البرهان واللعب علي حافة الهاوية!!
عبدالله مكاوي
18 February, 2023
18 February, 2023
abdullahaliabdullah1424@gmail.com
بسم الله الرحمن الرحيم
مدخل اول
باستلاف تعبير جورج اورويل (الجنرالات حميدتي/البرهان كالقرود، اذا اتفقا هددا مرحلة الانتقال، واذا اختلفا هددا امن البلاد).
مدخل ثانٍ
بتعبير حميد علي لسان السرة بت عوض الكريم ( ما كنا قايلين في حياتنا يجينا اقسي من المضي/ ساعة مروق الانجليز قلنا الظلم روح وانقضي/ تاريهو كمتر قام دقون/ حلفا وعشر/ معيوقة نال/ دمسيس/ ضريسا وشوك جمال).
مدخل ثالث
آخر ما يحتاجه واقع علي هذه الدرجة من الهشاشة والتعقيد والخطورة، هو المطالب التعجيزية، التي يحتاج تحقيقها لمعجزات انتهي عصرها.
يبدو ان تدهور الاوضاع السودانية، التي لم يتعاطَ الفاعلون معها بحساسية تراعي عامل الزمن، وصلت لمنتهاها، او منعطف الخطر وطريق اللاعودة وانعدام هامش المناورة، الذي لم تكفِ كل المحاذير التي بذلها المشفقون من تفاديه. بعد ان انحدر صراع السلطة من الخانة السياسية بعلاتها، الي الخانة العسكرية بمخاطرها. ويبدو انه بعد التصريحات المُتحدية المتبادلة بين الجنرالين الطامعين الغاضبين، ان الكارثة لا تنتظر غير مجرد طلقة طائشة لتتفجر الاوضاع، وندخل الي قلب جهنم، التي لا يعلم احد مداها وكيف ستنتهي والي اين ستقود البلاد؟ اذا لم يتدارك الحكماء الامر، وهم للاسف اصبحوا في ندرة لبن الطير، ومن وجد منهم اصبح حديثه كالآذان في مالطة.
فالبرهان منذ توليه المريب لسدة السلطة، اعتمد علي الدعم السريع بقيادة حميدتي للبقاء في الحكم. ولكن هذا الطموح اصطدم بتطلعات حميدتي في الوصول لذات سدة السلطة. وزادت الامور سوء بعد ان اكتشف حميدتي، ان الانقلاب مجرد خدعة غرضها تحكم البرهان في السلطة منفردا. والحال ان السلطة الانفرادية بطبعها لا تقبل القسمة او الشراكة.
ومنذ اللحظة التي شعر فيها البرهان باكتشاف حميدتي للخدعة، ونيته اللعب لصالحه بصورة منفردة. شعر البرهان بخطورة حميدتي. ومنذاك الحين بدأت مخططات البرهان للتخلص من حميدتي، سواء من خلال الاستعانة باعداء حميدتي مثل المخابرات المصرية خارجيا والحركات المسلحة والاسلامويين داخليا. او ضرب علاقة حلفاء حميدتي الخارجيين (اسرائيل والامارات). وبعدها تغيرت لهجة البرهان المداهنة لحميدتي لتتخذ اسلوب التحدي، وقبلها استخدام واجهته كباشي لاستفزاز حميدتي.
واذا صح ان تجريد حميدتي من حلفائه الخارجيين والتضييق عليه داخليا، قد يحول بل ويمنعه الوصول لسدة السلطة كما يخطط لها، إلا ان ذلك لا يقلل من قُدرة وخطورة ورغبة حميدتي في تفجير الاوضاع، بسيناريو شمسوني لا يوجد في تاريخ حميدتي الدموي ما يمنعه اختياره (وهو نفسه لا يُكف عن التذكير بذلك، ولا مخططاته في حصار العاصمة تستبعد هكذا سيناريو بحال من الاحوال)!
والحال ان البرهان لو لا قدر الله وانزلقت البلاد لحرب اهلية، لاصبح اول الفارين مع عائلته الي دولة آمنة يكنز فيها اموال البلاد. اي في اعادة لسيناريو فرار الرئيس الافغاني اشرف غني، وترك البلاد في حالة فوضي عارمة اسوأ من حكم طالبان العدمي.
اما حميدتي الذي لم يُظهر حتي حينه ردة فعله علي تجرؤ البرهان عليه، لاول مرة منذ عقد حلف الدم الوثيق بينهما. يبدو انه لن يجعل هذا الامر يمر مرور الكرام. خاصة ان الفارق بين حميدتي والبرهان منذ تصدرهما الكارثي للمشهد السلطوي. يُظهر حميدتي كمُغامر يهوي المخاطر، عكس البرهان الذي يعتصم بالجبن والعمل في الخفاء والاختباء خلف واجهات الفلول والحركات المسلحة.
