الحرب المصيرية ليست أسلحة فقط

 


 

 

في ميادين الحروب، الحسابات ليست رياضية، والحسم في ميادين المعركة، ليست بالأسلحة الفتاكة وحدها، أو أعداد المقاتلين الأشاوس، فمدافع الماكسيم التي حسمت معركة كرري، ما كنت ستحسم المعارك في الجزيرة أبا وفي قدير وفي شكيان، ذلك أن المهدية في بداياتها، كانت متماسكة عقدياً، وموحدة قيادياً، خلافاً لدولة الخليفة عبدالله ود تورشين، التي تجاذبتها النزعات، وعبثت بها النزاعات والمحاباة العشائرية، ورغم أنّ الثورة المهدية، كانت مهاجمة للظلم والاستبداد، ودولة الخلفية كانت مدافعة عن كيان ومصيرية الدولة السودانية الوليدة، انتصرت الأولى، وانهزمت الأخيرة.
الحسابات ليست متسقة في معطيات تحقيق السلطان بحر الدين أندوكا انتصاراً تاريخيا مؤزرا في معركة درتي غير المكافئة (كانون الثاني/يناير 1910م) على الجيش الفرنسي الغازي، في سلطنة محدودة المساحة، وكيف خسر السلطان على دينار أولى معاركه الحاسمة مع الجيش الإنجليزي ــ المصري في برنجية (22/ مايو/ 1916ن)، في سلطنة ممتدة، ومتجذرة في التاريخ، ولم يكسب معركة بعدها إلى أن استشهد في 6/11/1916م، رغم أكثرية رجاله، وأفضلية تسليح مقاتليه، ومتانة علاقاته الدولية بالمقارنة بالسلطان بحرالدين أندوكا.
الفارق الحاسم في كافة هذه المعارك (خليفة المهدي، بحرالدين أندوكا، وعلى دينار)، تبدو التركيبة القيادية، ومدى التماسك وسط المكونات المجتمعية أو انقسامها، وكيف كان القادة يسوسون رعاياهم، من حيث القسوة والظلم والاستبداد، والمحاباة.
رغم الفوارق، تبدو الحرب الحالية أقرب للحرب الأهلية، الآن لا جدال في أنّ قيادات القوات المسلحة السودانية القابعة في "البدروم" والتي تدير الحرب مع قوات الدعم السريع، أنها قيادات ضعيفة، تعاني الجبن، ويسيطر عليها التوجس، وتفتقر إلى روح الإقدام، وتتسم خططهم وقراراتهم بالتخبط وعدم الاحترافية أو المهنية، يضاف إلى ذلك أنها قيادات انقلابية، لم يشذوا عن أسلافهم جنرالات العسكر، ولم يخونوا كليتهم الحربية، التي ظلت تغرس في أدمغتهم الخربة، نزعة تقويض الحكومات المدنية، دفعة تلو الأخرى.
وليس هنالك جدال، أن دولةــ56 التي يدافع عنها الجيش السوداني، دولة ظالمة، وأن جيشها يستمرئ القتل المجاني لأهالي هوامش البلاد، ويتخلق الحروب من عدم، ويستبسل في الذود عن الامتيازات التاريخية المتوارثة لنخب وبيوتات وجهويات وطوائف، منذ فجر الاستقلال، ولقيادات الجيش نصيب مقدر من هذه الامتيازات، مادياً ومهنياً.
كافة هذه المعطيات، لها أبعادها المؤثرة والحاسمة في حسابات كسب المعارك المترهلة والمتدحرجة الآن، من ميدان إلى ميدان، والمتحورة من جند إلى جند، ولا تزال معالم معطياتها تتضح يوماً بعد يوم، وتتكشف المستور عنها، بعد كل معركة وعقب كل تصريح من القوى العسكرية والمدنية والدولية.
يقول عبد الرحمن الكواكبي في كتابه «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» سبب هذا الداء (أي خواء وهوان المجتمعات العربية والإسلامية)، في بدايات القرن التاسع عشر الذي رآه يتمثل في الاستبداد السياسي، بأنواعه الكثيرة، ومنها استبداد الجهل على العلم، واستبداد النفس على العقل، فهو يقول: "إن الله خلق الإنسان حرّا، قائده العقل، فكفر وأبى إلا أن يكون عبدًا قائده الجهل، و يرى إن المستبد فرد عاجز، لا حول له ولا قوة إلا بأعوانه أعداء العدل وأنصار الجور، وأن تراكم الثروات المفرطة، مولِّدٌ للاستبداد، ومضرٌ بأخلاق الأفراد، وأن الاستبداد أصل لكل فساد، فيجد أن الشورى الدستورية هي دواؤه".
استبداد دولةــ56 النخبوية، ستحسم المواجهات الدائرة الآن بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لصالح دعاة دولة المواطنة، القائمة على العدالة والمساواة، غض النظر عن مصداقية، وأخلاقية من يرفع هذه الشعارات، عسكرية كانت أو مدنية.
ebraheemsu@gmail.com
//أقلام متّحدة ــ العدد ــ 109//

 

آراء