الجدل حول موت حميدتي … واحتمالية استمرار دوره كمؤثر ميت!
حاتم أبوسن
19 September, 2023
19 September, 2023
habusin@yahoo.com
أفكار حول تقنية الاستنساخ الآني للأصوات ومفهوم التزييف العميق
لا تطمح هذه المقالة لحسم الجدل حول موت حميدتي أو حياته و إنما هي محاولة لفهم مسالة إستمراريته كمؤثر هام بعد موته و هل هذا ممكن وفق أحدث التقنيات العلمية في استنساخ الأصوات.
The state of the art in voice cloning
من حيث المبدأ، ليس لدي شك في أن حميدتي أداة في أيدي جهات معينة تستخدمه لتنفيذ مخطط كبير في السودان. ومسالة أن بعض السودانيين لا يرون ذلك و يحصرون الخلاف في قضية من بدأ الحرب، و سيطرة الفلول علي الجيش إلي آخر الأفكار الصغيرة، تدل علي أننا ما زلنا نناقش أمورنا المصيرية علي مستوي السطح دون التعمق المطلوب! هذا المستوي من الحوار لا يساعد كثيرا في فهم أبعاد هذا الصراع المعقد و الذي يتجاوز الخلافات السياسية السودانية لصراعات أقليمية و دولية أكبر و أكثر تعقيدًا.
ضرورة هذه المقدمة هي أن دور حميدتي حيا قد لا يختلف كثيرا عن دوره ميتا، ويتمثل، ببساطة، في حرب بالوكالة ضد أهله من خلال تسخير شباب القبائل العربية في غرب السودان. هذه هي الصورة الكبري لمن يدرك كيف تدار الحروب الحديثة حول العالم. و مهما تعددت المسميات و الرؤي و الفلسفة و التنظير فإن ما يطرحه حميدتي حيا أو ميتا من مناهضة لفلول النظام السابق أو دفاعه عن الإتفاق الإطاري، ليس سوى محض أكاذيب لا تنطلي علي فطن. كل ما في الأمر أن جهة ما تستخدم حميدتي للعب علي تناقضات إقليمية وإثنية لإشعال حرب أهلية لخلق فوضي تمكنها من تمرير أهداف كبيرة في السودان. و حتي علاقة حميدتي بالنظام السابق كانت بداية لهذه اللعبة، ويستطيع الحاذق أن يقرأ هذا التاريخ ابتداء بفكرة أن حميدتي هو من ذهب للنظام و ليس العكس، كما يظن الكثيرون. و أهمية ذلك في أن النظام السابق ابتلع هذا الطعم مبكرا ..و إذا كان ثمة إمكانية لإستمرار حميدتي في لعب هذا الدور حتي بعد موته، فلم لا!
عودة إلي موضوع استنساخ الأصوات عن طريق ال AI، نجد أن هذا المجال المتطور يسير بسرعة جنونية و بدأ في خلق مشاكل حقيقية لاقترابه من الإتقان.. وتكمن أهمية متابعة مستوي هذا التطور في حقيقة إمكانية استنساخ صوت لشخص و استخدامه مستقبلا بدقة متناهية. و هذا يغير المعطيات بما يقود للآتي:
*فرضية موت حميدتي و حياته، متساوية، استنادا علي خطاباته المسجلة. فإذا كان بالإمكان استنساخ الصوت و إعادة إنتاجه، فإنه يصبح من الصعب حسم قضية الحياة والموت استنادا علي التسجيل الصوتي فقط، في غياب بينات أخرى.
عندما نتعرض لأساليب التقنية المتقدمة في هذا المجال، سيتضح لنا أن التسجيل الصوتي أكثر تضليلا من الفيديو الذي يتطلب تناسق النص الصوتي مع الصورة .
أما في حالة التسجيل الصوتي، فقط، فأن الأمر لا يتعدي استنساخ الصوت ومن ثم إعادة انتاجه آنيا.
*لا فرق بين حميدتي حيا أو ميتا، إذا أدت خطاباته دورها في تحفيز جنوده لمواصلة القتال.
*إذا كان المقصود هو خلق الفوضي و تأجيج الحرب، فحميدتي ميتا أفضل كقائد منه حياً.
يتداول الناس عبارة ذكاء صناعي عندما يتناولون الإطلالات المفاجئة لحميدتي دون فهم حقيقي لما يحدث.. أيضا هنالك خلط واضح بين مفهوم دبلجة الصوت و استخدام الذكاء الصناعي لاستنساخ الأصوات مما يعقد إختبار مصداقية المحتوي. ففي حالة الدبلجة البسيطة للصوت يستطيع المتلقي ملاحظة بعض الثغرات الخفيفة مما يثير فرضية التلاعب و لكن في حالة الإستنساخ الصوتي من الصعب جدا ملاحظة أي ثغرات لأن ما يحدث ببساطة هو أن خطابا حقيقيا واقعيا يقدم بصوت مختلف و نبرات مختلفة في ما يعرف بمفهوم الإستنساخ الآني Real-time voice cloning.