وطالما الوضع وصل لهذا المنحدر الخطير، يبدو ان القوات المسلحة اصبحت امام مسؤولية تاريخية، للتحرر من خدمة رغبات قادتها وكبار جنرالاتها، لترتقي لخدمة شعبها ومصالح البلاد العليا! اي القوات المسلحة هي محتاجة لرد الاعتبار لذاتها، قبل الآخرين الذين كلما يعشمون فيها، ترد عليهم كعادتها بخيبة الامل. والكل يعلم تاريخ تواطؤها مع الانقلابيين ضد خيارات الشعب. وآخرها رد تحية الثوار لها باغتيالهم بدم بارد في حرم ساحتها!
وبعد التسامي علي كل هذه الجروح وقبول مشاركة جنرالتها السلطة مع المدنيين! تواطأت مرة اخري مع قادتها ضد اهم فرصة لاخراج البلاد من نفق الاسلامويين المظلم! والاسوأ من ذلك ما زالت رهينة لرغبات وغدر البرهان الذي اجهض الانتقال ويصر علي قيادة البلاد الي المجهول.
اما مغامرة البرهان هذه المرة فهي تطال سلامة القوات المسلحة ذاتها، فبعد ان سمم علاقتها مع المدنيين، فها هو الآن يحرضها علي الدعم السريع! وما يجب تذكيره لهذه القوات التي اصبحت كالجنازة بين يدي البرهان. الذي يصرح الآن بمطلب دمج الدعم السريع (فقط لتضارب مصالحه مع حميدتي)، هو نفسه من حذف بيده المادة الوحيدة في الوثيقة الدستورية، التي تسمح للمؤسسة العسكرية بضم قوات الدعم السريع بمجرد قرار تصدره، وذلك مقابل دعم حميدتي للانقلاب.
وان البرهان نفسه هو احد مهندسي وصناع الدعم السريع، ومن وفر كل اسباب الرعاية والحماية، حتي اصبحت هذه القوات بعبع يهدد سلامة الدولة. كما انه تحت قيادة ذات البرهان، لكم تطاول قائد الدعم السريع وقواته علي المؤسسة العسكرية، دون ان يجرح ذلك خاطر البرهان! وكيف يُجرح خاطره وهو بنفسه طاله استخفاف حميدتي؟!
كما ان البرهان نفسه هو من ملَّك الدعم السريع مواقع القوات المسلحة وجهاز الامن، في اكثر المناطق حساسية في العاصمة! وكذلك ثلث حصص شركة زادنا! وقبل كل شئ هو من عين حميدتي نائبه ومنحه درجة فريق معادلة له، وصلاحيات لا حد لها، ويبدو ان ما خفي اعظم في هذه العلاقة المريبة التي تربط بينهما!!
وباختصار وبدون تفاصيل مخزية ومحزنة معلومة للجميع، البرهان رهن القوات المسلحة لسطوة الدعم السريع عندما كان ذلك يتم لمصلحته، والآن وبعد خراب مالطة يحاول احداث الوقيعة مع الدعم السريع لخدمة ذات المخططات! وعموما شخص في غباء وطمع البرهان اصبح مدخل للفلول والحركات المسلحة لتخريب العملية السياسية، ومطية للاستخبارت المصرية لتمرير مصالحها! عبر القيام بانقلاب فاشل دمر كل حماس الثوار وآمال السياسيين وطموحات الوطنيين في الخروج بهذه البلاد المنكوبة من مأزقها، الذي صنعته ثلاثة عقود من النهب والخراب الانتقامي! ويحاول الآن اعادة الروح لذات الاهداف القذرة، وبذات الوسائل الخاطئة، من خلال التآمر لاجهاض الاتفاق الاطاري، متوهما ان ذلك يحوله الي فرعون سوداني (مع ان امكانته بالكاد تؤهله لدور شيخ الغفر)!
ولكن المخاطرة هذه المرة ليست علي طريقة مواجهة المدنيين العزل وثورتهم السلمية. فهذه المرة الخصم يمتلك السلاح والخبرات القتالية ويرتكز في المناطق الحساسة. والاهم ان القوات المسلحة نفسها لا تملك حاضنة شعبية بين مواطنيها، بعد رهنت قوتها لخدمة مصالح كبار جنرالاتها وللاسلاميين الفاسدين، وكررت خذلان لشعبها، رغم قيامه بالثورة تلو الاخري، لرد حقوقه المهدرة ومصالحه المغتصبة!
لكل ذلك علي القوات المسلحة عمل الكثير لرد ثقة شعبها ، وهو ليس بالامر الساهل بعد كل هذه الجرائم والاخطاء والخسائر التي الحقتها بشعبها، دون ذنب سواء انه شعبها! ومن هذه الاعمال:
اولا، الاعتراف بالاخطاء والاعتذار عنها والتعهد بعدم النكوص اليها. والعمل علي تعويض الضحايا من مواردها. وهذا اقل ما يمكن تقديمه لكسر وهم الأنِفة الذي يعشش في وعيها ويحكم سلوكها المتعجرف تجاه المدنيين. وكعربون جدية علي صدق تغييرها، يجب عليها التخلص من كبار جنرالاتها، ومحاكمتهم علي جرائمهم.
ثانيا، الاستعداد لتحولها لقوات مسلحة احترافية، تقطع سلطتها بالسلطة والسياسية والاقتصاد، وتتعهد بحماية دستور البلاد بعد الاتفاق عليه.
