التعامل مع الخرطوم لم يبدأ مع أوباما 1-3 … بقلم: عاصم عطا صالح

 


 

عاصم صالح
21 July, 2009

 

 

          إعادة تقييم أمريكا لعلاقاتها بالسودان لم يبدأ مع الإدارة الجديدة، ولا يعتبر اتجاهاً حزبياً، بل هو اتجاه أمريكي تحكمه مصالح استراتيجية لا يختلف حولها الديموقراطيون والجمهوريون.  ولقد بدأت الإرهاصات في فترة حكم الرئيس بوش الإبن، ليس فقط بسبب المصالح الاقتصادية والبترول والشركات المرتبطة بالحزب الجمهوري، ولكنها مصالح استراتيجية، حيث ترى أمريكا بأن النظام في السودان أقدر على التعاون وتحقيق مصالح مشتركة في المنطقة.  وبعد أن بدأ الخطر الصومالي يتعدى كونها ملاذاً آمناً لبعض المطلوبين، والذين تضمهم القوائم الأمريكية لعلاقاتهم بالتفجيرات التي طالت سفارات أمريكا في نيروبي وتنزانيا وعناصر القاعدة بصفة عامة، ومنهم الزعيم الصومالي الإسلامي حسن ضاهر عويس، وامتد الخطر لتهديد الملاحة في المنطقة الاستراتيجية على السواحل الصومالية.

            ولقد كانت أمريكا تعتمد على أمراء الحرب في الصومال لمساعدتها على القبض على المطلوبين من الإسلاميين، ثم قامت بمساعدة إثيوبيا بصورة مباشرة ودعمها لدحر قوات اتحاد المحاكم الإسلامية بعد سيطرته على مقديشو، ولكنها اقتنعت أخيراً بضرورة التعامل مع العناصر المعتدلة من الإسلاميين بقيادة الرئيس الصومالي الجديد الشيخ شريف أحمد، بل وصل بها الأمر إلى إمداده بالسلاح.

 

          وهنا يأتي دور النظام الحاكم في السودان، الأقوى نفوذاً وسط الإسلاميين الصوماليين منذ حزب الاتحاد الإسلامي، ثم المحاكم الإسلامية، وأخيراً عودة الشيخ شريف للحكم، وحتى التأثير على الزعيم الإسلامي المتطرف، والذي ورد اسمه في قائمة الإرهابيين المطلوبين بواسطة أمريكا الشيخ عويس، والذي عاد أيضاً من منفاه في أريتريا للصومال عن طريق الخرطوم.  ومن مؤشرات التأثير السوداني أن الشيخ عويس، والذي كان يرفض التعامل مع حكومة الشيخ شريف ويطالب بخروج قوات الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي من الصومال قبل الدخول في أي تعامل أو تفاوض مع حكومة حليفه السابق في مقديشو أن ورد أخيراً موافقته على الاشتراك في العملية السلمية.

  

          وتزداد أهمية الحكومة السودانية لأمريكا بعد أن اقتنعت أخيراً بفشل سياستها بدعم الجيش الإثيوبي للقضاء على سلطة الإسلاميين بالصومال، واعترف مسؤول الشؤون الافريقية الجديد في أمريكا ((كارسون)) بأنه سيطلب من إثيوبيا عدم التدخل بالصومال.  فالنفوذ الإثيوبي مرفوض من معظم القبائل الصومالية، وهنالك شعور قومي موحد ضد إثيوبيا، إلى جانب أن تجربتها السابقة بدفع ذلك الحجم الكبير من قواتها إلى داخل الأراضي الصومالية لإنقاذ حكومة حليفها السابق عبد الله يوسف أضرت بها داخلياً في مواجها المعارضة المتنامية، والتي استفادت كثيراً من تلك الظروف، واستغلالها ضد الحكومة الإثيوبية، وهي تتجه نحو الانتخابات في العام القادم بعد أن حققت المعارضة الإثيوبية مكاسب غير متوقعة في انتخابات 2005.  لذلك فإن الدور التي تلعبه الإنقاذ في هذه المنطقة يعتبر أحد أهم أسباب بداية الاتجاه للتعامل الأمريكي معها في عهد الرئيس بوش.

  

          ولعل ذلك أيضاً أحد أهم الأسباب التي أدت لأن يكون لجهاز الأمن دور هام في ملف العلاقات السودانية الأمريكية، ليس فقط بتمثيله في مجموعة العمل التي يقودها الدكتور غازي صلاح الدين للتعامل مع الملف الأمريكي، بل وجوده على أعلى المستويات في وفده إلى واشنطن، وفي أي محادثات أمريكية سودانية في الخرطوم أو واشنطن أو أي مكان آخر.  فأمريكا تعول أيضاً على الدور الذي تلعبه قيادة جهاز الأمن السوداني في تجمع أجهزة المخابرات الافريقية، والذي عقد دورته الأخيرة بالخرطوم بحضور مراقبين من أجهزة الغرب الأمنية وعلى رأسها أمريكا.

            ومع أهمية العامل الأمني والاستراتيجي في التقارب الأمريكي السوداني إلا أننا لا يمكن أن نهمل العامل الاقتصادي والذي يعتبر أيضاً عاملاً هاماً ومساعداً على الدفع بتحسين العلاقات.  وتكرر الكثير من قيادات النظام في الخرطوم الإغراءات المباشرة وغير المباشرة لأمريكا بأن مكانها محفوظ في مجال الاستثمارات النفطية، وأمريكا أعلم من الجميع بإمكانيات السودان النفطية وحجم الاحتياطي، فلقد تعدت الشركات الأمريكية مرحلة الاستكشاف، حيث قامت شفرون فعلاً باستخراج البترول، ولا داعي هنا لتكرار ظروف خروج شفرون وباركر من السودان، إلى جانب أن الاهتمامات الأمريكية في الجانب الإقتصادي بالسودان لا تقتصر على البترول فقط، فاهتمام الشركات الأمريكية بالتعدين لا يقل - إن لم يفوق - اهتمامها بالبترول.  ولقد سبق أن أطلعني صديق أمريكي يعمل في مجال اللوبي الإقتصادي الافريقي على رسالة من أحد قيادات الإنقاذ قبل المفاصلة رداً على رسالته له والخاصة برغبة الشركات الأمريكية الكبرى العمل في مجال التعدين بالسودان.

 

          نواصل الحديث عن إرهاصات تحسين العلاقات والتي أزعجت المعارضين، ولكنها كانت أكثر أثراً على شريك الإنقاذ في حكومة الوحدة الوطنية، مع أن التوتر بين طرفي اتفاقية نيفاشا، والذي وصل إلى حد الاستعدادات العسكرية المكشوفة، ربما كان أحد أسباب سعي أمريكا للعمل بصورة مباشرة من أجل الوصول لحلول لمشاكل البلاد والتعامل معها بالصورة التي تبعد عنها شبح صومال أخرى تكون أكثر ضرراً على مصالح أمريكا بالمنطقة.

  Aasim Salih

 

آراء