحن وقته. وهذا ما يجعل عبء الحرية والتغيير مضاعف، فمن ناحية تحتاج لبناء الثقة مع القطاع المدني بمختلف تكويناته، ومواقفه الرافضة المتصلبة، وعلي الخصوص شباب الثورة، وهو ما يحتاج لمزيد من الشفافية والصبر وتنويع اساليب الاقناع، والالتزام الصارم بالابتعاد عن حكومة الفترة الانتقالية، والالتفات لبناء احزابها. ومن ناحية تحتاج لتقديم نموذج مختلف لاساليب عملها السابقة، بما فيها الابتعاد عن نزعة الوصاية علي الجبهة المدنية سواء اثناء التفاوض او بعد الاتفاق علي الفترة الانتقالية.
واول خطوة في الطريق السليم هي تعريف طبيعة الصراع، اي الغرض من الاتفاق مع العسكر هو كبح جماحهم وكف شرهم وتحجيم اطماعهم، وليس استخلاص خير من العسكر او جلب منفعة عامة لا مكان لها من الاعراب، في عرف قتلة مجرمين.
والخطوة الثانية الاستعانة بالخبراء الوطنين والاكاديمين والسياسيين من كل الاتجاهات، للوصول لمرحلة انتقالية مستقرة، تفتح الطريق نحو بناء الدولة المدنية مستقبلا، وفي هذا الإطار نبه الدكتور الواثق كمير لجانب مهم ان لم يكن عصب نجاح اي فترة انتقالية في هكذا احوال مضطربة، وهو المجلس التشريعي ودوره واسبقية تكوينه، وكذلك اشار احد الخبراء (للاسف لا اذكر اسمه) لاهمية تاسيس المحكمة الدستورية مبكرا، حتي تفض اي اختلاف او اشتباك بين مكونات الفترة الانتقالية (قطع الطريق علي مبررات الانقلاب).
وهذا كله رهين بالوصول لاتفاق مع العسكر يجد الرضا والقبول من شرائح مجتمعية واسعة، وهو ما لا يبدو ان الرؤية واضحة بشأنه في ظل تذبذب مواقف العسكر (تصريحات/طموحات البرهان)، وتشرذم القوي المدنية وعجزها عن بناء مشتركات تقوي جبهتها الداخلية، وتاليا موقفها التفاوضي. وفي بلاد يلازمها سوء الحظ، ويحكمها التراجع المطرد، وتعصف بها رياح انعدام الثقة، يصعب نشر شراع التفاؤل. ودمتم في رعاية الله.
/////////////////////////
بسم الله الرحمن الرحيم
جدد توزيع جائزة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الدولية للتميز في مكافحة الفساد، رغبة في الكتابة عن قامة صحفية اسست مدرسة قائمة بذاتها في مجال الصحافة الاستقصائية، وتتبع فساد الانبياء الكذبة بصفة خاصة، الا وهو الاستاذ الكبير عبدالرحمن الامين.
وهي رغبة اجبرها علي التاجيل المرة تلو الاخري، حرب داحس والغبراء الجارية بين الجذريين والثوريين من جهة، وبين الحرية والتغيير والمشفقين علي احوال البلد الهشة من جهة. وما يجعل هذه الحرب عبثية (واحتمال كل حرب) ان الجميع متفق علي الاهداف، لتصبح علة الاحتراب هي الوسائل.
وهي علة يبدو انها ذات صلة بنوع من الاختلاط بين العقل والعاطفة يسم الشخصية السودانية الملتبسة، وعلي الاخص النخبة، وبصورة اكثر تخصيص الفاعلة في الشان السياسي. وهذه المسحة العاطفية التي تخالط العقل انتجت نوع من الوعي الانفعالي (اذا جاز الوصف)! وهو وعي ترك اثره علي التوجه السياسي، لنجده اكثر نشاط وشيوع وتاثير في الاحزاب العقائدية. وغالبا هو السبب الذي يجعل توجهاتها ذات طبيعة جذرية.
وعموما قطع المسافة للالتقاء مع عسكر قتلة وغادرين ليس بالامر السهل، ولكن عندما يصبح مصير الوطن وسلامة المواطنين رهينة لذات العسكر، فهذا يجيز الاخذ بالضرورات التي تبيح المحظورات كما يقول الفقهاء، او تجرع السم كما صرح الخميني وهو يقبل اتفاق مع الاعداء مكرها.