ثالثا، لا يمكن ان يحدث اصلاح للمؤسسة العسكرية، دون ارجاع ضباطها المهنيين الذين تم فصلهم، وتوسعوا في زيادة معرفتهم العسكرية، وقبل ذلك التأكد من ايمانهم بالنظام الديمقراطي والدولة المدنية. ولحسن الحظ امثال هؤلاء متواجدون في الداخل والخارج.
رابعا، يجب تغيير طريقة عمل القوات المسلحة او ضع كل القرارات في يد شخص (فرد) مهما كانت قدراته ومهنيته الاحترافية. لان مجرد وضع مصير البلاد في يد فرد، ينذر ذلك بمهالك كثمن لارضاء رغباته ونزواته، قبل ان يحوله الي مستبد ارعن يستمتع بكل مؤهلات جنون العظمة.
خامسا، قوات الدعم السريع اصبحت امر واقع، يحتاج التعامل معه للحكمة والتبصر، ولكن المؤكد ان خروج المؤسسة العسكرية من السلطة والانشطة الاقتصادية، ستكون بادرة حسنة للتاثير في توجهات ومخططات الدعم السريع، الذي يحاول تقليد القوات المسلحة! وهذا كمرحلة اولي لعملية الدمج المأمولة في نهاية المطاف. بمعني، دمج كل القوات في جيش احترافي هو هدف استراتيجي، لا يمكن قيام دول حديثة من دونه. وهو ما يعني اخراج هكذا هدف مصيري، من تكتيكات البرهان والصراع علي السلطة ولغة الجيش وحماسه وسهولة استثارته. اما الحركات المسلحة المشاركة في الانقلاب، فهي لا تستحق حتي عناء الحديث عنها، بعد تحولها لبيادق في يد قادة الانقلاب (ورغم ما يوفره هذا الوضع المُذل من فوائد لقادة هذه الحركات، يتلاءم وتواضع قيمهم وسلوكياتهم، إلا انهم يصرخون ويذرفون دموع التماسيح علي معاناة اهلهم، التي يبدو ان نهايتها تعني نهاية ادوات شغلهم وطموحاتهم، اي كوسائل ابتزاز)!!
سادسا، علي القوات المسلحة، ان تعلم ان النقد والغضب الذي يوجه لها، ليس المقصود منه المهنة او المؤسسة. ولكن القصد ان تلتزم دورها ولا تتعداها، وعندها لن تجد إلا كل الاحترام. اي مثلها مثل اي علاقة داخل الدولة، فهي مشروطة بالواجبات والحقوق والاحترام المتبادل. واكبر دليل علي ذلك، ان الضباط الصغار والجنود الذين ناصروا الثورة بحق، وجدو كل احترام وتقدير، واكثر من ذلك كم هتف الثوار شعب واحد جيش واحد، عندما كان بعض افراد الجيش بجانبهم. والمحصلة القوات المسلحة ليست بقرة مقدسة، وفي هذا السياق يحمد للاستاذ عزالدين صغيرون تعريتها وتجريدها من قداستها المتوهمة.
سابعا، علي القوات المسلحة الالتزام بتعهداتها الي قطعتها بالتوقيع علي الاتفاق الاطاري، وتترك مراوغات البرهان التي تحاكي تقلبات الطفل المدلل، لان عاقبة ذلك احتقار المؤسسة ككل! لانه كيف يتم احترام مؤسسة لا تحترم تعهداتها؟!
لكل ذلك الالتزام يشكل عربون ثقة لعودة المياه لمجاريها بينها والقوي السياسية، رغم صعوبة ذلك في المدي القصير. وبكلمة واحدة، علي القوات المسلحة يقع عبء اصلاح كل الاخطاء والجرائم والخسائر التي ظلت ملازمة لممارساتها، منذ ان ابتلانا الاستعمار بها، كعقبة كأداء في طريق بناء الدولة ونهضة الامة.
واهمية الاتفاق الإطاري الذي يتربص به البرهان، ليس في انه ينجز شعارات الثورة التي تشير كل المعطيات لصعوبة تحقيقها راهنا. ولا كذلك يمثل رهان علي قوي الحرية والتغيير، التي يبدو انها كعادتها تعيد انتاج ذات اخطاءها وتسئ التعامل مع الفرص المتاحة (لعلها علل بنيوية في صميم تكوينها). ولكن الاهمية الاساس تكمن في نقله الصراع الي ساحة سياسية، تحافظ علي سلامة كيان الدولة وامن اهلها. وبتعبير آخر، فترات الانتقال تتميز بالهشاشة، وكلما اعقبت نظام اكثر همجية وفساد واستبداد كنظام الانقاذ الاسلاموي، كلما ازدادت درجة هشاشتها وتعقيداتها ومخاطرها. ولكن ان يضاف لكارثة انقلاب البشير كارثة انقلاب البرهان، فهذا ما عمق حاجز انعدام الثقة بين الفرقاء وكثف حالة الاستقطاب. وهذا بدوره يفضي للحلول الصفرية التي تهدد تماسك الدولة وسلامة شعبها. عكس الارضية السياسية التي تتاسس علي الحوار والتفاوض والتسويات وتحافظ علي سلمية الصراع.
