الانتخابات السودانية …. بعيون أفريقية (2 – 2)

 


 

 



حمل موقع معهد الدراسات الأمنية (ISS) بجنوب أفريقيا مقالين عن الانتخابات التي جرت مؤخراً في السودان. نشر المقال الأول بتاريخ 26 مارس أي قبل إجراء الانتخابات بينما جاء الآخر بتاريخ 16 أبريل بعد انتهاء عملية الاقتراع وقبل إعلان النتائج النهائية. صدر المقالان بتوقيع بيتر فابريشيس محرر الشؤون الخارجية بمؤسسة الاندبندنت الإعلامية بالعاصمة بريتوريا. تناول المقال الأول الأوضاع السائدة قبل بدء العملية الأنتخابية مركزاً بصورة أساسية على مبادرة الحوار الوطني التي أطلقها رئيس الجمهورية في محاولة لتحقيق نوع من التوافق حول نظام الحكم الأنسب للبلاد. غير أن الكاتب يقول أنه وعلى عكس ما كانت تشير المبادرة فإن الحكومة كانت تسعى في الحقيقة سعياً حثيثاً نحو تضييق مساحة الممارسة السياسية في وجه الأصوات المعارضة وذلك عندما قامت بحملات دهم واعتقال بغرض التضييق على الصحافة وأجهزة الإعلام المستقلة ، كما قامت باعتقال عدد من قيادات المعارضة السياسية المعروفة. ويمضي المقال للقول بأن الحكومة بذلت جهداً كبيراً لإحباط أي محاولة نحو خلق تحالف معارض يضم أطراف المعارضة المختلفة ، مستغلة في ذلك حالة التشتت والتشرذم التي تعاني منها مختلف مكونات المعارضة السياسية. ويرى الكاتب أن إصرار الحكومة على إجراء الانتخابات في ظل الظروف السائدة بالسودان يمثل ــ دون أدنى شك ــ الخطر الأكبر الذي يهدد الحوار الوطني ، وأن الحكومة بذلك تنقض غزلها بيدها وتقود الأوضاع في البلاد للمزيد من التوتر والتشرذم.
في إشارة لاجتماع أديس أبابا الذي كان مزمعاً عقده في مطلع أبريل الماضي يشير الكاتب لبعض الآراء التي كانت ترى أن هذا الاجتماع لا يجب أن ينظر إليه باعتباره خطوة نحو منح العملية الانتخابية في البلاد  للشرعية التي تفتقر لها ، خاصة وأن مشاركة الأحزاب المعارضة في هذه المرحلة المتأخرة وبعد أن رتبت الحكومة الأمور بالصورة التي تضمن لها اكتساح نتيجة الانتخابات لن تكون ذات جدوى . غير أن الكاتب يرى بالرغم من ذلك أن الجهد يجب أن يبذل من جانب الاتحاد الأفريقي والترويكا الأوربية نحو إقناع المعارضة بأن الانتخابات لا تمثل نهاية العالم ، ويجب أن ينظر لها فقط كواحدة من العقبات التي تضعها الحكومة على طريق قطار الحوار الوطني. ويدعو الكاتب لبذل الجهد لتجاوز هذه العقبة حتى لا يؤدي ذلك لخروج القطار عن خطه المرسوم.
كما يرى الكاتب من جهة أخرى ضرورة أن تعمل استراتيجية المعارضة على استغلال نقاط الضعف في موقف الحكومة والمتمثلة في الضغوط الهائلة التي تتعرض لها حتى يؤتي الحوار الوطني ثماره. ويشير الكاتب في هذا الصدد إلى مشاكل حقيقية تواجه الحكومة حسب تقديره من بينها الضغوط الدولية ، والأوضاع الانسانية في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق ، واحتمال تجدد الاضطرابات في الخرطوم وغيرها من  المدن بسبب الارتفاع الهائل في تكاليف المعيشة وتزايد نسبة العطالة خاصة بين الشباب.  كما أورد الكاتب نقاط ضعف أخرى يمكن استغلالها ومن بينها فساد المؤسسات الحكومية ، وعجز الحكومة عن اجتذاب الاستثمار الأجنبي بالاضافة للخلافات الداخلية التي يعاني منها الحزب الحاكم. من جهة أخرى ، فإن الكاتب يثير الشكوك حول جدية المجتمع الدولي في سعيه لإسقاط نظام الحكم القائم في السودان وذلك ، حسبما يقول ، خوفاً من أن تؤدي أي خطوة في هذا الاتجاه لأن ينزلق السودان نحو الفوضى التامة كما حدث في العراق وليبيا بعد الإطاحة بصدام حسين ومعمر القذافي.  
