الجنوب ومسخرة التخطيط الإستراتيجي!!

 


 

الطيب مصطفى
2 January, 2011

 

زفرات حرى


ضحكت ملء شدقيّ حين قرأت تصريح الأخ د. تاج السر محجوب الأمين العام للمجلس القومي السوداني للتخطيط الإستراتيجي والذي قال فيه «إن الجنوب لن يسقط من الخطة الخمسية حتى إذا اختار شعبه الانفصال موضحاً أن جهات رسمية كثيرة تعمل على جعل الوحدة حقيقة حتى إذا وقع الانفصال» وأضاف تاج السر حسب وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية أن «الفرصة متاحة لجعل الوحدة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية قائمة بين شمال السودان وجنوبه»!!
ما يُضحك ويُبكي أن تاج السر قال مقولته هذه خلال مخاطبته أعضاء مجلس الولايات الذين لا أعرف ما إذا كانوا قد ضحكوا مثلي أم أنهم أخذوا حديثه هذا مأخذ الجد فقد قال إن «الأجهزة التشريعية تمثل قلب الدفاع والحارس الأول للتخطيط الإستراتيجي»!!
بالله عليكم «ده كلام»؟! د. تاج السر يريد أن يخطط لدولة جنوب السودان بعد الانفصال بل «ويوجدها» رغم أنفها داخل خطته الإستراتيجية بكل ما يعنيه ذلك من رسم للخطط الاقتصادية والزراعية والصناعية وللموازنات وغير ذلك من عناصر التخطيط الإستراتيجي لدولة معلومة ذات شعب معلوم بموارد معلومة!!
الحجة التي ساقها د. تاج السر أن هناك «جهات رسمية كثيرة تعمل على جعل الوحدة حقيقة حتى إذا وقع الانفصال»!!
طيب يا تاج السر.. أما كان الأولى أن تنتظر هذه الجهات التي فشلت في أن تُمسك بتلابيب الوحدة القائمة وجعلتها تفلت من بين يديها... تنتظرها إلى أن «تجر» الوحدة من جديد وتُدخلها إلى  حظيرة الوطن الواحد؟!
أعجب والله من حالة الجنون التي لا تزال تسيطر على العقول والأفئدة قبل أقل من عشرة أيام من الانفصال والتي جعلت تلفزيون السودان يغرِّد خارج سرب الواقع ويأتي بأناس منتقين يملي عليهم ما يقولون مع ترديد عبارات ممجوجة ومقولات سخيفة للسفاح قرنق الذي يعلمون حقيقته لكنهم لا يستطيعون الجهر بحقيقة الملك العريان في وقت يبث تلفزيون جنوب السودان أهازيج الفرح استعداداً «للاستقلال»!!!
في اجتماع داخل إستديو علي شمو بالتلفزيون قبل نحو أربعة أشهر لمناقشة خمسينية تلفزيون السودان قلتها للمجتمعين إنني أدهش عندما يتحدث الناس عن إستراتيجية ربع قرنية بل خمسينية في بلاد ستنفطر بعد أشهر قليلة!!
كثيرٌ من الجهد والأموال تُهدر في مناقشة أو الصرف على «أشياء غلط» في وقت نعاني فيه من ضائقة اقتصادية وهل أدل على ذلك من اختيار الجنوب لإقامة دورة مدرسية يُصرف في سبيلها أربعون مليار جنيه تروح هدراً ومن «عبقرية» إقامة صلاة الحاجة للأطفال من أجل الوحدة؟!
متى بربكم يرفع بعضنا سرادق العزاء ويكفوا عن البكاء متى يُفيق هؤلاء ويعبِّرون عن حقيقة مشاعرهم الفرِحة بإزاحة عبء الجنوب وذهاب الأذى عنا ورجوعنا إلى ذاتنا وهُويتنا متى نعلم أننا لأول مرة سنودع مسيرة الدماء والدموع وننطلق نحو المستقبل بعيداً عن كوابح الجنوب «وترلته المنفِّسة»؟!
خضر عيساوي وخلافه مع وزير الطاقة!!
المهندس خضر عيساوي خبير سوداني عالمي في مجال الصناعة البترولية قلّ أن يجود الزمان بمثله تم إعفاؤه من قِبل وزير الطاقة المنتمي للحركة الشعبية لأنه صدع برأيه واختلف مع الوزير حول التصرف في أموال النفط ورفض بعض الممارسات التي يقوم بها الوزير مما يشيب لهوله الولدان. وقد نشرنا مقالاً له يوم الخميس الماضي ردًا على معلومات مغلوطة وردت في صحيفة أخرى.
عيساوي صاحب تاريخ حافل بالعطاء وكانت له قصة مشهورة حين أُقيل من منصبه الرفيع في شركة بترودار قبل سنوات قليلة جراء خلافات تتعلق بقوته في الجهر برأيه لكن من أزاحوه من موقعه الأول اكتشفوا بعد حين كم خسر السودان من قرارهم المتعجِّل.
العجيب أن من أعفى عيساوي الذي أسهم كثيراً في تطوير الصناعة البترولية في السودان مما يتمتع به الجنوب من خير وفير اليوم أكثر من الشمال وزير جنوبي لم يتبقَّ له في موقعه أكثر من أيام معدودات هي الفاصل بيننا وبين استفتاء تقرير المصير!!
نود أن نلفت نظر السيد وزير المالية إلى الخطر الداهم وإلى الفراغ الناشئ عن غياب عيساوي فقد خلا الجو لوزير الحركة الشعبية الذي نخشى أن يعمل بمنطق «المفارق عينه قوية»!!
أود أن أنتقى فقرة واحدة من مقاله المنشور حتى ينتبه القائمون على الأمر في التعامل مع قضية النفط فقد قال الآتي:
لا أوافق على ما ذهب إليه السيد الوزير بأن المبلغ المتحصَّل من هذه الاتفاقية يكون مناصفة بين حكومة الجنوب والحكومة الاتحادية. ذلك لأن هذا الموضوع ليس له علاقة بقسمة الإنتاج وإنما هي عائدات تؤول للدولة وتدخل في موازنتها العامة تحت إشراف وزارة المالية الاتحادية.. أما في حالة الانفصال فإن هذا الخط يقع بكامله في الشمال باعتبار أن تقسيم الأصول يتم بالوجود الجغرافي حسب ما معمول به عالمياً. لكن لو أراد الإخوة في الجنوب أن تكون الأصول مناصفة بما في ذلك آلاف الآبار التي حُفرت وعشرات الآلاف من خطوط التجميع التي أُنجزت وكذلك منشآت الحقول ومحطات الكهرباء مع خطوط النقل والتوزيع فهذا أمر يمكن بحثه والاتفاق حوله.
الذي أرجوه من قيادة الدولة أن تعيد عيساوي إلى موقعه في نفس اليوم الذي يغادر فيه الوزير الجنوبي أو بالأحرى في نفس اليوم الذي يعلَن فيه الانفصال والذي يعتبر فيه كل وزراء الحركة الشعبية بل كل الوزراء والموظفين والعمال الجنوبيين مفصولين بموجب الدستور باعتبارهم أجانب.
 

 

آراء