وبالطبع التواضع علي التزام الادوات السياسية، لا يعني نهاية الصراع، او ان اعداء الانتقال والدولة المدنية والحياة الديمقراطية، سيتركون التآمر ومحاولات اجهاض او افراغ الاتفاقيات من محتواها! فهذا من المحال، طالما ذلك يتعارض مع مصالحهم. ولكن وضوح الرؤية وقوة الارادة وتتضامن قوي الثورة اقلاها مرحليا خلال فترة الانتقال. لهو كفيل بتوفير سبل اسلم للعبور، وتضييق مساحة المناورة والتراجع لاعداء الانتقال. اما الحديث عن اي ضمانات في العمل السياسي، فاظنه غير موضوعي. لان طبيعة العمل السياسي بما انه جهد بشري لا تعترف بالضمانات والحتميات، ولكنها تعترف بالقدرات الذاتية والعمل علي تطويرها والايمان بالحقوق والقضايا والدفاع عنها، وتكريس كل ذلك بالانتصار للمستقبل. والاهم ان الحتميات ليست اكثر من سجون ايديولوجية تفضي الي وصفات استبدادية.
لكل ذلك اخطر ما يواجه الاتفاق الاطاري، كمدخل لتسيس الصراع، انه يأتي في ظل ظروف معادية للسياسة. فمن جهة تتهدده القوي الثورية والجذرية كمطالب تعجزية! خاصة وهي تتعامل مع الصراع كحزمة، اما تنالها غير منقوصة، واما ترفضها برمتها. ومن جهة تسعي لاجهاضه جنرالات المؤسسة العسكرية والحركات المسلحة والفلول والمخابرات المصرية، التي تتطابق مصالحها مع عسكرة الدولة. لفرض السطوة البرهانية الجاهلة علي القرار السياسي، كمعبر (بوابة عبدالقيوم) لاستباحة موارد البلاد.
والحال كذلك، تتم المطابقة بين الاتفاق الاطاري وقوي الحرية والتغيير، ليتم اسقاط اخطاء وهفوات الحرية والتغيير عليه. وكذلك التركيز علي جوانب ضعفه وما اكثرها. والتشكيك في قدرته علي انهاء الانقلاب واستكمال الانتقال، وهو صحيح. ولكن لا يعني ذلك ان العلة في الاتفاق الاطاري، الذي هو ليس اكثر من محاولة للخروج من حالة المراوحة في الازمة، وما يترتب عليها من آثار امنية واقتصادية كارثية بمعني الكلمة، وكذلك في مراكمتها المزيد من الضبابية علي مستقبل البلاد. من هذه الوجهة، يصبح من الافضل ليس التركيز علي نواقص الاتفاق وضعفه كمقدمة لرفضه او حتي ضربه، وما اسهل ذلك! ولكن في كيفية توظيفه والاستفادة منه لتحقيق اهداف الثورة باقل كلفة؟ اي بدل ان يجرنا العسكر وواجهاتهم لجهة عسكرة الصراع (اجهاض الاتفاق او افراغه من محتواه)، نجتهد لكي نفرض عليهم تسيسه (نتمسك به ونسعي لتطويره). وهنا تحديدا مكمن الابداع السياسي والابتكار الثوري.
واخيرا
التحية للدكتور الباقر العفيف الذي يجسد الاستنارة علي اكمل وجه. وهذا ليس بغريب علي من وضع علي عاتقه عبء نشر الاستنارة، كرسالة يضطلع بها مركز الخاتم عدلان. وهذا بدوره ما يجعل آراءه ومواقفه السياسية ذات قيمة نوعية.
وفي الجهة المعاكسة اجدني في حيرة من امري، فيما يتعلق بمواقف ساطع الحاج ونبيل اديب، الذين كانوا قبل الثورة يجاهرون (ظاهريا) بآراءهم ومواقفهم المعارضة للانقاذ والمطالبة بالحرية والديمقراطية والدولة المدنية! وبعد الثورة نشطوا في كتابة الوثيقة الدستورية (التي اشتملت علي اخطاء كارثية في راي كثير من القانونيين)! ولكنهم بعد انقلاب البرهان وصدور مسودة المحامين التي اسست للاتفاق الاطاري، إلا ونجد الحكمة القانونية والسياسية تتساقط عليهم كالرطب الجنية، وكأننا في اوضاع طبيعية، او مشكلتنا في جودة النصوص القانونية والمبادئ الدستورية، وليس تسفيهها اولا، واجهاضها ثانيا بالانقلابات العسكرية. او بصورة اخري هم احرص علي اسقاط الاتفاق الاطاري، فقط لانهم لم يشاركوا في وضع مسودته القانونية (بوصفهم رموز او مراجع قانوية، لا يجوز تخطيها وإلا تقاصرت النصوص وفسدت الاتفاقيات). اي بصريح العبارة مشكلتنا ليست في وهم التفوق (الرجالة) الذي يسيطر علي العسكر فحسب، وانما في تضخيم الذات الذي يخترق النخب المهنية والسياسية والابداعية. ودمتم في رعاية الله.