و قد وصلت التكنولوجيا في هذا المجال حدا مذهلا يستخدم خوارزميات الذكاء الصناعي لمحاكاة الصوت المستهدف بحيث يكاد يستحيل على أي كائن تمييز الفرق بين الأصل والنسخة. حيث يتم تسجيل عينة للصوت المستنسخ لا تتعدي دقيقة واحدة يتم انزالها في برنامج الإستنساخ الصوتي و من ثم يتم إعادة انتاج حديث آخر بنفس الصوت و في نفس اللحظة و هذا يختلف كثيرا عن توليد الكلام اصطناعيا من النص.
يشرح أحد أختصاصي عملية استنساخ الصوت لشخص ما بطريقة مبسطة بأنه تتم عن طريق جمع فقرات من حديث واضح له، ومن ثم تقوم البرمجيات بإنشاء نموذج للصوت المستنسخ بما يتيح استخدامه في محتويات جديدة مستقبلا.
هذه التكنولوجيا متاحة الآن إلا أن التكلفة لا تزال باهظة لإستخدام أحدث تقنياتها! و بالضرورة اذا ما كان في مصلحة جهة ما استمرارية الوجود الرمزي لحميدتي فلن يصعب عليها تمويل ذلك.
من يريد أن يفهم هذا الأمر جيدا عليه متابعة قضية شغلت الأوساط الأوروبية والعالمية في الأسابيع الماضية. وهي قضية الفرنسي أنيس العياري الذي استنسخ كثيرا من الأصوات من بينها صوت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون و قدمه لتجربة تفاعل مع الجمهور بطرح أسئلة يجاوب فيها من يمثل ماكرون، و قد حدث أن خرج عن النص بدرجة أدت لإيقاف قناته.
كما قام العياري باستنساخ أصوات كثير من المشاهير من السياسين و أصحاب المال و قد صرح بأنه عندما يدرك الناس المدي الذي وصل له التزييف العميق، سيزداد الحس النقدي لديهم بما يقود للتشكيك في كثير من المحتويات الصوتية المسجلة.
خلاصة الأمر إن الخطابات المسجلة لحميدتي غير كافية لحسم الجدل حول حياته و ينبغي أن تكون هنالك دلائل أخري لتعزيز ذلك.
habusin@yahoo.com
أفكار حول تقنية الاستنساخ الآني للأصوات ومفهوم التزييف العميق
لا تطمح هذه المقالة لحسم الجدل حول موت حميدتي أو حياته و إنما هي محاولة لفهم مسالة إستمراريته كمؤثر هام بعد موته و هل هذا ممكن وفق أحدث التقنيات العلمية في استنساخ الأصوات.
The state of the art in voice cloning
من حيث المبدأ، ليس لدي شك في أن حميدتي أداة في أيدي جهات معينة تستخدمه لتنفيذ مخطط كبير في السودان. ومسالة أن بعض السودانيين لا يرون ذلك و يحصرون الخلاف في قضية من بدأ الحرب، و سيطرة الفلول علي الجيش إلي آخر الأفكار الصغيرة، تدل علي أننا ما زلنا نناقش أمورنا المصيرية علي مستوي السطح دون التعمق المطلوب! هذا المستوي من الحوار لا يساعد كثيرا في فهم أبعاد هذا الصراع المعقد و الذي يتجاوز الخلافات السياسية السودانية لصراعات أقليمية و دولية أكبر و أكثر تعقيدًا.
ضرورة هذه المقدمة هي أن دور حميدتي حيا قد لا يختلف كثيرا عن دوره ميتا، ويتمثل، ببساطة، في حرب بالوكالة ضد أهله من خلال تسخير شباب القبائل العربية في غرب السودان. هذه هي الصورة الكبري لمن يدرك كيف تدار الحروب الحديثة حول العالم. و مهما تعددت المسميات و الرؤي و الفلسفة و التنظير فإن ما يطرحه حميدتي حيا أو ميتا من مناهضة لفلول النظام السابق أو دفاعه عن الإتفاق الإطاري، ليس سوى محض أكاذيب لا تنطلي علي فطن. كل ما في الأمر أن جهة ما تستخدم حميدتي للعب علي تناقضات إقليمية وإثنية لإشعال حرب أهلية لخلق فوضي تمكنها من تمرير أهداف كبيرة في السودان. و حتي علاقة حميدتي بالنظام السابق كانت بداية لهذه اللعبة، ويستطيع الحاذق أن يقرأ هذا التاريخ ابتداء بفكرة أن حميدتي هو من ذهب للنظام و ليس العكس، كما يظن الكثيرون. و أهمية ذلك في أن النظام السابق ابتلع هذا الطعم مبكرا ..و إذا كان ثمة إمكانية لإستمرار حميدتي في لعب هذا الدور حتي بعد موته، فلم لا!
