الاستفتاء واستراتيجية علوق الشده: العبر والدروس؟
سيف الدين عبد العزيز ابراهيم – محلل اقتصادى بالولايات المتحدة
Aburoba04@gmail.com
عملت جهدى لكى أبتعد عن تناول موضوع الاستفتاء كماده قابله للتحليل لان الساحه تعج بالأراء النيره, الجيده التى عالجت اجزاء مختلفه منه بالتحليل المسؤول والمؤسس الذى تستحقه عملية الاعداد للاسفتاء أو نقدا للقصور الذى صاحب هذه الفتره عند البعض بغرض التنبيه والتحذير لما يتمخض عنه هذا القصور من مخاطرعلى مستقبل هذا الاستفتاء الذى نصت عليه اتفاقية السلام الشامل والتى كانت موقعه بين الحركه الشعبيه والمِؤتمر الوطنى قبل عدة سنوات. فى نفس الوقت تعج الساحه السياسيه بالاصوات التى تتناول هذا الأمر بالبساطه الغارقه فى السذاجه لعملية الاستفتاء والذى لا يخلو من الصراخ والهتاف غير المفيد. ولكن مادعانى لتناول هذا الامر هو الملاحظه التى لاتفوت على كل المراقبين وهو الشروع المتأخر جدا للحكومه لتبنى خطه اعلاميه للترويج للوحده خاليه تماما من أى انجازات ملموسه لدعم هذه الوحده خلال السنوات التى تلت التوقيع على تلك المعاهده وكأن تلك الاتفاقيه كانت كالتفتيش المفاجئ الذى كنا نخضع له عند طابور الصباح فى المدارس الابتدائيه او كالامتحانات الخاطفه التى تخصص فيها أساتذة الجامعات فى الولايات المتحده مما يجعل الكثير من الطلاب وضع الوصف المفصل والاسلوب المحدد لمعظم الاساتذه فى مواقع الكترونيه خاصه بطلاب كل جامعه للتحوط لمثل تلك المفاجات. هذه الاتفاقيه وقعت بعلم وتشاور الشريكين الحاكمين وبالتالى كانوا يدرون تاريخ الاستفتاء قبل التوقيع عليها وذلك التاريخ لم يتغير طيلة تلك السنوات السابقه. أيضا هى فرصه لأبداء مخاوفى من فشل مسؤلينا فى التعلم من الاخطاء واذا انتاب البعض الاحساس ان الاستفتاء سيصير فى غير وجهة الوحده نسبة لذلك القصور فانا انبه واحذر الى أن هذا السيناؤيو قد يتكرر وبكل أسف مره اخرى فى أكثر من منطقه فى السودان, نعم اكرر فى أكثر من منطقه بالسودان حيث لو تأنينا واسقرأنا ما يدور خلف كواليس محنة دار فور والتى خرجت من بين ايادى الوطن الى رحاب الدبلوماسيه العالميه التى تحكمها اطر ومصالح واستراتيجيات يعلم مسؤلينا القليل جدا عنها, فاننا سنرى ما أرمى اليه.
هنالك حكايه قديمه يتم سردها بروايات مختلفه وهى أن ادارة أحد فرق كرة القدم ذهبت الى( فكى كارب) لاعانتهم على التغلب على الفريق المنافس فى مباراه هامه فما كان من ذلك الفكى الا ان نصحهم بلعب الباصات أو التمريرات الارضيه والتسديد فى زوايا المرمى لزيادة نسبة احراز الاهداف وتلك النصيحه جعلت ادارة ذلك الفريق تتلفت وتتسائل عن مغزى الاستعانه بهذا الفكى. تذكرت تلك الطرفه وانا أرى التسابق المحموم من قبل الحكومه فى حمله متأخره وبائسه للدفع بايجابيات الوحده وما الى ذلك من المجهودات التى تجعلنى أهز رأسى فى تعجب و حزن. أولا حق تقرير المصير هو حق حصل عليه الاخوه والاخوات فى جنوب السودان بعد حرب ضروس دامت لسنوات عانى منها شمال وجنوب السودان ومفاوضات عسيره وهم وحدهم لهم الحق فى أن يقرروا مايريدون ولست هنا بوصى عليهم ولست بمستشار يهدى النصح لان أهل جنوب السودان لهم قياداتهم ومفكريهم ولايحتاجون لشخصى الضعيف ليسديهم النصح ولكن ذلك لن يحرمنى