/////////////////////////////
بسم الله الرحمن الرحيم
مدخل اول
باستلاف تعبير جورج اورويل (الجنرالات حميدتي/البرهان كالقرود، اذا اتفقا هددا مرحلة الانتقال، واذا اختلفا هددا امن البلاد).
مدخل ثانٍ
بتعبير حميد علي لسان السرة بت عوض الكريم ( ما كنا قايلين في حياتنا يجينا اقسي من المضي/ ساعة مروق الانجليز قلنا الظلم روح وانقضي/ تاريهو كمتر قام دقون/ حلفا وعشر/ معيوقة نال/ دمسيس/ ضريسا وشوك جمال).
مدخل ثالث
آخر ما يحتاجه واقع علي هذه الدرجة من الهشاشة والتعقيد والخطورة، هو المطالب التعجيزية، التي يحتاج تحقيقها لمعجزات انتهي عصرها.
يبدو ان تدهور الاوضاع السودانية، التي لم يتعاطَ الفاعلون معها بحساسية تراعي عامل الزمن، وصلت لمنتهاها، او منعطف الخطر وطريق اللاعودة وانعدام هامش المناورة، الذي لم تكفِ كل المحاذير التي بذلها المشفقون من تفاديه. بعد ان انحدر صراع السلطة من الخانة السياسية بعلاتها، الي الخانة العسكرية بمخاطرها. ويبدو انه بعد التصريحات المُتحدية المتبادلة بين الجنرالين الطامعين الغاضبين، ان الكارثة لا تنتظر غير مجرد طلقة طائشة لتتفجر الاوضاع، وندخل الي قلب جهنم، التي لا يعلم احد مداها وكيف ستنتهي والي اين ستقود البلاد؟ اذا لم يتدارك الحكماء الامر، وهم للاسف اصبحوا في ندرة لبن الطير، ومن وجد منهم اصبح حديثه كالآذان في مالطة.
فالبرهان منذ توليه المريب لسدة السلطة، اعتمد علي الدعم السريع بقيادة حميدتي للبقاء في الحكم. ولكن هذا الطموح اصطدم بتطلعات حميدتي في الوصول لذات سدة السلطة. وزادت الامور سوء بعد ان اكتشف حميدتي، ان الانقلاب مجرد خدعة غرضها تحكم البرهان في السلطة منفردا. والحال ان السلطة الانفرادية بطبعها لا تقبل القسمة او الشراكة.
ومنذ اللحظة التي شعر فيها البرهان باكتشاف حميدتي للخدعة، ونيته اللعب لصالحه بصورة منفردة. شعر البرهان بخطورة حميدتي. ومنذاك الحين بدأت مخططات البرهان للتخلص من حميدتي، سواء من خلال الاستعانة باعداء حميدتي مثل المخابرات المصرية خارجيا والحركات المسلحة والاسلامويين داخليا. او ضرب علاقة حلفاء حميدتي الخارجيين (اسرائيل والامارات). وبعدها تغيرت لهجة البرهان المداهنة لحميدتي لتتخذ اسلوب التحدي، وقبلها استخدام واجهته كباشي لاستفزاز حميدتي.
واذا صح ان تجريد حميدتي من حلفائه الخارجيين والتضييق عليه داخليا، قد يحول بل ويمنعه الوصول لسدة السلطة كما يخطط لها، إلا ان ذلك لا يقلل من قُدرة وخطورة ورغبة حميدتي في تفجير الاوضاع، بسيناريو شمسوني لا يوجد في تاريخ حميدتي الدموي ما يمنعه اختياره (وهو نفسه لا يُكف عن التذكير بذلك، ولا مخططاته في حصار العاصمة تستبعد هكذا سيناريو بحال من الاحوال)!
والحال ان البرهان لو لا قدر الله وانزلقت البلاد لحرب اهلية، لاصبح اول الفارين مع عائلته الي دولة آمنة يكنز فيها اموال البلاد. اي في اعادة لسيناريو فرار الرئيس الافغاني اشرف غني، وترك البلاد في حالة فوضي عارمة اسوأ من حكم طالبان العدمي.
اما حميدتي الذي لم يُظهر حتي حينه ردة فعله علي تجرؤ البرهان عليه، لاول مرة منذ عقد حلف الدم الوثيق بينهما. يبدو انه لن يجعل هذا الامر يمر مرور الكرام. خاصة ان الفارق بين حميدتي والبرهان منذ تصدرهما الكارثي للمشهد السلطوي. يُظهر حميدتي كمُغامر يهوي المخاطر، عكس البرهان الذي يعتصم بالجبن والعمل في الخفاء والاختباء خلف واجهات الفلول والحركات المسلحة.
وطالما الوضع وصل لهذا المنحدر الخطير، يبدو ان القوات المسلحة اصبحت امام مسؤولية تاريخية، للتحرر من خدمة رغبات قادتها وكبار جنرالاتها، لترتقي لخدمة شعبها ومصالح البلاد العليا! اي القوات المسلحة هي محتاجة لرد الاعتبار لذاتها، قبل الآخرين الذين كلما يعشمون فيها، ترد عليهم كعادتها بخيبة الامل. والكل يعلم تاريخ تواطؤها مع الانقلابيين ضد خيارات الشعب. وآخرها رد تحية الثوار لها باغتيالهم بدم بارد في حرم ساحتها!