وحتي لا نبحر بعيدا عن موضوعنا وهو علي كل حال مرتبط بالتصدي للفساد. نشير الي ان جزء اساس من فساد الانقاذ المهول يصح رده للوعي الانفعالي السالف ذكره، والذي يتمظهر بصورة جلية في تكييف الوعي لتلبية الرغبات والطموحات غض النظر عن الامكانات وحقائق الواقع. والحال كذلك، في وضع المعارضة يميل للشيطنة والتجريم والتشكيك في الآخر المختلف، ليتوج ذلك بصناعة بديل نظري مثالي. اما في السلطة فهو يندفع للتبرير والانكار وصناعة عدو وهمي لتحميله الفشل والتقصير. اي باختصار هو وعي لا واعي، ومن السهولة بمكان انقياده للاهواء، وما يترتب علي ذلك من اخطاء وكوارث لا قبل لوطن بها.
لكل ذلك الفساد في عهد الانقاذ لم يكن حالة عرضية ولا حتي اضطرارية، ولكنه كان المحرك للنظام او البيئة التي يشتغل فيها، خاصة وان هذا الانحراف يجد التبرير في نزعة استباحة سابقة عليه. وهذا ما جعل فساد الانقاذ فريد في نوعه ويصعب مجاراته او تكراره.
ورغم ان فساد الانقاذ ذو طبيعة شمولية، بل وتحول الي طقس يسم حياة السودانيين، إلا ان نقله من حالة المشافهة والمظاهر الظاهرة الي مادة مكتوبة ووقائع مثبتة وكشفه بالوثائق والارقام والشخوص والكيانات والجهات، مما يصلح كدليل ادانة ومادة محاكمة للكوادر الاسلاموية الفاسدة، والاهم نزع ورقة التوت الدينية التي يتغطي بها الاسلامويون، لتظهرهم علي حقيقتهم مجرد لصوص، ونظامهم مجرد تشكيل عصابي. هو العمل الذي كرس له الاستاذ عبدالرحمن الامين طاقته ومواهبه، ليصبح قائد الفرسان الذين ضربوا نظام الانقاذ في العصب الحي (راسمالهم الديني/الاخلاق). بل يمكن القول ان كشف فساد الانقاذ بالادلة والوثائق والافراد، اسقط نظام الانقاذ كشريعة مدعاة (تمنح شرعية لدي البسطاء) ليستعيض عنها بالقوة العارية المجردة (جيش وامن ومليشيات وشرطة) لتثبيت سلطته الفاسدة.
ومن هذه الوجهة، يحسب لعبد الرحمن الامين وصحبه الميامين، نظير جهودهم الحثيثة في فضح فساد الاسلامويين، ان ارتفعت كلفة الانتماء لهذا التنظيم الفاسد، ليخجل البعض وينكر البعض ويتبرأ البعض الآخر، من الانتماء لهذا التنظيم المافيوي. اما من ظل يتفيأ ظلاله فقد لجأ للمغالطة والتحدي الاجوف والولوغ في الفساد حتي اذنيه من غير حياء. ليصبح الانتماء للانقاذ وصمة عار لكل صاحب سوية انسانية او اخلاقية.
والحديث عن عبدالرحمن الامين لا ينفصل عن اسلوبه السهل الممتنع واللغة البسيطة المحكية، وكانه يحمِّل حروفه عطور و كلماته مباخر، يلطف بها اجواء مقاله، عسي ولعل تَحِد من عفونة فساد الانقاذ وتحلل قيم الاسلامويين، وهول الصدمة من شدة الجرأة علي الحق والتجرؤ علي اسم الله! لتتحول مقالاته الي لوحات فنية رغم انها تتناول قضايا اجرامية. والحال ان هذا الابداع، افسح المجال امام مقالاته الاستقصائية، لتصل اعداد قراءتها لارقام فلكية، بل واعادة قراءتها كل مرة بذات الشغف وفغر الفيه.