في مقاله المنشور بذات الموقع بتاريخ 16 أبريل الماضي يشير الكاتب للفوارق الواضحة بين الانتخابات السودانية والانتخابات التي جرت في نيجيريا قبل أسابيع قليلة من ذلك التاريخ. أشار الكاتب إلى أن المنافسة في الانتخابات النيجيرية كانت حامية الوطيس وشهدت عملية الاقتراع حماساً واضحاً من جانب الناخبين ،  غير أنها تمت في جو هادئ تميز بالأمن والسلم بالرغم من التوتر السائد بسبب نشاط حركة بوكو حرام في شمال نيجيريا. أما في السودان ، فقد شهدت العملية مقاطعة واسعة من الأحزاب المعارضة مما كان سبباً في الإقبال الضعيف من جانب الناخبين الأمر الذي اضطر مفوضية الانتخابات لتمديد فترة التصويت في محاولة لرفع نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع. أما فيما يتعلق بنتيجة الانتخابات السودانية فيرى الكاتب أنها جاءت مطابقة للتوقعات بانتصار كاسح للرئيس عمر البشير مما يعني تمديد حكمه الذي استمر لربع قرن بخمس سنوات أخرى ، بينما فاز حزبه "المؤتمر الوطني" بأغلبية أقل قليلاً من الأغلبية الكبيرة  التي حققها الرئيس. ويمضي الكاتب للقول بأنه والرغم من هذا الانتصار الكبير إلا أن التساؤل المهم سيظل مطروحاً ؛ وهو مدى تأثير نتائج الانتخابات على الحوار الوطني الذي يواجه الكثير من المشاكل ويمثل العقبة الرئيسة التي يجب على القوى السياسية السودانية تجاوزها لتحقيق الاستقرار في البلاد.
تناول المقال بالتحليل الوضع المتوتر بين الحكومة والأحزاب المعارضة مؤكداً أن مواقف الطرفين لا زالت متباعدة للغاية بشأن الحوار الوطني. تحدث الكاتب عن الاتهامات المتبادلة بين الجانبين حيث ترى الحكومة أن الهدف الرئيس بالنسبة للمعارضة من رفع راية الحوار الوطني ليس هو تحقيق الاستقرار في البلاد وإنما العمل من أجل الإطاحة بالحكومة والدعوة لتكوين حكومة قومية لا تقوم على استحقاقات انتخابية وديمقراطية واضحة أو معترف بها.  من جانبها ، فإن المعارضة ترى أن الحكومة غير راغبة في أي حوار جاد يمكن أن يقلل من قبضتها على السلطة وأنها تسعى فقط نحو فرض الأمر الواقع بإصرارها على إجراء الانتخابات في مواعيدها. ويرى الكاتب أن فشل اجتماع أديس أبابا في مارس الماضي كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للحوار الوطني ، ويقول أن الاتحاد  الأوربي اضطر بعد ذلك لاتخاذ موقف قوي كما أن عدم قيام الاجتماع مثل حرجاً بالغاً بالنسبة للوسيط الأفريقي تابو امبيكي.