وبعد التسامي علي كل هذه الجروح وقبول مشاركة جنرالتها السلطة مع المدنيين! تواطأت مرة اخري مع قادتها ضد اهم فرصة لاخراج البلاد من نفق الاسلامويين المظلم! والاسوأ من ذلك ما زالت رهينة لرغبات وغدر البرهان الذي اجهض الانتقال ويصر علي قيادة البلاد الي المجهول.
اما مغامرة البرهان هذه المرة فهي تطال سلامة القوات المسلحة ذاتها، فبعد ان سمم علاقتها مع المدنيين، فها هو الآن يحرضها علي الدعم السريع! وما يجب تذكيره لهذه القوات التي اصبحت كالجنازة بين يدي البرهان. الذي يصرح الآن بمطلب دمج الدعم السريع (فقط لتضارب مصالحه مع حميدتي)، هو نفسه من حذف بيده المادة الوحيدة في الوثيقة الدستورية، التي تسمح للمؤسسة العسكرية بضم قوات الدعم السريع بمجرد قرار تصدره، وذلك مقابل دعم حميدتي للانقلاب.
وان البرهان نفسه هو احد مهندسي وصناع الدعم السريع، ومن وفر كل اسباب الرعاية والحماية، حتي اصبحت هذه القوات بعبع يهدد سلامة الدولة. كما انه تحت قيادة ذات البرهان، لكم تطاول قائد الدعم السريع وقواته علي المؤسسة العسكرية، دون ان يجرح ذلك خاطر البرهان! وكيف يُجرح خاطره وهو بنفسه طاله استخفاف حميدتي؟!
كما ان البرهان نفسه هو من ملَّك الدعم السريع مواقع القوات المسلحة وجهاز الامن، في اكثر المناطق حساسية في العاصمة! وكذلك ثلث حصص شركة زادنا! وقبل كل شئ هو من عين حميدتي نائبه ومنحه درجة فريق معادلة له، وصلاحيات لا حد لها، ويبدو ان ما خفي اعظم في هذه العلاقة المريبة التي تربط بينهما!!
وباختصار وبدون تفاصيل مخزية ومحزنة معلومة للجميع، البرهان رهن القوات المسلحة لسطوة الدعم السريع عندما كان ذلك يتم لمصلحته، والآن وبعد خراب مالطة يحاول احداث الوقيعة مع الدعم السريع لخدمة ذات المخططات! وعموما شخص في غباء وطمع البرهان اصبح مدخل للفلول والحركات المسلحة لتخريب العملية السياسية، ومطية للاستخبارت المصرية لتمرير مصالحها! عبر القيام بانقلاب فاشل دمر كل حماس الثوار وآمال السياسيين وطموحات الوطنيين في الخروج بهذه البلاد المنكوبة من مأزقها، الذي صنعته ثلاثة عقود من النهب والخراب الانتقامي! ويحاول الآن اعادة الروح لذات الاهداف القذرة، وبذات الوسائل الخاطئة، من خلال التآمر لاجهاض الاتفاق الاطاري، متوهما ان ذلك يحوله الي فرعون سوداني (مع ان امكانته بالكاد تؤهله لدور شيخ الغفر)!
ولكن المخاطرة هذه المرة ليست علي طريقة مواجهة المدنيين العزل وثورتهم السلمية. فهذه المرة الخصم يمتلك السلاح والخبرات القتالية ويرتكز في المناطق الحساسة. والاهم ان القوات المسلحة نفسها لا تملك حاضنة شعبية بين مواطنيها، بعد رهنت قوتها لخدمة مصالح كبار جنرالاتها وللاسلاميين الفاسدين، وكررت خذلان لشعبها، رغم قيامه بالثورة تلو الاخري، لرد حقوقه المهدرة ومصالحه المغتصبة!
لكل ذلك علي القوات المسلحة عمل الكثير لرد ثقة شعبها ، وهو ليس بالامر الساهل بعد كل هذه الجرائم والاخطاء والخسائر التي الحقتها بشعبها، دون ذنب سواء انه شعبها! ومن هذه الاعمال:
اولا، الاعتراف بالاخطاء والاعتذار عنها والتعهد بعدم النكوص اليها. والعمل علي تعويض الضحايا من مواردها. وهذا اقل ما يمكن تقديمه لكسر وهم الأنِفة الذي يعشش في وعيها ويحكم سلوكها المتعجرف تجاه المدنيين. وكعربون جدية علي صدق تغييرها، يجب عليها التخلص من كبار جنرالاتها، ومحاكمتهم علي جرائمهم.
ثانيا، الاستعداد لتحولها لقوات مسلحة احترافية، تقطع سلطتها بالسلطة والسياسية والاقتصاد، وتتعهد بحماية دستور البلاد بعد الاتفاق عليه.