وبوصفي احد قراء ومعجبي ومحبي الاستاذ عبد الرحمن الامين، يتيح لي ذلك القول بكل اطمئنان ان مجرد ظهور اسمه يرفع سقف التوقعات لمادة دسمة ورؤية مستبصرة، اما ما يخص مقالاته الاستقصائية عن فساد (الابالسة)، اذا ما وجدت مخرج وامكانات وممثلين، فهي بمثابة سيناريوهات جاهزة لانتاج افلام عن فساد الكيزان تسير بفضائحه الركبان.
وكون الاستاذ عبد الرحمن الامين اختار لونية الصحافة الاستقصائية، بكل مصاعبها ومتاعبها ومخاطرها وجهودها المضنية في استحصال المعلومة، فهذا ان دل علي شئ فهو يدل علي علو الهمَّة وقبول التحديات الجسام، وهذا بالطبع ليس مجانا، ولكن مقابل ذلك، ان عائد اللونية الاستقصائية هي الاكثر تاثير ومردود عاجل، لدرجة قدرتها علي تغيير رؤساء وحكومات وحلول قضايا محل قضايا واولويات مكان اولويات، وتعرية شخصيات وشعارات وكشف جرائم وانتهاكات وسيف مسلط علي الفساد والتجاوزات.
لكل ذلك، اقل ما يمكن تقديمه لمقابلة جهوده والاحتفاء بانجازاته، هو السعي لتكريمه برد الجميل، كوفاء لعطائه. وفي هذا السياق يمكن التقدم بملف مقالاته الاستقصائية، التي تتبعت الفساد في مظانه وكشفت الغطاء عن التعدي علي المال العام ونهبه، بصورة ليس لها مثيل في التاريخ، من اجل الترشح لنيل جائزة الشيخ تميم بن حمد للتميز في مكاحة الفساد، اذا ما توافرات كامل الشروط. وهذا بدوره يحتاج للجنة لحشد الدعم وعمل اللازم بما يجعل حظوظه في نيل الجائزة اكبر، وهنالك متسع من الوقت (مدة عام). وكل ما نحتاجه هو الاخذ بهمَّة واخلاص الاستاذ عبدالرحمن الامين في التفاني في اداء مهامه، الشئ الذي انعكس علي مقالاته جودة واتقان.
وحتي اذا لم يحالفه الحظ في نيل الجائزة او لم يستوفِ اشتراطات نيلها بعد عمل اللازم، إلا ان مجرد وجود اسمه وانتاجه تحت الاضواء، لهو اكبر مكسب لشخصه ولقضايانا التي تستحق التعاطف، ومن ثمَّ المساعدة علي السعي لتتبع واسترداد اموالنا المنهوبة في البنوك والدول الخارجية.
اما التخوف والتحرُّج من دولة قطر بواصفها داعمة للاسلاميين، بل واضافت لهم القوميين العرب، للعب دور اقليمي مؤثر في محيطها. يمكن بث الاطمئنان بان الجائزة ذات معايير مستقلة وطابع دولي، ولذا يتوافق تسليمها مع اليوم الدولي لمكافحة الفساد. كما ان قطر تبحث عن تحسين صورتها الخارجية، ويكفي انها من اجل ذلك انفقت المليارات بسخاء طائي لتنظيم بطولة كاس العالم. ولذا يصعب عليها التلاعب بحرف مسار الجائزة نصرة لحلفاء غير موثوقين.
كما ان قطر وغيرها من الدول الداعمة للاسلامويين السودانيين، غالبا ما يُغيبون بذات الخدع والاكاذيب والاساليب المضللة التي يمارسونها في الداخل، ولذا عندما يطلعون علي فساد الاخوة الاسلامويين بالادلة والبراهين والوثائق، مؤكد ان النظرة ستتغير والدعم سيخف ان لم يتوقف، اقلاه من باب حفظ مال الداعمين حتي لا يتسرب للجيوب الخاصة! اي بمعني الاسلامويون السودانيون اصبحوا عبء، وليس في مصلحة اي دولة او منظمة التعاون معهم او الاقتراب منهم، بعد تجربتهم الكارثية في السودان.
وختاما الاستاذ عبد الرحمن الامين لا يحتاج لجائزة من اي نوع، لان جائزته الحقيقية هي تقدير واحترام العارفين بفضله وجهوده وسعيه لخدمة الوطن وانسانه والتصدي للمستبدين والفاسدين، و لحسن الحظ هم كثر، اما الترشيح لجائزة تميم فهو مجرد (زيادة خير) وتعبير عن محبة، يشرفها ان تتوشح القلادة الدولية.