ويستعرض الكاتب بعد ذلك وجهات نظر كل من الحكومة والمعارضة حول تحديد المسئولية فيما يتعلق بمسألة إجراء الانتخابات بدلاً من الانتظار حتى يصل الحوار الوطني إلى محصلته المنطقية. تقول الحكومة أن المعارضة تتلكأ وتثير الكثير من المشاكل بسبب شكل ونوعية تمثيلها في الحوار الوطني على أمل أن يقود ذلك في النهاية لفراغ دستوري بسبب عدم إجراء الانتخابات في مواعيدها. أما المعارضة فإنها تصف الحكومة بعدم الجدية متهمة إياها بانعدام الرغبة أصلاً في أي نوع من الحوار يمكن أن يؤدي إلى تخفيف قبضتها على السلطة. ويظهر الكاتب بعض الانحياز لموقف المعارضة عندما يشير إلى أن الطرح الذي تقدم به الوسيط الأفريقي والجدول الزمني الذي اقترحه بشأن الحوار كان يأخذ في الاعتبار ضرورة إجراء الانتخابات قبل انتهاء تفويض الحكومة منعاً لوقوع أي فراغ دستوري ، وهو أمر كان باالإمكان التوصل له وفق خارطة الطريق الأفريقية على حد قول كاتب المقال.
أما عن الانتخابات نفسها فقد أورد الكاتب تصريحات للسيدة مريم الصادق أشارت فيها إلى أن العملية برمتها كانت مسرحية هزلية ، قائلة أن قرار الحزب الحاكم بالتنازل عن عدد من مقاعد البرلمان للأحزاب المتحالفة معه يؤكد ذلك ولا يمنح العملية الانتخابية المصداقية والصبغة الشرعية التي كانت  الحكومة تتمناها. المعروف أن وزير الاستثمار دكتور مصطفى عثمان اسماعيل أكد هذه الحقيقة في تصريحات صحفية بعد إعلان نتائج الانتخابات حيث نقلت عنه  الصحف ما يشير إلى أن المؤتمر الوطني تفضل بالتنازل عن 30% من مقاعد البرلمان لأحزاب المعارضة التي وافقت على المشاركة في الانتخابات حتى يضمن تمثيل المعارضة في البرلمان. ويرى مراقبون أن أي معارضة في البرلمان ستكون شكلية للغاية ، كما أن سيطرة المؤتمر الوطني على أكثر من ثلثي المقاعد تضمن تمرير كل مشروعات الحزب من تحت قبة البرلمان. ويشير الكاتب لاتهام الحكومة بمحاولة تخريب المبادرة الأفريقية عندما يتحدث عن اعتقال بعض ممثلي المعارضة المشاركين في الحوار الوطني.
يرى الكاتب أن الجدل القائم بين الحكومة والمعارضة والمواقف المتباينة بين الطرفين تشير إلى أن الأزمة السودانية لا زالت تراوح مكانها وأنها بعيدة عن الحل ، ويشير إلى أن الظروف التي اكتنفت الانتخابات ستجعل المعارضة اكثر إصراراً على قيام حكومة  انتقالية تتكفل بأمر إدارة الحوار وهو الموقف الذي ترفضه الحكومة من الأساس حسب تصريحات نسبها التقرير للدكتور نافع على نافع الذي لا زال يتمتع بسلطات واسعة داخل الحزب الحاكم على حد قول الكاتب. وبالرغم من المواقف المتباينة والتصريحات التي نسبها الكاتب للسيدة مريم الصادق والتي تركت فيها الخيار مطروحاً حول احتمال انتفاضة شعبية تعمل على الاطاحة بالحكومة ، فإن الكاتب يرى أنه لا زالت هناك فرصة للوصول إلى حل عبر الحوار الوطني بشرط ان يبذل الجانبان جهداً مضاعفاً من أجل الوصول لمثل هذا الحل. ويشير الكاتب إلى أن مشاركة السودان في التحالف العربي في اليمن ساهمت في فتح خيارات واسعة أمام الحكومة خاصة بعد الدعم السعودي واحتمال وقوع شئ من الانفراج في علاقات السودان بالمجتمع الدولي. ويعتقد الكاتب أن هذه التطورات قد تصب بالنهاية في صالح الحوار الوطني ، فالرئيس البشير وحزب المؤتمر الوطني يحسان الآن بالكثير من الثقة ، وأن أي تطبيع للعلاقات مع المجتمع الدولي قد يهيئ الجو للمزيد من الانفتاح على المعارضة وتقديم بعض التنازلات الصعبة التي ظلت الحكومة تتردد حتى الآن في تقديمها ، وذلك  سعياً نحو الوصول إلى حلول مقبولة من الطرفين تجد تأييد الوسطاء والمجتمع الدولي.

mahjoub.basha@gmail.com

 

آراء