ثالثا، لا يمكن ان يحدث اصلاح للمؤسسة العسكرية، دون ارجاع ضباطها المهنيين الذين تم فصلهم، وتوسعوا في زيادة معرفتهم العسكرية، وقبل ذلك التأكد من ايمانهم بالنظام الديمقراطي والدولة المدنية. ولحسن الحظ امثال هؤلاء متواجدون في الداخل والخارج.
رابعا، يجب تغيير طريقة عمل القوات المسلحة او ضع كل القرارات في يد شخص (فرد) مهما كانت قدراته ومهنيته الاحترافية. لان مجرد وضع مصير البلاد في يد فرد، ينذر ذلك بمهالك كثمن لارضاء رغباته ونزواته، قبل ان يحوله الي مستبد ارعن يستمتع بكل مؤهلات جنون العظمة.
خامسا، قوات الدعم السريع اصبحت امر واقع، يحتاج التعامل معه للحكمة والتبصر، ولكن المؤكد ان خروج المؤسسة العسكرية من السلطة والانشطة الاقتصادية، ستكون بادرة حسنة للتاثير في توجهات ومخططات الدعم السريع، الذي يحاول تقليد القوات المسلحة! وهذا كمرحلة اولي لعملية الدمج المأمولة في نهاية المطاف. بمعني، دمج كل القوات في جيش احترافي هو هدف استراتيجي، لا يمكن قيام دول حديثة من دونه. وهو ما يعني اخراج هكذا هدف مصيري، من تكتيكات البرهان والصراع علي السلطة ولغة الجيش وحماسه وسهولة استثارته. اما الحركات المسلحة المشاركة في الانقلاب، فهي لا تستحق حتي عناء الحديث عنها، بعد تحولها لبيادق في يد قادة الانقلاب (ورغم ما يوفره هذا الوضع المُذل من فوائد لقادة هذه الحركات، يتلاءم وتواضع قيمهم وسلوكياتهم، إلا انهم يصرخون ويذرفون دموع التماسيح علي معاناة اهلهم، التي يبدو ان نهايتها تعني نهاية ادوات شغلهم وطموحاتهم، اي كوسائل ابتزاز)!!
سادسا، علي القوات المسلحة، ان تعلم ان النقد والغضب الذي يوجه لها، ليس المقصود منه المهنة او المؤسسة. ولكن القصد ان تلتزم دورها ولا تتعداها، وعندها لن تجد إلا كل الاحترام. اي مثلها مثل اي علاقة داخل الدولة، فهي مشروطة بالواجبات والحقوق والاحترام المتبادل. واكبر دليل علي ذلك، ان الضباط الصغار والجنود الذين ناصروا الثورة بحق، وجدو كل احترام وتقدير، واكثر من ذلك كم هتف الثوار شعب واحد جيش واحد، عندما كان بعض افراد الجيش بجانبهم. والمحصلة القوات المسلحة ليست بقرة مقدسة، وفي هذا السياق يحمد للاستاذ عزالدين صغيرون تعريتها وتجريدها من قداستها المتوهمة.
سابعا، علي القوات المسلحة الالتزام بتعهداتها الي قطعتها بالتوقيع علي الاتفاق الاطاري، وتترك مراوغات البرهان التي تحاكي تقلبات الطفل المدلل، لان عاقبة ذلك احتقار المؤسسة ككل! لانه كيف يتم احترام مؤسسة لا تحترم تعهداتها؟!
لكل ذلك الالتزام يشكل عربون ثقة لعودة المياه لمجاريها بينها والقوي السياسية، رغم صعوبة ذلك في المدي القصير. وبكلمة واحدة، علي القوات المسلحة يقع عبء اصلاح كل الاخطاء والجرائم والخسائر التي ظلت ملازمة لممارساتها، منذ ان ابتلانا الاستعمار بها، كعقبة كأداء في طريق بناء الدولة ونهضة الامة.
واهمية الاتفاق الإطاري الذي يتربص به البرهان، ليس في انه ينجز شعارات الثورة التي تشير كل المعطيات لصعوبة تحقيقها راهنا. ولا كذلك يمثل رهان علي قوي الحرية والتغيير، التي يبدو انها كعادتها تعيد انتاج ذات اخطاءها وتسئ التعامل مع الفرص المتاحة (لعلها علل بنيوية في صميم تكوينها). ولكن الاهمية الاساس تكمن في نقله الصراع الي ساحة سياسية، تحافظ علي سلامة كيان الدولة وامن اهلها. وبتعبير آخر، فترات الانتقال تتميز بالهشاشة، وكلما اعقبت نظام اكثر همجية وفساد واستبداد كنظام الانقاذ الاسلاموي، كلما ازدادت درجة هشاشتها وتعقيداتها ومخاطرها. ولكن ان يضاف لكارثة انقلاب البشير كارثة انقلاب البرهان، فهذا ما عمق حاجز انعدام الثقة بين الفرقاء وكثف حالة الاستقطاب. وهذا بدوره يفضي للحلول الصفرية التي تهدد تماسك الدولة وسلامة شعبها. عكس الارضية السياسية التي تتاسس علي الحوار والتفاوض والتسويات وتحافظ علي سلمية الصراع.