حقى كسودانى أن ابدى الرأئ حول الاستفتاء وخيار الوحده أو الانفصال. فى تقديرى المتواضع ان التنوع هو مصدر قوه لاى دوله ناهيك عن السودان وأن المنحى العالمى الآن يتجه نحو الوحده والدمج ابتداء من الاتحاد الاوروبى بغض النظر عن الصعوبات التى تواجه تباينه واختلاف مصالحه ولكن فى نهاية المطاف ذلك الخيار هو السليم وبقية دول العالم ايضا وعت الدرس الذى علمته لهم الولايات المتجده والتى استفادت من التنوع البيئى, الجغرافى, والعرقى فى خلق دوله أصبحت العظمى بعد مرور الزمن وذلك تم بعد صعوبات ومخاض طويل عانى فيه الكثيرين من الهنود أو السكان الأصليين للارض الظلم والعناء, وأبضا الافارقه الذين جلبوا من افريقيا كرقيق فى أبشع انواع استغلال البشر لبعضهم لبناء تلك الدوله على ظهورهم ولكن الفكره فى حد ذاتها دون انكار أو تقليل لسلبياتها التى صاحبتها الى أنها فكره جيده وكان يمكن أن تتم دون التمترس خلف مقولة الغايه تبرر الوسيله التى تستر بها دعاة تلك السياسه. فى أفريقيا بدات فكرة الاتحاد الافريقى مجزأه فى الجنوب الافريقى بقيادة جنوب افريقيا وجاراتها و ثم محاولات التوحد فى غرب افريقيا فى اشكاله المتعدده ودول البحيرات وخلافه والتى تبلورت الى فكرة الاتحاد الافريقى والتى لازالت فى طور البدايه ولكن فى اعتقادى انها المصير الذى ينتظر القاره اذا ارادت ان تنهض بقوه لتنافس بقية دول العالم ولكن عليها الاستفاده من أخطاء الغير وبعض أخطائهم . نفس الجهد الآن بدأ يتبلور فى أمريكا الجنوبيه ابتداء بالتحالف الذى نتج بعد انتخاب أكثر من سبعه رؤساء ذو ميول اشتراكيه فى السنوات الأخيره أمثال شافيز فى فنزويلا ولولا فى البرازيل ورفاقهم. هذه الأمثله التى ذكرتها على عجاله لم ارد ان أدلل بها على كمالية أو مثالية تلك الوحده او أشر فيها الى ثمار تلك (الجنه) التى تعيش فيها تلك الدول التى تميل الى الوحده ولكنها كاشارات او استدلالات على مايمكن جنيه فى حالة الوحده السليمه المتساويه الحقوق والواجبات. لقد أضاعت الحكومه فرصه ذهبيه خلال تلك السنوات الخمسه الماضيه فى جعل الوحده جاذبه. اين هذه الحمله العالية الصراخ منذ سنوات؟ كنا نتوقع ان تسعى الحكومه الى بناء تلك الثقه الشعبيه مباشره مع المواطن فى جنوب السودان متخطيه نزاعاتها و(شكل الكدايس) الذى تفنن فيه الشريكان. القوافل الطبيه التى نراها الآن تتسابق نحو الجنوب والحمله الاعلاميه كان يمكن ان تكون قبل ثلاثه او اربعه سنوات. أقل مايمكن وصف هذا المجهود به الا وهو (علوق الشده) وهو تجاهل اطعام الحمار أو الحصان حتى الاستعداد لامتطائه حيث لايعقل ان يصدق أهلنا فى الجنوب جدية أهلهم فى الشمال وهم يحاولون استقطابهم نحوهم فى شهيرات فى حين أنه كانت أمامهم سنوات لفعل ذلك لأن أهل السودان فى الجنوب أو الشمال يتمتعون بالبساطه ولكنهم غير ساذجين ويمكنهم أن يروا ويميزوا بين المجهود المخلص من (الخم) والهتاف الذى يضغى على الشارع السياسى فى الجنوب الآن. البدايه المبكره للتنبيه والتذكير باهمية الوحده الذى كنا ننشده كان هدفه هو تمليك مواطن جنوب السودان الحقائق وتنفيذ مشاريع قوميه ملموسه لدى المواطن من قبل الحكومه الاتحاديه ليرى ذلك المواطن جدية حكومته القوميه ويلمس ايجابيات الدعوه أو الميول للوجده.