عودة إلي موضوع استنساخ الأصوات عن طريق ال AI، نجد أن هذا المجال المتطور يسير بسرعة جنونية و بدأ في خلق مشاكل حقيقية لاقترابه من الإتقان.. وتكمن أهمية متابعة مستوي هذا التطور في حقيقة إمكانية استنساخ صوت لشخص و استخدامه مستقبلا بدقة متناهية. و هذا يغير المعطيات بما يقود للآتي:
*فرضية موت حميدتي و حياته، متساوية، استنادا علي خطاباته المسجلة. فإذا كان بالإمكان استنساخ الصوت و إعادة إنتاجه، فإنه يصبح من الصعب حسم قضية الحياة والموت استنادا علي التسجيل الصوتي فقط، في غياب بينات أخرى.
عندما نتعرض لأساليب التقنية المتقدمة في هذا المجال، سيتضح لنا أن التسجيل الصوتي أكثر تضليلا من الفيديو الذي يتطلب تناسق النص الصوتي مع الصورة .
أما في حالة التسجيل الصوتي، فقط، فأن الأمر لا يتعدي استنساخ الصوت ومن ثم إعادة انتاجه آنيا.
*لا فرق بين حميدتي حيا أو ميتا، إذا أدت خطاباته دورها في تحفيز جنوده لمواصلة القتال.
*إذا كان المقصود هو خلق الفوضي و تأجيج الحرب، فحميدتي ميتا أفضل كقائد منه حياً.
يتداول الناس عبارة ذكاء صناعي عندما يتناولون الإطلالات المفاجئة لحميدتي دون فهم حقيقي لما يحدث.. أيضا هنالك خلط واضح بين مفهوم دبلجة الصوت و استخدام الذكاء الصناعي لاستنساخ الأصوات مما يعقد إختبار مصداقية المحتوي. ففي حالة الدبلجة البسيطة للصوت يستطيع المتلقي ملاحظة بعض الثغرات الخفيفة مما يثير فرضية التلاعب و لكن في حالة الإستنساخ الصوتي من الصعب جدا ملاحظة أي ثغرات لأن ما يحدث ببساطة هو أن خطابا حقيقيا واقعيا يقدم بصوت مختلف و نبرات مختلفة في ما يعرف بمفهوم الإستنساخ الآني Real-time voice cloning.
و قد وصلت التكنولوجيا في هذا المجال حدا مذهلا يستخدم خوارزميات الذكاء الصناعي لمحاكاة الصوت المستهدف بحيث يكاد يستحيل على أي كائن تمييز الفرق بين الأصل والنسخة. حيث يتم تسجيل عينة للصوت المستنسخ لا تتعدي دقيقة واحدة يتم انزالها في برنامج الإستنساخ الصوتي و من ثم يتم إعادة انتاج حديث آخر بنفس الصوت و في نفس اللحظة و هذا يختلف كثيرا عن توليد الكلام اصطناعيا من النص.
يشرح أحد أختصاصي عملية استنساخ الصوت لشخص ما بطريقة مبسطة بأنه تتم عن طريق جمع فقرات من حديث واضح له، ومن ثم تقوم البرمجيات بإنشاء نموذج للصوت المستنسخ بما يتيح استخدامه في محتويات جديدة مستقبلا.
هذه التكنولوجيا متاحة الآن إلا أن التكلفة لا تزال باهظة لإستخدام أحدث تقنياتها! و بالضرورة اذا ما كان في مصلحة جهة ما استمرارية الوجود الرمزي لحميدتي فلن يصعب عليها تمويل ذلك.
من يريد أن يفهم هذا الأمر جيدا عليه متابعة قضية شغلت الأوساط الأوروبية والعالمية في الأسابيع الماضية. وهي قضية الفرنسي أنيس العياري الذي استنسخ كثيرا من الأصوات من بينها صوت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون و قدمه لتجربة تفاعل مع الجمهور بطرح أسئلة يجاوب فيها من يمثل ماكرون، و قد حدث أن خرج عن النص بدرجة أدت لإيقاف قناته.
كما قام العياري باستنساخ أصوات كثير من المشاهير من السياسين و أصحاب المال و قد صرح بأنه عندما يدرك الناس المدي الذي وصل له التزييف العميق، سيزداد الحس النقدي لديهم بما يقود للتشكيك في كثير من المحتويات الصوتية المسجلة.
خلاصة الأمر إن الخطابات المسجلة لحميدتي غير كافية لحسم الجدل حول حياته و ينبغي أن تكون هنالك دلائل أخري لتعزيز ذلك.
habusin@yahoo.com