التعذيب في معتقلات المدرعات وتدمير الاسلاميين لمرافق ومؤسسات الجيش السوداني

 


 

محمد فضل علي
23 August, 2023

 

في واحد من اخطر فصول الحرب الدامية التي احرقت العاصمة السودانية الخرطوم ومدن اخري ظلت تلفظ انفاسها مدينة بعد الاخري بسبب الموت العشوائي وانعدام الخبز ولقمة العيش وجرعة الماء والدواء في زمن اصبح يموت فيه الناس بالجوع لاول مرة داخل الخرطوم وفي مدن اخري وفي هذه الاثناء شهدت الحرب السودانية منذ ثلاثة ايام وحتي صبيحة وظهر اليوم الثلاثاء الثاني والعشرين من اغسطس معارك طاحنة بالقرب من معسكر سلاح المدرعات السوداني العريق والقديم الذي يبدو انه لم يراوح مكانة منذ عقود طويلة وحتي اليوم وسط منطقة مكتظة بالسكان .
استنادا الي وثائق حية لوقائع مايجري في المنطقة المشار اليها يتضح بالدليل القاطع ان قوات الدعم السريع تحقق انتصارات كاسحة ضد قوات مشتتة ومرهقة تابعة للمجموعة الانقلابية العسكرية واعداد اخري من المجموعات الجهادية والمجاهدين التابعين لميليشيات الحركة الاسلامية الذين يقودون تلك المعارك ومن خلفهم اعداد من البسطاء المتعبين من الجنود بعضهم التحق بالجيش في الشهور الاخيرة من اجل توفير لقمة العيش لهم ولذويهم من الذين تم الدفع بهم الي تلك المعارك بصورة متعجلة دون اعداد او تاهيل .
ويتضح ايضا وبطريقة لايتطرق اليها الشك نجاح مجموعات كبيرة من المسلحين الصبية وصغار السن من قوات الدعم السريع في الوصول الي قلب معسكر سلاح المدرعات بالشجرة واجتياج جراجات الدبابات والتجول فيها وهم يرددون الهتاف المعتاد الله واكبر واهازيجهم البدوية بلهجتهم المميزة ويسخرون من البرهان والكيزان واخرين من دونهم في لحظات انفعال عاطفي كبير بما وصلوا اليه من تقدم وانتصارات في الحرب الراهنة في السودان .
من المفارقات المؤلمة في هذه الاثناء ومن خلال مشاهدة اشرطة الفيديو التي قامت ببثها قوات الدعم السريع في الميديا الاجتماعية تظهر بكل وضوح المباني التي تمت فيها محاكمة العسكريين والمدنيين من مدبري الانقلاب الشيوعي في يوليو 1971 نفس المباني التي يبدو انها قد تركت بدون صيانة طيلة هذه السنين ومنذ عقود طويلة وقد تحولت اليوم الي مستودع للزبالة التي تحيط بها بينما تحولت البرندات الي مكان لنوم جنود سلاح المدرعات الذي يبدو مثل مكان مهجور وحتي مواقف الدبابات والعربات المدرعة اصبحت ايضا مستودعا للقذارة .
في هذه الاثناء دفعوا ببعض الاشخاص من مجهولي الهوية ليخاطبون الناس عبر قناة طيبة الاخوانية في تركيا وهم يرددون مزاعم غربية عن صمود القوات المسلحة ويزعمون ان قوات الدعم السريع قد استولت بالفعل علي مخازن للخردة والدبابات والاسلحة المنتهية الصلاحية واشياء من هذا القبيل .
وتبلغ الكارثة والماساة الانسانية قمتها في شرائط الفيديو التي تظهر فيها اعداد من الاسري الابرياء والمدنيين المتهمين بالتعاون مع قوات الدعم السريع الذين كانوا محتجزين في مخازن قذرة واماكن لاتصلح لسكن واقامة البشر والادميين وقد تحول معظمهم الي هياكل عظمية بسبب الضرب والتعذيب والحرمان من الطعام وعدم النوم الاجباري لساعات طويلة ومشاهد تشبه الي حد كبير الوضع الذي كان عليه المدنيين المعتقلين في معسكرات الهولوكوست بعد سقوط الرايخ الثاني ونظام النازيين بعد نهاية الحرب العالمية الثانية .
وقد شهدت نفس الاماكن المشار اليها محاكمات قيادات الانقلاب الشيوعي في العام 1971 التي سبقتها تحقيقات بمشاركة الرئيس السوداني السابق جعفر نميري الذي كان يستجوب عبد الخالق محجوب سكرتير الحزب الشيوعي الذي كان مرهقا بعد القبض عليه وقد تعرض المقدم بابكر النور الي محاولة بالاعتداء عليه بواسطة اللواء حينها خالد حسن عباس الذي اقتحم غرفة التحقيق منفعلا بعد ان فقد شقيقة الاصغر الذي قتل في حادثة بيت الضيافة المعروفة .
الرئيس نميري قال انه اوقف التحقيق وامر باخراج اللواء خالد حسن عباس من معسكر الشجرة وعاد نفس الاشخاص وتمت محاكمتهم وكانوا يعرفون انه سيتم الحكم باعدامهم ومع ذلك ظهروا في اللحظات الاخيرة من حياتهم واثناء المحاكمة وهم بمظهر لائق ويدخنون السجائر وظهر الرائد فاروق حمدالله قبل دقائق من اعدامه في واجهة نفس المباني المشار اليها وهو يرتدي بدلة كاملة ويدخن السجائر وهو يتبادل الحديث والابتسامات مع بعض الصحفيين الاجانب .
المشاهد التي تم الافراج عنها اليوم لبعض الاسري المدنيين المعتقلين في معسكر الشجرة تعتبر ادانة اخلاقية لقيم الجندية وتقاليد العمل في المؤسسة العسكرية السودانية وان كانت تحتاج الي توثيق قانوني متكامل علي عكس الافادات المؤلمة التي ادلوا بها عن احوالهم التي لاتحتاج الي تحقيق او مزيد من الادلة عن الطريقة التي عوملوا بها .
وفي هذا الاطار اظهرت معارك قوات الدعم السريع وتجول افرادها داخل بعض الوحدات العسكرية التي وقعت تحت سيطرتهم حجم الاهمال الخطير الذي تعرضت لها مرافق القوات المسلحة للجيش السوداني السابق للبلاد في مقابل مؤسسات النظام الامني وجهاز المخابرات السوداني وماتعرف باسم اكاديمية الامن والمخابرات والمرافق التابعة للمنظمات الجهادية وقوات الدفاع الشعبي التي تحولت بعد الحرب الراهنة الي ساحات ومباني مهجورة خالية من البشر تسعي في حدائقها الفاخرة الاغنام والبقر .
الحرب السودانية وصلت منعطف خطير في ظل استمرار الفراغ الامني والسياسي والغموض التام الذي يحيط بمستقبل البلاد بعد نهاية الحرب الراهنة في ظروف ستكون مختلفة تماما وتحديات تحتاج الي حد ادني من الاستقرار الامني ووجود مؤسسات حكم تفرض هيبة الدولة بطريقة قانونية وتطويق الفساد السياسي والابتزاز ولعب البعض لدور الضحية المجني عليها بمزاعم عرقية واثنية ووقف عسكرة الدولة والمجتمع والرشوة السياسية وتخصيص الميزانيات المفتوحة لبعض الافراد والمجموعات الهتافية مقابل الولاء السياسي .
رابط له علاقة بالموضوع :

https://www.youtube.com/watch?v=uWkdoIpyyA4

 

آراء