تناولت قصور الحكومه فى مواضيع تنمويه كثيره ولكن لم أكن أتوقع أن تفرط الحكومه فى انتهاز الفرصه للترغيب فى الوحده من خلال اتفاقيه هى ناقشتها ووقعت عليها. بالطبع هناك من يقول لك أن الحركه الشعبيه لم تكن ترغب فى الوحده من البدايه, ولكن هذا هو المنطق المعوج لأن دعوتنا تسير فى اتجاه ترغيب مواطن الجنوب وليس الحركه الشعبيه. واجبك كحكومه قوميه هو السعى الممنهج والاستراتيجى للوحده بغض النظر عما يسعى له الطرف الآخر والذى له الحق فى الدعوه لما يؤمن به وبعدها لن يجرأ أحد على لومك ولكن ان تنتظر دهرا صامتا وتنطق حراكا خافتا باهتا بعد سنوات فذلك هو المحزن. انا لا اخفى ايمانى بالوحده وقناعتى المبنيه على افتراضات علميه واستقراءات سياسيه واسترتيجيه باهمية التنوع عموما والعمق الاستراتيجى للجنوب الذى يخدم الطموح والتطلع لخلق قطر متنوع المناخات والاثنيات كفيل بدفع نهضه اقتصاديه, علميه, رياضيه, اجتماعيه تمثل نموذا ناجحا للدوله الافريقيه التى يمكن أن تخرج من دائرة الحرب والفقر الى التنميه لما للبلد من موارد يصعب حصرها ولها كادر مؤهل منتشرا فى كل انحاء العالم ينتظر الاستقرار الحقيقى وقدرا من الحريه والمساحه للابداع حتى يتسنى له العوده والمساهمه فى دفع عجلة التقدم. القاسم المشترك الذى يجمع الغالبيه العظمى من السودانيين خارج أرض الوطن الذين ألتقيتهم فى غربتى التى طالت والتى أتمنى صادقا أن تنتهى قريبا انشاء الله, كل هؤلاء السودانيين منهم المؤهلين التاهيل العالى والمهنيين وحتى الذين لم تتاح لهم فرص التاهيل الا ان الغربه صقلتهم وأكسبتهم معارف ومهارات يمكن ان تفيد الوطن, كل هؤلاء او اغلبهم يتوقون لليوم الذى يعودون فيه الى أرضهم والعيش بين أهليهم فى حالة توفر مناخ سياسى معافى ومساحه للابداع ليفيدوا البلد. هذه هى نافذه صغيره لبعض الاسباب التى جعلتنى أؤمن بالوحده وأهميتها فى ايجاز واقتضاب شديدين.
الأمر الأهم الذى أود التحذير منه هو أن الخرطوم لابد لها من الاتعاظ والاستفاده من دروس هذا الخطا الاستراتيجى والعمل باخلاص لمنع تكرار هذ السيناريو فى دار فور فى حالة تضمين تقرير المصير فى المفاوضات الجاريه مع ثوار دار فور بكل اطيافهم والذى أدرى تماما أن بعض فصائلهم تضع تقرير المصير كاستراتيجيه ثابته يرونها مهمه فى مسعاهم لرفع الظلم الذى طال أهليهم وعدم توازن التنميه لكل مناطق دارفور وهو خيارهم و لهم الحريه فى تضمينه لأنى لست بمحلل أو ناقدا لاستراتيجياتهم فى مقالى هذا وموقفى منهم كما موقفى من أخوتى وأخواتى فى جنوب السودان حيث لا يحق لى تقرير ما يجب عليهم ان يفعلوه. هذه الاسترايجيه التى ذكرتها تدعمها دول ومنظمات عديده غربيه وغير غربيه فى هذا المنحى لاسباب عده داعمه لمصالح محدده ومرتكزات مدروسه وممنهجه. هذه الاستراتيجيه يستخف بها الكثيرين من القائمين على الأمور فى الخرطوم ولكن لهم نقول أليس هذا ماكنا نستبعده قبل مفاوضات نيفاشا؟
التحوط والحذر من جانبى لم يبنى على على معلومات خاصه أو (سريه) أو لدى مصادر (خاصه) ولكنه نابع من استقرائى البسيط لما يدور فى العالم من استراتيجيات وأجنده تحكمها مصالح محدده ولكن تلك الأجنده لاتتضمن وحدة السودان. لأن فشلنا كسودانيين ممثلا فى تلكوء الحكومه فى العمل على تفعيل جاذبية الوحده واعتمادها على (علوق الشده) فى كثير من استراتيجياتها فى التعامل مع الأمور الكبيره والتى تطال تأثيراتها وتداعياتها الكل. دعوتى هى للعمل من الآن للتحوط والعمل على المنحى التنموى الجاد فى ترغيب أهل دارفور, نعم أهل دارفور الموجودين على أرض الواقع وعدم التركيز على ارضاء حاملى السلاح فقط لأنهم (المواطنيين) وحدهم يمكنهم أن يصوتوا للوحده أو عدمها عندما ياتى ذلك السؤال لأن ذلك السؤال سوف يأتى عاجلا أم آجلا, لأنه ظل مرددا فى أكثر من عاصمه غربيه وعلى صفحات الصحف, أى بمعنى أن معلوماتى هى معلومات عامه متاحه للكل مضمنه فى تصريحات قادة ثوار دارفور فى الدوحه, فرنسا وأمريكا والخرطوم تدريها, فهل وعت الخرطوم الدرس؟.