وبالطبع التواضع علي التزام الادوات السياسية، لا يعني نهاية الصراع، او ان اعداء الانتقال والدولة المدنية والحياة الديمقراطية، سيتركون التآمر ومحاولات اجهاض او افراغ الاتفاقيات من محتواها! فهذا من المحال، طالما ذلك يتعارض مع مصالحهم. ولكن وضوح الرؤية وقوة الارادة وتتضامن قوي الثورة اقلاها مرحليا خلال فترة الانتقال. لهو كفيل بتوفير سبل اسلم للعبور، وتضييق مساحة المناورة والتراجع لاعداء الانتقال. اما الحديث عن اي ضمانات في العمل السياسي، فاظنه غير موضوعي. لان طبيعة العمل السياسي بما انه جهد بشري لا تعترف بالضمانات والحتميات، ولكنها تعترف بالقدرات الذاتية والعمل علي تطويرها والايمان بالحقوق والقضايا والدفاع عنها، وتكريس كل ذلك بالانتصار للمستقبل. والاهم ان الحتميات ليست اكثر من سجون ايديولوجية تفضي الي وصفات استبدادية.
لكل ذلك اخطر ما يواجه الاتفاق الاطاري، كمدخل لتسيس الصراع، انه يأتي في ظل ظروف معادية للسياسة. فمن جهة تتهدده القوي الثورية والجذرية كمطالب تعجزية! خاصة وهي تتعامل مع الصراع كحزمة، اما تنالها غير منقوصة، واما ترفضها برمتها. ومن جهة تسعي لاجهاضه جنرالات المؤسسة العسكرية والحركات المسلحة والفلول والمخابرات المصرية، التي تتطابق مصالحها مع عسكرة الدولة. لفرض السطوة البرهانية الجاهلة علي القرار السياسي، كمعبر (بوابة عبدالقيوم) لاستباحة موارد البلاد.
والحال كذلك، تتم المطابقة بين الاتفاق الاطاري وقوي الحرية والتغيير، ليتم اسقاط اخطاء وهفوات الحرية والتغيير عليه. وكذلك التركيز علي جوانب ضعفه وما اكثرها. والتشكيك في قدرته علي انهاء الانقلاب واستكمال الانتقال، وهو صحيح. ولكن لا يعني ذلك ان العلة في الاتفاق الاطاري، الذي هو ليس اكثر من محاولة للخروج من حالة المراوحة في الازمة، وما يترتب عليها من آثار امنية واقتصادية كارثية بمعني الكلمة، وكذلك في مراكمتها المزيد من الضبابية علي مستقبل البلاد. من هذه الوجهة، يصبح من الافضل ليس التركيز علي نواقص الاتفاق وضعفه كمقدمة لرفضه او حتي ضربه، وما اسهل ذلك! ولكن في كيفية توظيفه والاستفادة منه لتحقيق اهداف الثورة باقل كلفة؟ اي بدل ان يجرنا العسكر وواجهاتهم لجهة عسكرة الصراع (اجهاض الاتفاق او افراغه من محتواه)، نجتهد لكي نفرض عليهم تسيسه (نتمسك به ونسعي لتطويره). وهنا تحديدا مكمن الابداع السياسي والابتكار الثوري.
واخيرا
التحية للدكتور الباقر العفيف الذي يجسد الاستنارة علي اكمل وجه. وهذا ليس بغريب علي من وضع علي عاتقه عبء نشر الاستنارة، كرسالة يضطلع بها مركز الخاتم عدلان. وهذا بدوره ما يجعل آراءه ومواقفه السياسية ذات قيمة نوعية.
وفي الجهة المعاكسة اجدني في حيرة من امري، فيما يتعلق بمواقف ساطع الحاج ونبيل اديب، الذين كانوا قبل الثورة يجاهرون (ظاهريا) بآراءهم ومواقفهم المعارضة للانقاذ والمطالبة بالحرية والديمقراطية والدولة المدنية! وبعد الثورة نشطوا في كتابة الوثيقة الدستورية (التي اشتملت علي اخطاء كارثية في راي كثير من القانونيين)! ولكنهم بعد انقلاب البرهان وصدور مسودة المحامين التي اسست للاتفاق الاطاري، إلا ونجد الحكمة القانونية والسياسية تتساقط عليهم كالرطب الجنية، وكأننا في اوضاع طبيعية، او مشكلتنا في جودة النصوص القانونية والمبادئ الدستورية، وليس تسفيهها اولا، واجهاضها ثانيا بالانقلابات العسكرية. او بصورة اخري هم احرص علي اسقاط الاتفاق الاطاري، فقط لانهم لم يشاركوا في وضع مسودته القانونية (بوصفهم رموز او مراجع قانوية، لا يجوز تخطيها وإلا تقاصرت النصوص وفسدت الاتفاقيات). اي بصريح العبارة مشكلتنا ليست في وهم التفوق (الرجالة) الذي يسيطر علي العسكر فحسب، وانما في تضخيم الذات الذي يخترق النخب المهنية والسياسية والابداعية. ودمتم في رعاية الله.
/////////////////////////////