واخيرا
عمنا ابراهيم الشيخ اذا صدقنا ان الصدفة وحدها او رغبة البرهان حصرا، هي ما جمعت بينكم في ساحة الاعتصام، وهي السانحة الوحيدة للتعرف علي البرهان المغمور، ولو انها مثلت جواز مروره للارتباط بالثورة وصولا لتسنمه دفة قيادة المرحلة الانتقالية! فماذا نسمي تصريحاتك الاخيرة التي تشيد فيها بالبرهان؟! وهو من تلطخت يده بدماء الثوار والغدر بالثورة واجهاض الفترة الانتقالية بعد قيامه بالانقلاب المشؤوم، سبب كل الكوارث الآنية؟! وهو من لم تنجب الارض منذ بسطها والي حين طيها من يكذب وينافق مثله؟! ومن يطمح بكل الوسائل للسيطرة علي السلطة، ولو كان ثمن ذلك تدمير البلاد وتشريد اهلها؟!
كما ان التسويق للاتفاق الاطاري اذا صح انه يهدف لخير البلاد والعباد، لا يحتاج للتدليس والدغمسة والتهوين من جرائم وانتهاكات العسكر، او وصفهم بالحكمة والشجاعة ومراعاة المصلحة العامة، ظنا ان ذلك يحولهم من ذئاب وثعالب الي غزلان وارانب!
والاهم ان الحرية والتغيير هي نفسها ساهمت بقدر وافر في هذا الواقع الماساوي، ولو ان وقت الحساب لم يحن وقته. وهذا ما يجعل عبء الحرية والتغيير مضاعف، فمن ناحية تحتاج لبناء الثقة مع القطاع المدني بمختلف تكويناته، ومواقفه الرافضة المتصلبة، وعلي الخصوص شباب الثورة، وهو ما يحتاج لمزيد من الشفافية والصبر وتنويع اساليب الاقناع، والالتزام الصارم بالابتعاد عن حكومة الفترة الانتقالية، والالتفات لبناء احزابها. ومن ناحية تحتاج لتقديم نموذج مختلف لاساليب عملها السابقة، بما فيها الابتعاد عن نزعة الوصاية علي الجبهة المدنية سواء اثناء التفاوض او بعد الاتفاق علي الفترة الانتقالية.
واول خطوة في الطريق السليم هي تعريف طبيعة الصراع، اي الغرض من الاتفاق مع العسكر هو كبح جماحهم وكف شرهم وتحجيم اطماعهم، وليس استخلاص خير من العسكر او جلب منفعة عامة لا مكان لها من الاعراب، في عرف قتلة مجرمين.
والخطوة الثانية الاستعانة بالخبراء الوطنين والاكاديمين والسياسيين من كل الاتجاهات، للوصول لمرحلة انتقالية مستقرة، تفتح الطريق نحو بناء الدولة المدنية مستقبلا، وفي هذا الإطار نبه الدكتور الواثق كمير لجانب مهم ان لم يكن عصب نجاح اي فترة انتقالية في هكذا احوال مضطربة، وهو المجلس التشريعي ودوره واسبقية تكوينه، وكذلك اشار احد الخبراء (للاسف لا اذكر اسمه) لاهمية تاسيس المحكمة الدستورية مبكرا، حتي تفض اي اختلاف او اشتباك بين مكونات الفترة الانتقالية (قطع الطريق علي مبررات الانقلاب).
وهذا كله رهين بالوصول لاتفاق مع العسكر يجد الرضا والقبول من شرائح مجتمعية واسعة، وهو ما لا يبدو ان الرؤية واضحة بشأنه في ظل تذبذب مواقف العسكر (تصريحات/طموحات البرهان)، وتشرذم القوي المدنية وعجزها عن بناء مشتركات تقوي جبهتها الداخلية، وتاليا موقفها التفاوضي. وفي بلاد يلازمها سوء الحظ، ويحكمها التراجع المطرد، وتعصف بها رياح انعدام الثقة، يصعب نشر شراع التفاؤل. ودمتم في رعاية الله.
/////////////////////////